تضمنت الخطابات النسوية في السنوات الأخيرة مصطلحات جديدة، البعض منها معرب أو مترجم عن لغات أجنبية، وتكمن مهمتها في إعطاء الممارسات المجحفة بحق المرأة مسميات يمكن استخدامها عند وقوع المشكلة، عوضًا عن انشغال المرأة بمحاولة التعبير ووصف ما يحدث معها في كل مرة.
لكن على الجانب الآخر، لم يستطع الجميع فهم هذه المصطلحات بشكلها الصحيح، فتعرضت للتشويه أو الفهم الخاطئ بسبب تفسيرها بشكل سطحي، مثل كلمة “الذكورية”، فقد فسرها العديد من الرجال بأنها تشير للذكور، في حين أنها تشير في الحقيقة إلى مجموعة سلوكيات وأفكار معينة من الممكن أن يحملها الذكر أو الأنثى.
في هذا المقال نستعرض أبرز هذه المصطلحات النسوية مع نبذة مختصرة عن كل منها.
الميسوجينية (Misogyny)
هي كراهية وازدراء النساء فقط لكونهن نساءً، ومن أشكالها: التمييز الجنسي واحتقار النساء وممارسة العنف ضدهن واعتبارهن أدوات جنسية، كما تظهر هذه الحالة أيضًا في النكات الشعبية ومنصات الإعلام وحتى في بعض المناهج الدراسية التعليمية على مر التاريخ. ومع أن الميسوجينية شائعة أكثر بين الرجال، فإنها موجودة في صفوف النساء أيضًا، فكيف نتعرف على الشخص الميسوجيني رجل أو امرأة؟
يمكن إيجاد كارهي النساء في كل مكان من حولنا، ومع الأسف من الصعب التعرف عليهم بسهولة، فمعظمهم لا يعلم حتى إنه كاره للنساء، لأن الميسوجينية هي شعور موجود في اللاوعي لدى البعض، لذلك يجب الانتباه للعلامات الدالّة على أن الشخص يحمل سلوكًا معاديًا للنساء، حتى إن حاول إظهار نفسه بمظهر الداعم لحقوق المرأة أحيانًا، هذه بعض العلامات وليس كلها:
– يتأخر عن المواعيد الرسمية أو العاطفية مع النساء، لكنه يكون دقيقًا تمامًا مع الرجال.
– يتسم سلوكه تجاه النساء بشكل عام بالتكبر والغرور ومحاولة التحكم والتمحور حول الذات.
– تنافسي للغاية خاصة مع النساء، وإذا كان أداء المرأة أفضل منه اجتماعيًا أو مهنيًا يشعر بالفزع، أما إذا تفوق عليه رجل، فتكون لديه مشاعر مختلطة حيال ذلك، لكنه على الأقل قادر على النظر إلى الموقف بموضوعية.
– يعامل النساء عن غير قصد بشكل مختلف عن الرجال، سواء في مكان العمل أم في الأوساط الاجتماعية، حيث يمنح الرجال الحرية والأعذار لفعل ما يشاؤون، فيما يُكثر من انتقاد زميلاته أو صديقاته على تصرفات يتقلبها إذا كانت صادرة من رجل.
– دائمًا ما يكون مستعدًا (دون وعي) لاستخدام أي شيء في وسعه لجعل المرأة تشعر بالبؤس، فقد يلقي نكات ميسوجينية عن النساء أو يحاول إحراجهن أو الحط من شأنهن في الأماكن العامة، أو “يستعير” أفكارهن في سياقات مهنية دون نسبها لصاحبتها، أو يقترض منهن المال دون سداده.
وبالحديث عن المال والوضع المادي الحرج لشريحة واسعة من النساء، ننتقل للحديث عن تأنيث الفقر.
تأنيث الفقر
هي ظاهرة ارتفاع نسبة الفقر وحدتّه لدى النساء مقارنةً بالرجال، بسبب عدم تكافؤ فرص التعليم والعمل وملكية الأصول، بالإضافة إلى انشغال النساء بأداء الأدوار غير مدفوعة الأجر مثل الأمومة ورعاية الأسرة والمنزل، في مقابل انشغال الرجال بالأعمال مدفوعة الأجر، ما أدى إلى تركز المال في أيدي الرجال مقابل فقر النساء، فتقدّر نسبة النساء الموجودات تحت خط الفقر من إجمال عدد الفقراء في العالم بـ70%، وفقًا لبعض الإحصاءات.
