يحدث كثيرًا أن تصاب بعض النساء بالإحباط واليأس من الواقع الحقوقي لهن في عالمنا العربي، حيث يواجهن عنصرية عنيفة وتفرقة جندرية متجذرة في مختلف ميادين الحياة، يدافع عنها نساء ورجال لا يعترفون بحقوق المرأة ولا يقبلونها، بل يرونها شرًا وتهديدًا لثقافتنا وتراثنا المجتمعي، ما يترك أثرًا سلبيًا عميقًا لدى الكثير من السيدات، خصوصًا عندما يقارن بين واقع المرأة العربية والغربية، من حيث الحقوق ونمط الحياة.
لكن ما لا يعلمنه، أن المرأة الغربية ناضلت كثيرًا للوصول إلى النقطة التي تقف عليها حاليًّا، حتى إنها كافحت في ظل ظروف قد تكون أقسى وأعقد بكثير من ظروفنا، لكنها نجحت في اقتناص بعض متطلباتها.
في هذا التقرير نأخذ الحركة النسوية الأمريكية مثالًا، ونستعرض أهم المحطات التاريخية التي مرت بها للوصول إلى المنعطف التاريخي الأهم، وهو إعطاء المرأة الأمريكية حق الانتخاب.
البداية في القرن التاسع عشر
كانت الأدوار الجندرية في القرن التاسع عشر تتمثل بالشكل التالي: الرجال احتلوا جميع جوانب الحياة العامة من عمل وتصويت ونشاط سياسي واجتماعي، بينما بقيت النساء في المنازل للتنظيف والطبخ ورعاية الأطفال، وكان هناك الكثير من التقييدات على النساء فيما يتعلق بالتصويت وامتلاك الأصول أو حتى التصرف بدخلهم الشهري إن وجد.
واحدة من أشهر النساء التي دافعت عن حقوق المرأة في تلك الحقبة هي إليزابيث كادي ستانتون، ومع أنها كانت ربة منزل بمنطقة سينيكا فولز بمدينة نيويورك الأمريكية، لكن بفضل ولادتها في أسرة متحررة وتقدمية، حصت إليزابيث على تعليم عالٍ، وعاشت حياة اجتماعية وسياسية نشطة قبل زواجها والتزامها بأسرتها.
كان مؤتمر سينيكا فولز المرة الأولى في التاريخ الأمريكي التي تطالب النساء فيها بالتغيير
خلال وجودها مع تجمع صغير – غير رسمي – من السيدات لتناول الشاي، التقت إليزابيث بلوكريشا موت، ناشطة نسوية أخرى، وبعد نقاش دار بين الاثنتين عن أوضاع النساء في المجتمع الأمريكي، اتخذن قرارًا بتشكيل مؤسسة رسمية تُعني بالدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والمدنية والدينية.
مؤتمر سينيكا فولز
عملت إليزابيث ستانتون ولوكريشا موت مع غيرهن من النساء على عقد مؤتمر سينيكا فولز (Seneca Falls Convention)، وهو أول مؤتمر رسمي لحقوق المرأة في التاريخ الأمريكي، كما أن هذا التجمع النسائي – الذي ضم بعض الرجال في صفوفه – بحد ذاته كان فريدًا من نوعه آنذاك، وكان نقطة البداية لعقود من النضال النسوي في سبيل الحصول على المساواة بين الجنسين.
في المؤتمر تم الإعلان عما يُعرف بـ”وثيقة المشاعر”، التي تنص على أن الرجال والنساء خُلقوا متساويين وأن هذا أمر بديهي، وبيّنت وثيقة المشاعر الحقوق المدنية والسياسية التي حرمت منها المرأة الأمريكية في المجتمع مثل حق التصويت وحق حيازة الممتلكات وحق التعليم بالإضافة لحضانة الأطفال في حالة الطلاق.
كان مؤتمر سينيكا فولز المرة الأولى في التاريخ الأمريكي التي تطالب النساء فيها بالتغيير، وبالطبع أدى ذلك إلى حدوث ردة فعل عنيفة في البلاد لمقاومة هذه الحركة.
كيف تمت محاربة هذه الحركة؟
تعرضت الحركة النسوية والمؤيدات لها للكثير من السخرية والإهانات ومحاولات تأليب الرأي العام ضدهن، فخُصصت زوايا في الصحف لمهاجمة نشاطات الحركة وإدانتها، ونُشرت الكثير من الرسوم الكاريكاتورية التي تسخر من المطالبات بحق التصويت، كما وُصف مؤتمر سينيكا فولز في الصحافة بالعديد من الصفات السلبية مثل ممل وتافه وغير عقلاني وسخيف.
