تكشف الأحداث المتتالية وتطورات المشهد المتلاحقة يومًا تلو الآخر أن اتفاق التطبيع الموقع بين الإمارات و”إسرائيل”، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، لم يكن بداية لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات الطبيعية بين البلدين، بل تتويج لسنوات طويلة من التنسيق والتناغم المشترك، من تحت الطاولة، بعيدًا عن أعين البيانات الرسمية.
ويعد اليمن أحد أبرز ساحات هذا التناغم، لا سيما جزيرة سقطرى، ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة، التي أصبحت “كلمة السر” في تنامي العلاقات الإسرائيلية الإماراتية خلال الآونة الأخيرة، في ظل ما يثار بشأن التنسيق الأمني والتعاون الاستخباراتي المشترك على أعلى المستويات فوق هذه الجزيرة.
الإمارات ومنذ بسط نفوذها على الجزيرة في يونيو/حزيران 2020 عبر أذرعها العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه، وهي تسعى جاهدة لتفريغ الجزيرة من أجهزتها التنفيذية والعسكرية القديمة كافة، وتجريد سيطرة القوات الحكومية عليها عبر إخراجها من المواقع الحيوية، الأمنية والعسكرية.
وخلال الأشهر الست الماضية تتسارع وتيرة إرسال الوفود الاقتصادية الإماراتية والخبراء العسكريين لإعادة رسم الخريطة الاستثمارية والأمنية لتلك البقعة الحيوية الغنية بالثروات والموارد الاقتصادية، التي توصف بأنها “جوهرة خليج عدن” و”المكان الأكثر غرابة على وجه الأرض”، فضلًا عن موقعها الجيوسياسي المحوري الذي يطل على ممرات الشحن من وإلى البحر الأحمر.
الحديث هنا لا يتوقف عند سقطرى فقط، فهناك ما يزيد على مئة جزيرة يمنية تضع الإمارات عينها عليها منذ انطلاق أولى هجمات قوات التحالف ضد الحوثيين، مارس/آذار 2015، هذا بجانب العديد من المواقع ذات الثورة المعدنية الهائلة التي تم نهبها خلال السنوات الأخيرة وكانت سببًا رئيسيًا في تعزيز الوضع الكارثي لليمنيين.
وتزخر المياه اليمنية بعشرات الجزر، ذات الصيت البيئي والجغرافي والأمني المشترك، يقع معظمها على الشريط الحدودي للبحر الأحمر، على رأسها جزيرة كمران وأرخبيل حنيش وميون التي تعتبر البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، فيما تعتبر سقطرى أهم تلك الجزر، وقبلة أطماع العديد من القوى الخارجية.
هرولة أبوظبي لخدمة “إسرائيل” في البحث عن موطئ قدم لها في هذا الموقع الإستراتيجي رغم المعارضة الشديدة لهذا التوجه من جانب الحليف السعودي، وربما المصري، يضع العديد من التساؤلات عن دوافع تلك الهرولة وما يمكن أن تحمله من تداعيات مستقبلية على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة ككل.
اهتمام إسرائيلي مبكر
يمثل محور حوض البحر الأحمر لا سيما المنطقة الإستراتيجية المطلة على مضيق باب المندب وبحر العرب مكانة بارزة لدى المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وكثيرًا ما أبدت اهتمامها بتلك المنطقة الحيوية التي حاولت جاهدة على مدار السنوات الماضية اختراقها من أي من جانبيها، الشرقي أو الغربي.
موقع “جي فوروم” للجالية اليهودية الناطقة بالفرنسية، في تقرير سابق له، كشف عن تحركات إسرائيلية من أجل الوجود في هذا الحوض المائي، ناقلًا عن مصادر رفيعة المستوى بدء بناء تل أبيب قاعدة استخباراتية لها على البحر الأحمر في إريتريا عام 2016.
