لجين هذلول الهذلول هذا هو الاسم الثلاثي للناشطة الحقوقية السعودية التي ولدت في 31 من يوليو/تموز 1989 بمدينة جدة، وكانت واحدة من أكثر العاملات في مجال حقوق المرأة جرأةً وصراحةً في المملكة، إذ ركزت نشاطها في ثلاث قضايا، وهي: إنهاء نظام ولاية الرجل التقييدي في البلاد، والسماح للمرأة بالقيادة، وإنشاء جمعية لدعم النساء الناجيات من العنف الأسري، وتأسيس ملجأ لهن.
وهي الأنشطة التي دفعت قوات الأمن الدولي لاحقًا لإلقاء القبض عليها في 15 من مايو/أيار 2018، واحتجازها بمعزل عن العالم لمدة 35 يومًا قبل أن تتمكن من الاتصال بأفراد أسرتها وإخبارهم بالأمر، حيث استمر غيابها ومنعها من التواصل مع عائلتها إلى أن وجّه النائب العام سعود المعجب، اتهامات رسمية لها في 13 من مارس/آذار 2019، أي بعد نحو عشرة أشهر من بدء الاعتقال، وذلك بهدف إسكاتها من ناحية وترهيب النشاط النسوي السعودي الذي كان آخذًا في الازدياد والانتشار بقيادة عدة شخصيات نسائية بارزة أمثال إيمان النفجان وعزيزة اليوسف من ناحية أخرى.
اتسمت كل التهم الغامضة التي وجهت للجين التي لا تشير لأيّ انتهاك قانونيّ واضح، بالعشوائية والهلامية المتغيّرة حسب ما يريده القاضي، وشملت: التحريض على تغيير النظام السياسي والمشاركة في الدعوات لحقوق المرأة ضد قانون الأرض، فيما أشارت التهمة الأخيرة إلى قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، مدعين أن لجين استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للدعوة إلى إلغاء ولاية الرجل والمساواة في الحقوق للمرأة.
في السنوات الخمسة التي عاشتها لجين في المعتقل، تعرّضت لجين للتحرش اللفظي والجسدي عدة مرات، إذ زار سعود القحطاني، المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان، لجين في المعتقل للإشراف على تعذيبها وفي إحدى الجلسات قال لها “سأقتلك وأقطعك إلى أجزاء وألقي بك في الصرف الصحي، لكنني سأغتصبك قبل ذلك”. وكان ذلك جزءًا من عملية التعذيب التي تنتهجها السعودية مع المعتقلات لمعرفتها حساسية هذا الأمر وأهميته بالنسبة للمجتمع العربي المحافظ.
لم يكن من المسموح للجين التواصل مع عائلتها إلا مرات قليلة وعشوائية مقتصرة على إخطار ذويها بالموعد قبل يوم أو ساعات معدودة، إذ كانت عائلتها تتلقى مواعيد المحاكمات بفترة وجيزة قبل بدئها دون تمكنهم من حضورها، في ظل أجواء سرية وبعيدة عن الإعلام. وفي سبتمبر / أيلول عام 2020 دخلت لجين في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على مضي فترة طويلة منذ أن سُمح لها بالتواصل مع عائلتها حسب تغريدة نشرتها شقيقتها لينا، على حسابها في تويتر وأكدّها لاحقاً حساب معتقلي الرأي.
تعتبر هذه الممارسات واحدة من الطرق التي تتبعها الحكومات الديكتاتورية في التعامل مع معتقليها وذويهم بهدف تجنب تفاعل الناس والمنظمات الحقوقية مع الحدث قدر الإمكان، ولا سيما أنها تضمن لهم إبقاء المعتقل مشغولًا بأدنى حقوقه كالزيارات العائلية والتواصل مع فريق محاميه. ظلت الأوضاع كما هي عليها حتى تاريخ 28 من ديسمبر/كانون الأول 2020، حين أدانتها المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض وحكمت عليها بالسجن خمس سنوات وثمانية أشهر، لكنها أوقفت نصف هذه المدة بحساب الوقت الذي قضته بالفعل في السجن، مقررة الإفراج عنها في بداية شهر فبراير/شباط، وهو ما تحقق بالفعل اليوم قبل ساعات معدودة.
