أصدر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مساء أمس الأحد 7 من فبراير/شباط 2021 قرارًا بحل الحكومة الحاليّة، تمهيدًا لإعلان تشكيلة حكومية جديدة اليوم الإثنين، وذلك استنادًا إلى أحكام الوثيقة الدستورية، وبحسب توافق مجلس شركاء الفترة الانتقالية في السودان.
حمدوك في بيان له أعفى وزراء الدولة بالحكومة الانتقالية من مناصبهم، بجانب إنهاء تكليف الوزراء المكلفين بتصريف أعباء وزارات، لافتًا إلى استمرار الوزراء في مواقعهم لتصريف الأعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة وإكمال إجراءات التسليم والتسلم.
كان من المقرر حل الحكومة الحاليّة الخميس الماضي، لكن مجلس الشركاء الجديد (29 عضوًا، بينهم رئيسا مجلسي السيادة والوزراء، إلى جانب شخصيات من الائتلاف الحاكم وقادة حركات الجبهة الثورية) أرجأ هذه الخطوة إلى مطلع الأسبوع الحاليّ لدراسة الأسماء المرشحة للتشكيل الجديد.
وتمتد المرحلة الانتقالية السودانية لفترة 53 شهرًا وفق المتفق عليه بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 11 من أبريل/نيسان 2019، تبدأ من 21 من أغسطس/آب 2019، وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، فيما يتقاسم خلالها السلطة كل من المؤسسة العسكرية وائتلاف قوى “إعلان الحرية والتغيير”.
التزامًا باتفاق السلام
تأتي الخطوة الحاليّة التزامًا باتفاق السلام الموقع بين السلطة الانتقالية وحركات الجبهة الثورية في 3 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي أُعيد على أساسه تشكيل المجالس الانتقالية بما يسمح للموقعين المشاركة في السلطة الحاليّة، الأمر الذي يتطلب إعادة تشكيل خريطة الحصص الوزارية في الحكومة الجديدة.
الاتفاق أقر بعض التعديلات على الوثيقة الدستورية المعمول بها منذ الإطاحة بالبشير، على رأسها إعادة تشكيل السلطة الانتقالية التي كانت محصورة في الجيش وقوى الحرية والتغيير، لتصبح “الجبهة الثورية” الضلع الثالث لمثلث الحكم في السودان.
وتُمثل الجبهة بحسب الاتفاق بثلاثة أعضاء داخل المجلس السيادي، بجانب منحها 5 حقائب وزارية في الحكومة، إضافة إلى 25% من أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان)، أي 75 مقعدًا من عدد المقاعد الكلي البالغ 300 مقعد، مع تمثيل نسبي في المفوضيات المستقلة التي ستنشأ بموجب الدستور.
وكانت تلك التعديلات قد أثارت موجة من الانتقادات المتعلقة برفض سياسة المحاصصة في الحكم، وهي الإستراتيجية التي ثبت فشلها قديمًا في السودان وحديثًا في بلدان المنطقة، الأمر الذي كان يتوقع معه أن تتقدم البلاد إلى الأمام في تشكيل نظامها السياسي الجديد، لا أن تعود للخلف مكررة أخطاء الماضي والآخرين وفق رؤية البعض.
تصاعد الغضب الشعبي
تأتي هذه الخطوة أيضًا وسط تصاعد كبير للغضب الشعبي حيال أداء السلطة الانتقالية بمكونيها، العسكري والمدني، لا سيما بعد الفشل الواضح في التعامل مع الملفات الرئيسية التي قامت على أساسها الثورة، والمتعلقة في المقام الأول بالملف الاقتصادي والحقوقي.
22 شهرًا على الإطاحة بنظام البشير وما زال السودانيون يعانون من أزمات اقتصادية طاحنة، زادت من تفاقم الوضع ومعدلات البطالة والفقر والتضخم، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الحياة المعيشية لملايين السودانيين، الواقعين بين مطرقة الوعود الثورية وسندان مرارة الواقع.
ندرة الخبز ونقص الوقود وانهيار العملة الوطنية ونقص السيولة وتأخر الرواتب وزيادة البطالة، أزمات يعانيها السودانيون ليل نهار، في ظل فشل ذريع من حكومة حمدوك في علاج الكثير منها، رغم الوعود التي قطعها على نفسه خلال حلفه لليمين في أثناء تسلمه الحكومة رسميًا في سبتمبر/أيلول 2019.
