ترجمة وتحرير نون بوست
تربية الأطفال ليست مهمة سهلة أبدا، والقيام بها عند المرور بفترات صعبة قد يكون تحديا حقيقيا. تسيطر علينا بسبب الوضع الوبائي الذي نعيشه حاليا مشاعر سلبية، مثل العصبية واليأس والحزن والإحباط، وهو ما قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة تجاه تصرفات الأطفال.
توضح الأخصائية النفسية سيلفيا ألافا أننا “متأثرون جميعا بالظروف الحالية بشكل أو بآخر، وبسبب صعوبة هذه الظروف، قد تصدر عن الأم أو الأب ردود أفعال غير متناسبة مع تصرفات الأطفال”.
ومن المعروف أن المشاعر السلبية تظهر لدى الإنسان بشكل طبيعي، خاصة عند حدوث تغييرات جذرية في محيطه أو في مسائل تمس بشكل مباشر من شعوره بالأمان أو مستوى عيشه. ولكن حتى في هذه الأوضاع المعقدة، يجب على الوالدين التصرف برصانة، والحفاظ على قدر معين من الهدوء، حتى عندما يكونون في قمة التوتر أو الانهيار العاطفي.
في كل الأحوال، هنالك من يرى أن التعبير بشكل صريح عن هذه المشاعر السلبية أمام الأطفال، وإظهار الأب أو الأم أن مزاجهما متعكر، قد يعطي للأطفال درسا مجانيا في كيفية فهم العواطف الإنسانية.
لا ضير من البكاء وإظهار الحزن أحيانا أمام الطفل
ولكن حتى يكون الدرس مفيدا، يجب على الأبوين الانتباه إلى بعض الجوانب المهمة. يقول الأخصائي النفساني بموقع (ifeel)، رافاييل سان رومان: “يجب على الأب والأم أن يوضحا للطفل أن بعض ردود الأفعال طبيعية جدا في حالات معينة، ولكن هذا لا يعني أبدا أنهما يمران بحالة انهيار كامل وأنهما فقدا القدرة على الاهتمام بالعائلة”.
بشكل عام، يعتبر الشعور بالعجز والضعف أمام المرض، أو الشعور بالعصبية والخوف من فقدان شخص عزيز أو خسارة الوظيفة، ردة فعل طبيعية جدا، ولكن يصبح هنالك مشكل عندما تتكرر هذه المشاعر بشكل يومي. يقول سان رومان: “إذا استسلم الكبار لهذه المشاعر وأصبحت تلك هي حالتهم العاطفية باستمرار، فإن هذا قد يعطل دورهم كوالدين. إضافة إلى ذلك فإنهم سينقلون هذه المشاعر السلبية إلى أطفالهم، خاصة إذا كانوا صغارا جدا، وسيزرعون فيهم شعورا بانعدام الأمان والهشاشة النفسية.”
لكن بعيدا عن هذه السيناريوهات التي يجب الانتباه إليها، وضرورة طلب الرعاية الطبية عند حدوثها، فإنه لا ضير من البكاء وإظهار الحزن أحيانا أمام الطفل. تقول ألافا: “لا توجد نتائج وخيمة لبكاء الأبوين أمام الصغار. يمكن القيام بذلك بشكل طبيعي وفي سياق مفهوم بالنسبة لهم. ولكن يجب أن نفرق بين التعبير عن المشاعر بشكل صريح، ونقل المخاوف للطفل منذ سن مبكرة”.
مراعاة مشاعر الأطفال
نفس هذا الرأي يعبّر عنه سان رومان، حيث يدعو جميع الآباء والأمهات إلى اتخاذ بعض الاحتياطات عند تعريض الأطفال القُصّر للمشاعر المتقلبة، ويقول: “يجب أن تكون هناك مراوحة بين الانفتاح ومراعاة بعض الضوابط. يمكن لأحد الوالدين أن يعترف أمام أطفاله بأنه في مزاج سيء، وأن هناك أمرا يؤرقه أو يحزنه، وهو أمر قد يتقبله الأطفال. ولكن لا يجب طلب الدعم والمساعدة من طفل، خاصة إذا كان صغيرا جدا”.
وينصح رومان بتجنب إظهار المشاعر المتطرفة وردود الأفعال العنيفة، لأن الأطفال لن يفهموا السياق الذي جاءت فيه. من المهم أيضا أن نتذكر أن العلاقة بين الأبوين والطفل ليست علاقة متكافئة، بل إن الأبوين مسؤولان عن الصحة الجسدية والنفسية لأبنائهم، ولكن العكس ليس صحيحا. هذه ليست علاقة تكافل وتكامل، حيث يقوم كل طرف بدعم الطرف الآخر عندما يحتاج إليه، كما هو الحال مثلا بين الأصدقاء.
يمثّل التعبير بانفتاح عن العواطف تجربة مهمة للأطفال لتطوير الذكاء العاطفي. ويقول سان رومان “إن الوالدين يمكنهما تثقيف الطفل من خلال التحدث معه عن العواطف والتعبير عنها في حدود معينة، ولكن مع ضرورة التصرف كبالغين ومسؤولين عن رعاية ذلك الطفل، حتى لا يعتقد أن مرور أمه أو أبيه بيوم سيء سيجعلهما يتوقفان عن حمايته وتوفير احتياجاته”.