مع العلم، أن مسؤولو أمن الدولة حاولوا سابقًا عرض خيار الإفراج عن لجين بشرط أن تسجل مقطعًا مصورًا لها تنفي تعرضها للتعذيب النفسي والجسدي الذي كانت تتعرض له طوال فترة اعتقالها، حيث جاء أول عرض في أغسطس/آب 2019، لكن لجين رفضت هذا العرض وقررت البقاء في السجن واستمرار المحاكمة التي تخضع لها، ما دفع النائب العام السعودي لإحالتها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة بالإرهاب في 10 من ديسمبر/كانون الأول 2020، ولم تُقدم أيّ أدلة جديدة ضدها إلا التغريدات التي كتبتها على حسابها بتويتر والظهور العلني.
تفاصيل أكثر عن لحظة اعتقالها
كانت بدايات نشاط لجين في مواقع التواصل الاجتماعي السعودي عبر منصة “كيك” عام 2013 من خلال مناقشة قضايا اجتماعية متعلقة بالمجتمع السعودي، ومن ثم ازداد تفاعلها عندما انخرطت في النشاط السياسي والاجتماعي بشكل رسمي عبر انضمامها إلى حملة رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات.
وبالفعل، في 23 من أكتوبر/تشرين الأول 2013، قادت لجين سيارة والدها من مطار الملك خالد في الرياض إلى منزلهم، كجزء من الحملة، وفي تلك الأثناء التقطت هي ومدافعات آخريات صورًا لأنفسهن وهن يقدن سياراتهن في شوارع المملكة، في محاولة لتحدي الحظر وقوانين المملكة وسجنت على إثر هذه الحادثة لمدة 73 يوماً.
وبعد جهد كبير من الناشطات السعوديات والحملات التي تركز على السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، أعلن مرسوم ملكي بتاريخ 26 من سبتمبر/أيلول 2017، أن الحكومة ستسمح للمرأة بقيادة السيارة اعتبارًا من يونيو/حزيران 2018، وفي ذلك الأسبوع، اتصل بلجين شخص مجهول من الديوان الملكي وطلب منها عدم التعليق على القرار حسب أهلها، ومع ذلك، في نفس اليوم، غرّدت لجين عبر حسابها بكلمة واحدة: “الحمد لله”.
مجددًا في 13 من مارس/آذار 2018، احتجزت شرطة أبو ظبي لجين حيث كانت تدرس، وسلمتها لقوات مجهولة نقلتها على متن طائرة سعودية خاصة إلى الرياض، ووضعتها قيد الاعتقال لفترة وجيزة ثم أطلقوا سراحها في 15 من مارس/ آذار ومنعوها من السفر خارج المملكة.
ولاحقًا اعتقلت مرة أخرى من منزلها في الرياض في 15 من مايو/أيار 2018، وهو الاعتقال الذي امتد للسنوات الخمسة القادمة، وطبقًا لأسرة لجين، أنه في وقت اعتقالها أخفق المسؤولون في إظهار مذكرة أو أمر صادر عن سلطة قانونية تسمح باعتقالها، كما لم يقدم الضباط أيّ تأكيد شفهي لأي قوانين انتهكتها لجين من شأنها أن تبرر احتجازها.
خلفية شخصية
درست لجين في جامعة كولومبيا البريطانية حيث حصلت على درجة البكالوريوس في الأدب الفرنسي عام 2013 وهي حاليًّا طالبة ماجستير في جامعة السوربون أبو ظبي في مجال البحث الاجتماعي التطبيقي وكانت على بعد ثلاثة أشهر من التخرج حين تم اعتقالها.
