“11 فبراير الخالدة، كانت انطلاقة المرأة قولا وفعلا، حتى صارت الثورة امرأة، والحرية امرأة، والكلمة امرأة، وارتفع صوتها الذي كان عيب وعورة، ودوّى عبر ساحات الحرية في أرجاء الوطن كاملاً؛ ليكون صوتا وسوطا واحدا ضد الظلم والاستبداد، ولتصنع الغد، جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل”.. هكذا وصفت الكاتبة اليمنية، فكرية شحرة، دور الثورة اليمنية في إحياء دور المرأة السياسي.
شحرة، التي كانت أحد أبرز القيادات النسائية خلال ثورة الــ 11من فبراير 2011، استعرضت في أحاديث شتى لها فضائل الثورة على الكيان النسوي في بلادها، وكيف أنها نقلت المرأة من أطراف الهامش البعيد إلى قلب الحدث، ومن الحضور الهش إلى المشاركة العملية في إعادة رسم خارطة البلاد، في لحظة عاصفة، أراد اليمنيون فيها اختيار مستقبلهم الجديد، محملين بأحلامهم الوردية.
بعض المراقبين للشأن اليمني وصفوا الحضور غير المتوقع للمرأة اليمنية منذ أول احتجاجات شهدتها البلاد في 27 يناير/كانون الثاني بأنها “ربيع الثورة”، إذ كانت الأعلام الوطنية تظلل رؤوس المسيرات النسائية اليمنية في مشهد كان يهز أركان ساحات الحرية في البلد الذي كان سعيدًا.
وإن جاز القول بأن كافة الأطراف المتنازعة في اليمن على مدار العشر سنوات الماضية خاسرة فإن الوضع قد يكون مختلف مع المرأة التي حققت نجاحات تجاوزت المتوقع، فاستحقت أن تكون المكسب الوحيد للثورة حتى كتابة هذه السطور.
هكذا كانت المرأة قبل الثورة
إذا نظرنا إلى الدستور اليمني فنجد أن 5 مواد كاملة (24-30-31-41-43) تطرقت إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية والواجبات العامة، لكن شتان شتان ما تتضمنه تلك المواد وما يمارس على أرض الواقع، إذ كانت اليمنية من تهميش وتجاهل ربما يكون هو الأعنف بين دول المنطقة.
ويمكن الوقوف على حجم معاناة المرأة اليمنية سياسيا قبل الثورة من خلال استطلاع حضورها خلال الانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م، فالبداية كانت فشل المرشحات الثلاث للانتخابات فى الحصول على الدعم اللازم للترشح من قبل مجلسى النواب والشورى.
الأمر تجاوز الانتخابات الرئاسية التي ربما لدى البعض العديد من المبررات لاستبعاد المرأة من خوضها، إلى الانتخابات المحلية، بلغ عدد النساء المرشحات للانتخابات المحلية 168 امرأة فقط من بين اجمالى 19 ألف و223 مرشحا يتنافسون على حوالى ستة آلاف مقعد، وهو رقم قليل جدًا لا يتناسب مع التمثيل العددي للمرأة.
يأتي هذا التدني الواضح رغم اتفاق أحزاب المعارضة في ذلك الوقت على تخصيص 30% من مقاعد المجالس المحلية للمرأة فيما يعرف بـ “الكوتة” لكن مع قدوم الانتخابات نكثت الأحزاب وعودها السابقة، وهو ما وثقه تقرير البعثة الأوروبية للرقابة على الانتخابات في هذا العام.
التقرير كشف أن نسبة النساء قياسا بإجمالي عدد المرشحين لم تتجاوز 0.5%، فيما أكد غياب شبه تام للمشاركة السياسية للنساء في المحليات، فيما لم تتجاوز النسبة 6% في مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، رغم أن بعض تلك المؤسسات تم تدشيه خصيصا لتنمية واقع المرأة والارتقاء بشأنها.
أما عن مستوى التمثيل في الأحزاب فأوضحت الإحصائيات أن عدد النساء اللواتي يتولين مراكز في الأحزاب لا يتجاوز 259 امرأة من اجمالى 12975 فى كافة الأحزاب، بنسبة2%، وفي التمثيل الحكومي لم تشهد الحكومة سوى وزيرتان فقط، هما وزيرة حقوق الإنسان ووزيرة الشئون الاجتماعية والعمل، ولم يكن هناك سوى سفيرة واحدة من اصل 57 منصبا.
