تعد مدينة طوباس شمال شرق الضفة الغربية المحتلة واحدة من أهم المدن الواقعة على حدود 1967 الفاصلة بين الجهة الشمالية من شرق الضفة والأراضي الأردنية، وتعتبر من أفضل المناطق في نشاطها الاقتصادي، وتحديدًا في القطاع الزراعي، فهي معروفة بزراعة الحبوب، والخضار، والأشجار المثمرة، مثل: الزيتون، والعنب، واللوز، والتين، بالإضافة إلى تربية الماشية.
يسكن في هذه المدينة نحو 60 ألف فلسطيني، على مساحة 360 كيلومترًا مربعًا، وهي بحجم قطاع غزة تمامًا، لكن تختلف عنه في التضاريس والمناخ والكثافة السكانية أيضًا، فالفرق بينها وبين غزة أن الأخيرة يقطنها أكثر من مليوني شخص.
أخذت اسمها من بلدية كنعانية كانت تدعى “تاباص” بمعنى ضياء أو بهاء، وعرفت في عهد الرومان باسم “ثيبس”، أما اسمها الحاليّ فقد أطلقه عليها العرب بعد الفتح الإسلامي.
زي المردَّن الطوباسي
يُسمى الزي الطوباسي بـ”المردَّن”، وهو مستوحى من اللباس التقليدي للأكراد، ويعود التمسك به في طوباس لعام 1190، أي قبل أكثر من 800 عام، عندما جاء الأكراد لفلسطين بقيادة السلطان الكردي صلاح الدين الأيوبي ليحرروا الأراضي المقدسة من الاحتلال الإفرنجي، ليستوطن الأكراد بفلسطين بعدها، حيث يعتبر الكثير من سكان المدينة من أصول كردية.
أخذت كل طائفة ومدينة وقبيلة فلسطينية من الأكراد العادات الخاصة بهم من أطعمة وأفراح وأزياء وغيره، وأهم ما ورثته طوباس من الأكراد هو زي “المردَّن” الشهير الذي أصبح اليوم الهوية الدالة على نساء طوباس وأهاليها.
يحتوي لباس المردن على ثوب أسود فضفاض من الحرير، دون أي نقوش وتطريزات يدوية على عكس الأثواب الفلسطينية الأخرى، يصل طوله لمترين ونص، وهو أطول من طول الإنسان بمتر تقريبًا، حتى يُستعمل الفائض منه لربطه عبر الخصر كوسيلة لحمل محتويات المرأة من أموال وأغراض، ويُربط بالخصر بواسطة زنار من الكوفية الفلسطينية أو الحطة الحمراء الشبيهة بحطة الأردنيين، وأكمامه تنتهي برباط تربطه بمعصم اليد، لستر ذراع المرأة من كشفه في الهواء القوي.
وفوق هذا الثوب أحيانًا تُلبس عباءة بيضاء مفتوحة كعباءة شيوخ الخليج مثلًا، أما غطاء الرأس يتكون من طبقتين: الأولى خضراء ثم شال أبيض، إذ يظهر للمشاهد لونان يُزينان رأسها.
الكرمول
مع أن هذه العادة انقرضت نوعًا ما في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، لكنها منتشرة بين النساء التي تُقيم معارضًا بطوباس في يوم التراث الفلسطيني من كل عام، حيث يحملن معهن ربطة من الشعر مجدول من ذيل الحصان، ولهذه الجدايل قصة خاصة بنساء طوباس، حتى أصبح يُطلق أحياًنا على المرأة الفدائية المتمسكة بهويتها الفلسطينية “أم الجدايل”.
يقول عضو اتحاد الفلاحين الفلسطينيين والباحث بتاريخهم السيد جمال مبسلط: “كانت وسائل أناقة المرأة المسلمة في طوباس غريبة نوعًا ما، إذ تتماشى العادات والتقاليد في مجتمعنا الطوباسي مع التعاليم الإسلامية بمنع كشف المرأة لشعر رأسها، لكنها كانت لا تحرم نفسها من الأناقة”.
