برزت مؤخرًا دعوات لتجديد حراك فبراير في الجزائر ومحاولات من أجل العودة إلى الشارع بعد 10 أشهر من التعليق بسبب جائحة كورونا، فهل يعود الزخم للحراك الذي سيطفئ شمعته الثانية نهاية الشهر الحاليّ؟ وما أهدافه الجديدة؟
شهد الحراك الشعبي عودة في منطقة القبائل التي عرفت تنظيم مسيرات شعبية، إذ خرج المئات من الناشطين والمتظاهرين، في مدينتي القصر وتيشي بمحافظة بجاية شرقي الجزائر، في مسيرة شعبية، حاملين الأعلام الوطنية والراية الأمازيغية، مرددين شعارات تنادي بالحرية والديمقراطية والإفراج الفوري عن الناشطين الموقوفين، بينما شهدت مدن أخرى تقع غرب البلاد على غرار محافظتي معسكر وعين تيموشنت، وقفات رمزية، للتأكيد على الاستمرار في التظاهر السلمي، إلى غاية تحقيق مطالب الحراك الشعبي الذي أسقط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومنظومة الحكم التي كانت ترافقه.
وقبل هذه الخطوة، أعلن الائتلاف المدني “نداء 22 فبراير” الذي يضم عشرات الناشطين والنخب المدنية والنشطاء السياسيين الجزائريين، تأهبه لما وصفه بـ”العودة الحتمية القريبة والقوية للمسيرات السلمية، لإرغام السلطة الجديدة على الإقرار بفشل خطتها السياسية الأحادية الجانب وغير الديمقراطية، التي دفعت البلاد إلى طريق مسدود وأفقدت الشعب كل ثقة في المستقبل، وأن رحيلها أصبح حتميًا وضرورةً قصوى لإنقاذ البلاد”، وهو النداء الذي قسم النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بين مشجعين لعودته ومعارضين لها بسبب الظروف الصحية والأمنية الراهنة.
حراك اجتماعي موازٍ
تزامنت هذه التطورات مع الغموض السياسي في البلاد والغياب المتجدد للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي فتح الباب أمام تأويلات سياسية جديدة، إضافة إلى اتساع رقعة الاحتقان الاجتماعي في عدد من المحافظات بسبب مطالب اجتماعية واقتصادية لها علاقة بالبطالة وتفشي الفقر.
إذ شهدت محافظة الأغواط (ولاية جزائرية تبعد عن العاصمة الجزائرية بنحو 400 كيلومتر)، الأسبوع الماضي، حركة احتجاجية تعد الأكبر من نوعها في تاريخ المدينة، حيث احتشد الآلاف من سكان المدينة للمطالبة بالتنمية والتشغيل، ومن بين الشعارات التي رفعت في التجمع “الغاز هنا، والنفط هنا، ولا شيء متوفر هنا”، والشيء الملفت للانتباه في الوقفة مشاركة أمهات للدفاع عن أبنائهم العاطلين عن العمل رغم أنهم حاملون لشهادات جامعية.
الوضع ينذر بانفجار اجتماعي وشيك جراء حالة الغليان التي تعرفها الجبهة الاجتماعية بسبب الانهيار الرهيب للقدرة الشرائية
موجة الغضب ذاتها شهدتها ورقلة (أغني محافظة جزائرية لاحتوائها على أكبر آبار النفط في البلاد)، إذ احتشد العشرات من الشباب وسط المحافظة للمطالبة بالحصول على فرص عمل في الشركات النفطية التي تعمل بالمنطقة، وفتح تحقيقات في السياسة المنتهجة في التشغيل حتى إنهم هددوا بتنظيم اعتصام مفتوح إلى غاية التجاوب مع مطالبهم.
وبنفس التوقيت تقريبًا، أظهرت مواقع فيديو تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية، اقتحام أنصار غاضبين لفريق مولودية الجزائر، مقر شركة سونطراك بحي حيدرة في أعالي العاصمة الجزائرية، بسبب النتائج السلبية التي حققها فريقهم خلال الجولات الأخيرة، وأثارت الصور موجة غضب واسعة وهناك من اعتبر الحادثة دليلًا قاطعًا على اتساع الاحتقان الاجتماعي.
وتزامنًا مع هذه الانتفاضات، حذرت “كونفدرالية النقابات الجزائرية” التي تضم عددًا كبيرًا من النقابات العاملة في مختلف القطاعات على غرار الصحة والتربية والوظيفة العمومية من انفجار اجتماعي وشيك، وقالت الكونفدرالية في بيان لها إن الوضع ينذر بانفجار اجتماعي وشيك جراء حالة الغليان التي تعرفها الجبهة الاجتماعية بسبب الانهيار الرهيب للقدرة الشرائية، وفي ظل الغضب العمالي من عدم بروز مؤشرات تنبئ بحدوث القطيعة مع السياسات الاجتماعية العقيمة للحكومات السابقة”.
ودعا التكتل النقابي السلطة السياسية في البلاد إلى الإسراع في إطلاق حوار اجتماعي جاد من شأنه أن يفضي إلى إيجاد حلول للملفات والمطالب العالقة ويعيد للجبهة الاجتماعية هدوءها واستقرارها.
