مضى أكثر من شهر على تصاعد الخلافات الدائرة بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام السوري التي شهدت تصعيدًا وتوترًا من كلا الجانبين، في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا، رغم المساعي الروسية والإيرانية أيضًا لحل الخلاف عبر عقد اجتماعات مكثفة جمعت شخصيات من ميليشيا قسد وأخرى من النظام السوري، إلا أنها انتهت دون حل الخلاف الذي تصاعد مجددًا.
بداية الخلاف
تعود بداية الخلاف إلى التصعيد التركي والتعزيزات العسكرية شرق الفرات، منذ شهرين تقريبًا، التي هددت مناطق قوات سوريا الديمقراطية، في عين عيسى وتل تمر، ما استدعى استنجاد قسد بالقوات الروسية وقوات النظام للحفاظ على المنطقة، بسبب عدم استقرار وضعها مع الحليف الأمريكي، الذي كان يعيش تحضيرات لإدارة أمريكية جديدة تجهل توجهاتها.
وعلى خلفية تلك التحركات التركية أجرت قسد مفاوضات مع النظام السوري برعاية روسية، إلا أن الطرفين لم يصلا إلى حل يرضيهما، حيث طلبت قسد من النظام أن تنتشر قواته في محيط مدينة عين عيسى، عسكريًا فقط، دون التدخل في الشؤون المدنية.
بينما أراد النظام أن تتخلى قسد عن عين عيسى، لصالحه لإدارتها عسكريًا ومدنيًا، وبالتالي يستطيع النظام التحكم بطريق الـm4 الواقع في عين عيسى، إلى جانب حصوله على عدة مواصلات مهمة تصل الشرق السوري أي مناطق الإدارة الذاتية في الحسكة ودير الزور ومنبج في ريف حلب، إلى جانب أهمية الطريق كونه يصل مدينة الرقة بعين العرب، وفي حال سيطرة النظام على هذه المنطقة سيسعى إلى تضييق الخناق والتحكم بتحركات قسد، ما دفع الأخيرة إلى رفض هذه المفاوضات.
تصعيد متبادل
قوبل رفض قسد لمطالب النظام، بالتصعيد تجاهها في المناطق التي يستطيع التحكم وفرض الحصار عليها، وهي مناطق مدينة تل رفعت وريفها، التي تسميها الإدارة الذاتية “مناطق الشهباء”، وحيي الأشرفية والشيخ مقصود أيضًا داخل مدينة حلب حيث تضم هذه المناطق التابعة للإدارة الذاتية مدنيين وعناصر يتبعون لها.
في حديثه لـ”نون بوست” يقول الصحفي سامر الأحمد من القامشلي: “اتجه النظام للتصعيد في محاولة منه للضغط على قسد لقبول وجوده في منطقة شرق الفرات، وهذا الضغط شمل المناطق الواقعة في ريف حلب وحيي الشيخ مقصود والأشرفية، التي يوجد فيها مقاتلين كرد يتبعون لقسد، كونها تدعي حمايتهم”.
ويضيف: “لجأت قسد إلى التضييق ذاته في محافظة الحسكة، حيث فرضت حواجز عسكرية محيط المربع الأمني في الحسكة وأحياء أخرى في مدينة القامشلي، سعيًا منها لتخفيف الضغوط التي تتعرض لها مناطقها في حلب، وكذلك إبعاد النظام عن سعيه الدائم في توسيع نفوذه”.
وتنقسم محافظة الحسكة بين النظام وقسد، حيث يسيطر النظام على جزء من السوق، إلى جانب المربع الأمني شمال مدينة الحسكة، وكذلك المؤسسات المدنية الأخرى التابعة له، التي لم تغلق في المنطقة على الإطلاق على الرغم من أن غالبية المنطقة تحت سيطرة الإدارة الذاتية.
وينتشر النظام أيضًا بحيي طي وحلكو إلى جانب المنطقة الجنوبية من مدينة القامشلي التي تشمل طريق الـm4 ومطار القامشلي المدني والحربي، إلى جانب بعض الثكنات العسكرية.
