تحدث تقرير أممي جديد عن تعقيدات الأزمة اليمنية ورسم واقع الحال في البلاد، إذ ساوى بين الإمارات العربية المتحدة وإيران في دعم مليشيا خارجة عن الدولة، وهو يشير في ذلك إلى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسسته الإمارات بهدف تأخير الحسم العسكري ومن ثم وضع يدها على جنوب اليمن وباب المندب، وكذلك حال إيران التي تريد السيطرة على المنطقة برمتها.
الخلاف السعودي الإماراتي في الشأن اليمني، يظهر ملامحه من خلال تصرفات أبو ظبي، حينما أعلنت خروجها من اليمن وسحبت إعلامها من تناول القضية اليمنية، ما يشير إلى تنسيق إيراني إماراتي لهزيمة الشرعية اليمنية، وهو ما بدا واضحًا من خلال تجاهل الإعلام الإماراتي الحرب في اليمن واهتمامه بـ”إسرائيل”، ومن جانب آخر تجاهل ذراع إيران في اليمن إرسال الصواريخ البالستية إلى الإمارات بعد أن هددتها أكثر من مرة.
في يوليو/تموز 2019، أعلنت الإمارات العربية المتحدة انسحابها من اليمن، بعد تصاعد الخلافات بينها وبين الشرعية بعد توجيه أصابع الاتهام لها بأنها تقف وراء عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وهو ما كان بمثابة الرفض لموقف السعودية الداعم للجيش اليمني والرافض لتصرفات الإمارات العربية المتحدة في إنشاء دولة جديدة مجردة من الهوية اليمنية (الجنوب العربي)، في سابقة تاريخية لم يحدث مثلها في أي مكان بالعالم، وهو ما أزعج المملكة العربية السعودية.
أدركت المملكة العربية السعودية، تخبط الإمارات وخيانتها للعمق القومي العربي حينما لجأت إلى “إسرائيل” وضغطت على السعودية
لعبت الإمارات قبل أن تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي على وتر الأمن القومي العربي، واستطاعت إشعال فتيل أزمة في الخليج العربي بين كل من السعودية والبحرين والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، لكن المملكة العربية السعودية أدركت تلك اللعبة بعد ما يقارب الأربع سنوات من القطيعة مع قطر، وحاولت أن تخرج من المأزق الإماراتي الهادف لإضعاف موقف التحالف العربي وهزيمة السعودية أمام الحوثيين في اليمن.
أدركت المملكة العربية السعودية، تخبط الإمارات وخيانتها للعمق القومي العربي حينما لجأت إلى “إسرائيل” وضغطت على السعودية كي تطبع مع الكيان الصهيوني، غير أن المملكة لجأت إلى لملمة الشتات العربي، حينما استخدمت دبلوماسيتها للضغط على الرباعي العربي لإعادة العلاقات مع قطر دون أن تنفذ الدوحة أي من الشروط التي وضعتها دول المقاطعة لها.
كان هدف الإمارات العربية المتحدة من إضعاف الموقف العربي وإشعال الخلافات بينهم، هو التسليم بالواقع وإعلان فشل التحالف العربي، وأن تبقي الشمال مع الحوثي وتسلخ الجنوب عن اليمن، تحت حكمها، مجرد من السيادة، وما المجلس الانتقالي إلا واجهة لا يؤمن بالأرض ولا الوطن، والدليل مباركة قياداته لأي خطوة تخطو بها الإمارات، حتى حينما أعلنت تطبيعها مع الكيان الصهيوني، هلل السلفي المتشدد هاني بن بريك، وتحدث بذلك عيدروس الزبيدي في حوار مع قناة روسيا اليوم.
وحتى لحظة كتابة هذا الموضوع، يتحدث من لا يزال يؤمن بالتحالف العربي أن لا هدف للإمارات العربية المتحدة من فصل اليمن وتقسيمه وتسليم الجزء الشمالي منه للحوثي والسيطرة على الجزء الجنوبي، لكن الأفعال الإماراتية الأخيرة أثبتت عكس ذلك، فهي تستضيف قيادات المجلس الانتقالي وتنسق لهم زيارات دولية رسمية، آخرها إلى روسيا الاتحادية، ولا يعرف ما أسباب تلك الزيارة، دون أن يكون هناك تحرك يمني وعربي واضحين أمام الخطط الإماراتية الرامية لتقسيم الوطن العربي وإضعافه في الوقت الذي هو بأشد الحاجة للوحدة من أجل مواجهة التهديدات الإيرانية والإسرائيلية للدول العربية.
مراحل الخلاف
أكثر ما يهم الإمارات منذ أن دخلت مع السعودية في التحالف العربي، هو إحكام السيطرة على جنوب اليمن وتشجيع القوى الانفصالية، وللإمارات مطامع في الموانئ والجزر اليمنية، وما إن تحقق لها مرادها، حتى أعلنت مبكرًا “انتهاء الحرب” واتخذت قرارها بالانسحاب من اليمن من دون تشاور مسبق مع الرياض، فيما الحرب ستستمر لسنوات عديدة لاحقة وستبلغ ذرى جديدة وستطال شظاياها العمق السعودي، وتهدد درة تاج الصناعة النفطية للمملكة “أرامكو”، وهو ما حصل بالفعل.