وغالبًا ما تُحرم النساء اللاتي يعشن في ظروف فقيرة من إمكانية الحصول على موارد مالية مثل القروض أو الميراث، كما يذهب عملهن دون مقابل ولا يُعترف به حتى كنوع من أنواع العمل، ويفتقرن إلى خدمات التعليم والدعم وإمكانية المشاركة في صنع القرار في المنزل والمجتمع. باختصار، المرأة التي تقع ضمن دائرة الفقر تعاني من شح الموارد والخدمات والدعم اللازم لتغيير وضعها، والأسباب هي:
– البعد الزماني: غالبًا ما تكون المرأة مسؤولة في المقام الأول عن رعاية الأطفال والواجبات المنزلية، وهي مهام لا يتلقين أجرًا عنها، يمكن أيضًا الاعتماد على النساء اللاتي يعشن في الدول النامية للمشاركة في العمل البدني أو الزراعي المرهق للمساعدة في دعم سبل عيش أسرهن وقراهن، بالإضافة إلى العديد من المسؤوليات الأخرى.
وبالتالي فإن هؤلاء النساء لا يملكن وقتًا إضافيًا لتكريسه للعمل المأجور، رغم أنهن يحملن على عاتقهن مسؤوليات أكبر من تلك التي يحملها نظرائهن من الرجال.
– البعد المكاني: عندما تكون فرص العمل قليلة في مكان ما، قد تضطر النساء إلى الهجرة لمناطق أخرى للعثور على عمل مؤقتًا، لكن إذا كان لدى المرأة أطفال، فقد لا تتمكن من القبول بوظيفة تبعدها عن عائلتها.
– بعد التفرقة في العمالة بناء على الجنس: نظرًا لقيام المجتمع بتصنيف المرأة على أنها الشخص المسؤول عن تقديم الرعاية والاهتمام، فغالبًا ما يتم حصر النساء في خطوط عمل محددة مثل التدريس ورعاية الأطفال وكبار السن، وأعمال المصانع مثل إنتاج المنسوجات، وهذه الأنواع من الوظائف تفتقر إلى الاستقرار والأمن والدخل المرتفع. وهنا يتوجب السؤال عن سبل علاج هذه الظاهرة، ومنها:
– الحرص على توفير فرص التعليم اللازمة للفتيات وإيجاد حلول للعوائق التي تحد من قدرة الإناث على الوصول إلى مستوى التعليم الذي يستحقونه، فالتعليم يسمح للفتاة بالالتحاق بالجامعة والمشاركة السياسية والحصول على وظيفة جيدة.
– تمكين النساء من الانخراط في مجتمعاتهن المحلية وإعطائهن الفرصة للعمل والمساهمة في خدمة أنفسهن والمجتمع.
– التعرف على التحديات التي تواجه النساء والفتيات: ففي بعض دول إفريقيا ساهم توفير الكهرباء وتزويد المنازل بالطاقة وأنظمة تنقية المياه بالسماح للنساء والفتيات باستخدام الوقت الذي كن يقضينه سابقًا في جمع المياه في أنشطة أخرى مثل المدرسة والعمل.
– العمل مع الرجال والفتيان: لا يوجد حل مستدام لمكافحة التفرقة بين الجنسين ممكن من دون العمل مع الرجال والفتيان، فمن خلال العمل مع الآباء والأزواج والإخوة، يمكن محاربة الوضع الراهن المسبب للعنف والفقر والممارسات الأخرى التي تهمش النساء والفتيات.
الذكورية
الذكورية بتعريفها العام هي مجموعة سلوكيات وأفكار وقوانين رسمية أو متعارف عليها اجتماعيًا، تسيطر على عقلية الفرد والمجتمع وتقوم على الاعتقاد بضرورة هيمنة الرجل على المرأة وشرعنة تسلطه في المجالات كافة، على عكس النسوية، الذكورية ليست تنظيمًا أو حركةً فكريةً، بل صورة نمطية يتم توارثها ثقافيًا في المجتمع.
