غدت الأجهزة المحمولة مثل (iPad)، والكمبيوتر اللوحي (Tablet) والهاتف الذكي أكثر انتشارًا، حتى أنها شكلت في أحيان كثيرة جزءًا من تجربة الطفولة المبكرة في المنزل أو المدرسة، فقد تطورت التقنيات بسرعة هائلة، وفي الوقت نفسه، انخفضت أسعارها، وقلت أوزانها، بالإضافة إلى ذلك، فهي تحتوي على إضافات مهمة مثل: الكاميرات، وميزات إمكانية الوصول، ومكبرات الصوت.
ويمكن الاستفادة من هذه المزايا في التعلم في مختلف المناطق مثل المناطق الريفية والبوادي والعشوائيات، حيث إنها لا تحتاج إلى بنية تحتية أو اتصال دائم بالكهرباء مما يجعل الأجهزة المحمولة قابلة للاستخدام على نطاق واسع، ويمكن توزيعها بسهولة أكثر، وبذلك تتفوق على الكمبيوتر المكتبي.
وقد شهد عصرنا تزايدا سريعا في استخدام التكنولوجيا في مختلف الأوساط والمراحل التعليمية، ولاحظنا ما حدث بسبب جائحة فيروس كورونا وكيف انتقل استخدام التكنولوجيا في العملية التعليمية من حاجة إلى ضرورة ماسة. وكل ذلك حظي بعناية الباحثين فألقوا الضوء على أهميته وبينوا آثاره سلبا وإيجابا على الطفل السليم وكذلك على الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أثر الأجهزة المحمولة على الطفل
هناك جدل مطول حول ما إذا كان استخدام الأجهزة المحمولة تفيد أو تضر الأطفال بشكل عام. فقد أشارت دراسات على أن الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة له آثار سلبية على الصحة البدنية والعقلية وحتى المشاعر؛ لذلك أوصت منظمة الصحة العالمية بأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العامين والأربعة أعوام لا ينبغي أن يقضوا أكثر من ساعة واحدة يوميا من الجلوس أمام الشاشة الكترونية. وفي مقابل ذلك نجد أن هناك دراسات تشير إلى أن الاستخدام المعتدل للأجهزة المحمولة، تحت إشراف الآباء، وضمن برامج تعليمية عالية الجودة ومناسبة للنمو؛ يمكن أن يساعد الطفل ويدعمه في مجالات عدة، منها: إدراك المفاهيم المجردة، وطرق الاستدلال، وحل المشكلات، ودعم المفردات، وكذلك تقوية المهارات الاجتماعية والعاطفية.
من الضروري في كثير من الأحيان إتاحة الأجهزة الذكية للأطفال ذوي الإعاقة
وبعيدا عن هذا الجدل، هناك ضرورة لإعادة النظر في أثر التكنولوجيا الرقمية على المكتسبات الاجتماعية والثقافية والشخصية وخصوصا أنها باتت تمثل جـزءا من حياة الطفل المعاصر، وتسهم في دعم البيئة التعلمية، وبالتالي فينبغي وضعها في سياقها الصحيح، بما يحقق الاستفادة المثلى منها في سبيل دعم المعلمين والآباء والأطفال ويكمن ذلك في بيان أفضل السبل لاستخدامها وضوابط ذلك.
وأعتقد أنه من الضروري في كثير من الأحيان إتاحة الأجهزة الذكية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنها تمكنهم من تطوير مهاراتهم وعمل مهامهم التي لا يمكنهم إنجازها دون توفر مثل هذه الأجهزة.
فوائد الأجهزة المحمولة على أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
لا شك في أن استخدام أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة للأجهزة المحمولة فيه العديد من الفوائد المحتملة، فهي تسهم في عملية تدريبهم وتعليمهم وتواصلهم وإعادة تأهيلهم، كما تبيّن أن للأجهزة المحمولة إمكانات كبيرة في ميدان تعليم الأطفال لما تتمتع به من سهولة الاستخدام ولما تتيحه من تطبيقات تعليمية جذابة تحفز الطفل على التعلم وتجذب انتباهه لكثرة الوسائط الموجودة فيها.
إذ يمكن المساهمة في مساعدته في مجالات عديدة منها: التواصل، والكتابة، وتلقي المعلومات، وسوف أسلط الضوء على هذه المجالات، وأبين بعض التطبيقات التي تم تسويق استخدامها في البرامج التعليمية وإعادة التأهيل للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، مع الإشارة إلى أن هناك عدد متزايد من التطبيقات عبر أنظمة التشغيل (IOS، Android، إلخ).
أولا: مجال التواصل (Communication):
هناك مجموعة كبيرة من الأبحاث تبين أنه يمكن للأجهزة المحمولة أن تكون جزءًا من الحل؛ على سبيل المثال، يمكن استخدام “iPad” كجهاز للتواصل مع الأخرين، وبشكل خاص لمساعدة الأطفال الذين لديهم قدرة محدودة على الكلام أو لديهم صعوبات تواصل غير لفظية مثل أطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، ويمكن استخدامه أيضًا كلوحة اختيار ليعبر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة عن احتياجاتهم في غرفة الصف أو البيت.
