القصة بدأت في الـ 29 من سبتمبر الماضي، عندما قصف طائرات التحالف الدولي ضد داعش صوامع للحبوب في بلدة “منبج” التابعة لمحافظة حلب شمال سوريا، ليصرح في ما بعد “رامي عبد الرحمن” لوكالة “أسوشيتد برس” بأن هذه الضربة خلفت اثنين من المدنيين، مضيفًا: “لم يكن يوجد في داخل الصوامع أي من مقاتلي داعش”.
في ذلك التاريخ كان عدد الضحايا المدنيين الذين خلفهم قصف التحالف الدولي قد ارتفع إلى 19 شخصًا وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من لندن مقرًا له ويديره رامي، الذي جعل منه مركزًا لأهم المعلومات والأرقام التي تصله من سوريا، حيث تتخذ معظم الوكالات والقنوات حتى تقارير الدول منه مصدرًا مهمًا للأخبار والإحصائيات من سوريا.
هذا التصريح دفع القيادة المركزية الأمريكية للرد بأن صوامع الحبوب هذه كانت تستخدم من قبل داعش “كمركز للخدمات اللوجستية ونقطة انطلاق لعربات وسيارات التنظيم”، لتصرح الخارجية الأمريكية فيما بعد بأنها تحقق في تقارير تحدثت عن موت مدنيين أثناء الضربة، أما البنتاغون فقد قال على لسان الناطق باسمه “الأدميرال جون كيربي: “نحن لا نستطيع أن نتأكد من مدى صحة هذه التقارير التي تتحدث عن موت المدنيين”.
المرصد السوري، وغيره من المصادر الناطقة باللغة الإنجليزية والموثوقة بالنسبة للغربيين، يعتبر مصدرًا مهمًا لتوثيق الأعمال الوحشية التي يرتكبها نظام بشار الأسد، لكن منذ أن قادت الولايات المتحدة حملتها ضد داعش باتت هذه الأرقام التي يوثقها النشطاء وينشرونها لوكالات الأخبار العالمية سيفًا ذون حدين على إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، حيث باتت هذه المراكز تنشر أرقام الضحايا بشقين الأول معنونة باسم ضحايا النظام السوري، والأخرى باسم ضحايا التحالف الدولي.
اللجنة السورية لحقوق الانسان، والتي تتخذ من لندن مقرًا لها، باتت كذلك تنشر تقريرها اليومي والشهري للضحايا موضحة ضحايا قصف النظام السوري، وضحايا قصف قوات التحالف.
المرصد السوري، والذي تأسس في 2006 في مدينة “كوفينتري” في إنجلترا على يد “رامي عبد الرحمن” – هذا هو الاسم المستعار الذي اشتهر به، حيث أن اسمه الحقيقي هو أسامة سليمان – الذي هرب من سوريا عام 2000 بسبب معارضته للنظام، وبعد اعتقال اثنين من أصدقائه.
المرصد الذي يعمل بعدد محدود من الموظفين وشبكة كبيرة من مئات المراسلين والناشطين داخل سوريا، يعمل على “مراقبة وتوثيق ونشر انتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها النظام السوري”، والتي توسعت لتشمل أعداد القتلى والجرحى في صفوف الكتائب المقاتلة، والآن توسعت أكثر لتشمل المدنيين من ضحايا قصف التحالف.
تغطية المرصد للصراع الذي يجري في سوريا دائمًا ما اتسمت بالجدل، حيث اتهم المرصد بالمحاباة والانحياز بعض الأحيان، مرة للنظام ومرة للثوار وآخرها لداعش أو جبهة النصرة، وأدانت الحكومة الروسية المرصد السوري أكثر من مرة متهمة أياه بالمخادع كونه “لا يملك أي خبرة أو تدريب في الصحافة أو القانون حتى أنه لم يكمل مرحلة تعليمه الثانوية”، حسب قولها،
إلا أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية كانت من اللاعبيين الأسياسيين التي احتفظت بأرقام المرصد وكان دائمة الاعتماد عليها، ففي آخر تقرير صادر عنها عن حقوق الإنسان في سوريا الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، اعتمد التقرير في إحصاء أعداد الضحايا على الأرقام الصادرة عن المرصد السوري.
إلا أن استمرار المرصد وغيره من المراكز والنشطاء السوريين بنشر أرقام الضحايا المدنيين من جراء قصف التحالف لداعش؛ يدفع إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للقلق من جراء استمرار تسرب أرقام الضحايا من القصف الذي من المفروض أن يكون “ذكيًا” وموجهًا بدقة بعد دراسة المنطقة لأيام، شهور أو حتى سنوات!
وفي الـ 25 من سبتمبر الماضي قال المرصد إن “ضربات التحالف التي استهدفت ثلاث مصافي للنفط في الريف الجنوبي لمدينة الحسكة؛ أدت إلى مقتل خمسة من المدنيين”، وكذلك في تقرير آخر من ذات الشهر ذكر المرصد أن “الضربات التي استهدفت تنظيم خرسان التابع لتنظيم القاعدة في سوريا خلفت ثمانية قتلى من المدنيين”، في ذلك الوقت صرح البنتاغون بأنه لا يستطيع أن يؤكد صحة هذه التقارير بسبب نقص المصادر الاستخبارية المحلية اللازمة لذلك.
استمرار تصاعد الأخبار حول سقوط ضحايا من المدنيين جرّاء ضربات التحالف، الأمر الذي أكدته منظمة هيومان رايتس ووتش؛ يزيد من صعوبة الأسئلة لإدارة أوباما، الأمر الذي جعل البيت الأبيض يعترف بأن “المعايير الصارمة التي سنت من أجل منع الطائرات الأمريكية بدون طيار من قتل المدنيين لا تنطبق على الحملة ضد الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”!