والمجتمع الذكوري هو المجتمع الذي تنتشر فيه بشكل واسع الثقافة الذكورية والتمييز ضد النساء بناء على جنسهن، كما تنتشر فكرة وجود أدوار مجتمعية محددة للنساء وأفكار نمطية عنهن في هذه المجتمعات، وهي توفر امتيازات اجتماعية غير مستحقة للرجال، وتنبع هذه الامتيازات من الإيمان بتفوق أصيل لجنس على الآخر، ومن ثم حقه في السيادة.
ينتج هذا المجتمع بيئة ومناخًا متسامحين مع جرائم قائمة على التفرقة بين الجنسين، مثل التحرش الجنسي والاغتصاب، وأشكال أخرى من العنف الجنسي والجسدي والنفسي ضد المرأة، وحتى ضد بعض الرجال الذين لا يلتزمون بمقاييس ومعايير المجتمع التي وضعها للرجل.
الذكورية السامة
تستخدم الدراسات الأكاديمية الحديثة مصطلح الذكورية السامة لوصف الصفات الذكورية المبالغ فيها التي يفرضها المجتمع ويمجدها ويفرض على الذكر التحلي بها حتى يكون “رجلًا حقيقيًا”، وتعمل على تعزيز هيمنة الرجل والتقليل من قيمة المرأة.
ومن هذه الصفات: القوة المفرطة وقلة العاطفة والاكتفاء الذاتي والهيمنة والعدوانية، ووفقًا للقيم الذكورية التقليدية السامة، فإن الذكر الذي لا يظهر ما يكفي من هذه الصفات قد لا يكون رجلًا.
النظام الأبوي أو البطريركي
هو نظام اجتماعي يتميز بسيادة الأب أو الذكر الأكبر في العشيرة أو الأسرة، ويحتل فيه الذكور السلطة، حيث تقوم هذه السلطة على علاقة هرمية تبدأ بالأب ثم الأخ ثم الزوج ثم الابن ثم أي ولي أمر ذكر، وتخضع فيه المرأة لهذه السلطة. يشير هذا المصطلح كذلك إلى هيمنة الرجل على الأنظمة السياسية والثقافية والاجتماعية، ومن صفاته:
1. سيطرة الذكور: في النظام الأبوي يتخذ الرجال جميع القرارات في كل من الأسرة والمجتمع، ويشغلون جميع مناصب السلطة والنفوذ، ويعتَبرون في مرتبة أعلى من النساء.
2. التمركز حول الذكور: في أي نظام أبوي يكون الرجال محور كل الأحداث والاختراعات ومطوريها، وسيكون الرجال هم الأبطال في جميع المواقف ومركز الحياة الاجتماعية والمتعة والترفيه.
3. هوس السيطرة: يتسم الرجال الذين يعيشون في نظام أبوي بالرغبة في السيطرة على جميع المواقف الاجتماعية والعائلية، والحرص الشديد على اتخاذ جميع القرارات خصوصًا تلك المتعلقة بالشؤون المالية والتعليم.
النظام الأمومي
عبارة عن شكل افتراضي من أشكال المجتمع، تكون فيه السلطة للمرأة، سواء في الفضاء الأسري أم الاجتماعي أم السياسي، فالأبناء فيه يُنسبون إلى الأم، وينحصر حق الإرث في فرع الأم في سلسلة النسب، هذا فضلًا عن أن الزوج يقطن مع عشيرة الأم، ووفقا لهذا التعريف فإن المرأة في هذا النظام تحتكر الأدوار المركزية القيادية السياسية والسلطة الأخلاقية.
وبحسب الدراسات التاريخية النسوية فإن هذا النظام يرتبط بما يعتبرونها “المراحل البدائية للإنسانية، التي قد يكون نمط الزواج الجماعي ساد فيها، حيث كان من العسير التعرف على الأب، في حين كانت معرفة الأم متاحة بسهولة، ولهذا لم يكن من الممكن أن ينسب النسل إلا إلى جانب الأم، وكان الاعتراف فقط بالصلة الأنثوية”.