الموقع أوضح أن الهدف الرئيسي من بناء هذه القاعدة التي أقيمت على ارتفاع 3000 متر فوق مستوى سطح البحر، أعلى جبل “أمباسويرا” الواقع بالقرب من المدينة، جنوب العاصمة الإريترية أسمرة، هو مراقبة القوات التي تقودها السعودية وقوات تنظيم الدولة (داعش) إلكترونيًا، هذا بجانب مراقبة السودان (كانت “إسرائيل” تتهمه بتوفير السلاح للمقاومة الفلسطينية خلال الفترة من 2010-2014).
ورغم هذه القاعدة، فإن المنطقة الواقعة في خليج عدن، من باب المندب في جزيرة سقطرى إلى جنوب اليمن، كانت خارج السيطرة الاستخباراتية الإسرائيلية، رغم ما تمثله من أهمية محورية لوجستية في مراقبة التحركات الإيرانية في تلك المنطقة الحيوية التي تمثل تهديدًا أمنيًا للدولة العبرية.
وعليه سعت “إسرائيل” جاهدة خلال السنوات الماضية لإيجاد أي موضع لها يمنيًا من خلال العديد من الطرق الدبلوماسية والاقتصادية، لكن الرفض الشعبي كان حائلًا دون ذلك، لا سيما في ظل ما تتمتع به القضية الفلسطينية من مكانة كبيرة في المزاج الشعبي اليمني.
ومع إحكام الإمارات سيطرتها الكاملة على هذا الشريط الحدودي المائي غرب اليمن، وجدت تل أبيب أن الفرصة باتت سانحة أمامها لإحياء حلم الوجود في هذا المكان الإستراتيجي، ومن ثم بدأت التحركات الفعلية لبناء القاعدة الاستخباراتية بحجة استهداف الحوثيين ومراقبة النشاط الإيراني المثير للقلق في المنطقة.
وفي يوليو/تموز 2020 كتب محرر الشؤون الفلسطينية والعربية، الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ووثيق الصلة بأجهزة الأمن الإسرائيلية، إيهود يعاري في تقريره على القناة العبرية (12): “من المؤكد أن “إسرائيل” سعيدة بهذه الجهود الإماراتية لمنع الهيمنة الإيرانية على طريق الشحن البحري إلى إيلات، لكن حزب الله يشعر بخيبة أمل كبيرة، لأن استثماراته طويلة الأمد في الزبيدي قد تبددت، ويسمح الرجل لمرافقيه بالغمز في قناة “إسرائيل” لأنهم سعداء بتلقي مساعداتها، أما “إسرائيل” فهي على استعداد لتقديم المساعدة بالمعدات العسكرية لجانب واحد في الحروب التي لا نهاية لها في اليمن”.
وأضاف المستشرق الإسرائيلي أن الأحداث الأمنية والعسكرية الدائرة حول الجزيرة وبالقرب منها، وضعتها تحت بؤرة اهتمام المنظومة الأمنية الإسرائيلية، مستعرضًا موقعها الإستراتيجي “فهي أكبر جزر الأرخبيل على بعد 370 كيلومترًا قبالة سواحل اليمن، و240 كيلومترًا قبالة سواحل الصومال، ويبلغ طوله 130 كيلومترًا، وعرضه 50 كيلومترًا، مع وجود 70 ألفًا فقط يعيشون فيه، يتحدثون لغتهم الخاصة، وكانت فيها قاعدة بحرية سوفيتية” بحسب التقرير الذي ترجمه موقع “عربي 21″.
الأمر لم يتعلق بالجانب الأمني فقط، فهناك جوانب اقتصادية وبيئية أخرى تدفع دولة الاحتلال إلى الوجود في هذه الجزيرة منها “أن ثلث الغطاء النباتي في سقطرى لا يوجد في مكان آخر بالعالم، بجانب اكتشاف أشجار دم التنين المستخدمة في استخراج زيت الراتينغ الأحمر لصنع مستحضرات التجميل، وتوافر الكثير من الشعاب المرجانية بجميع الألوان وعشرات أنواع الطيور” بحسب يعاري.
