ترجمة وتحرير: نون بوست
تظهر الأحزاب السياسية في جميع أنحاء أوروبا – مرة أخرى – أنه يمكن تحقيق الانتصارات الانتخابية بسهولة على حساب السكان المسلمين. في نهاية السنة الماضية، كانت كل أنظار العالم موجهة نحو فرنسا في أعقاب ما يسمى بقوانين الرئيس إيمانويل ماكرون المناهضة للانفصالية التي تهدف إلى تقييد حريات المسلمين أكثر في البلاد. وقد أثارت محاولاته للتنافس مع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بقيادة مارين لوبان، وجذب الناخبين اليمينيين من خلال إثارة العنصرية، موجة من الغضب في جميع البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
لم يكن هذا هو الحال عندما اتبعت هولندا في الآونة الأخيرة خطى فرنسا. ستفرض المساجد مزيدا من الرقابة على “النفوذ الأجنبي”، وستخضع مواردها المالية لمزيد من التدقيق، وذلك بعد قرار اتخذه البرلمان الهولندي الأسبوع الماضي. لقد وقع التصويت على هذا الاقتراح، المُقدّم من النائبة بينتي بيكر عن حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، بأغلبية ساحقة. في المقابل، صوّت حزب واحد فقط ضد الاقتراح، وهو حزب دينك.
على غرار الخطط التي وضعها ماكرون، يمكن الآن إغلاق المنظمات والمؤسسات الإسلامية في هولندا أو تقييد تمويلها إذا اتُهمت “بسلوك غير مرغوب فيه”. ويأتي ذلك بعد إنشاء لجنة تحقيق برلمانية بشأن “النفوذ غير المرغوب فيه من الدول غير الحرة”، التي أصدرت السنة الماضية تقريرًا يصف كيف كانت القوات الخارجية (غير الأوروبية) تسيطر على المساجد الهولندية من خلال تدفقات مالية غالبا ما تكون غير خاضعة للمساءلة. ستتمتع السلطات الهولندية الآن بسلطة أكبر لمنع هذه “التأثيرات الأجنبية” ولوم هذه المؤسسات من خلال العقوبات.
مرة أخرى، يُقدم المسلمون على أنهم أشخاص بربريون يحتاجون إلى الانضباط من أجل ترسيخ ما يسمى بالقيم الهولندية. وتتدخل الدولة في حياتهم الدينية، حتى لو لم يرتكبوا أي خطأ. يعتبر المسجد مؤسسة غامضة ذات نفوذ سياسي لا مبرر له مُسخّرةً من قبل قوى أجنبية خطيرة، وهو مجاز عنصري كلاسيكي. والواقع أن مثل هذه المجازات تُستعمل مرارا وتكرارا لتبرير قمع وتدمير الحريات المدنية.
عادة ما تتضمن مطالب المؤسسات الإسلامية تجنب أي انتقاد للدولة وسياستها الخارجية
تلخص هذه الطريقة الخاصة، التي تتبناها الحكومات في جميع أنحاء أوروبا، المشاكل التي يزعم أنها – متجذرة في مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية – في الإسلام، ما يعني أنه يجب “التحكم” في الدين ومراقبته، مع صياغة المحتوى الديني من قبل الدولة لترسيخ معتقدات البلاد. ومع ذلك، تظل هذه المعتقدات دائما غير واضحة.
فعلى سبيل المثال، يمكن لحزب الحرية – أحد أكبر أحزاب اليمين المتطرف في هولندا – التحدث عن ترحيل المسلمين واجتثاثهم من الإسلام، بينما يدعي أيضا الدفاع عن “الراحة الهولندية“. وعادة ما تتضمن مطالب المؤسسات الإسلامية تجنب أي انتقاد للدولة وسياستها الخارجية، وفرض أجندة دينية غير مسيسة، وحتى التعاون أحيانا مع قوات الدولة بقبول المراقبة الشديدة وجمع المعلومات بين المسلمين كوسيلة “للحماية”.
مقاومة الممارسات العنصرية
ربما لم تكن هذه التطورات مفاجئة لأولئك الذين لطالما قاوموا الممارسات العنصرية للدولة الهولندية، خاصة مع احتشاد الأحزاب السياسية في هولندا من أجل السلطة في الفترة التي سبقت الانتخابات الوطنية في آذار/ مارس. لا يعد المسلمون والمهاجرون هدفا سهلا فحسب، بل هدفا ضروريا أيضًا، نظرا للاضطرابات السياسية الأخيرة بشأن سوء إدارة الحكومة لأزمة جائحة كوفيد-19.
يرى أمثال حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الحاكم منافسة متزايدة من الشخصيات القومية مثل خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية. وردا على ذلك، قاموا منذ فترة طويلة بتطبيع آراء فيلدرز ومقترحاته السياسية، بما في ذلك حظر البرقع الذي فُرض في سنة 2019.
يبدو أن تورط الحكومة الهولندية مؤخرًا في فضيحة واسعة النطاق تتعلق بإعانات الأطفال، التي تضمنت استهداف الأشخاص الملونين والمهاجرين بموجب عقوبات مؤسسية، لم يثر الكثير من الاهتمام في هذا السياق. اتهمت مصلحة الضرائب الهولندية زورا أكثر من 20 ألف أسرة بالاحتيال؛ واستُهدف أكثر من نصف هؤلاء على أساس الجنسية المزدوجة والعرق.
