يوما ما كنت إسلاميًا!

ليس ما أقصده من العنوان ما ذهب له تفكيرك واستحضرته ذاكرتك، وهو الحديث عن كتاب أحمد أبوخليل (يومًا ما كنت إسلاميًا)، إنما استعرت عنوان المقال من عنوان الكتاب لأن (يومًا ما كنت إسلاميًا) لم يكن عنوان لكتاب فقط إنما كان عنوانًا لحالة فكرية وظاهرة شعوريه لمرحلة زمنية عصيبة أصابت شريحة كبيرة من أبناء التيار الإسلامي الذي وجد نفسه بين فجوة كبيرة بين المنهج المقروء والواقع المنظور والمشهود.
وهي تلك الفترة الزمنية التي عاشتها الأمة الإسلامية في انتكاسة – ولازالت – بعد أن تحول الإسلام من دين سماوي معصوم/منزه/مقدس/جامع/حضاري إلى أيدولوجيا فكرية (الأيديولوجيا هنا ليس باعتبارها “مجموعة متماسكة من المبادئ السياسية، أو طريقة ونمط ومرجع لاتجاه معين في التفكير السياسي” (تعريف كارل بوبر) فقط إنما أيضًا باعتبارها “نسقًا من الأفكار يبرر خضوع جماعة أو طبقة ما، لجماعة أو طبقة أخرى، مع إضفاء قدر من الشرعية على هذا الخضوع” (تعريف ديفيد جيري وجوليان جيري)(1) هذه الأيدولوجيا الفكريه ناقصة/ قابلة للنقد والرد والتصويب/ مفرقة/ ضيقة.
لابد أن تطوى صفحات هذه الفترة ونبدأ صفحة جديدة كمسلمين عاملين لدين الله بعيدًا عن صور وأشكال الإسلام السياسي الذي قسم المسلمين وشردهم وشتت شملهم، وقذف في قلوبهم الفرقة والتنازع ففشلوا وذهبت ريحهم وكانوا كقصعة تتداعى عليها كلاب السكك وذئابها لتنهش في عرضها وكرامتها ودينها، فأضحت الأمة ما بين سني وشيعي، والسني مابين جماعات وفرق وأحزاب (إخوان منتظم وإخوان إكس وسلفية جهادية وحركية وعلمية وجهاد وتحرير ووهابية أولى ووهابية نجدية واقعية برجماتية ..) وكل بما لديهم فرحون، والكل يرى هو الصواب، والجميع يرى أنه الحق وغيره من أهل الباطل، والكل يرى النقاء الإيماني هو أهله، والصفاء العقدي هو يحتكره، والجمال الرسالي هو ابنه الشرعي والمتحدث الرسمي باسمه واسم السماء.
ولابد أن نكشف اللثام ابتداءً عن أن نقدنا للإسلام السياسي وهدمنا لنظرياته وإطروحاته ي ليس نقد للإسلام – حاشا لله – إنما هو نقد تصور فئوي قاصر لمفهوم الإسلام الشمولي التسلطي لبعض جماعات وأحزاب الإسلام السياسي الأصولي.
والإسلام السياسي كمصطلح سياسي وإعلامي وأكاديمي استخدم لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره نظامًا سياسيًا للحكم (رغم أنه لا يوجد تصور حقيقي وفاعل لصورة الحكم الإسلامي في العصر الحديث) حيث تعتبر السعودية وإيران وحركة طالبان في أفغانستان والسودان والصومال أمثلة لهذه الدول التي تنتهج الشريعة الإسلامية نظامًا للحكم !!(2) (لك أن تتخيل أخي القارىء هل هذه الدول تمثل الإسلام فعلاً وتنتهج سياسات نابعة من الشريعة الإسلامية؟!)، والغريب أن كل دولة من هذه الدول ترى امتلاك البث الحصري للإسلام المحمدي الحق دون غيرها، فإيران مثلاً تدعى بامتلاكها الإسلام المحمدي وليس الإسلام الأمريكي الذي تنسبه للسعودية وهكذا السعودية على نقيضها وطالبان والسوادن كذلك!
ظهر الاهتمام بالإسلام السياسي عالميًا بعد أحداث 11سبتمبر وحدث في هذه الفترة الحرجة نوع من الفوضى في التحليل أدى بشكل أو بآخر إلى عدم التمييز بين الإسلام كدين وبين مجاميع معينة تتخد من بعض الاجتهادات في تفسير وتطبيق الشريعة الإسلامية مرتكزًا لها، حيث يرى بعض المحللين الأمريكيين في شئون الإسلام مثل روبرت سبينسر المعادي للإسلام أنه “لايوجد فرق بين الإسلام والإسلام السياسي وأنه من الغير المنطقي الفصل بينهما، فالإسلام بنظره يحمل في مبادئه أهدافًا سياسية”، وقال سبينسر ما نصه “إن الإسلام ليس مجرد دين للمسلمين وإنما هو طريقة وأسلوب للحياة وفيه تعليمات وأوامر من أبسط الأفعال كالأكل والشرب إلى الأمور الروحية الأكثر تعقيدًا” كما يقول(3).
