في زيارته الأولى إلى قطاع غزة، الخميس الماضي، قال “رامي الحمد الله” رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية، إن حكومته ستباشر في بناء ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ورفع الحصار وفتح كافة المعابر وإعادة تشغيل “الممر الآمن” بين غزة والضفة الغربية.
في الوقت ذاته نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، عن مصادر سياسية وعسكرية، في عددها الصادر أمس الأول الجمعة، أن السلطات الإسرائيلية تسعى إلى تقديم تسهيلات للفلسطينيين في قطاع غزة، لضمان تحقيق الهدوء الميداني.
ومن بين هذه التسهيلات – وفق الصحيفة -، تشغيل الممر الآمن بين غزة والضفة، والعمل على تصويب مسار بعض القرارات لصالح سكان القطاع.
وتأتي هذه “التسهيلات” بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة بهدف القضاء على حركة حماس وتدمير الأنفاق في السابع من يوليو الماضي، راح ضحيتها 2165 فلسطينيًا خلال51 يومًا، وإلحاق دمار واسع في المنازل والبنية التحتية.
عن الممر الآمن يقول وزير الأشغال والإسكان في حكومة الوفاق الفلسطينية “مفيد الحساينة”: إن تشغيل الممر الآمن سيكون “كلمة السر” في إنعاش قطاع غزة.
وأضاف أن الحكومة تسعى جاهدة، إلى إعادة تشغيل الممر الآمن، والضغط على إسرائيل من خلال المجتمع الدولي، وكافة الأطراف المعنيّة برفع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007، بالعمل على فتحه من جديد.
وتابع: “الممر الآمن، سيحقق الوحدة الجغرافية والاجتماعية، بين غزة والضفة، وسيفتح الكثير من الآفاق، حول وضع حلول كاملة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني”.
ما هو الممر الآمن؟
بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق سلام مع إسرائيل، وإعلان المبادئ المعروف بـ “أوسلو” في العام 1993، نصت إحدى المواد الرئيسية في مذكرة التفاهم (المادة التاسعة) على إلزام إسرائيل بالسماح بتشغيل ممر آمن بين غزة والضفة، لإتاحة مرور الأشخاص بحرية.
ولم يرَ البروتوكول المتعلق بالممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، النور إلا بعد 6 سنوات من توقيع اتفاق السلام بين السلطة وإسرائيل.
ففي عام 1999، تم تشغيل الممر الآمن، وكان عبارة عن طريق يبلغ 44 كيلو مترًا، يسمح للفلسطينيين بحركة المرور بين حاجزين إسرائيليين؛ وهما حاجز (ترقوميا) على مشارف مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وحاجز (إيرنز) على مدخل بيت حانون شمال قطاع غزة.
وأُطلق عليه صفة الممر الآمن، لأنه يخضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة، إذ تصدر إسرائيل البطاقات الخاصة بتجاوز الممر، ومدة سريانها لعام واحد لمن تسمح لهم باستخدام الممر للتنقل بين الضفة والقطاع وبالعكس.
ولم يكن الممر مفتوحًا أمام الجميع، إذ كان يلزم لعبوره موافقة إسرائيلية، وبتصاريح خاصة تمنحها لفئات ضئيلة جدًا.
وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 أغلقت إسرائيل هذا الممر ووعدت بفتحه خلال استئناف جولات جديدة من المفاوضات مع السلطة.
غير أنها واصلت إغلاقه وفرضت حصارًا بريًا وبحريًا على غزة منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية بداية عام 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع عام 2007.
غزة الآن
ويربط قطاع غزة بإسرائيل في الوقت الحالي، معبران: الأول هو معبر “بيت حانون” شمالي قطاع غزة، الخاص بتنقل الأفراد من غزة إلى الضفة، ومعبر “كرم أبو سالم” أقصى جنوب قطاع غزة وهو المعبر التجاري الوحيد الذي أبقت عليه إسرائيل بعد إغلاقها لأربعة معابر تجارية، في عام 2007.
ولا يجد الفلسطينيون اليوم سبيلاً من التغلب على الانقسام الجغرافي والحصار الإسرائيلي، سوى من خلال آليات التواصل التكنولوجية الحديثة مثل نظام “الفيديو كونفرس”.
وكانت الحكومة التي شكلتها حركة حماس في أعقاب فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وقبل الانقسام في عام 2007 تضطر لعقد اجتماعها بواسطة نظام “الفيديو كونفرس”، نظرًا لعدم قدرة وزرائها على التنقل بين الضفة وغزة.
وهو الأمر الذي تكرر مع حكومة الوفاق الوطني، التي تشكلت في الثاني من يونيو الماضي، عقب اتفاق حركتي فتح وحماس على إنهاء الانقسام.
ويرى أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الأزهر بغزة “سمير أبو مدللة” في فتح الممر الآمن، نافذة لتخليص الفلسطينيين من أزماتهم الاقتصادية والإنسانية.
وأضاف أبو مدلل أنّ هذا الممر سيحقق الوحدة الجغرافية والاقتصادية بين غزة والضفة، مذكرًا أن “إعادة فتحه ستعيد الوحدة بين شقي الوطن، فبعيدًا عن الانقسام السياسي (2007-2014) بين حركتي فتح وحماس الذي أنهاه اتفاق المصالحة، هناك انقسام جغرافي، ومعبر بيت حانون (إيريز) لا يسمح إلا بتنقل عدد محدود من الأفراد”.
ويتابع أبو مدللة: “لو تم فتح الممر الآمن، وتشغيله بشكل كامل، ورفع كافة القيود؛ سيتم إنعاش الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وسيكون بإمكان العديد من سكان غزة التنقل إلى الضفة للعمل، وقد يتيح هذا الممر بفضل تنقل الأفراد ورجال الأعمال، خفض نسب الفقر والبطالة والتخفيف من وضع القطاع الكارثي”.
وازدادت معدلات الفقر في قطاع غزة مؤخرًا وسط تحذير من تزايد عدد الأسر الفقيرة من 60 ألف أسرة، ليصل إلى 120 ألف أسرة تحت خط الفقر، بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وفق تأكيد وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية.
وفي بيان صدر مؤخرًا، قالت اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن قطاع غزة: إن “الحصار المفروض على القطاع والحرب الإسرائيلية الأخيرة، خلّفا وضعًا كارثيًا طال كافة مناحي الحياة، ورفعا نسبة الفقر إلى 90% فيما معدل دخل الفرد اليومي أقل من دولار”، وفق تأكيد اللجنة.