وأمام تصاعد منحى الاحتجاجات المهنية والاجتماعية، تذهب تفسيرات حكومية كثيرة إلى ربط ما يحدث بمحاولات القوى الخفية للثورة المضادة عرقلة النمو الاقتصادي من خلال تعطيل المشاريع الاستثمارية في البلاد، وهو المصطلح الذي ورد في خطاب رسمي ألقاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، شهر أغسطس/آب الماضي أمام الوزراء وحكام الجمهورية تحدث فيه عن وجود “ثورة مضادة” وفسرها بالقول إنها “مجموعات إدارية ومالية كانت مستفيدة من نظام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، تسعى لعرقلة مسارات التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، ولا تزال تسعى للعودة إلى سدة الحكم في البلاد والسيطرة عليها”.
وحذر تبون فريقه الحكومي من تحركات مريبة لقوى خفية تعمل على إثارة القلائل، وخاطبهم بالقول: “خذوا حذركم، هناك قوى ما زالت تعمل على زعزعة استقرار البلاد”، واستشهد بقضية توقيع ممثلة عن زعيم “الكارتل المالي” علي حداد الموجود خلف القضبان ونهب المال العام مع مجموعة أمريكية مقربة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
هل سيعود حراك الجزائر؟
عودة الحراك تزامنًا مع بروز حراك اجتماعي آخر تطرح أكثر من سؤال مرتبط بتوقيته وأهدافه الجديدة، وهل سيعود قويًا كما كان ويكون له نفس الحضور الشعبي الذي كان في البداية.
يجيب الباحث في الشؤون السياسية والأمنية مبروك كاهي بالقول: “أهداف الحراك الجديدة ليست نفسها التي كانت في بدايته وهي الإجماع على إسقاط الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فالمطالب الأساسية تتمثل اليوم في إطلاق سراح الناشطين المعتقلين أو ما يعرف بـ”معتقلي الرأي”، لذلك فالحراك فقد الكثير من زخمه وقوته ولم يعد مقلقًا للسلطة في البلاد خصوصًا في ظل التدابير الصحية المتعلقة بجائحة كورونا، مقارنة بالمطالب الاجتماعية والتنموية التي تشكل مصدر قلق كبير لها وقد تصعب من مهمتها في الذهاب إلى انتخابات نيابية ومحلية مبكرة وهو نفس السيناريو الذي شهده الاستفتاء على الدستور الجديد في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
اتساع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية خلال الأيام الماضية، يعتبر مؤشرًا ودليلًا قاطعًا على عدم الرضا على أداء السلطة السياسية في البلاد
ويعتقد مبروك كاهي أن الحراك في حاجة اليوم إلى تحديد أهدافه وآليات عمله بسبب تعدد الأهداف وتشتتها، فهناك من يرى أن الهدف الأساسي هو إقامة العدالة ودولة الشفافية والقطيعة مع الفساد وهناك من يناضل من أجل إطلاق سراح ما يسمون بسجناء الرأي.
يتفق النوي خرشي رئيس حركة المجتمع الديمقراطي (حزب حديث النشأة) مع هذه الرؤية، إذ يقول في تصريح خاص لـ”نون بوست” إن موجة الغضب التي مست مختلف القطاعات لا يستبعد أن تكون عملية استباقية الهدف منها تنفيس وتشتيت أهداف الحراك وبعثرته في شكل مطالب جهوية متعددة، وهو ما لمسناه في المسيرات الشعبية التي شهدتها عواصم ولايات منطقة القبائل كبجاية وتيزي وزو والبويرة، فالمطالب التي رفعت سياسية محضة لها علاقة بالديمقراطية ورفع التضييق على الحريات والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، بينما رفعت في الجنوب مطالب اجتماعية متعددة بسبب تردي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار واتساع رقعة البطالة.
وبالنسبة لرئيس حزب جيل جديد سفيان جيلالي، فإن حراك فبراير فقد قوته لعدة أسباب يذكر منها مسألة التنظيم والتأطير، فالأشخاص الذين يتحدثون باسمه اليوم مجهولو الهوية وغير معروفين بالنسبة للشعب، حتى إن المطلب الذي يرافعون من أجله والمتمثل في التغيير الجذري للنظام السياسي الوطني أصبح يشكل خطرًا على الدولة الجزائرية خاصة أمام التوترات الأمنية التي تحيط بها وتشكل الأمر الواقع.
ويؤكد جيلالي سفيان ضرورة عدم الخلط بين المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويصف المطلب الاجتماعي الذي له علاقة باستحقاقات التنمية وتوفير فرص العمل بـ”المشروع” و”المعقول”.
ويقترح في هذا الإطار جيلالي سفيان نقل الحراك الشعبي من الشارع إلى المؤسسات المنتخبة بعد الانتخابات النيابية والمحلية المرتقب تنظيمها بعد تمرير مشروع قانون الانتخابات الجديد.
أما المحلل السياسي والإعلامي أحسن خلاص فيعتقد أن اتساع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية خلال الأيام الماضية، يعتبر مؤشرًا ودليلًا قاطعًا على عدم الرضا على أداء السلطة السياسية في البلاد، وهو نفس السيناريو الذي شهدته البلاد عشية اندلاع الحراك في فبراير/شباط 2019.