ويرجع كثير من المؤرخين نشأة الإسلام السياسي بسقوط الخلافة الإسلامية 1928 إلى أن كثيرًا غيرهم يرى الأمر أبعد من هذا الحدث الجلل بكثير حيث يرى بعضهم أن الإسلام السياسي نشأ بعد وفاة المعصوم – صلى الله عليه وسلم – فتحول الأمر من طور النبوة المعصومة إلى طور البشر الخطّائين والتي ظهرت بذرتها ليلة (السقيفة)، وتحولت لفتنة عمياء يوم (الجمل)، ثم نشبت حرب هوجاء يوم (صفين) والذي قُتل فيها ما يقارب سبعين ألفًا من الأخيار الأطهار بسبب خلاف في الرأي السياسي، ولازال المسلمون يعانون من هذا المأزق التاريخي حتى الآن حيث تغلبت القوة على الحق والملك على الخلافة والبغي على العدل، وسُفكت الدماء، وقُتل الأبرياء، ونبتت بذور الغلو والتطرف والتكفير، وحُكمت الأمة بالقوة وتقسمت وتشتت نسيجها وتمزق شملها وتفتت وحدتها.
وهناك من يرى أن الإسلام السياسي نشأ 1744بعد اتفاق الدرعية بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب (بدعوته وفكرته) والأمير محمد بن سعود (بسيفه وقوته) الشيخ الذي يبحث عن مظلة سياسية لحماية دعوته “الدينية”، والتي بدأت بداية صحيحه في تنقية عقائد المسلمين والتخلص من البدع والمنكرات مثل التوسل والتبرك بالقبور ، والأمير الذي يبحث عن مظلة دينية لمد سلطته “السياسية” والسيطرة على المدن والقرى المجاورة، الأساس الذي قامت عليه الدولة وكان اتفاقًا سياسيًا ـ ثيولوجيًا تم بموجبه توزيع/ تقسيم السلطة (بشكل ضمني) إلى سلطة سياسية (زمنية) يتولاها ابن سعود (وورثته من بعده)، وأخرى ثيولوجية (دينية) يتولاها الشيخ (وورثته من بعده) (4)، ويؤخذ على الوهابية تأثرها بقيم الصفوية في تنصيب إمام للمسلمين لا تتوفر فيه شروط الإمامة كمحمد بن سعود، وربطها الولاء للدعوة بتأييد هذا الإمام وتكفير الآخرين غير الموالين والمؤيدين له كالخلافة العثمانية والأشراف وحريملاء وضرماء وأهل القصيم والزلفى، وأحدثت فيهم قتل وتدمير ومذابح كبيرة وخاصة في عنفوان الدولة السعودية الاولى وبعد تأسيس حركة إخوان من أطاع الله(5)، وقد اعتبر الشيخ كل من رفض دعوته فقد وجب قتاله لأن دعوته هي دعوة الرسل فهو بالضرورة يرفض الإسلام والتوحيد، وكل من يرفض مبايعة الدولة فيجب قتاله لأنه يرفض الدخول في عقد الدولة التي تحمي التوحيد من الشرك(6).
وتوالت بعد الوهابية حركات الإسلام السياسي من حركة ديوباندى في الهند على يد الشيخ “سيد أحمد خان” والتي كانت البذرة التي نشأت منها حركة طالبان باكستان ثم تأثر بالديوبانديه الشيخ “أبو الأعلى المودودي” والذي أنشأ الجماعة الإسلامية في باكستان.
وبعيدًا عن التيار الجهادي التكفيري وجرائمه في حق الأمة ومجتمعاتها شرقًا وغربًا وفي حق الدعوة الإسلامية وتأخرها والنفور منها ومحاربتها في شتى بقاع الأرض، وبعيدًا عن التيار السلفي الانبطاحي الذي ينمو ويترعرع في أحضان الطاغوت والاستبداد والدكتاتورية العسكرية ويتترس بحماية أعداء الدعوة والدين وينشأ في دكاكين أمن الدولة وحجر المخابرات العسكرية، كانت جماعة الإخوان المسلمين الأكثر شعبية والأقوى رسوخًا في جذور المجتمع وفصائله وشرائحه والأكثر عملاً بشمولية الإسلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى جاءت الثورات العربية فكشفت الجماعة عن وجهها البرجماتي الإصلاحي الصفقاتي وفرطت في الثورة ومسارها حتى وصلت للحكم في مصر، ولم تقدم نموذجًا إسلاميًا واضحًا جليًا يحتذى به ويشار إليه في أية مجال من المجالات الإعلامية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية فأخطأت وأساءت وتم استغلال أخطائها وتوشويهها ولفظها المجتمع المصري وفقدت جزء كبير من حاضنتها الشعبية وتم الانقلاب عليها وعلى الرئيس المنتخب وسفك دماء الآلاف من مؤيديها والزج بآلاف أخرى في السجون والمعتقلات.
والأرض ممهدة الآن ومعبدة ومهيئة لانتظار مولودها الجديد الذي يسد الثغرة الآن، والأحداث حبلى، والمخاض عسير، والأمة في أشد الحاجة لمولود جديد كامل مكتمل غير مشوه بالواقع المرير للإسلاميين ولا أسير ضربات الماضي الأليم للمسلمين، مولود همه الإسلام – والإسلام فقط -، وجماعته المسلمون – كل المسلمين -، ونطاقه الأمة – كل الأمة -، وانحيازه للإنسان – كل الإنسان – فمن سيكون المولود الجديد؟ ومتى سيولد؟
المصادر:
- (1) سمير حمادى في مقال بموقع التقرير (الوهابية والسلفية الجهادية.. مقدمة فى إشكالية العلاقة) بتصرف.
- (2) الإسلام السياسي (ويكبيديا..)
- (3) نفس المصدر السابق
- (4) مقال لسمير الحمادي (الوهابية والسلفية الجهادية..)بموقع التقرير عن كتاب بن بشر (المجد في تاريخ نجد).
- (5) نقد الوهابية – الوهابية – المعرفة.
- (6) مقال لخالد بن صقر (جدل التشابه والاختلاف بين داعش والوهابية)موقع التقرير.