وتصاعدت التوترات التي تشهدها مدينة الحسكة بين قسد والنظام، حيث قام الطرفان بحملات اختطاف متبادلة، طالت شخصيات مهمة لدى النظام. كما تعرضت قسد لنقاط النظام المواجهة للقوات التركية في منطقة أبو راسين، بينما تعرضت ميليشيا الدفاع الوطني لدوريات قسد في ريف المنطقة، التي سبقت الحصار.
وأكد الأحمد قائلًا: “هذه الأسباب زادت من حدة التوترات في المنطقة بين قسد والنظام، وطالبت قسد النظام بالخروج من المربع الأمني في مدينة الحسكة إلى جبل كوكب قرب مدينة الحسكة، وهي ثكنة 123، كما طالبته بسحب قواته من القامشلي والتمركز خارج المدينة في المطار، والفوج 54 قوات خاصة جنوب القامشلي”.
وحاولت روسيا رعاية مفاوضات بين النظام وقسد، بشأن أربع مناطق بينهما، وهي مدينتي الحسكة والقامشلي، وريف حلب “منطقة الشهباء”، وحيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب أيضًا، لحل الخلاف لكن يبدو أنه لم يحدث توافق بينهما، لأن التصعيد ما زال مستمرًا مع التطورات الأخيرة من المظاهرات التي يقوم بها موالو النظام.
المزيد من المكاسب
تحاول روسيا حصد المزيد من المكاسب في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، شمال شرق سوريا، في إطار التسابق التركي ـ الروسي على شرق الفرات، واستغلالًا لحاجة قسد لوجود الروس أمام الأتراك الذين يطمحون لإبعاد خطر قسد عن حدودهم الجنوبية.
موسكو تستغل غياب واشنطن في شرق الفرات
وتستغل روسيا التوترات الأمنية بين قوات النظام من جهة وميليشيا قسد من جهة أخرى، من خلال توسيع رقعة نفوذها وتعزيز انتشارها في المنطقة، من حيث عدد النقاط والأفراد، وأرسلت روسيا وحدات عسكرية جديدة إلى ريف الحسكة عبر طريق الـM4، قادمة من حلب، يفوق عددها 300 عنصر، على دفعات متتالية وصلوا إلى القاعدة الروسية في القامشلي. وأرسلت أيضًا 40 عنصرًا من قوات فانغر الروسية على متن طائرة شحن قادمة من مطار حميميم، وذلك لتوزيعهم على النقاط الساخنة مع القوات التركية وفصائل الجيش الوطني بمنطقة نبع السلام، للحفاظ على طريق الـM4، الذي تحاول موسكو منع أنقرة من السيطرة عليه.
ويقول الصحفي سامر الأحمد لـ”نون بوست”: “روسيا تستفيد من التوترات التي تشهدها المنطقة عبر زيادة قواتها في الجزيرة بشكل يومي سعيًا لحفظ السلم كما تدعي بين قوات النظام وقسد، وتعتبر هذه التعزيزات من مصلحتها للتوازن مع القوات الأمريكية الموجودة شرق الفرات، ومن مصلحة روسيا والنظام استمرار التصعيد، واستغلالًا للوقت، قبيل عودة القوات الأمريكية إلى سلطتها في المنطقة، لتكون هذه التطورات أمرًا واقعًا”.
وأضاف الأحمد “روسيا تسعى إلى الوصول إلى حل يعزز من قوة النظام لأن المنطقة مهمة وتزود مناطق سيطرة حليفها بالقمح والنفط، وفي الوقت ذاته يخشى النظام من ضغط أمريكي جديد على قسد يمنعها من تزويد النظام بالنفط والقمح، وهو يستغل الفراغ الذي سببه الغياب الأمريكي عن المنطقة”.
كما شهدت منطقة شرق الفرات، تحركات روسية لقادة روس اجتمعوا مع العشائر العربية مستغلين الشرخ بينهم وبين قسد لتشكيل جيش العشائر لمحاربة قسد والوجود الأمريكي الأمر الذي واجهة صعوبات عديدة.
