في الوقت الذي دعمت فيه بعض القوى العربية والغربية، ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر للسيطرة على ليبيا وفرض نظام عسكري هناك، مدت تركيا يدها ودخلت بقوتها إلى جانب الحكومة الشرعية في البلاد حتى تحافظ على ليبيا بعد طلب حكومة الوفاق ذلك.
هذا التدخل التركي كان سببًا مباشرًا في هزيمة حفتر بحرب طرابلس وحسم المعركة لصالح القوى التي تؤمن بمدنية الدولة وتعادي القوى الانقلابية، فهل تتوجه أنقرة الآن لما هو أهم وهو إعادة إعمار ليبيا بعد أن دمرتها سنوات الحرب والمدفعيات التي لم تسكت خلالها؟
علاقات قوية مع السلطة الجديدة
أول المهنئين للفائزين في الحوار السياسي الليبي المنعقد في جنيف كانت تركيا، حيث هنأ الرئيس رجب طيب أردوغان، السبت، محمد المنفي لفوزه برئاسة المجلس الرئاسي الليبي وعبد الحميد دبيبة لفوزه برئاسة الوزراء، معربًا عن تمنايته لهما بالنجاح في مهامهما.
خلال الاتصالين الهاتفيين، شدد أردوغان على مواصلة تركيا تقديم الدعم للحفاظ على وحدة ليبيا السياسية والجغرافية، والمساهمة في إحلال الاستقرار والسلام والأمن والرفاه لشعبها، كما أكد حرص تركيا على مواصلة تطوير التعاون مع ليبيا في المرحلة الجديدة.
أسفر تصويت أجراه أعضاء ملتقى الحوار الليبي برعاية أممية في جنيف، الجمعة، عن فوز قائمة تضم دبيبة رئيسًا للوزراء ومحمد يونس المنفي رئيسًا للمجلس الرئاسي، وعضوية موسى الكوني وعبد الله حسين اللافي، وستتولى القائمة الفائزة في التصويت، إدارة شؤون البلاد مؤقتًا، حتى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 من ديسمبر/كانون الأول 2021.
تنتظر الشركات التركية توقف القتال بالكامل للعودة إلى ليبيا والبدء في الاستثمار، وهناك شركات لم تنتظر ذلك وبدأت بالفعل في إعادة فتح مكاتبها
بدوره، خص رئيس الوزراء الليبي الجديد عبد الحميد محمد دبيبة، وكالة الأناضول التركية (رسمية) بأول حوار يجريه مع مؤسسة إعلامية، عقب فوزه بمنصب رئاسة الوزراء، في هذا الحوار أكد أن حكومته ستتضامن مع تركيا التي وصفها بـ”الصديقة والحليفة”.
وأضاف قائلًا “لدينا تضامن كبير مع الدولة والشعب التركي، تركيا حليفة وصديقة وشقيقة وعندها الإمكانات الكثيرة لمساعدة الليبيين في الوصول إلى أهدافهم الحقيقية، وتركيا تعتبر من الشركاء الحقيقيين لنا”، مؤكدًا “تركيا فرضت وضعها ووجودها في العالم وليس في ليبيا فقط، وهي الدولة الوحيدة التي استطاع الليبيون الذهاب إليها بحرية خلال فترة الحرب”.
وتابع “تركيا فتحت مطاراتها ولم تغلق سفارتها في طرابلس، وأعتقد أن حرية التنقل سوف تنعكس على التعاون بين الشعبين في مجال الاقتصاد، ونأمل أن ننمي هذا التعاون ونرفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات”.
ويعد كل من رئيس الحكومة الليبية الجديد عبد الحميد دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد يونس المنفي من المقربين لأنقرة، ومن المنتظر أن يقود الاثنان ليبيا حتى تنظيم انتخابات عامة مقررة في ديسمبر/كانون الأول القادم.
تعبيد الطريق أمام تركيا
وبعد مساهمتها الفاعلة في دحر حالة التمرد العسكري بقيادة حفتر، من المنتظر أن تتجه تركيا الآن نحو المساهمة بجهود إعادة الإعمار، خاصة وأن أغلب المدن الليبية دُمّرت نتيجة الحرب.
التطورات الإيجابية القادمة من جنيف من شأنها أن تطور العلاقات السياسية بين تركيا وليبيا، خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيسهم في إنعاش الأنشطة التجارية لرجال الأعمال الأتراك في المنطقة مجددًا، وسيفتح الباب أمام الشركات التركية للمساهمة في إعادة إعمار البلاد.
سبق أن أكد العديد من المسؤولين الأتراك استعداد بلادهم للبدء بخطى سريعة في إعادة إعمار ليبيا التي تنهشها الصراعات، كما سبق أن أعرب رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، عن تطلعه لدعمها في إعادة الإعمار.
