جاءت زيارة وفد حركة طالبان برئاسة رئيس المكتب السياسي الملا عبد الغني بردار إلى طهران، في 31 من يناير/كانون الثاني 2021، لتسلط الضوء على طبيعة التحول الذي بدأ يعتري مواقف حركة طالبان، منذ تعثر محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية، التي بدأت منذ أوائل يناير/كانون الثاني 2020، إلى جانب التصريحات التي أدلت بها الإدارة الأمريكية الجديدة مؤخرًا، أنها بصدد مراجعة اتفاق السلام الذي وقعته إدارة دونالد ترامب مع حركة طالبان.
حيث أشار المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة محمد نعيم، إن وفدًا من إمارة أفغانستان الإسلامية، يتألف من كبار المسؤولين توجه إلى طهران، لتبادل الأفكار مع المسؤولين الإيرانيين، بشأن العلاقات بين البلدين وأوضاع اللاجئين الأفغان والقضايا السياسية والأمنية في المنطقة، حيث تعد هذه الزيارة ثاني زيارة لحركة طالبان إلى طهران خلال الشهرين الماضيين، إلا أنها تثير العديد من التساؤلات عن الأهداف الحقيقية من الزيارة الأخيرة؟
وفي هذا الإطار، يأتي النشاط الدبلوماسي لحركة طالبان، كجزء من التحول في قواعد اللعبة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو نشاط يأتي مكملًا لزيارات حركة طالبان إلى إيران وموسكو، ورحلة مخططة إلى تركيا، وفي مقابل ذلك حذر فريق التفاوض التابع للحكومة الأفغانية، من أنه إذا فشلت حركة طالبان في استئناف المحادثات، فقد تستدعي الحكومة فريقها من الدوحة.
جاء تعثر المحادثات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، بعد أن طالبت حركة طالبان الحكومة الأفغانية بقبول “نظام إسلامي شامل” جديد، يشمل جميع القبائل والجماعات في أفغانستان، وهي لغة تشير إلى سعي حركة طالبان للحصول على ضمانات بأن الحكم الإسلامي سيكون في مكانه بعد حرب أفغانستان، وبدلًا من ذلك، طالبت الحكومة حركة طالبان أولًا بالانضمام إلى النظام السياسي الحاليّ وإعلان وقف إطلاق النار، إلا أن حركة طالبان رفضت حتى الآن العودة إلى طاولة المفاوضات، بعد رفض الحكومة الأفغانية تقديم ضمانات بشأن تحقيق مطالبها.
تتمتع إيران بعلاقات تاريخية طويلة الأمد مع جارتها أفغانستان، حيث يقاتل بعض أعضاء جماعة الهزارة الشيعية الأفغانية في سوريا، ضمن عدة ميليشيات تدعمها إيران هناك
وفي ذات السياق، أشار بيان صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية الأسبوع الماضي، إلى أن رفض حركة طالبان الوفاء بالتزاماتها، بخفض العنف في أفغانستان، يثير تساؤلات عما إذا كانت جميع القوات الأمريكية ستتمكن من مغادرة البلاد بحلول يونيو/حزيران المقبل، كما هو مطلوب بموجب الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.
حيث يدعو الاتفاق الموقع في الدوحة في 29 من فبراير/شباط 2020، جميع القوات الدولية إلى الانسحاب، شريطة إيفاء حركة طالبان بوعودها، بالتخلي عن ارتباطها بالجماعات المسلحة – مثل القاعدة – وضمان عدم استخدام أفغانستان لمهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها، وفي مقابل ذلك، هددت حركة طالبان بتصعيد حربها ضد القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، بعد الموعد النهائي في يونيو/حزيران المقبل، حال عدم انسحابها.