إصرار إماراتي
منذ الوهلة الأولى لمشاركة الإمارات في قوات التحالف باليمن كانت سقطري الهدف الأبرز من وراء تلك المشاركة، وهي نقطة الخلاف التي أدت إلى تباين وجهات النظر بين أبوظبي والرياض خلال العامين الماضيين على وجه التحديد.
في بداية 2016، أي بعد أشهر قليلة على انطلاق أول هجمة لقوات التحالف في اليمن، عقد رئيس الاستخبارات الإماراتي والسفير السعودي باليمن اجتماعًا موسعًا مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، حضره نائبه – آنذاك – خالد بلحاح، وفي الاجتماع طلبت الإمارات تأجير الجزيرة لمدة 99 عامًا نظير مبلغ مالي كبير.
الرئيس اليمني طلب وقتها مهلة من أجل التشاور مع المقربين منه، والبعض توقع أن المحفزات الإماراتية من الصعب رفضها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تحياها البلاد، لكن سرعان ما جاء الرد “إقالة بلحاح من منصبه كنائب للرئيس وتعيين علي محسن بديلًا له”، وهو الرد الذي يعني رفض الطلب الإماراتي رسميًا.
لم تستسلم أبوظبي للرفض اليمني، فباتت تكثف مساعيها عبر الأبواب الخلفية، من خلال استقطاب وشراء ولاء بعض اليمنيين، بعضهم ذو مكانة اجتماعية وقبلية مرموقة، وذلك عبر مؤسستيها العاملتين في اليمن، مؤسسة خليفة والهلال الأحمر، وهما المؤسستان المتهمتان بأنهما “أجهزة استخباراتية إماراتية في اليمن”.
وأمام الرفض الشعبي لتلك المحاولات للسيطرة على الجزيرة، لم تجد أبوظبي إلا مباركة انقلاب عسكري على الحكومة الشرعية هناك، عبر المجلس الانتقالي الجنوبي الممول منها، وكان ذلك في 18 من يونيو/حزيران 2020، لتسقط سقطرى في قبضة الإمارات وهو ما كان إيذانًا بحدوث شروخات كبيرة في جسد التحالف العربي.
انقسام يمني
أثارت الأنباء التي تشير إلى تنسيق إماراتي – إسرائيلي لبناء قاعدة استخباراتية في سقطرى، الجدل داخل الشارع الإماراتي الرافض للوجود الإسرائيلي فوق أراضيه، بجانب الشكوك المريبة عن دوافع هذا الوجود وإن كان المعلن هو مراقبة التحركات الإيرانية دفاعًا عن الأمن القومي للدولة العبرية.
حالة الغضب والرفض المصاحبة لتلك الأنباء لا تخيم على الرافضين للسياسات الإماراتية فحسب، بل داخل المكونات المدعومة من أبوظبي كذلك، كما هو حال المجلس الانتقالي الجنوبي رغم ما يشير إليه البعض بشأن دعمه للتنسيق مع تل أبيب، معتقدًا أن التقارب مع دولة الاحتلال سيساعدهم في إقامة دولتهم المستقلة، كما ذهب جورجيو كافييرو الرئيس التنفيذي لمؤسسة Gulf State Analytics.
موقع “إنتليجينس” الأمريكي في تقرير له في الـ9 من سبتمبر/أيلول 2020 أكد أن وصول ضباط المخابرات الإماراتيين والإسرائيليين إلى جزيرة سقطرى، نهاية أغسطس/آب الماضي، أحدث خلافًا كبيرًا داخل المجلس الانتقالي، ناقلًا عن سالم عبد الله السقطري، وهو من كبار قادة المجلس الانتقالي في هذه الجزيرة، تنديده الشديد بهذا التنسيق.
السقطري أوضح أن المجلس “تعرض لضغوط من الإمارات للموافقة على إنشاء قاعدة استخبارات إماراتية إسرائيلية” وذلك بعد أيام قليلة من الإعلان عن تطبيع العلاقات الإسرائيلية الإماراتية في 13 من أغسطس/آب الماضي، الضغوط زادت رسميًا بعد إبرام اتفاق إبراهام في العاصمة الأمريكية في 15 من سبتمبر/أيلول الماضي.
