حديثٌ فلسطينيّ بنكهة السخرية والأمل في آنٍ واحد، إثر الإعلان عن انتخابات فلسطينية، على الأبواب، تزامنًا مع قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن، لم يكن يتوقعها الفلسطينيون يومًا، بعد الانقسام الذي دام 14 عامًا، وبعد مصالحات فاشلة باتت بعيدة كل البعد عما يُسمى بالمصالحة.
إذ ما زال لدى بعض الفلسطينيين بصيص أمل بالتغير وبحياة أفضل رغم كل ما عانوه في السنوات الماضية بسبب الانقسام وغيره من الأسباب الكثيرة التي لم تترك الفلسطيني مستقرًا يومًا، والبعض الآخر استهجن واستهزأ بهذا القرار، فمن يعلم ما الذي تحمله الأيام القادمة للفلسطينيين، فحياتنا أشبه بتوقعات لا أكثر.
فهل حقيقي ستتم الانتخابات؟ وهل بالفعل سيتغير شيء عما سبقه؟ وهل هي بالفعل لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني؟ وما هذه الانتخابات التي تُجرى على بقعتين فقط ولم تشمل فلسطينيي الشتات؟ فكما وصفها البعض بأنها حكم ذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة فقط.
انتخابات مؤجلة منذ عامين
صدر في نهاية عام 2018 عن المحكمة الدستورية قرار بحل المجلس التشريعي في حال تعطل وغياب تام منذ 5 من يوليو/تموز 2017، وقد انتهت ولايته بتاريخ 25 من يناير/كانون الثاني 2010، في أثناء مدة تعطله وغيابه، وما زال معطلًا بشكل كامل حتى الآن، وبناءً عليه فإن المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ومصلحة الوطن، تقتضي حل المجلس التشريعي المنتخب بتاريخ 25 من يناير/كانون الثاني 2006، وبالتالي اعتباره منحلًا منذ تاريخ إصدار هذا القرار، ودعوة رئيس الدولة إلى إعلان إجراء الانتخابات التشريعية خلال ستة أشهر من تاريخ هذا القرار.
وفي خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 من سبتمبر/أيلول 2019، أكد دعوته لإجراء الانتخابات العامة في فلسطين، وقد كلف رئيس لجنة الانتخابات بالتحضير لها، حيث أكدت كل الفصائل الفلسطينية استعدادها للمشاركة فيها، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي على أساس إجراء الانتخابات التشريعية أولًا ومن ثم الانتخابات الرئاسية، وعلى أساس نظام التمثيل النسبي الكامل، وأن تجرى الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
ما الذي اضطر الفصائل للتنازل؟
ما بيد حركة حماس إلا التنازل في هذا الوضع الذي بات أشبه بالمعدوم في قطاع غزة، ووفقًا لمصدر في حماس لم يذكر اسمه فإنهم تلقوا ضمانات من قطر ومصر والأردن وتركيا وروسيا.
فبعد أن وقعت حركة حماس في مأزق نتيجة بعض الضغوطات الممارسة عليها من الخارج والداخل وعدم تمويل الحركة والحكومة بالشكل الكافي في السنوات الأخيرة وعدم القدرة على خلق فرص عمل جديدة للعيش في حالٍ أفضل، وكذلك فشلها في محاولات رفع الحصار، فهي أمام خيار واحد وهو المشاركة في الانتخابات بدلًا من التنازل عن سلطتها داخل قطاع غزة، بشروطٍ معلومة لدى سلطة فتح، وعلى رأس هذه الشروط، دخول حركة حماس في المنظمة.
أزمة حركة فتح لا تقل عن الأزمة الواقعة فيها حركة حماس، فهي في ضيق مالي وسياسي وتنظيمي وشعبي، فمنذ إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب عن صفقة القرن وتفاقم الميول التوسعية الإسرائيلية في مشروع ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، ضعفت حركة فتح داخليًا وخارجيًا، وبعد المهرجان التطبيعي العربي التي قامت به الإمارات والبحرين ودول أخرى مع “إسرائيل” تفاقم الوضع سوءًا وازداد “الطين بلّة”، ولم تجد السلطة خيارات أمامها إلا التوافق الوطني، فاتجه محمود عباس نحو انتخابات تشريعية ورئاسية والمجلس الوطني حيث أمكن ذلك.