إيران تدخل على الخط الأفغاني من جديد
وجه سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني، انتقادات حادة لسياسة الولايات المتحدة في أفغانستان، وأشار إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى وراء السلام والأمن في أفغانستان، وإستراتيجية الولايات المتحدة قائمة على استمرار الحرب وإراقة الدماء بين مختلف الفئات الأفغانية، جاءت تصريحات شمخاني خلال زيارة وفد حركة طالبان لطهران مؤخرًا بقيادة الملا بردار، الذي صرح من طهران، بأن الحركة ستواصل محاربة حلفاء الولايات المتحدة في البلاد، حتى في أثناء إجراء محادثات السلام.
إذ تتمتع إيران بعلاقات تاريخية طويلة الأمد مع جارتها أفغانستان، فيقاتل بعض أعضاء جماعة الهزارة الشيعية الأفغانية في سوريا، ضمن عدة ميليشيات تدعمها إيران هناك، كما تقدم إيران الدعم لكل من الحكومة الأفغانية، عبر شريكها تحالف قبائل الشمال، وحركة طالبان في آن واحد، في توجه يؤشر لمدى التعقيد الشديد الذي تتسم به السياسة الخارجية الإيرانية هناك، على التفسير والفهم.
تنتقد إيران بشدة الوجود الأمريكي في أفغانستان، كجزء من معارضتها العامة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وتحديدًا بعد مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، حيث تزايدت الدعوات الإيرانية المطالبة بضرورة إخراج القوات الأمريكية من المناطق المحيطة بها، وبعد نجاحها في تحريك هذه الدعوات بالعراق، تسعى لتحريكها في أفغانستان أيضًا.
وفي أثناء استضافة إيران للملا بردار، عرض على طهران الدخول كوسيط في محادثات السلام بين الحركة والحكومة الأفغانية التي توقفت في قطر، كون الحركة لا تثق بالوسيط الأمريكي، وفي هذا الصدد لا بد من التوضيح، بأنه لطالما كانت إيران الشيعية عدوًا لحركة طالبان السنية المتشددة منذ عقود، لكنها كانت تجتمع علنًا مع قادة طالبان على مدار السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا بعد أن بدأت إدارة ترامب التفاوض على خروج قواتها من أفغانستان.
سلطت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الضوء على محادثات طالبان الجديدة في طهران، وأوضحت كيف تنظر إيران إلى للوضع في أفغانستان
تواجه حركة طالبان اليوم إدارة الرئيس جو بايدن، الذي يبدو أنه سيحمل نهجًا جديدًا للتعامل مع الحركة، وتحديدًا بعد تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، من أن الإدارة الجديدة بصدد مراجعة الاتفاقية الموقعة مع حركة طالبان، وأعقب ذلك تصريحات مماثلة من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكين ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وأثارت جميع هذه التصريحات تساؤلات عما إذا كانت إدارة بايدن ستلتزم باتفاق الدوحة أم لا، وهو ما قد يفرض بالمقابل مزيدًا من التقارب بين الحركة وإيران، على أساس قاعدة العداء المشترك للولايات المتحدة، وهي قاعدة ثابتة في هندسة العلاقة بين الطرفين منذ عام 1997، التي وضع أسسها سليماني.
سلطت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الضوء على محادثات طالبان الجديدة في طهران، وأوضحت كيف تنظر إيران للوضع في أفغانستان، وذكرت أن الجانبين تبادلا خلال الاجتماعات الأخيرة، وجهات النظر حول المنطقة والوضع الداخلي في أفغانستان، وكيفية دفع عملية السلام في البلاد، ونقلت تسنيم عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله: “نحن نؤيد حكومة إسلامية شاملة في ظل وجود كل الأعراق والأديان، ونعتبرها ضرورة لأفغانستان.. شعب أفغانستان مستقل ولا يجب استهدافه”.
تشير تصريحات ظريف بوضوح إلى محاولة إيران تقويض دور الولايات المتحدة في كابول، وإبقاء حركة طالبان إما حاكمة لأفغانستان وإما موازية للحكومة، وهذه نفس الطريقة التي تستخدمها إيران في العراق أو اليمن أو لبنان، عبر خلق كيانات موازية للدولة الرسمية هناك، وهي إستراتيجية تبدو متاحة اليوم في أفغانستان، في ظل التعقيد الحاليّ الذي تشهده البلاد.