ويعتبر تطبيق “Proloquo2Go” من التطبيقات الأكثر شيوعًا في دعم التواصل، وهو مصمم للاستخدام على أجهزة “iPad” أو “iPhone” أو iPod Touch”.
التطبيق يتكون من عدة لوحات مدعمة بمجموعة من الأزرار (توفر إخراجًا صوتيًا عند النقر عليها) تتضمن صور وكلمات وأفعال بأصوات طبيعية للذكور والإناث، تعبر عن بعض الرغبات أو الاحتياجات أو العواطف، وبالتالي يمكن للطلاب استخدام التطبيق في التعبير عن طريق اختيار كلمات مفردة أو دمج الكلمات لتشكيل جمل مفصلة، مثل: أنا متعب، أحتاج إلى استراحة، من فضلك.
ثانيا: مجال الكتابة (Writing):
يواجه العديد من طلاب ذوي الاحتياجات الخاصة تحديات كبيرة بالتعبير والكتابة، وغالبًا ما يتوقفون عن الكتابة في سن مبكرة وبالتالي يعانون من صعوبات في عملية الكتابة مستقبلا.
هناك تطبيقات تتيح تحويل الكلام المنطوق إلى نص مكتوب والعكس، وبذلك يمكن للطلاب الاستماع إلى ما كتبوه
ومن المهم جدًا منحهم الدعم الذي يحتاجون إليه لتمكينهم من الكتابة وتطوير مهاراتهم فيها، ويمكن ذلك باستخدام الأجهزة المحمولة وتطبيقاتها وما تتيحه من أدوات سهلة وممتعة كالتدقيق الإملائي والنحوي والبحث عن الكلمات.
وهناك أيضا تطبيقات تتيح تحويل الكلام المنطوق إلى نص مكتوب والعكس، وبذلك يمكن للطلاب الاستماع إلى ما كتبوه، فتطبيق الكتابة “Abilipad” المذهل المتوافر على “iPad” يجعل أدوات الكتابة المتقدمة في متناول الجميع، فيتيح للمستخدمين تدوين الملاحظات، واستخدام تحويل النص إلى كلام، وكذلك خاصية التنبؤ بالكلمات التي تساعد على الكتابة بشكل أسرع.
ثالثا: تلقي المعلومات وتصديرها
وذلك بما تتيحه الأجهزة المحمولة من أدوات تسهّل وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى المعلومات التي يحتاجونها وتصدرها بالطرق المناسبة مع حالاتهم، وهذا ما يسمى في الأجهزة “إمكانية الوصول” (Accessibility) وهي ميزات مدمجة بالفعل في مختلف الأجهزة المحمولة إلا أنها تحتاج فقط إلى تفعيل وفق ما يلائم مشكلة المعاق أن كانت سمعية أو بصرية أو غير ذلك بحث يخصص الجهاز المحمول لذوي الاحتياجات الخاصة، تتوفر هذه الميزات على كل من أجهزة (iOS) و (Android).
فعلى سبيل المثال خاصية VoiceOver (iOS) وTalkBack (Android) هي عبارة عن قارئ شاشة قائم على الإيماءات ويسمح للأفراد ذوي الإعاقات البصرية بالتفاعل مع أجهزتهم، عن طريق اللمس والصوت، وبالتالي يستطيع الطفل تلقي المعلومة التي يريدها أو تصديرها دون الحاجة إلى النظر في الشاشة.
أيضا ميزة التنبيهات المرئية والاهتزازية فهي تنبه فاقدي السمع أومن يعانون من ضعف السمع على المكالمات والرسائل والإشعارات التي تصلهم، كما يمكن توصيل أجهزة iOS وAndroid بالمساعدات السمعية عبر البلوتوث، وكل ذلك فيه نفع للطفل وتسهيل عليه.
وأخيرا، نخلص من خلال الدراسات والتجارب أن الأجهزة المحمولة يمكن استخدامها بنجاح في البرامج التعليمية التي تستهدف المهارات الأكاديمية والتواصلية والسلوكية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. لكن هناك حاجة ماسة لدعم هذا النوع من التكنولوجيا في ميدان التربية الخاصة، فخلال جائحة كوفيد- 19، قدم التحول المفاجئ إلى التعلم عبر الإنترنت فرصًا جديدة وتحديات غير متوقعة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وأولياء أمورهم.
في ظل هذه الظروف الفريدة هناك حاجة ماسة إلى التفكير والتخطيط الهادف إلى دعم الأسر في المنطقة العربية -بدلاً من تعريضهم لأعباء إضافية- والعمل بشكل تعاوني على تطوير وتكييف تكنولوجيا الأجهزة المحمولة وتطبيقاتها لتدعم اللغة العربية، أو ترجمة التطبيقات المتاحة حاليا وتكييفها بما يناسب البيئة العربية، وكل ذلك يحتاج إلى جهود مشتركة بين الباحثين وصانعي التكنولوجيا ومتخذي القرار.