الحديث عن عزم أبوظبي وتل أبيب إنشاء قاعدة عسكرية استخباراتية في سقطرى ذكرها موقع “ساوث فرونت” South Front الأمريكي المتخصص في الأبحاث العسكرية والإستراتيجية، في تقرير سابق له، مستندًا إلى مصادر خاصة نقل عنها زيارة ضباط إسرائليين وإماراتيين مؤخرًا للجزيرة وفحصوا عدة مواقع بهدف إنشاء مرافق استخبارية.
وكانت تقارير إعلامية قد ذكرت نهاية أغسطس/آب 2020 نقلًا عن مصدر حكومي يمني تأكيده تسيير طائرة إماراتية خاصة 4 رحلات خلال الشهر، تقل على متنها خبراءً عسكريين من “إسرائيل” وأوروبا بجانب ضباط إماراتيين، إلى أرخبيل سقطرى، بهدف الإعداد لإقامة قاعدة عسكرية كبيرة غرب الجزيرة ومعسكر آخر في الجزء الشرقي.
في خدمة “إسرائيل”
كل التحركات الإماراتية في الممرات المائية والجزر البحرية اليمنية تصب في النهاية في خدمة دولة الاحتلال، إذ قدمت أبوظبي هدية على طبق من ذهب لتل أبيب، لتحقيق حلم الوجود على الجانب الآخر من قاعدتها الموجودة في إريتريا بما يسمح لها بالتحكم الكامل والمراقبة التفصيلية لكل الأنشطة في هذا الممر المائي، وليست إيران وحدها كما يتم تداوله.
محافظ أرخبيل سقطرى، هاشم سعد السقطري، في تعليقه على التنسيق غير المسبوق بين الدولة الخليجية والدولة العبرية، قال: “أبوظبي خدمت “إسرائيل” بشكل كبير في المنطقة، واليمن كشف حجم العلاقة بين أبوظبي وتل أبيب”، لافتًا إلى أن “تطبيع الإمارات مع الكيان الصهيوني تحصيل حاصل كون كل تحركات الإمارات منذ بداية العدوان هدفها أن تكون هناك قواعد أمريكية وإسرائيلية”.
السقطري وكثير من المحللين يرون أن الرفض الشعبي لفكرة التطبيع في مجملها، بجانب التحركات المشبوهة من الجانب الإماراتي لإدخال الإسرائيليين إلى الأراضي اليمنية، أيًا كانت المبررات والمزاعم، ستقف حجر عثرة أمام مخطط استهداف الجزيرة وتصهينها سياسيًا على أيدي الإماراتيين.
فقد قوبلت الممارسات الإماراتية الرامية إلى بسط النفوذ على الأرخبيل بموجات متتالية من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية على مدار الأشهر الماضية، وهو ما يجعل رفع الراية البيضاء أمام الخطة الإسرائيلية مسألة بعيدة المنال في الوقت الراهن، رغم ما تقدمه أبوظبي من مغريات ومحفزات لشراء ولاءات قادة القبائل والمسؤولين بالجزيرة.
رسائل طمأنة للأمريكان
يعرف أبناء زايد جيدًا أن “إسرائيل” مفتاح الولايات المتحدة، وأن منسوب العلاقات مع تل أبيب هو الترمومتر الحساس لقياس العلاقات مع واشنطن، بصرف النظر عن هوية واتجاهات الإدارة الأمريكية الحاكمة، فخدمة دولة الاحتلال هدف إستراتيجي يُفرض على كل من يسكن البيت الأبيض.
هرولة أبوظبي للتقارب مع حكومة بنيامين نتنياهو، خلال الأشهر الماضية، واستجابتها الفورية لنداءات الرئيس السابق دونالد ترامب، بالإعلان رسميًا عن تطبيع علني بين البلدين، يعكس حزمة من الأهداف والدوافع المستقرة سلفًا في عقلية الإدارة الحاكمة في الإمارات بشأن الإجابة عن سؤال: “ماذا نريد من التطبيع مع إسرائيل؟”.