العديد من الأسباب تعود لهذا الحضور المتدني للمرأة قبل الثورة، على رأسها منظومة الأعراف والتقاليد التي أرست نظرة دونية للمرأة بصفة عامة، فهي الأقل مستوى قياسا بالرجل، والتي من المفترض أن يكون المنزل هو مملكتها الوحيدة دون الانخراط في العمل العام.
تعززت هذه النظرة بفضل التنشئة الاجتماعية التي كرست العديد من المفاهيم الخاطئة، سواء في عقل المرأة عن نفسها وإمكانياتها، أو في العقل المجتمعي الذي بات يتعامل مع النساء على أنهن مواطنات من الدرجة الرابعة، لا يمكن بأي حال من الأحوال مساواتهن بالرجل.
وهكذا خلالها
مع الساعات الأولى لنزول الاحتجاجات الطلابية والحقوقية للشارع، كانت المرأة – وعلى غير المتوقع – في مقدمة الصفوف، في مشهد أثار الكثير من الجدل حينها، لكنه بث الهيبة والحماسة في نفوس الثوار، فتحولت المرأة التي كانت بالأمس مهمشة إلى أيقونة ثورية.
لا يخفى على أحد حزمة الأسباب والدوافع التي قادت المرأة للخروج، على رأسها الفقر وانتشار العادات والأفكار البالية التي أقبعتها عقود طويلة في غياب التجهيل، بجانب القلق على مستقبل البلاد الممزقة بين حفنة من الأحزاب المرتزقة والقوى العسكرية والسياسية المتناطحة.
وعليه كانت دوافع المشاركة النسوية متعددة للخروج، منها الرغبة في تنحي الديكتاتورية والتغيير، الحصول على كامل حقوقها السياسية والاجتماعية، في فرصة تاريخية قلما تتكرر مرة أخرى، كذلك مساعيها للمساواة مع نظيراتها في الدول العربية التي مر بها قطار الربيع العربي كمصر وتونس، حيث لعبت المرأة في هذين البلدين دورا محوريا.
ومنذ اليوم الأول كانت المرأة اليمنية بمختلف مراحل عمرها رفيقة الرجل في الحراك، فكانت تداوي الجرحى، وتحرس المصلين، وتخفف عن المأزومين، وتهتف بأعلى الأصوات، كما أنها كانت أم الشهيد التي رغم جراحها كان صوتها يدوي ” الشعب يريد إسقاط النظام”.
وسجلت المرأة خلال أيام الثورة حضورا كان له تأثيره في إعادة تشكيل تركيبة المشهد السياسي، مفجرة ينابيع الحماسة والإصرار، ضاربة بأصنام العادات والتقاليد البالية عرض الحائط، حتى شكلت حلقة كبيرة من الدفاع عن حقوقها، فاقت في بعض الأحيان ما حققه الرجل.
“كانت المرأة في الساحات تشارك في الفعاليات والمسيرات السلمية والأنشطة الإعلامية جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، فقامت بعمل المعارض التشكيلية، والمشاركة في الأناشيد بتدريب الفتيات، واللقاءات والندوات، ثم أثناء مهاجمة الساحة شاركت في حمايتها عن طريق اللجان الأمنية وتفتيش المداخل”.. هكذا علقت أمة السلام الحاج، السيدة اليمنية التي شاركت في الثورة.
وأضافت في تصريحات لها “وخارج الساحة قمن بالتوعية للنساء عن أهمية الحرية والعيش بسلام، كما شاركن في إنشاء الائتلافات الثورية والوطنية”، مختتمة حديثها: “بالنسبة لي كنت إحدي المشاركات في هذه الأنشطة، أتابع الائتلافات الثورية، ومشاركة في التنسيق مع الأخوات في الأحزاب، وخاصة المشترك”.
الكاتبة والصحفية، بلقيس احمد الابارة، في مقال لها قالت إن “المرأة اليمنية قد أقبتت بالفعل إنها المعادلة الحرجة في الديمقراطيات الحديثة التي لم تكتف بالدعوة إليها ضمن حدود البيت مكبلة بقيود القبيلة بل تجاوزت ذلك، وأقنعت الجميع بالاعتراف بعمق تأثيرها وبحضورها الفاعل الذي سلب منك منذ زمن طويل”
وفي تبريرها لتلك المشاركة غير المتوقعة أضافت: “خرجت المرأة باحثة عنك أولا وعن طموحاتك، عن الوطن المسلوب الذي أرادت له أن يعود ليكفل لك ذلك، تربعت على عرش القيادة وبادرت في تقديم التضحيات الجسام إلى جانب شقيقك الرجل لاقتلاع الفوضى وجذور الفساد”.