ويرون أن “الاقتصاد القبلي كله كان في أيدي النساء، فلم يكن الصيد – وهو حرفة الرجال – يوفر وسيلة للعيش يعول عليها. وفي البداية كانت النساء عمومًا هن اللاتي يقمن بالعمل الزراعي المنتج، وكانت رعاية الأطفال والبيت وتوفير الزاد والعمل في الحقل والطهي، إلخ، من وظائف النساء. ومع ظهور تربية الماشية بدأ دور المرأة في الهبوط، وأصبح الرجل القوة المنتجة الرئيسية في المجتمع، ومالك وسائل الإنتاج والماشية، وبعد ذلك مالك العبيد، ومن ثم أصبح رأس الجماعة”.
وتهدف النسويات من خلال طرح هذه النظرية إلى دحض حجة أن الرجل قيادي بطبعه، وأن هيمنة الرجل على المرأة والمجتمع مسألة فطرية وحقيقة ثابتة على مر التاريخ.
التشييء الجنسي للنساء
يحدث التشيؤ الجنسي عندما يتم عزل جسد المرأة أو أجزاء من جسدها أو وظائفها الجنسية عن كيانها الإنساني والفكري الكامل والمعقد، ويتم التعامل معها كأشياء تكمن مهمتها بالنظر إليها أو الرغبة فيها فقط، كما يعد التشييء الجنسي شكلًا من أشكال كراهية النساء.
وتكمن عواقب تشييء المرأة في دفع الإناث إلى تشييء أنفسهن في نهاية المطاف، ما يترتب عليه هوس شديد بالمظهر واعتباره الجانب الأهم من كيانهن الكامل، ووفقًا لتقرير صادر عن اليونيسيف، يؤدي القلق بشأن المظهر الموجود لدى الفتيات إلى تنامي مشاعر الإحساس بالخجل والعار لديهن، بالإضافة إلى اضطرابات الأكل وتدني احترام الذات والاكتئاب.
ويضيف التقرير أن الأبحاث التي أُجريت عن تقدير الذات عند الفتيات، وجدت أن 11% فقط من الفتيات في جميع أنحاء العالم قد يصفن أنفسهن بالجميلات، وست من كل عشر فتيات يتجنبن المشاركة في أنشطة الحياة بسبب مخاوف بشأن مظهرهن.
الجندر
يشير مصطلح الجندر إلى الخصائص والصفات لكل من النساء والرجال والفتيات والفتيان التي يتم إنشاؤها اجتماعيًا، ويتضمن ذلك الأعراف والسلوكيات والأدوار المرتبطة بكونك امرأةً أو رجلًا أو فتاةً أو فتى، بالإضافة إلى طبيعة العلاقات في المجتمع، وتختلف هذه الأدوار الجندرية من مجتمع إلى آخر ويمكن أن تتغير بمرور الوقت.
العنف ضد المرأة
وفقًا للأمم المتحدة يعد العنف ضد المرأة أو الفتيات واحدًا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا في عالمنا اليوم، ولم يزل مجهولًا إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار. يظهر العنف في أشكال جسدية وجنسية ونفسية وتشمل:
– عنف العشير (الضرب والإساءة النفسية والاغتصاب الزوجي وقتل النساء).
– العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب والأفعال الجنسية القسرية والتحرش الجنسي غير المرغوب فيه والاعتداء الجنسي على الأطفال والزواج القسري والتحرش في الشوارع والملاحقة والمضايقة الإلكترونية).
– الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي).
– تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
– زواج الأطفال.
هذه أهم المصطلحات المتداولة في خطابات النسوية، وتشمل كل منها الكثير من الجوانب والتحليلات والنظريات التي لم نتطرق لها في هذا المقال، لكن فهم هذه التسميات يعد خطوة أولى باتجاه وعي أكبر بمسألة طبيعة الحراك النسوي من جهة، وحقوق المرأة وطبيعة التحديات التي تواجهها على أرض الواقع وبشكل يومي من جهة أخرى.