في هذا الشأن قام عدد من المسؤولين في الرئاسة والحكومة التركية بزيارات عديدة إلى ليبيا على غرار وزراء الخارجية والمالية والنقل ورئيس المخابرات ورجال أعمال لبحث فرص التعاون الثنائي بين البلدين ودعم الاستثمار التركي في هذا البلد العربي المطل على البحر المتوسط.
وتناول المسؤولون الأتراك والليبيون في طرابلس وإسطنبول في أكثر من لقاء ثنائي التحضير لعودة الشركات التركية للعمل مجددًا في ليبيا، وإمكانية جلب شركات جديدة في هذا الإطار بناء على طلب ليبيا، للبدء في أعمال إعادة الإعمار.
إعادة الإعمار
تنتظر الشركات التركية توقف القتال بالكامل للعودة إلى ليبيا والبدء في الاستثمار، وهناك شركات لم تنتظر ذلك وبدأت بالفعل في إعادة فتح مكاتبها للبدء بعودة العمل قريبًا، خاصة ببعض القطاعات الملحة كالكهرباء والمنظومة المصرفية.
وتعمل شركات تركية في ليبيا في مشاريع لتطوير بعض المحطات الكهربائية وإنشاء محطات كهرباء جديدة، إذ تتعدى قيمة المشاريع في القطاع 3 مليارات دينار ليبي (نحو 2.25 مليار دولار أمريكي)، بحسب ما صرح به في وقت سابق رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء في ليبيا المهندس عبد المجيد حمزة.
كما نفذت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا”، مشاريع عديدة في ليبيا، خاصة في مجالات التكنولوجيا والتعليم والصحة، واستأثرت مدينة مصراتة بالنصيب الأكبر من استثمارات تيكا، وتعد تيكا التي تأسست عام 1992، راعيًا ومنسقًا رئيسيًا لمشاريع خيرية كثيرة تنفذها تركيا في مناطق مختلفة من العالم.
تحظى الشركات التركية بتقدير كبير في ليبيا كونها لاعبًا رئيسيًا في البلاد الغنية بالنفط قبل نشوب الحرب
بدأ المقاولون الأتراك العمل لأول مرة في ليبيا عام 1972، ومنذ ذلك الوقت وقعت الشركات التركية عقودًا بقيمة 40 مليار دولار في قطاع البناء بليبيا، ومن المرجح أن يرتفع الرقم في المستقبل، خاصة أن هناك حالة خراب في ليبيا، ما يجعل فرص الاستثمار كبيرة في مجالات عدة.
سبق أن تعاقد جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية الحكومي مع شركات تركية بشأن مشروعات الإسكان قبل عام 2010، كما تعاقد على مشروعات أخرى مع 35 شركة تركية وأبرم معها نحو 148 عقدًا وصلت قيمتها لما يقارب 5 مليارات دينار ليبي.
ووقع الجهاز مع 16 شركة تركية ليبية مشتركة، 60 عقدًا وصلت قيمتهم إلى نحو 3 مليارات دينار ليبي، فيما تعاقدت مصلحة الطرق والجسور مع 5 شركات تركية وأبرمت معها 11 عقدًا بقيمة تصل إلى مليار دينار ليبي وهناك اتفاقات بين ليبيا وتركيا لإنشاء مناطق حرة في ليبيا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، دخول مذكرة التفاهم المتعلقة بالسماح للمقاولين الأتراك بمواصلة مشاريعهم غير المكتملة في ليبيا حيز التنفيذ ، بموجب مرسوم رئاسي نشرته الجريدة الرسمية.
تحظى الشركات التركية بتقدير كبير في ليبيا كونها لاعبًا رئيسيًا في البلاد الغنية بالنفط قبل نشوب الحرب، لذلك فالجميع يسعى للعمل معها والاستفادة من خبراتها، ويفوق عدد الشركات التركية العاملة حاليًّا في ليبيا 48 شركة.
وعن القطاعات التي يمكن أن تشارك في إعمارها الشركات التركية، يمكنها المشاركة في إعادة إعمار المؤسسات العامة والمطارات، وكذلك الموانئ وشبكات المياه والطرق والبلديات، إلى جانب تنظيف المدن من مخلفات الحرب وبناء المستشفيات والفنادق والمنشآت السياحية.
وترغب شركات تركية في إنشاء مدينة متكاملة في طرابلس قبالة قاعة الشعب تسمى غصن الزيتون بتكلفة تصل إلى 3 مليارات دولار، وسيكون تمويل المشروع عبر المصارف التجارية والمدير العام لهيئة الاستثمار وشؤون الخصخصة التابعة لحكومة الوفاق الوطني فاتح الحوات.
هذه المشاريع التركية في ليبيا سيكون وقعها جيدًا على البلدين، فهي ستساعد الاقتصاد التركي، كما ستساعد ليبيا في الاستفادة من خبرات الشركات التركية العالمية وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات الليبيين من حيث السرعة والجودة في العمل.