تأمل المملكة المغربية في أن تكون همزة وصل بين الأفارقة والأوروبيين من خلال إقامة العديد من المشاريع الاستثمارية في دول القارة السمراء، من ذلك مشروع مد خط أنبوب غاز يربط المملكة بنيجيريا، إلا أن هذا المشروع يواجه تحديات مالية وصعوبات أمنية كبيرة من شأنها أن تعرقل إنجازه.
أهمية كبرى للمشروع
عاد الحديث مجددًا عن هذا المشروع الاستثماري الضخم بعد 5 سنوات من طرحه رسميًا بين المغرب ونيجيريا، وأربع سنوات على توقيع اتفاقية تفاهم لإنشائه، حيث أكد قائدا البلدين في اتصال هاتفي عزمهما مواصلة المشاريع الإستراتيجية وإنجازها في أقرب الآجال، خاصة خط الغاز بين البلدين.
يذكر أن مشروع أنبوب الغاز طُرح لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2016 بمناسبة زيارة ملك المغرب محمد السادس إلى أبوجا، حيث التقى الرئيس النيجيري محمد بخاري، فيما تم إطلاق دراسة الجدوى في مايو/أيار 2017.
يمتد هذا المشروع المغربي على 5660 كيلومترًا بكلفة 25 مليار دولار ويمر عبر عدة دول غرب إفريقية يُفترَض أنها تقتطع جزءًا من الغاز لنفسها كمقابل للترانزيت (تضم سوقًا يبلغ عدد سكانه ثلاثمئة مليون نسمة)، وهذه الدول عددها 12 وهي: بنين وغانا وتوغو وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغامبيا وغينيا بيساو والسنغال وموريتانيا، فضلًا عن نيجيريا قبل وصول أنبوب الغاز إلى المغرب، ومن ثم يصل إلى أوروبا في مرحلة لاحقة.
وتأمل المملكة في أن يتم استكمال المشروع على عدة مراحل ليستجيب للحاجات المتزايدة للدول التي سيعبر بها وصولًا إلى أوروبا خلال الـ25 سنة القادمة، ومن المنتظر أن يفتح المشروع الباب أمام المغرب للدخول بقوة إلى منطقة غرب إفريقيا من بوابة الغاز النيجيري، وفق مسؤولين مغاربة.
مشروع غاز المغرب-نيجيريا يمر عبر العديد من الدول الإفريقية، ما يجعل المسألة الأمنية مهمة
يسعى المغرب ليكون ضمن مجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية، وهي سوق نشطة وواعدة في القارة الإفريقية، ما يعني أن التوجه الجيوإستراتيجي للمغرب بات يركز على العمق الإفريقي بدلاً من التركيز على العمق المغاربي.
يقول المغرب إن المشروع في حال إتمامه، سيشجع على الاندماج بين منطقتي شمال وغرب إفريقيا، وتحسين القدرة التنافسية والتنمية الاقتصادية للمنطقة، فضلًا عن تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع مد الكهرباء وتطوير أنشطة اقتصادية وصناعية جديدة وبحث تمويل للمشروع.
إلى جانب ذلك، تؤكد السلطات المغربية أن هذا المشروع ستكون عوائده كبيرة جدًا على البلاد، خاصة منطقة الصحراء الغربية التي يمر بها، لذلك ستركز اهتمامها عليه حتى تستكمل إنجازه في أقرب الآجال.
كما سيمكنها في الوقت ذاته من تحييد موقف أبوجا من الصراع على الصحراء الغربية، وبالتالي كسر محور الجزائر ـ أبوجا ـ بريتوريا، الداعم الأساسي في إفريقيا لجبهة البوليساريو التي تسعى لإقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية.
الجدوى الاقتصادية
تؤكد سلطات المملكة أيضًا، أن المشروع سيعيد رسم خريطة جيوإستراتيجية جديدة تربط بين المغرب ودول غرب إفريقيا، لكنها لم تتطرق للعقبات الكثيرة التي ستكون حاجزًا أمام اكتمال إنجاز هذا المشروع، خاصة من حيث الجدوى الاقتصادية.
لا يمكن لمستثمر أن يدخل في مشروع دون أن تكون له مردودية مالية كبيرة، لكن مشروع غاز المغرب-نيجيريا لا تبدو مردوديته كبيرة إذا نظرنا إلى سوق الغاز في العالم في الوقت الحاليّ وحتى العقود متوسطة المدى.
على الورق وحسب الإعلام المغربي، يبدو مشروع خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا عملاقًا بكل المقاييس، لكن المشروع ربما لن يصمد كثيرًا أمام منطق النجاعة الاقتصادية والتحولات الجذرية التي يعرفها حاليًّا سوق الغاز في العالم، فسوق الغاز العالمي مشبع بالعرض، بل وهناك فائض في الإنتاج.
ويسعى المغرب إلى اقتحام سوق الغاز الأوروبي لكن ذلك يبدو صعبًا في الوقت الحاليّ، صحيح أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الخارج في استيراد ما يزيد على 35% من احتياجاته في الغاز، لكن أكثر من ثلث احتياجات الاتحاد من الغاز والنفط مصدرها روسيا، كما أن أوروبا وصلت للتخمة.
