ترجمة وتحرير: نون بوست
يعتبر القلق من بين أكثر الأمراض النفسية شيوعًا ودراسةً في الأوساط العلمية. ومع ذلك، يوجد آثار جانبية للقلق لم تنل الاهتمام الذي تستحقه حتى الآن في البحوث العلمية. سنحاول من خلال هذا المقال اكتشاف ما إذا كان للقلق تأثير على القدرات المعرفية للشخص.
الآن، هل يمكن لاضطرابات القلق أن تسبب قصورًا معرفيًا؟
من أجل الإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا أولًا التفكير في بعض الأسئلة الأخرى. عند الحديث عن اضطراب القلق العام، يلاحظ المتخصصون مجموعة كبيرة من الأعراض المحتملة التي تظهر أيضًا بطريقة معينة أو بكثافة محددة اعتمادًا على حالة كل مريض. على المستوى النفسي، قد تكون بعض هذه الأعراض شديدة وغير متناسبة في مواجهة بعض المواقف، مثل التفكير المبالغ فيه وتصور سيناريوهات سوداوية وتخيل التهديدات.
لعل التفكير المبالغ فيه والشعور بالهم من الأعراض الثابتة لدى الشخص الذي يعاني من هذه الحالة. كما يعاني مشاكل في التركيز وتهدئة نفسه لأنه معتاد على هذه الحالة العصبية. بناء على هذا السيناريو، من المنطقي التفكير في فرضية أن يتسبب القلق في قصور معرفي.
إن السؤال المهم ليس ما إذا كان للقلق تأثير سلبي على قدرتنا المعرفية والإدراكية فحسب، بل إلى أي مدى يمكن أن يعاني الشخص من هذه المشكلة؟ وما هي مناطق الدماغ التي يمكن أن تتأثر؟ وما هي التداعيات الصحية لاضطرابات القلق؟
كيف يؤثر القلق على قدراتنا المعرفية؟
بالنظر إلى جوانب الإدراك التي يمكن أن تتأثر باضطرابات القلق، هناك العديد منها التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، وفيما يلي أهمها:
الانتباه الانتقائي
في المقام الأول، نستطيع من خلال الانتباه الانتقائي التركيز على حافز معين والبحث عن نمط محدد بين المعلومات التي تتلقاها أدمغتنا من خلال الحواس. يمكن أن تنخفض هذه القدرة بسبب القلق مما يجعل من الصعب التمييز بين جميع تلك البيانات، الأمر الذي يبطئ الانتباه الانتقائي ويقلل من فعاليته في الظروف العادية.
الذاكرة العاملة
تندرج الذاكرة ضمن الوظائف التنفيذية التي يمكن أن يؤثر عليها القلق. وتسمح الذاكرة العاملة للدماغ بتخزين المعلومات مؤقتًا من أجل تطوير تلك البيانات بنشاط. وعندما نسأل أنفسنا ما إذا كانت مشاكل القلق يمكن أن تسبب قصورا معرفيا، يجب ألا ننسى أن الذاكرة من أكثر وظائف الدماغ تضررا.
التحكم التثبيطي
إن التحكم التثبيطي هو القدرة على التحكم في الاستجابات الاندفاعية لمحفزات معينة وتعديلها. عندما تسبب اضطرابات القلق مثل اضطراب القلق العام صعوبات في التحكم التثبيطي، سيكون من السهل على المريض أن ينجرف وراء الاستجابات التلقائية الموجهة بالعواطف ويكون مندفعًا بدلا من التفكير مليا.
اتخاذ القرارات
قد يؤدي القلق إلى إضعاف قدرتنا على اتخاذ قرارات عقلانية. من المرجح أنه يكون من الصعب علينا اتخاذ قرار بطريقة محسوبة وعقلانية حين يسيطر علينا القلق. بدلا من ذلك، يمكننا اختيار استجابة سريعة ومتهورة دون تقييم نتائج ردود أفعالنا.
المعالجة العاطفية
إن العامل المعرفي الآخر الذي يمكن أن يتضاءل لدى من يعانون من القلق له علاقة بتحديد ومعالجة المشاعر. بعبارة أخرى، يمكن للفرد أن يواجه صعوبات في فهم مشاعره ومشاعر الآخرين أيضًا. لا يستطيع التعرف عليها بشكل صحيح ولا يفعل ذلك بالسرعة الكافية أو يسيء فهم الحالات العاطفية، لأنه يكون تحت تأثير مشاعره.
