في الأيام الماضية القليلة، استحوذت أحداث “جيم ستوب”، شركة لبيع ألعاب الفيديو، على اهتمام العالم كله، ومنها اتجهت الأنظار إلى سوق الأسهم، حيث انتشرت أحاديث حماسية عن “ثورة” صغار المستثمرين والهواة ضد ما يُعرف بـ “حيتان وول ستريت”، لدرجة دفعت صناع الأفلام العالميين، مثل شركة نتفليكس، إلى التفكير في إنتاج فيلم حول حرب الأسهم.
ووسط تلك الضجة، برزت العديد من علامات الاستفهام، ولا سيما أن الحمى انتقلت أيضًا إلى سوق المعادن، ولكي نفهم ما حدث، لا بد أن نمر بداية من مصطلح “البيع على المكشوف” وهي الأداة الاستثمارية التي سمحت للمستثمرين الأفراد الذين يلقبون أحيانًا بـ “dumb money” أو “الأموال الغبية”، لقلة خبرتهم وكثرة خسائرهم المالية، بتغيير قواعد السوق أو التحكم بتحركاته لفترة محدودة من الوقت.
ما هو البيع على المكشوف (Short Selling)؟
أداة متاحة للمستثمرين الذين يتوقعون أن سعر السهم على وشك الانخفاض، ويجري استخدامها كالتالي: يقترض المستثمر كمية من الأسهم من خلال وسيط ثم يبيعها على الفور، ويعتزم إعادة شرائها لاحقًا بسعر أقل وإعادتها إلى المُقرض.
إذا سارت العملية على ما يرام، يحصل المستثمر على الفرق بين سعر الشراء الأدنى وسعر البيع الأعلى، أي أن بيع سهم بقيمة 10 دولارات ينخفض إلى 4 دولارات يؤدي إلى حصول المستثمر على فارق 6 دولارات، ناقص تكلفة اقتراض الأسهم (الفائدة المتفق عليها).
التداولات لا تسير دائمًا بشكل جيد، في بعض الأحيان، يرتفع سعر السهم المختار على المكشوف بدلاً من أن ينخفض
وفي تلك الحالات، عادة ما يقترض المضاربين كمية كبيرة من الأسهم سعيًا وراء تحقيق أرباح كبيرة وسريعة من خلال ما يسمى بـ “الرافعة المالية”(Leverage)، وهي أداة تسمح لهم بمضاعفة الكمية التي يقترضوا بها.
لكن هذه التداولات لا تسير دائمًا بشكل جيد، ففي بعض الأحيان يرتفع سعر السهم المختار على المكشوف بدلاً من أن ينخفض، مما يجبر صناديق التحوط التي باعت السهم على المكشوف على إعادة شرائه على عجل بتكلفة أعلى من أجل تغطية خسائرهم، وهذا ما حدث بالضبط مع سهم “جيم ستوب” الذي قفز بأكثر من ألف بالمئة على مدى الأسبوع الأخير.
تطورات القصة
في البداية استهدف عدد كبير من صناديق التحوط سهم “جيم ستوب” من خلال طلبات بيع على المكشوف بكميات كبيرة، بل وحتى بأكثر من عدد الأسهم المتداولة في السوق، وذلك مبرر جدًا من حيث المنطق إذ إن متاجر بيع ألعاب الفيديو بالتجزئة في مراكز التسوق تعرضت لضربة قاسية بسبب كورونا، فقد انخفض عدد الأشخاص الذين يذهبون للتسوق تزامنًا مع تحميل المزيد من الأشخاص ألعاب الفيديو بدلاً من شرائها في المتاجر، مما ألحق بالشركة خسائر كبيرة خلال العام الماضي حتى أنها قررت إغلاق عددًا كبيرًا من متاجرها.
وهنا اكتشف أحد مستخدمي منصة “ريديت” للتواصل الاجتماعي، وهو منتدى يناقش أعضائه موضوعات تتعلق بالأسهم وفرص الاستثمار، ذلك وقرر نشر رأيه المخالف لما يتوقعه كبار المستثمرين وقرر شراء السهم وتشجيع مستخدمي المنصة على القيام بذلك أيضًا، ليصبح مدراء صناديق التحوط الكبار في وضع لا يحسدون عليه، فالأسعار بدأت ترتفع بدلًا من الانخفاض وبدأ جزء منهم يضطر للشراء بأسعار السوق التي ترتفع أكثر وأكثر ليسدد الأسهم التي اقترضها في المقام الأول وبذلك أسهموا صناديق التحوط بدورهم في زيادة الطلب على السهم وهو ما أدى إلى ارتفاع سعره بشكل جنوني، وهذا ما يسمى بالـ “Short Squeeze”، أو ما يُعرف اختصارًا بارتفاع حاد وقصير الأجل في الأسعار.