استُخدمت الأسماء التي بدت “أجنبية” كمؤشر رئيسي وأدت إلى مطالبة الناس خطأً بسداد آلاف اليوروهات، مما أدى إلى إفلاس العائلات، إلى درجة أن البعض منهم اضطر إلى بيع منازلهم، وحاول الكثيرون الانتحار إلى جانب حالات الطلاق. كان حوالي ثلث الضحايا من الأتراك، بينما كان العديد من المهاجرين ينحدرون من أصل مغربي أو كاريبي. أحدثت هذه الأخبار ضجة في جميع أنحاء البلاد، ما أجبر الحكومة الهولندية على الاستقالة.
مع ذلك، من الواضح أن هذه الممارسة الواسعة النطاق من العنصرية المؤسساتية وكراهية الأجانب، التي هزت هولندا بشكل كبير الشهر الماضي، لم تكن كافية لإثارة الغضب الكافي لثني النواب عن التصويت على سياسات أكثر تمييزًا. في الواقع، نادرًا ما يتم تغطية قضية العنصرية المؤسساتية والاستهداف المنظم للأشخاص الملونين في وسائل الإعلام الهولندية.
تنظيم الصفوف
قبل بضعة أشهر، عندما استخدم 100 مسلم هولندي حقوقهم الدستورية لإجبار البرلمان على مناقشة إمكانية منع المساس بالرسول، وذلك من خلال التوقيع على عريضة أطلقها أحد الأئمة في البلاد، اتّهموا بأنهم إسلاميون خطرون ومعادون لهولندا. وقال فيلدرز إن الذين وقّعوا على العريضة لا ينتمون إلى هولندا.
وبالمثل، عندما أعلن حزب اليسار الأخضر الهولندي أنه سيرشح ناشطة المناخ الشابة في الانتخابات المقبلة، كوثر بوشالخت، المحجبة التي تنحدر من أصول “ملونة”، استهدفها اليمين المتطرف على الفور وشوهها معتبرا أنها إسلامية خطيرة. وقد نقلت وسائل الإعلام الرئيسية اتهاماتهم دون أي انتقاد.
لقد اتضح أن المؤسسات الديمقراطية في المملكة الهولندية مُسخّرة لفئة معينة فقط. أما بقية السكان – وبالتحديد المغاربة والأتراك – فعليهم مزاولة وظائف لا يريدها أحد مقابل أجور زهيدة، مع إبقاء أفواههم مغلقة.
تعتمد أجندة الحرب على الإرهاب المزعومة على الإسلاموفوبيا بالأساس لتضييق الحريات المدنية، واستهداف المعارضة السياسية وفرض المراقبة الجماعية
أظهر القادة السياسيون وأحزابهم عبر الطيف السياسي، من “أقصى اليسار” إلى أقصى اليمين، رغبتهم في التضحية بالملونين والمهاجرين والمسلمين من أجل الحفاظ على السلطة. في الحقيقة، لم يساهم ذلك في نمو السياسات الانتخابية اليمينية المتطرفة فحسب، بل أدى أيضًا إلى تغذية العداء تجاه هذه المجتمعات من قبل حركات الشارع اليمينية المتطرفة مثل بيغيدا، التي حشدت واستفادت من مناخ الكراهية المتأجج في البلاد.
احتجاجات أقصى اليمين
بيّنت الأسابيع الأخيرة من أعمال الشغب المعارضة لقيود كوفيد-19 وحظر التجول الذي فرضته الحكومة الهولندية أن التوجه السياسي في البلاد ليس واضحًا.
خرج المتظاهرون اليمينيون المتطرفون بالمئات في مدن مثل روتردام وأمستردام، وخرقوا حظر التجول، وحطموا واجهات المتاجر والمطاعم، وعارضوا قواعد الإغلاق. كان البعض منهم نفس الأشخاص الذين طالبوا بترحيل وتجريم وحتى موت المسلمين والجماعات العنصرية والمهاجرين، إلا أنهم انتفضوا عندما حاولت الحكومة تقييد حرياتهم. كل شيء مبرر في سبيل تحقيق رفاهية الهولنديين.
تعتمد أجندة “الحرب على الإرهاب” المزعومة على الإسلاموفوبيا بالأساس لتضييق الحريات المدنية، واستهداف المعارضة السياسية وفرض المراقبة الجماعية من خلال السياسات والتكنولوجيا. في بلد مثل هولندا، الذي لطالما عُرف بالدفاع عن هذه الحقوق، قد يتوقع المرء أن يكون الدفاع عن حقوق المسلمين أمرا بديهيًا. لكن من الواضح أن أصحاب السلطة يتشدقون فقط بهذه “القيم الهولندية”ولكنهم ليسوا مستعدين لتطبيقها على أرض الواقع.
يتحتم على المجتمعات أن تنظم نفسها بنفسها وتكافح ضد انتشار العنصرية في الشوارع والبرلمان. ويجب أن ينضم اليسار والنقابات والحركات الاجتماعية إلى هذه الجهود لكي يتجنبوا انهيار منظماتهم، مثلما حدث في التوسع المستمر لما يسمى بسياسات مكافحة التطرف في المملكة المتحدة. ينبغي أن يفعلوا ذلك لمصلحتهم وعدم الاقتصار على استغلال المسلمين ككبش فداء.
المصدر: ميدل إيست آي