اختلاف رؤية السعودية والإمارات بشأن الحرب في اليمن، أثر كثيرًا على تأخير الحسم العسكري وإنهاء المأساة الإنسانية التي تسبب بها الحوثيون في البلاد
الموقف الإماراتي المنفرد ترك جرحًا غائرًا في قلب التحالف وأحاط العلاقات “الأخوية والمتميزة” بظلال كثيفة من الشك وشجع مغردين سعوديين وبعضهم مقرب من دوائر صنع القرار في المملكة على توجيه انتقادات لاذعة لمن “خانوا بلادهم” و”طعنوها من الخلف”، بل إن أصواتًا سعودية بدأت تهمس بسؤال: من يقود من؟ هل السعودية التي ظلت تلعب دورًا قياديًا في المنظومة الخليجية هي من تقود التحالف أم أن مركز صنع القرار قد انتقل إلى ديوان ولي العهد الإماراتي؟
سعى وليّا عهد المملكة وأبو ظبي إلى طي صفحة خلافاتهما، وعندما أخفقا، بذلا مجهودًا في إبقائه خلف الأبواب المغلقة، بيد أن الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن، سيصبح سرًا ذائعًا، وسيتحول إلى شكل من أشكال حرب الوكالة، طرفاها فريق الشرعية بقيادة عبد ربه منصور هادي الذي يجاهر بعدائه للإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي وميليشيات أخرى مدعومة من أبو ظبي، وسيأخذ هذا الخلاف شكل تصفيات واغتيالات وعمليات كر وفر، ولن ينفع اتفاق الرياض ولا ما سبقه أو لحقه من بروتوكولات وخطط تنفيذية، في إيقافها، وسيدخل التجمع اليمني للإصلاح، كطرف في هذا الصراع، بعد عمليات التصفية المنظمة التي تعرض لها قادته وكوادره، من حلفاء أبو ظبي.
فهمت المملكة العربية السعودية اللعبة الإماراتية، خصوصًا بعد أن أعلنت أبو ظبي تطبيعها المفاجئ مع “إسرائيل”، وأرادت بذلك أن يدعهما اللوبي الصهيوني في أن تكون صانعة الملوك في الشرق الأوسط، فبدأت بإعادة الحسابات السياسية وردت صاع الإمارات وصالحت قطر دون تنفيذ الشروط التي وضعتها دول المقاطعة، وأهم تلك الشروط إغلاق قناة الجزيرة.
الخلاف السعودي الإماراتي وأثره على اليمن
لا شك أن اختلاف رؤية السعودية والإمارات بشأن الحرب في اليمن، أثر كثيرًا على تأخير الحسم العسكري وإنهاء المأساة الإنسانية التي تسبب بها الحوثيون في البلاد، وهي فرص تقدم هدية على طبق من ذهب لذراع إيران في اليمن (الحوثيين) لتمكين أنفسهم والعمل على تغيير الهوية الثقافية والدينية والديموغرافية وتحويل اليمن لولاية تابعة لطهران، واستطاعت أبو ظبي أن تستغل خطأ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي لم يتحرك سريعًا لاستغلال مقتل علي عبد الله صالح على أيدي الحوثيين في الـ4 من ديسمبر/كانون الأول 2018، فاستقطبت قيادات مؤتمرية لها وزنها وثقلها السياسي والقبلي لصفها، وصفتهم لمهاجمة الشرعية الكسيحة.
وفي الحقيقة لولا رفض حزب الإصلاح (إخوان اليمن) لاندماج المؤتمر الشعبي العام مع الحكومة الشرعية ورفع العقوبات عن نجل صالح، لما استطاعت الإمارات استقطاب قيادات كبيرة في حزب صالح وتكوين حلف عسكري وشعبي كبير، إلا أن الغباء السياسي هو من أوصل اليمن إلى هذه المرحلة.
أصبحت ثورة الشباب في اليمن مجرد ذكرى، استفاد منها الحوثيون أكثر من أي فصيل سياسي آخر
تلك الخلافات، منحت قيادات مؤتمرية بتسليم الإمارات وثائق سرية من الدولة اليمنية في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، تكشف تنسيق قيادات حزب الإصلاح وبعض العسكريين المحسوبين عليه مع تنظيم القاعدة، إضافة إلى تواصلهم مع الحوثيين من تحت الطاولة، وهو ما جعل السعودية تتحدث بلهجة شديدة مع حزب الإصلاح، بل وفقدت الكثير من الثقة بهم، وقطعت الدعم المادي الذي كانت تدفعه لهم شهريًا، لكنها لا تزال تحتفظ ببعض تلك القيادات حتى لا تخسر الحرب كليًا في اليمن.
ثورة الشباب
نتيجة للخلافات في الشرعية اليمنية، وبين التحالف السعودي الإماراتي واختلاف وجهات النظر، أصبحت ثورة الشباب في اليمن مجرد ذكرى، استفاد منها الحوثيون أكثر من أي فصيل سياسي آخر حتى الشباب أنفسهم الذين أوقدوا تلك الثورة، غالبيتهم في سجون الحوثي أو مشردين خارج اليمن، وتشير كل أصابع الاتهام لهم بأنهم خلف ما يمر به اليمن اليوم.
ورغم ذلك، وحالة الإحباط التي تسود لدى بعض شباب الثورة جراء الوضع الذي آلت إليه البلاد، وانقلاب الحوثيين على الحكم، ما زال يرى الكثير منهم أن ما يحدث حاليًّا جزء بسيط من إرهاصات الثورة التي يرونها مستمرة في خطواتها حتى تحقيق أهدافها، لكن إلى متى، والحوثي يعمل على تجريف الهوية اليمنية والبلاد تتقسم والأحزاب السياسية مشتتة؟