التعبير بانفتاح عن العواطف تجربة مهمة للأطفال لتطوير الذكاء العاطفي
ويؤكد الخبير النفسي على أهمية أن يفهم الطفل العلاقة بين هذه العواطف والظروف المحيطة بأبويه، مثل الشعور بالخوف والغضب والذنب والحزن والخجل. إضافة إلى ذلك، يجب أيضا أن يكون تعامل الوالدين مع هذه العواطف نموذجا يحتذي به الطفل عندما يمر بحالات مماثلة.
هذه المواقف التي يمر بها الطفل قد تمثل أيضا أداة لتوعية الوالدين، حيث تقول ألافا: “في كثير من الحالات نعاني من ضغوط الحياة وهذا ينعكس سلبا على طريقة تعاملنا مع الطفل. يكثر الأولياء من استعمال عبارات مثل “ارتد ملابسك بسرعة نحن مستعجلون”، أو يجبرونه على تناول الطعام على عجلة، رغم أن هذا لا يتناسب مع سنه. في هذه المواقف، يحسن الطفل رد الفعل وينبه الأب أو الأم إلى أنهما يتصرفان بشكل غير متوازن”.
وتضيف: “المشكل ليس الوضع الذي نمر به، بل الطريقة التي نتفاعل بها مع ذلك الوضع. هذا الأمر مهم خاصة للأطفال الذين يلتقطون كل الرسائل اللغوية وغير اللغوية التي تصدر عن الكبار. لذلك يجب على الكبار أن ينتبهوا إلى أنهم يمثلون النموذج والقدوة لأبنائهم، وبالتالي يجب عليهم التحكم في عواطفهم والتعبير عنها بشكل بنّاء وعقلاني”.
يمكن أيضا إشراك الأطفال في عملية التحكم بعواطفنا. وتقترح ألافا أن نطلب من الطفل أن يحضننا، أو يرقص معنا أو يغني معنا حتى يتحسن مزاجنا.
استراتيجيات التحكم بالمشاعر
عندما يشعر الكبار بأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل الضغوط، فإن أول خطوة يجب القيام بها هي محاولة استيعاب الوضع. من الضروري أن يحددوا بكل صراحة سبب هذا التوتر العاطفي، ويعرفوا ما إذا كان الأمر يتعلق بالعائلة أو العمل أو أي موضوع آخر. ثم يبدأ البحث عن الحلول أو على الأقل احتواء المشكل الذي يعكر المزاج، حتى لا تمتد تأثيراته إلى سلوكنا تجاه الأطفال. وتاليًا بعض الاستراتيجيات الفعالة للتحكم بالمشاعر:
اطلب المساعدة: تقول ألافا إن كثيرين يشعرون بالتردد حيال طلب المساعدة، ولكن في الحقيقة، هذه الخطوة دليل على الشجاعة لأنها تعكس اعتراف الإنسان بأن قدراته محدودة وأن هنالك أخصائيين أو أشخاصا محيطين به قادرين على تقديم الدعم والمشورة، حتى يتمكن من التعامل مع الوضع.
عدم التظاهر بالكمال: الكمال غير موجود في عالم البشر، وبالتالي لا يجب علينا رفع سقف انتظاراتنا. لا أحد يمكنه الحصول على كل شيء وفي كل وقت دون أن يمر بصعوبات وحالات نفسية سيئة، أو أن يضطر للتضحية بشيء مقابل الفوز بشيء آخر.
استخدام أساليب جديدة لتعديل المشاعر: هنالك مسارات يمكن أن يمر بها الإنسان للتعافي وخفض مستوى التوتر، وهي مفيدة للجميع، رغم أن الوباء المتفشي حاليا في العالم فاقم من صعوبة الأوضاع وحالات الإحباط التي يعاني منها الكثيرون.
وتقول ألافا: “لقد أصبح الوضع أكثر صعوبة، ففي الماضي ربما أكون قد نجحت في تخطي حالة الإحباط والعصبية بفضل اللجوء لأصدقائي وقضاء وقت معهم، ولكن بسبب الحالة الوبائية وإجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة، فإن هذا الأمر لم يعد ممكنا. لهذا أصبحنا بحاجة لأساليب جديدة يمكننا تطبيقها بمفردنا. ومن الأفضل أن تكون هذه الأساليب نشطة وليس سلبية. وعلى سبيل المثال، الاكتفاء بالجلوس في الغرفة ومشاهدة المسلسلات هو أسلوب سلبي، أما الطبخ ممارسة الهوايات والمهارات اليدوية هو أسلوب نشط. مثل هذه السلوكيات الإيجابية والبناءة لن تساعدنا فقط على تحسين حالتنا النفسية، بل تمثل نموذجا رائعا للأطفال ليتعلموا كيفية التعامل مع هذه الأوضاع الصعبة”.
التواصل بين الأبوين: يقول سان رومان إن مهمة التربية والرعاية تتطلب شخصين، ويجب أن يكون هناك تواصل جيد بينهما، من أجل التعايش والتعاون بعيدا عن الفوضى والتناقضات.
نظّم حياتك: هذا الأمر لن يمنع حدوث المشاكل، ولن يمحو المخاوف بين عشية وضحاها، ولكنه يهيء الظروف المواتية لحياة مريحة. اتباع نظام معين في حياتنا اليومية يحد من العصبية وردود الأفعال المتطرفة. عندما تنام بشكل كاف، أو تحافظ على ترتيب البيت، فإنك ستتعامل بشكل أفضل مع متاعب الحياة.
المصدر: لافانغارديا الإسبانية