ولكن سرعان ما شهدت أسهم شركة الألعاب انخفاضًا حادًا بنسبة 40% في التعاملات الصباحية، وهذا التراجع هو أحدث مثال على التقلب الشديد الذي ميز الصعود الصاروخي لـ”جيم ستوب”، إذ كانت التحركات المتطرفة مدفوعة بجنون التداول بالمضاربة ليس إلا، ولا علاقة لها بأي آفاق فعلية أو أي قوة مالية للشركة التي كانت تعاني من ضائقة مالية خلال السنة الماضية.
حمى “جيم ستوب” انتقلت للفضة
المثير للاهتمام، أن سوق المعادن عاشت تقريبًا سلسلة من الأحداث المشابهة لما حدث مع “جيم ستوب”، فقد تسببت مجموعة أخرى من المستثمرين الأفراد عبر منصة “WallStreetBets” وغيرها من المواقع النشطة المخصصة لتداول المعادن بإحداث “Short Squeeze” على أسهم وعقود الفضة الآجلة، من خلال تكثيف عمليات الشراء عليها، كما شاع أيضًا وسم “#silversqueeze” على “تويتر”.
ما لم يدركه مضاربي الفضة الجدد هو أنهم إذا اشتروا عقدًا مستقبليًا للمضاربة على الفضة، فسيتطلب ذلك المزيد من الأموال في حساباتهم للاحتفاظ بهذا العقد
ما أدى إلى تراجع أسعار الفضة العالمية بشكل كبير قبل أن ترتفع إلى أعلى مستوى منذ 2013، وذلك بنسبة 7.7% عند 28.98 دولار للأوقية، ولو ارتفعت أكثر بقليل، لكانت أكبر زيادة تحدث في أسعارها منذ ارتفاعها بنسبة 13% في مارس/ آذار 2009.
ولكن ما لم يدركه مضاربي الفضة الجدد هو أنهم إذا اشتروا عقدًا مستقبليًا للمضاربة على الفضة، فسيتطلب ذلك المزيد من الأموال في حساباتهم للاحتفاظ بهذا العقد، وهو ما لم يتمكنوا من تحقيقه ما جعلهم في نهاية المطاف يخرجون مجبرين من صفقاتهم وهو محملين بخسائر ثقيلة.
فخ البيع على المكشوف
قال الملياردير والمستثمر الشهير وارن بافيت في عام 2001 خلال الاجتماع السنوي لشركته، بيركشاير هاثاواي، إن البيع على المكشوف “مغري، ولكنه دمر الكثير من الناس، فهو يؤدي إلى الإفلاس”، فالمستثمر يجد أن الأسهم التي أسعارها متضخمة (مبالغ فيها) كثيرة ومن السهل العثور عليها مقارنة مع الأسهم المسعرة بأقل من قيمتها، لذلك قد تعتقد أنه من الأسهل كسب المال من البيع على المكشوف، لكن بحسب بافيت فإن “إحدى المشكلات الرئيسية هي أن البائعين على المكشوف يقعون تحت رحمة أولئك الذين لديهم القوة والتأثير للترويج للأسهم وتضخيمها”، مثل منشورات “ريديت” في مثال “جيم ستوب”.
عمومًا، يمكن النظر إلى الحملة، التي بدأها متداولو “ريديت” سعيًا منهم لإسقاط هيمنة صناديق التحوط، على أنها ردة فعل ناتجة من “رأس مال المظالم” التي تأتي من شعور صغار المستثمرين بالغضب تجاه عدم المساواة في السوق بينهم و بين”الحيتان” أو صناديق التحوط الضخمة.
وهو ما قاله أليكسيس أوهانيون أحد مؤسسي Reddit على تويتر بأن ضغط جيم ستوب هو “رد فعل الجمهور لما كانت تفعله المؤسسات بهم، إنها عاصفة في وقت يعاني فيه الكثير من الناس، وأسعار الفائدة منخفضة للغاية، وتكبدت العديد من المؤسسات الخسائر خلال جائحة كورونا”.
أما السبب الثاني يكمن في اختلاف المضاربين عن المستثمرين، إذ تتمتع الفئة الأخيرة بالتركيز والتوجه على المدى الطويل، فهم ناجحون في ترويض عواطفهم، سواء أكانت خوفًا أم جشعًا، وبالتأكيد لا يتداولون الأسهم بدافع الغضب أو الاحتجاج، وإنما يؤدون واجباتهم من بحث ودراسة، ثم يشترون ويحتفظون بمحفظة متنوعة تتكون من 20 إلى 30 سهمًا. ولذلك، يمكن تلخيص ما حدث بأنه فقاعة مؤقتة أو بحسب وصف يواكيم كليمنت، المحلل الاستراتيجي في Liberum، “قفزة قطة ميتة” لا معنى حقيقي لها.