يذكر أن لجين كانت متزوجة من فهد البتيري وهو كوميديان سعودي اختطف في الأردن ونُقل بطائرة خاصة إلى العاصمة الرياض، وقت اعتقالها، ثم طلّقها بعد فترة وجيزة في ظروف غامضة حسب ما قالته عائلتها.
عام 2016، كانت لجين قد أصبحت واحدة من المتطوعين لتمثيل الميثاق العالمي للأمم المتحدة في الإمارات العربية المتحدة، وهي مبادرة للأمم المتحدة لتشجيع الشركات في جميع أنحاء العالم على تبني سياسات مستدامة ومسؤولة اجتماعيًا وتقديم تقارير عن تنفيذها.
وفي 2018، بدأ نشاطها مع آخرين لإنشاء ملجأ للنساء في الرياض الذي توسّع لاحقًا ليشمل أجزاءً أخرى من المملكة العربية السعودية بهدف توفير ملاذ آمن للنساء الهاربات من العنف الأسري وكذلك مساعدتهن على الاندماج في المجتمع.
منظمات حقوق الإنسان بشأن الإفراج عن لجين
تعقيبًا على محاكمة لجين، قالت لينا الهذلول، شقيقة لجين، إن المعتقلة السعودية بكت حين سمعت الحكم النهائي بعد سنوات من التعذيب والحبس الانفرادي إذ وصفوها بالإرهابية، مضيفة “أختي ليست إرهابية، إنها ناشطة، وقد عُوقبت بسبب نشاط لأجل الإصلاحات ذاتها التي يروج لها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بفخر وهذا هو النفاق المطلق”.
ووصف كينيث روث، المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش، الحكم بأنه مخجل، قائلًا: “الهذلول طالبت بحقوقها بدلًا من انتظار ولي العهد السعودي لمنحها هذه الحقوق على وتيرته الفخمة كمسألة امتياز ملكي”.
كانت منظمة العفو الدولية واحدة من عدة منظمات انتقدت سياسة الادعاء السعودي بسجن وتعذيب الناشطات السلميات اللواتي يدعون لتمكين المرأة السعودية، كما قال علاء الصديق، المدير التنفيذي لمنظمة القسط الحقوقية السعودية: “حقيقة أن يُحكم عليها بموجب قانون مكافحة الإرهاب لتهم متعلقة بنشاط سلمي هو أحدث زيف للعدالة في محاكمة كانت معيبة من البداية إلى النهاية وتفتقر إلى أدلة موثوقة”. كما قالت منظمة جرانت ليبرتي لحقوق الإنسان: “لجين مناضلة سلمية من أجل الحريات الأساسية التي يعتبرها بقية العالم أمرًا مفروغًا منه”.
لقد حصلت المرأة السعودية على حق القيادة وبعض القوانين الأخرى التي تبدلت مؤخرًا، لكن الثمن لم يكن رخيصًا أبدًا لأن السعوديات اللواتي قاتلن لنيل هذه الحقوق أُتهمن بالإرهاب والخيانة وتهديد أمن الدولة، وقضوا في السجن سنين ظلمًا على ذنوب لم يقترفنها. لجين خرجت من السجن لكن بعد محاولات فاشلة للديكتاتور بتشويه سمعتها وتعريضها للتعنيف النفسي واللفظي والجسدي.
وبينما تقبع العديد من الناشطات في المعتقلات السعودية بتهم أقل ما يقال عنها أنها سخيفة، فإن الإفراج عن لجين لم يأتِ لأنها مظلومة وتستحقه، بل محاولة مكشوفة لتجنب الحكومة السعودية الصدام مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، الأمر الذي كان سيحدث لو تم تمديد حبسها لوقت أطول كما بدا ممكنًا في مرحلة ما، فعلى الرغم من كسرها قيود الحبس، إلا أنها لن تتمكن من مغادرة المملكة السعودية لعدة سنوات مع شرط عدم تكرارها أيًا من الجرائم التي اُتهمت بها زورًا سابقًا.