الأمور تجاوزت البعد الاقتصادي إلى السياسي والوطني، حيث جاء قرار التطبيع مع “إسرائيل” ليزيد نار الغضب الشعبي اشتعالًا ضد السلطة، الحكومة والمجلس السيادي، التي يعتبرها الشارع السوداني خائنة للأمانة وضاربة بمرتكزات الدولة السودانية الوطنية والتاريخية عرض الحائط.
وفي المجمل فإن أداء السلطة خلال العامين الماضيين، على المسارات كافة، لم يكن على مستوى تطلعات السودانين الذين أطاحوا بنظام البشير، وكانوا يؤملون أنفسهم بمستقبل أكثر إشراقًا، وهو ما توثقه الاحتجاجات الدورية بين الحين والآخر، التي تأتي تحت شعارات “تصحيح الثورة”.
احتواء الشارع الثائر
البعض يطالب بأن يراعي التشكيل الجديد للحكومة مطالب الشارع الثائر، بحيث يركز على اختيار أسماء مؤهلة للتعاطي مع الملفات الاقتصادية المعقدة التي تمثل حجر الأساس في الاحتقان الشعبي ضد السلطة الانتقالية، في بادرة حسن نوايا يمكن للحكومة أن تقدمها استجابة لرأي الشعب.
في يوليو/تموز 2020 أجرى رئيس الوزراء السوداني تعديلًا حكوميًا، غادر بموجبه سبعة وزراء من أصل 17 وزيرًا الحكومة الانتقالية، على خلفية تظاهر عشرات آلاف السودانيين في العاصمة الخرطوم ومدن السودان المختلفة تحت شعار “تصحيح مسار الثورة” في 30 نت يونيو/حزيران الماضي.
واستجابة لرغبات المحتجين أطاح حمدوك بـ: وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله ووزير المالية والتخطيط الاقتصادي إبراهيم البدوي ووزير الطاقة والتعدين عادل علي إبراهيم ووزير الزراعة والموارد الطبيعية عيسى عثمان ووزير النقل والبنية التحتية هاشم طاهر ووزير الثروة الحيوانية علم الدين عبد الله، كما أعفى حمدوك وزير الصحة أكرم علي التوم، ولم يعين وزراءً جددًا، بل وكلاء الوزارات ووزير دولة “بتصريف أعمال الوزارات”.
ورغم تلك التغييرات الجذرية التي شهدتها الحكومة، فإنها لم تلب طموحات السودانيين، إذ أبقى حمدوك في حكومته على بعض الوزراء رغم الانتقادات الحادة التي يتعرضون لها ليل نهار بسبب فشلهم في أداء مهامهم، ما انعكس على تعزيز الوضع المذري المعيشي للشعب.
وكان على رأس الوزراء الذي تمسك رئيس الحكومة بالبقاء عليهم رغم الحملات المتواصلة ضده، وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني، الذي بسببه يجلس عشرات آلاف المواطنين على الطرق ويصطفون أمام المخابز ساعات طويلة، منذ الفجر وحتى الظهيرة، للحصول على قطعة خبز واحدة، وكثير منهم يغادرون دون الحصول عليها.
ورغم الوعود التي قطعها الوزير على نفسه طيلة الفترة الماضية بشأن حل تلك الأزمة خلال أيام، فإنها وعود تسويفية يراد بها كسب المزيد من الوقف لا أكثر، إذ إن الأزمة تتفاقم والأوضاع تنحدر بصورة دفعت الكثيرين إلى التشكيك في سر الإبقاء عليه داخل وزارة حمدوك.
وتبقى الأسماء المختارة في نطاق السرية حتى إعلانها رسميًا، لكن من المؤكد أن يتضمن التغيير حقيبة التربية والتعليم كونها من الوزارات المخصصة لأطراف العملية السلمية (الجبهة الثورية)، بالإضافة إلى 6 وزارات أخرى، كما جاء في بيان حمدوك.
التعديل الحكومي الأول الذي أجري في يوليو/تموز الماضي لم يؤت ثماره في احتواء الغضب الشعبي الذي تفاقم أكثر بعد هذه الخطوة التي تجاهلت مطالب السودانين، فهل ينجح التعديل الثاني في التخفيف من الاحتقان ضد الحكومة؟ هذا ما ستكشفه التشكيلة الجديدة وقدرتها على إنجاز ما فشلت فيه الحكومة المُحلة.