وكما كانت تل أبيب هي بوابة التنسيق غير المسبوق بين أبناء زايد وإدارة ترامب، فإنها البوابة ذاتها نحو التقارب مع الإدارة الجديدة بقيادة الديمقراطي جو بايدن، رغم حالة الفتور النسبي في الموقف من السياسات الإماراتية في المنطقة التي كان من نتائجها الحديث عن وقف تصدير الأسلحة للإمارات.
تسعى الإمارات لطمأنة الأمريكان من خلال التأكيد مرارًا وتكرارًا على الالتزام بالتوجهات العامة للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط والمتعلقة بمناهضة النفوذ الإيراني وتقليم أظافر نظام الملالي، وذلك من خلال إشراك الحليف الإسرائيلي في مناطق النفوذ المختلفة في المنطقة لخدمة هذا الغرض.
ورغم حالة الرفض الشعبي والإقليمي للتحركات الإماراتية في سقطرى، ففي الجهة الأخرى قد يرى طهاة السياسة في المطبخ الأمريكي أن تلك الأنشطة في الجزيرة بدعم ومشاركة من تل أبيب من الممكن أن تكون حائط صد منيع ضد الأنشطة الإيرانية في اليمن، وفرض طوق أمني استخباراتي قوي على تحركات طهران في مياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بما يحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة ويجعلها بعيدة عن أي استهدافات مستقبلية.. وهذا ما يلعب عليه الإماراتيون.
تداعيات جيوسياسية
بالعودة إلى مقال جورجيو كافييرو فإن التنسيق الإماراتي الإسرائيلي الحاليّ في سقطرى، حال استمر على هذا المنوال وبالكيفية والوتيرة المحددة، فإنه سيكون له تداعيات جيوسياسية كبيرة في منطقة آسيا والشرق الأوسط، إذ من المحتمل أن يساهم في الإسراع بظهور “المثلث الهندي الإماراتي الإسرائيلي”.
الرئيس التنفيذي لمؤسسة Gulf State Analytics يرى أن تعاظم النفوذ الإسرائيلي في المحيط الهندي من خلال وضع قدم لها في سقطرى وما يتوقع أن يترتب عليها من أقدام جديدة في جزر أخرى على الشريط المائي للبحر الأحمر وخليج العرب والممرات المائية هناك، سيكون مصدر قلق ليس لإيران وحدها، بل لبعض الدول الأخرى مثل باكستان.
وعليه يعتبر أن مراقبة الوضع في الجزيرة اليمنية ومراقبة أي تنسيق إماراتي إسرائيلي في تلك المنطقة خلال المرحلة القادمة، بجانب مراقبة أي تحركات إسرائيلية على ساحل البحر الأحمر، من الناحية الغربية (إريتريا وبونتلاند)، سيكون أمرًا في غاية الأهمية، نظرًا لما يمكن أن يترتب على ذلك من إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية والأمنية في إفريقيا وآسيا والشرق المتوسط.
معادلة وإن كانت غير متوازنة في الوقت الحاليّ إلا أنها قد تُمنى بتغيرات مستقبلية، بين التوجه الرسمي للإدارة الأمريكية الجديدة بشأن الوجود الإماراتي في اليمن، والضغوط من أجل وقف الدعم المقدم لها، والتنسيق غير المسبوق بين أبوظبي وتل أبيب واستهدافه الأنشطة الإيرانية في المنطقة، وهو ما تعزف الإمارات على وتره خلال الفترة الحاليّة، لإقناع بايدن وفريقه بتأثير تحركاتها في البلد العربي المنكوب.
وفي الأخير تبقى أطماع الإمارات – ميكافيللية التوجه – هي القبلة التي ترسم سياساتها الخارجية في المنطقة، حتى لو كان ذلك على حساب التوازن السياسي والأمني الإقليمي، ضاربة بالمرتكزات الوطنية والقومية عرض الحائط، لتبقى “الغاية تبرر الوسيلة” هي الاستراتيجية الأكثر حضورًا في توجهات أبوظبي منذ رحيل الشيخ زايد آل نهيان.