وجادل مناهضو حق الاقتراع بأن معظم النساء لا يرغبن أصلًا في التصويت، ولأنهن يعتنين بالمنزل والأطفال، ليس لديهن وقت للتصويت أو البقاء على اطلاع دائم بالسياسة، كما جادل البعض بأن النساء يفتقرن إلى الخبرة أو القدرة العقلية لتقديم رأي مفيد في القضايا السياسية، وأكد آخرون أن أصوات النساء ستضاعف عدد الناخبين وستزيد كلفة التصويت أكثر دون إضافة أي قيمة جديدة.
ومن الأمثلة عما كان يُكتب عن حقوق المرأة والمطالبات بحق التصويت ما يلي:
– امتلاك المرأة لحق التصويت فكرة مؤذية للبشرية.
– حق المرأة في التصويت يشوه طبيعة الرجال والنساء، فهو يذكر النساء ويجعلهن متسلطات وشرسات ويؤنث الرجال.
تذكرنا هذه الإدعاءات بما تشهده بعض بلدان الوطن العربي حالياً، حيث تواجَه مطالب الحركة النسوية العربية بالسخرية من جهة، وبإعطائها الطابع الشيطاني المخرّب للفطرة البشرية من جهة أخرى، مهما بلغت بساطة تلك المطالب، مثل تغيير القوانين التي تتسامح مع معنّفين المرأة.
ويشارك بهذه الحملات الدعائية المضادة في بلداننا العربية جميع فئات المجتمع من ذكور وإناث وإعلاميين وفنانين ورجال دين وغيرهم، إما عن طريق تصريحاتهم في البرامج التلفزيونية المصورة، أو من خلال ما يدونون على صفحاتهم بمواقع التواصل الإجتماعي.
وبالعودة للحديث عن تاريخ الحركة النسوية الأمريكية، كانت الحملة التي شنتها وسائل الإعلام شرسة ومهينة إلى درجة دفعت بعض المؤيدين للحركة إلى الانسحاب منها والانضمام إلى المعارضين لها.
وضمّت صفوف المعارضة لحق المرأة بالتصويت الكثير من النساء اللواتي لعبن دورًا كبيرًا في مقاومة هذه الحركة، ومع مرور الوقت ولكثرة المعارضين لحق التصويت، شكل المعارضون منظمة موحدة، يصدر عنها منشورات وتحديثات عن الحركة، تمامًا كما يصدر عن تجمع النسويات.
هذه الصورة واحدة من من إصداراتهم، وهي رسم ساخر من حق المرأة في التصويت.
وكُتِب عليها “تحتضن وهمًا” في إشارة إلى مطالب المرأة.
لكن جميع محاولات الإذلال والتشهير لم تستطع إيقاف الحركة، وبعد ما يقارب الشهر عُقِد مؤتمر ثانٍ أكبر حجمًا من الأول، وحصلت فيه وثيقة المشاعر هذه المرة على عدد تواقيع أكبر، وبقيادة إليزابيث ستانتون وسوزان أنثوني وغيرهن من النساء الشجاعات اللواتي كرسن حياتهن من أجل قضية حقوق المرأة، بدأت موجة قوية من المطالبة بحق المرأة في الاقتراع.
وبعد عقود من الاحتجاجات والنضال المستمر الذي تناوب عليه ثلاثة أجيال من النساء، حصلت المرأة الأمريكية أخيرًا على حقها في التصويت في الـ18 من أغسطس/آب عام 1920، فتم رسميًا تمرير التعديل الدستوري التاسع عشر الذي ينص على: “لن يتم حرمان مواطني الولايات المتحدة من حقهم في التصويت أو اجتزائه بواسطة الولايات المتحدة أو أي ولاية بناء على الجنس”.
ما التكتيكات التي اتبعتها النسويات للحصول على مطلبهن؟
1. تنظيم مسيرات ومظاهرات وإضرابات، والإشارة إلى تناقض الحكومة الأمريكية التي كانت ترسل شعبها في الخارج ليقاتل من أجل الديمقراطية ثم تحرم النساء من ممارستها في الداخل.
2. تأسيس منظمات معنية بحقوق المرأة وخاصةً حق التصويت.
3. محاولة إقناع المجالس التشريعية للولايات المتحدة بمنح المرأة حق التصويت.
4. المطالبة بتعديل دستوري وطني لمنحهن حق التصويت.
5. تقديم الحجج القانونية لاستعمال النصوص القانونية دون تعديل.
بالنظر لجميع ما سبق، يمكننا الاستنتاج أن النضال الحقوقي قد يحتاج وقتًا طويلًا ليثمر، لكنه الخيار الوحيد لدى السيدات لتحصيل حقوقهن، حتى إذا واجهن الرفض والهجوم من المجتمع كافة.