خطأ الإحالة الأساسي
يتمثل التأثير الآخر للقلق في تعزيز إمكانية الوقوع في التحيزات، أو ما يسمى بخطأ الإحالة الأساسي. هذا الاختصار العقلي يجعلنا نميل إلى ربط سلوكيات معينة بأنواع معينة من الأشخاص بدلا من التقييم المعقول للعوامل الحقيقية التي تكمن وراء هذه السلوكيات.
أهمية المحفزات العاطفية
بمجرد فهم كيف يمكن أن تسبب مشاكل القلق قصورًا معرفيًا، من المهم معرفة العوامل التي تحفزها. وهنا نقصد بذلك المنبهات ذات الطبيعة العاطفية، إذ أنه ليس من المستغرب أن المحفز الذي يولد مشاعر سلبية لدى الشخص المصاب بالقلق من المرجح أن يعمق من تداعيات هذه المشكلة.
إن الشخص الذي يعاني من أي نوع من اضطرابات القلق، مثل اضطراب القلق العام، ويعرف محفزاته، سيلاحظ تفاقم أعراضه بمجرد التعرض لأحدها. هذه الزيادة في الضغط يمكن أن تضعف أو تخلف صعوبات في عمل بعض الوظائف المعرفية المذكورة آنفا.
من أجل تسهيل عملية التعافي وتسريعها، يمكن لمقدم الرعاية اقتراح تمارين محددة تهدف إلى تعزيز قدرات معرفية معينة
يؤثر القلق على وظائف الذاكرة العاملة وتركيز الانتباه الانتقائي أو التحكم التثبيطي. وقد ثبتت صحة هذه الفرضية من خلال تجربة طُلب فيها من مجموعة من المشاركين أداء مهام معينة بعد تعرضهم لضغوط تسببت في ظهور أعراض القلق. وأظهرت النتائج أن أداء أفراد هذه المجموعة كانت متدنية مقارنة بالمجموعة التي لم تتعرض لتحفيز مماثل. كما أن هناك دليلا آخر على أن مشاكل القلق يمكن أن تسبب قصورا معرفيا.
هل يمكن عكس هذا التأثير؟
بعد التعمق في كيفية تأثير اضطرابات القلق على القدرات المعرفية، لسائل أن يسأل: كيف يمكن عكس هذه التأثيرات؟ يؤثر القلق على العديد من جوانب حياتنا، لكن الخبر السار أنه مرض معروف في الأوساط الأكاديمية ويمكن علاجه. سيلاحظ الشخص الذي يعاني من القلق وبدأ العلاج النفسي تحسنا تدريجيا من الناحيتين النفسية والجسدية. وعندما يخضع للعلاج، ستقل حدة التأثيرات السلبية للقلق تدريجيا إلى أن تختفي.
من أجل تسهيل عملية التعافي وتسريعها، يمكن لمقدم الرعاية اقتراح تمارين محددة تهدف إلى تعزيز قدرات معرفية معينة. فعلى سبيل المثال، يمكن تكليف المريض ببعض الأنشطة التي يدور موضوعها حول التمييز بين العناصر المختلفة لتحديد نمط محدد والتخلص من مشاعر القلق. يمكن أيضا التركيز على الذاكرة العاملة من خلال القيام بتمارين بسيطة تتطلب الانتباه والتفكير في عناصر مختلفة تتطلب جهدا معينا، وعلى هذا النحو ستتمكن من تعزيز قدراتك المعرفية والتغلب بشكل أسرع على الآثار السلبية للقلق.
لا يمكن نفي حقيقة أن اضطرابات القلق يمكن أن تسبب قصورا معرفيا، يتجلى في شكل مجموعة متنوعة من الأعراض والتأثيرات. ومع ذلك، مهما كانت هذه المشكلة النفسية حادة فإنه لا يجب الاستسلام لليأس لأن القلق من الاضطرابات التي يمكن علاجها وعكس تأثيراتها من خلال تمارين ذهنية سهلة وبسيطة. ولعل النقطة الأكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بمشاكل الصحة النفسية، هو استشارة طبيب نفسي جيّد حتى تتمكن من تشخيص حالتك وتلقي العلاج في أسرع وقت ممكن.
المصدر: بسيكلوخيا إي منتي