ويرى الصحفي، أن هناك خيارين لا ثالث لهما بين قسد والنظام، فهما حليفان سابقان على مدى سنوات الصراع الطويلة في سوريا، الأول هو اجراء مفاوضات لصالح النظام بضغط روسي، والثاني أن تكسب قسد المزيد من الوقت حتى عودة الأمريكان إلى المنطقة بقوة مع تعيين عدد من أصدقائها في حكومة بايدن.
أهداف يراد تحقيقها
فشلت الوساطة الروسية في حل الخلاف بين قسد والنظام، والهدف المعلن لقسد فك الحصار عن تل رفعت والريف المحيط بها وحي الشيخ مقصود التي تحيط بها مناطق النظام وهو قادر على حصارها، بينما تسعى قسد إلى كسب المزيد من الوقت، لأنها تعول على إدارة بايدن.
قسد مصرة على مطالبها
وقال الصحفي عبدالعزيز خليفة، من الحسكة، خلال حديثه لموقع “نون بوست”: “قسد مصرة على الحصار حتى تلبية النظام لمطالبها، لا سيما أنهم رفضوا الوساطة الروسية، التي تخللها اجتماع مع قياديين من النظام”.
من جهته النظام أيضًا يحاول تثبيت أقدامه في المنطقة، وهو يستفيد بشكل أو بآخر من التصعيد والتوترات التي قد تعيد له حاضنته الموالية له في الحسكة، وعن هذا الموضوع قال خليفة: “النظام يحاول بعد فشل الوساطة الروسية الاستفادة من الموالين له في الحسكة لأنه لا يستطيع الدخول إلى مواجهة عسكرية مع قسد، ليضغط بذلك على واشنطن”. مضيفًا “واشنطن المهتمة بأمن نسبي للمنطقة وتلويح النظام والموالين له، مع الأحداث والتطورات الأخيرة، ممكن أن يتسبب تصعيد عسكري وفلتان أمني في شرق سوريا وواشنطن بغنى عنه”.
وأشار إلى أن النظام يرسل رسالة للأمريكان أنه يمتلك حاضنة شعبية وقادر على الحضور بطريقة غير عسكرية، وهناك موالون للنظام انضموا لقسد من أجل المال خلال الفترة الأولى من الانتفاضة السورية والإدارة الذاتية بنفسها تسلمت الملف الأمني للمنطقة.
استغلال المدنيين
لم يتوقف النظام عن استغلال المدنيين الموجودين في الأحياء التي يسيطر عليها في الحسكة، عبر وسائل إعلامه، التي تنشغل في الحصار المطبق عليهم في حين أن هذا الحصار يشمل عناصر النظام فقط. ويبدو أن هذا الامر يساهم في توسيع نطاق الحاضنة الشعبية الخاصة به، لا سيما أن ميليشياته من الدفاع الوطني تدفع الأهالي للخروج بمظاهرات ضد الوجود الأمريكي وقسد في المنطقة، التي شهدت إطلاق نار متبادل السبت 30 من يناير/كانون الثاني، بين المتظاهرين من ميليشيا الدفاع الوطني والأهالي، مع ميليشيا قسد، مما تسبب بمقتل أحد عناصر النظام وهو من أبناء العشائر، مما سيؤدي لحرب أهلية واسعة الأفق.
النظام يستغل المدنيين لخدمة مصالحة
وبحسب ما أوضح الصحفي سامر الأحمد فإن نشطاء المدينة المقيمين داخلها وخارجها يسعون إلى تحييد المدنيين عن الصراع السياسي وفرض النفوذ، من خلال الحديث مع العقلاء ووجهاء العشائر والمؤثرين في المنطقة، لكنهم يتعرضون لضغط من كلا طرفي النزاع”.
ويبدو أن الفراغ الذي خلفه غياب واشنطن في شرق الفرات ساهم في تنوع الجهات التي تسيطر على المنطقة، وتسعى للحصول على مكاسب قبل الطرف الآخر، ولا يمكن أن يختلف الأمر إن كانت جهة محلية أو خارجية، فجميع الجهات تستغل وتستبيح حقوق السوريين وجدوا أنفسهم في متاهات وحرب لا نهاية لها.