ليس هذا فقط، فقد عادت إلى أذهان الأوروبيين فكرة المشروع الذي عرف “بمشروع نابوكو” (Nabucco-Projekt) الذي يقوم على أساس مد أنابيب الغاز إلى أوروبا من كازاخستان وإيران ودول الشرق الأوسط عبر تركيا ودول البلقان، ما يجعل مشروع غاز المغرب-نيجيريا غير ذي جدوى للمستثمرين.
المسألة الأمنية
مشروع غاز المغرب-نيجيريا يمر عبر العديد من الدول الإفريقية، ما يجعل المسألة الأمنية مهمة، خاصة أن كل بلد يمر فوق أرضه خط الغاز يجب اعتباره مصدرًا محتملًا للخلافات والتوترات الأمنية، نظرًا لماضي المنطقة.
وتعرف العديد من الدول التي يعبر عليها خط الغاز على غرار ساحل العاج وتوغو وغانا وغينيا بيساو، توترات أمنية متواترة في الكثير من الأحيان، دون أن ننسى البلد المصدر وهو نيجيريا الذي تنشط به مجموعة بوكوحرام الإرهابية.
جدير بالذكر أن نشاطات العديد من المجموعات المسلحة في المنطقة، أثرت بقوة على قطاع الطاقة خاصة في نيجيريا ومداخيل هذه الدولة خلال السنوات الأخيرة، ما جعل اقتصادها يتهاوى والمقدرة الشرائية للنيجيريين تتراجع بشدة.
تراهن الجزائر على خبراتها الطويلة في مجال الطاقة وقدراتها اللوجيستية في هذا المجال لإقناع الجانب النيجيري للاستثمار معها
لا ننسى أيضًا أن جزءًا من أنبوب الغاز سيمر عبر الصحراء الغربية، وهي الإقليم المتنازع عليه من وجهة نظر القانون الدولي، ويشهد بعض التوترات الأمنية من جماعة البوليساريو التي تسعى للانفصال وإقامة دولة مستقلة في الإقليم.
أمام هذا المعطى الأمني، من الصعب على المستثمرين استثمار أموالهم في مشروع لا يمكنهم حمايته، لذلك يصعب أن يرى المشروع المغربي النيجيري النور في هذه الحالة، خاصة أن المغرب لا يمكن لها تقديم ضمانات في هذا الشأن.
ماذا عن الجزائر؟
مسألة أخرى يجب وضعها في الحسبان، وهي الجزائر الغنية بالغاز، ففضلًا عن كونها مصدرًا أساسيًا للغاز في أوروبا ولها أيضًا أنبوب يمر من المغرب نحو إسبانيا، أعادت مؤخرًا الحديث عن مشروع أنبوب غاز بينها وبين نيجيريا كذلك.
وكانت الجزائر قد وقعت اتفاقًا سنة 2003 مع نيجيريا من أجل إنشاء أنبوب للغاز عابر للصحراء، بتكلفة قدرت حينها بنحو 10 مليارات دولار، لكن هذا المشروع ظل جامدًا بسبب عراقيل عدة واجهته، ثم تحركت الجزائر لإحياء الاتفاقية وتسريعها.
بعد ذلك بست سنوات، تم توقيع اتفاق رسمي بين الجزائر ونيجيريا بمشاركة النيجر لإنجاز المشروع، وفي سنة 2013 أكد رئيس نيجيريا الأسبق جوناثان غودلاك، قرب بداية العمل بالمشروع بكلفة 20 مليار دولار.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم، خلال زيارته إلى نيجيريا، إنه جرى الاتفاق مع نظيره النيجيري على ضرورة تسريع تنفيذ المشاريع الثلاث الرئيسية التي تجمع البلدين، وهي الطريق العابر للصحراء وخط أنبوب الغاز والوصل عن طريق الألياف البصرية.
يمتد مشروع الأنبوب الجزائري، الهادف إلى نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًا إلى أوروبا، وفقًا للاتفاق بين الجزائر وأبوجا، على مدى 4128 كيلومترًا، من بينها 2310 كيلومترات داخل الجزائر، حيث الشطر الجزائري منه شبه جاهز ولا يمر إلا عبر النيجر، والغالبية العظمى من الغاز المنقول من نيجيريا تذهب إلى أوروبا.
وتراهن الجزائر على خبراتها الطويلة في مجال الطاقة وقدراتها اللوجيستية في هذا المجال لإقناع الجانب النيجيري للاستثمار معها، وتمتلك الجزائر شبكة نقل ومصافي تكرير من الجنوب وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو الأمر الذي يفتقده المغرب.
كل هذه العقبات من شأنها أن تبقي مشروع غاز المغرب-نيجيريا مجرد حبر على ورق يتم اللجوء إليه حال بحث السلطات المغربية عن مشاريع عملاقة تتباهى بها داخليًا وخارجيًا، حتى ترفع رصيدها.