إذ كانت تصنع كرمولين تُحضرهما من شعرات ذيل الخيل، بعد أن تطهره وتنظفه على مدى أيام وتحنيه بالألوان المحببة عندها، ثم تجدله حول بعضه، وتربطه بشعر مجدول آخر من ذيل حصان آخر، وتضعهما على كتفها تحت غطاء الرأس الذي يغطيها حتى صدرها كما تضع الكوفية، ليتدلى الكرمولين من أكتافها حتى خصرها، وغالبًا ما تكون ألوان الصبغة والحناء التي لُوّنت بها الكرمولين من ألوان الشعر الطبيعي للفتاة، كرسالة للرجل والخُطاب عن لون شعرها الحقيقي.
وشم الجمال
لعل الكثير لاحظ أن هناك نساءً كبيرات بالسن منقوش على ذقنها وجبينها “وشم” من خلال وخز الجلد بواسطة إبرة مخصصة لهذا الشيء قديمًا، فمنذ الستينيات والسبعينيات لم يكن هناك التزين المتعارف عليه في تلك الفترة بين نساء طوباس، فكان الوشم المرسوم على بشرة الوجه هو الطابع الجمالي للمرأة الطوباسية قديمًا.
وعلى مستوى البلاد العربية كانت نساء طوباس وصحراء النقب جنوب فلسطين، وبعض من نساء شمال العراق على الحدود مع كردستان، وجنوب العراق أيضًا في محافظة البصرة، وبعض من نساء أمازيغ المغرب، يحتكرن اللجوء لتزيين الوجه بهذا الأسلوب، وانقرضت هذه الطريقة بين الجيل الحديث في فلسطين لكن تظل وجوه بعض النساء الكبيرات تتزين بهذه النقوش الموشومة.
لكنها بدأت تعود في أواسط الجيل الجديد لبعض النساء في بلاد عربية أخرى، كما هو الحال في بلدة “ذي قار” بمحافظة البصرة جنوب العراق وأمازيغ المغرب حديثًا، وذلك حسب الحالة الاجتماعية في كل بلد، فعند الحديث عن عودة هذه العادات لبعض النساء العربيات، فالحديث عن عودته بطوباس تماشيًا مع موضة الجمال العربي مستقبلًا قد يكون واردًا.
أبرز العادات الاجتماعية
على مستوى القوانين الداخلية وعلى مستوى حل الخلافات والمشاكل حتى في أمور الطلاق والزواج، تُعتبر كلمة العشائر والقبائل هي الكلمة الآمرة والناهية في طوباس، حتى في أبسط الأمور وأشدها، وفي حل مشاكل حوادث السير أيضًا وجرائم القتل، وفي معاملات الميراث والدين وغيرها.
يضيف السيد جمال مبسلط “أهم ما يميز الاحتكام للنظام العشائري والوجهاء هو تدخلاتها في أمور الزواج، إذ تذهب جاهة كبيرة من أهل العريس لذوي العروس بالزي الفلاحي والعباءات الرجالية، يطلبون يدها على الملأ، ويكتبون كتابها خلال هذا الاجتماع بحضور وجهاء آخرين من الدين الإسلامي، بضيافة كانون النار والقهوة التي تُصب من صبابات النحاس الأصفر”.
وأهم العادات والتقاليد المرتبطة بالفرح، يُحضر للعريس علبة فيها قطعة من السجائر وكوب من العصير، يتناولها العريس ويقدمها لزوجته بيوم الزفاف، لتشرب من يديه وتدخن من يديه، كدلالة على أن خيره بدخانه وناره وجنته سيكون لها.
تندر المصادر التي توثق تاريخ هذا البلد وتحكي قصصه وعاداته الاجتماعية، ومع ذلك يظهر اسمها كل حين في التقارير الإخبارية التي تسجل الانتهاكات الإسرائيلي بحق أهالي طوباس وممتلكاتهم.