إشراق المقطري، محامية وناشطة في مجال حقوق المرأة، والآن قاضية وعضوة في لجنة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، في الحكومة المعترفة بها دوليا، وكانت من أوائل اللواتي نزلن إلى شوارع مدينة تعز، المعروفة بـ “مهد الثورة” جنبا إلى جنب إلى جوار شقيقاتها وأشقائها أبناء اليمن السعيد، تقول إنها ليست نادمة على مطلبهم بالتغيير مع مرور عشر سنوات على الثورة.
وعن العثرات التي واجهتها تضيف في حديثها لـ “بي بي سي“، “ما حدث منذ نهاية عام 2014 ليس مرتبطا إطلاقا بالثورة ومطالبها، لكنه كشف حقيقة عمق النظام السياسي… لقد كان بمثابة شكل من أشكال الانتقام من الثورة”، لافتة أنها لم تفكر مطلقا – هي أو عائلتها – في مغادرة اليمن.
وتستعرض ذكرياتها مع الأيام الأولى للثورة قائلة “خرجت لأول مرة إلى التظاهر من أجل أطفالي والجيل القادم. لكن المحزن هو أن المستقبل وخاصة بالنسبة للأطفال والشباب اليمنيين ليس واضحا. أشعر بالحزن لأن طموحاتنا في عام 2011، كانت أن يزدهر دربنا بالورود، لكنه تحول في عام 2014، إلى حقل للألغام”.
وهكذا آثرت المرأة الثائرة خيام التغيير في ساحات الحرية وسط الرصاص الحي وسحب الغاز، من أجل مستقبل وطن بأكمله، لا يحلم مواطنوه سوى بعدالة ومساواة وكرامة وحرية.
وهذا ما وصلت إليه بعد الثورة
بعد البلاء الحسن الذي قدمته المرأة في الثورة، باتت رقما صعبا في خارطة المشهد لا يمكن تجاهله، وعليه كانت مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل حقا أصيلا، استطاعت من خلاله الحصول على العديد من المكتسبات الدستورية والقانونية التي رسخت حقوقها في مختلف المجالات.
ومن أبرز المكاسب التي حصلت عليها إلزام الدولة بتشكيلها نسبة لا تقل عن 30% في الهيئات وسلطات الدولة والمجالس المنتخبة والمعنية، كما منحها حق المشاركة السياسية بالترشح في الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية والاستفتاء، فضلا عن العديد من الحقوق المجتمعية منها تجريم كافة أنواع وأشكال العنف ضدها.
كما خول للمرأة المشاركة – ولأول مرة في تاريخها – في صياغة الدستور من خلال القرار الجمهوري الصادر بتاريخ 18 مارس/آذار 2014 والقاضي بتشكيل لجنة صياغة الدستور وتسمية أعضائها البالغ عددهم 17 عضوًا من بينهم 4 سيدات، بنسبة تقارب 24% من قوام اللجنة.
وكان نتاجا لهذا المخاض الطويل، أن حصلت المرأة في الحكومة اليمنية الجديدة التي تشكلت في 2014 على ثلاث حقائب وزارية و وزيرة دولة ( “نادية السقاف” لمنصب وزيرة الاعلام، و”أروي عبده عثمان” وزيرة للثقافة، و”قبول محمد عبدالملك المتوكل” وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل، و”سميرة خميس عبيد” وزيرة للدولة) في سابقة لم تحدث في تاريخ البلاد.
الدور الذي قدمته المرأة اليمنية في ثورتها المباركة، الخدمي والميداني، وفيما بعد السياسي والمجتمعي، كان مثار إعجاب وتقدير العالم أجمع، الذي اعتبر الثورة ساحة واقعية لإعادة اكتشاف المرأة اليمنية بحلة جديدة، وإعادة النظر في قدراتها التي كانت مثار تشكيك لعقود طويلة، وهو ما أوصلها إلى منصة التكريم العالمي في جائزة نوبل.
وهكذا وبعد 10 سنوات كاملة على أول احتجاجات قام بها الشباب اليمني في 27 يناير/كانون الثاني 2011 أصبحت المرأة اليمنية المعادلة الحرجة في الديمقراطيات الحديثة والتي لا يمكن تجاهلها في رسم المستقبل أيا كانت السيناريوهات.