لن تكون هُناك انتخابات حرة ونزيهة في ظل الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة والقدس المحتلة
لا يزال موظفو السلطة السابقون في قطاع غزة يعانون من صعوبات اقتصادية عميقة إثر العقوبات التي تلقوها من الرئيس محمود عباس عام 2017 للضغط على حماس لإنهاء الانقسام، علمًا بأن الأوضاع الاقتصادية تفاقمت في القطاع بعد عام 2006، فمنهم من قُطع راتبه ومنهم من تلقى نصف الراتب الذي لا يؤمن له أقل القليل من الاحتياجات اللازمة، وفرض التقاعد المالي وحرمانهم من الحقوق الاجتماعية التي يقرها القانون، وابتزازهم من الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله للعمل معها، وظل موظف السلطة عالقًا بين ملاحقات حركة حماس في القطاع والظلم والتعسف والتخلي من سلطة فتح، إذًا ما التغير الجذري الذي سيحصل عليه المواطن بعد هذه السنوات من العذاب والحرمان؟
بعضنا يدرك أنه لن تكون هُناك انتخابات حرة ونزيهة في ظل الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة والقدس المحتلة، ولن يكون هُناك منافس للرئيس محمود عباس إلا نفسه، فمن يهدد ويتوعد من يُريد الترشح من أعضاء حركة فتح بشكل مستقل في الانتخابات، كيف له أن يحظى بانتخابات حرة.
توقعات المشاركة في الانتخابات
بحسب ورقة بشأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أعدها الدكتور طالب عوض خبير الانتخابات وعضو منتدى النوع الاجتماعي في الحكم المحلي، فإن عدد القوائم الانتخابية المشاركة في الانتخابات القادمة سيصل إلى 22 قائمة على الأقل ويتوقع فوز 9-10 قوائم، والباقي لن يصل إلى نسبة الحسم (1.5%)، وفي حال مشاركة 1.5 مليون فإن العدد المطلوب لاجتياز نسبة الحسم نحو 22500 صوت.
68% من المستطلعة آراؤهم يرغبون في المشاركة بالانتخابات القادمة، وسوف تحصل حركة حماس على 32% في حين تحصل حركة فتح على 38%
وزيادة عدد القوائم المشاركة في الانتخابات مقارنة بانتخابات عام 2006، يعود إلى إلغاء نظام الدوائر، ما يشجع العديد من المستقلين على تشكيل قوائم خاصة بهم، أما توقع فوز 9-10 قوائم فهذا ناتج عن شدة التنافس بين الحزبين الكبيرين، حيث يتوقع أن يحصل الحزبان على أكثر من 70% من الأصوات، ويتوقع أن تصل الأصوات المهدورة إلى 9% من الأصوات، أي القوائم التي لم تحصل على نسبة الحسم (1.5%).
وبحسب استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فإن 68% من المستطلعة آراؤهم يرغبون في المشاركة بالانتخابات القادمة، وسوف تحصل حركة حماس على 32% في حين تحصل حركة فتح على 38%، وباقي الفصائل لم تقرر حتى الآن.
تكاد تكون الانتخابات أُكذوبة رغم الإجراءات الفعلية المباشر بها، فمن يتعمق في الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون سيتضح له أن الانتخابات والمصالحة ما هي إلا سجن كبير لا خلاص منه، أخذت ربيع عمر الفلسطينيين، وما هي إلا نفض وتجديد لسنواتٍ سابقة بسلطة فتح وبرئيسها محمود عباس، فما الجديد الذي سينتظره المواطن من ذات الرئيس وذات الحكومة؟ وما الأفضل الذي سيسعى له؟ أسئلة كثيرة دون إجابات.