شهد العراق في الأيام العشر الأخيرة التي أعقبت تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة أحداثًا داميةً أسفرت عن عشرات القتلى وأضعافهم من الجرحى فضلًا عن استمرار استهداف أرتال الدعم اللوجستي للولايات المتحدة في محافظات وسط وجنوب البلاد.
أحداث أمنية متصاعدة، فبعد يوم واحد من تولي بايدن السلطة أسفر تفجيران انتحاريان وسط بغداد عن مقتل 28 عراقيًا وجرح العشرات، ثم وبعد يومين أسفر هجوم لتنظيم الدولة “داعش” في منطقة العِيث شرق محافظة صلاح الدين عن مقتل 11 منتسبًا لقوات هيئة الحشد الشعبي العراقية ومثلهم من الجرحى في حصيلة تعد الأعلى منذ تحرير الأراضي العراقية من داعش نهاية عام 2017.
في الأسطر القادمة، نحاول التعرف على أسباب تصاعد الهجمات في العراق وما إن كان ثمة روابط بين تنصيب بايدن وهذه الهجمات.
عودة تيار الدم
منذ عام 2003 يشهد العراق تفجيرات انتحارية وهجمات أودت بحياة عشرات بل ومئات آلاف العراقيين، إذ وبحسب موقع Iraqi body count البريطاني فإن أعداد العراقيين الذي قتلوا منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 وصلت إلى أكثر من 288 ألف عراقي، وهو ما يعده العراقيون ضئيلًا بسبب كم التفجيرات التي حدثت وسيطرة تنظيم داعش على مساحات شاسعة من البلاد بين عامي 2014 و2017.
يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية هه ريم كمال خورشيد أنه ليس هناك رابط بين تصاعد هجمات تنظيم داعش في العراق وتنصيب جو بايدن، عازيًا الهجمات إلى الفراغ الأمني الذي تشهده المناطق الفاصلة بين حدود محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى وحدود إقليم كردستان العراق التي لا تزال تشهد فراغًا أمنيًا غير مسيطر عليه.
ويضيف خورشيد أن هناك أسبابًا أخرى أدت لعودة هجمات التنظيم، وتتمثل باستمرارية وجود التنظيم على الحدود العراقية السورية فضلًا عن أن الهجمات المتكررة على السفارة الأمريكية في بغداد وهجمات الفصائل المسلحة على أرتال الدعم اللوجستي الأمريكية تسببت بتراجع دعم واشنطن العسكري للقوات العراقية، خاصة في مجال الاستطلاع الجوي والاستخبارات.
ليس هذا فحسب، إذ كشف مسؤول أمني عراقي – فضل عدم كشف هويته – أن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن الخلايا التي تنشط في العراق ونفذت الهجمات الأخيرة تعد امتدادًا لتلك الموجودة في الشمال الشرقي لسوريا، التي نشطت هناك كذلك منذ أسابيع.
الموجة الأخيرة كانت من عناصر تسللت من سوريا على الأغلب، ومن أهم الأولويات الآن معرفة مناطق انتشارهم
وأضاف المصدر أن بعض هذه الخلايا نجحت في التسلل إلى العراق مؤخرًا، لافتًا إلى أن أغلبهم من العراقيين ومن ضمنهم انتحاريون، مضيفًا أن هناك خرقًا للحدود مع جهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فضلًا عن خروقات أخرى في الحدود التي تسيطر عليها القوات السورية النظامية والفصائل الداعمة لها، مشيرًا إلى وجود فساد مالي في تلك الوحدات المنتشرة على طول الحدود العراقية السورية.
أما كريم الشبكي المسؤول في محور الحشد الشعبي بالشمال العراقي فقد أشار إلى أن الموجة الأخيرة كانت من عناصر تسللت من سوريا على الأغلب، ومن أهم الأولويات الآن معرفة مناطق انتشارهم، مقدرًا أعداد العناصر النشطة بالتنظيم بما لا يتجاوز 300 عنصر، إلا أن لديهم القدرة على إيقاع ضحايا وخسائر.
وتعقيبًا على تحليل الأحداث الأمنية الأخيرة في العراق، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن لا رابط بين توقيت التفجيرات الأخيرة وتنصيب جو بايدن، مشيرًا إلى أن عمليات التنظيم لم تتوقف حتى تعود مرة أخرى.
ويضيف الشمري في حديثه لـ “نون بوست” أن تنظيم داعش عمل بنشاط خلال العامين الماضيين واستطاع إعادة هيكلة تنظيمه وتعزيز موارده المالية والبشرية، إلا أن ما حصل مؤخرًا شكّل اختراقًا لمنظومة الأمن في العاصمة بغداد.
الرسائل والأطراف المستفيدة
يشير العديد من الخبراء إلى أن هناك رسائل في الأحداث الأمنية الأخيرة التي شهدها العراق، إذ يقول الخبير الأمني والعسكري مؤيد سالم الجحيشي إن عودة الهجمات تزامنًا مع تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة قد تشير إلى رسائل من طهران لواشنطن في أن النفوذ الإيراني في العراق لا يزال قويًا.
ويضيف الجحيشي في حديثه لـ”نون بوست” أن الرسالة الثانية تفيد بأن إيران مستمرة في إزعاج النفوذ الأمريكي، حيث يعتقد أنه سيستمر حتى عودة واشنطن للاتفاق النووي الموقع في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عام 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في مارس/آذار 2018.
ويرى الجحيشي أنه رغم أن الربط بين التفجيرات وإيران قد يكون مستبعدًا لدى البعض، إلا أنه يؤكد أن ما كشفه وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في أيامه الأخيرة عن وجود علاقات واسعة لإيران مع تنظيم القاعدة وتنظيم داعش يشير لاحتمالية علاقة إيران بالهجمات.
تفجيرات واستهداف لوحدات عسكرية عراقية وهجمات ورد حكومي بقتل نائب خليفة داعش، كل هذا يحدث والبلاد على وشك إجراء انتخابات تشريعية مبكرة
أما عن الأطراف المستفيدة، فبالعودة إلى الشمري فإنه يرى أن هناك أطرافًا سياسيةً مستفيدةً من الهجمات بما يخدم أجندتها للانتخابات القادمة والدعاية الانتخابية المبكرة للانتخابات التشريعية المقرر عقدها في أكتوبر/تشرين الأول القادم، فضلًا عن الفصائل المسلحة التي تخدم هذه الهجمات مصالحها في التأكيد على ضرورة استمرارية وجودها لحفظ الأمن، مضيفًا أن أطرافًا سياسيةً استفادت أيضًا من الهجمات في تصفية حساباتها مع حكومة مصطفى الكاظمي.
ويشير متابعون للشأن العراقي أن بعض الكتل السياسية والكاظمي استفادوا من الهجمات في تصفية حساباتهم البينية، فبُعيد هجمات ساحة الطيران وسط بغداد، اتهمت جهات سياسية حكومة الكاظمي بالضعف، ليرد الكاظمي من جانبه ويقيل عددًا من القادة الأمنيين المحسوبين على كتل سياسية معينة.
تفجيرات واستهداف لوحدات عسكرية عراقية وهجمات ورد حكومي بقتل نائب خليفة داعش، كل هذا يحدث والبلاد على وشك إجراء انتخابات تشريعية مبكرة تصفها العديد من الجهات بأنها الأهم والأخطر في تاريخ البلاد منذ عام 2003.