ترجمة وتحرير: نون بوست
في كتابه الذي نشر مؤخرا بعنوان الأرض الموعودة، تطرق الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى فترته كزعيم للعالم الحر، في وقت كان فيه الشرق الأوسط يشهد تفجر موجة من المظاهرات التي باتت تعرف بتسمية الربيع العربي.
في هذا الكتاب يناقش أوباما مساعيه لتسهيل خروج حسني مبارك من مصر، بعد أن بدت انتفاضة 2011 عازمة على الإطاحة بإدارته، وذلك على الرغم من العلاقة الجيدة التي تربط هذا المستبد بالإدارة الأمريكية. ويشير أوباما إلى أنه بعد سقوط حسني مبارك، شعر بتفاؤل حذر حيال مستقبل هذا البلد.
ومع وصول موجات الربيع العربي إلى بلدين آخرين هما ليبيا وسوريا، بات الرئيس الأمريكي أكثر جسارة، حيث نفذ أو لوح بتنفيذ عمليات عسكرية للإطاحة بالأنظمة الاستبدادية التي طال بقاؤها في السلطة. وفي بلد آخر هو اليمن، ساهم ساكن البيت الأبيض حينها في الإشراف على انتقال سياسي لإبعاد النظام المتهالك.
ولكن عندما يتعلق الأمر بمملكة البحرين الخليجية الصغيرة، التي رغم حجمها تصدرت عناوين الأخبار بالمظاهرات الحاشدة التي شهدتها ضد حكم آل خليفة، فإن أوباما لم يعبر بشكل واضح عن الموقف الأمريكي.
حيث يقول في كتابه: “كان النظام البحريني بالتنسيق مع السعوديين والإماراتيين يخطط لإجبارنا على الاختيار، والجميع كان مدركا أنه عندما تحين اللحظة الحاسمة لا يمكننا تحمل المخاطرة بموقعنا الإستراتيجي في الشرق الأوسط، من خلال قطع العلاقات مع ثلاث دول خليجية.
وخلال السنوات العشر التي تلت اهتزاز البحرين على وقع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، سحقت الحكومة بشكل وحشي كل الأصوات المعارضة، بينما كانت القوى العالمية في معظمها تكتفي بالمشاهدة ولا تحرك ساكنا.
وكان تاريخ 14 شباط/ فبراير هو “يوم الغضب” الذي انطلقت فيه مظاهرات ضخمة في أنحاء البلاد، وقد شهد تقاطر عشرات الآلاف من البحرينيين على شوارع البلاد للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية، ووضع حد للتمييز ضد الأغلبية المسلمة الشيعية، ونهاية حكم عائلة آل خليفة المستمر منذ 245 عام. واليوم يبدو أن الشخصيات التي قادت تلك المظاهرات، وتم الاحتفاء بها على أنها تمثل مستقبل الديمقراطية في الخليج، تقبع في السجن أو تم إسكاتها أو نفيها أو فارقت الحياة. وهذا البلد الذي كان ينظر إليه في يوم ما على أنه ربما يكون الأكثر ليبرالية وتعددية في الخليج، يوصف الآن من قبل النشطاء بأنه “دولة بوليسية”.
وقد أعد معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، الذي يضم مجموعات حقوقية ويقع مقره في لندن، تقريرا جديدا قدم منه نسخة لميدل إيست آي قبل نشره يوم الاثنين تزامنا مع الذكرى العاشرة لانتفاضة البحرين، وجاء فيه أنه منذ 2011 صدرت أحكام بالإعدام ضد ما لا يقل عن 51 شخصا.
يشار إلى أن تسعة إعدامات فقط نفذت في البحرين من سنة الاستقلال في 1971 وحتى 2017، ثم تم تنفيذ ستة إعدامات خلال السنتين والنصف الموالية. والآن يقبع 27 شخصا في قائمة انتظار الموت، منهم 26 يواجهون تنفيذا وشيكا للأحكام الصادرة ضدهم.
ويعتقد أن هنالك أربعة آلاف سجين سياسي في هذا البلد الذي امتلأ بالسجون وانتشرت فيه أعمال التعذيب بشكل كبير. وفي حوار مع ميدل إيست آي، قال ناشط ومحام بحريني بارز كان قد قضى فترة في السجن ولذلك طلب عدم الكشف عن اسمه حتى لا يواجه ملاحقات جديدة: “حتى الانتقادات المحتشمة في البحرين يتم إسكاتها بلا رحمة. لا يمكننا التحدث، ولن تجد في البحرين منظمة أو حركة واحدة أو جمعية نسوية أو تجارية أو قانونية بإمكانها النشاط داخل هذه المملكة. لا توجد أي جمعية بإمكانها تنظيم محاضرة واحدة أو اجتماع واحد أو مؤتمر حول أي موضوع بإستثناء تلك التي يقبلها النظام.”
ورغم أن هذا الناشط رغب في مواصلة التحدث في العلن حول الظلم في البحرين، فإنه شعر باستحالة القيام بهذا الدور دون مواجهة حكم بالسجن، ولذلك فإنه يقول “لدي أطفال أريد أن أربيهم”.
الأموال بدأت تتدفق على خزائن البحرين بعد اكتشاف النفط في 1932، وهذه الأموال أدت خلال العقود الموالية لتغيير المشهد الاقتصادي والاجتماعي في المملكة
وفي حوار له مع ميدل إيست آي من سجنه في البحرين، أين قضى ثمان سنوات في الزنزانة بعد اعتقاله لمشاركته في مظاهرة مطالبة بالديمقراطية، أكد علي حسين حاجي أن الأوضاع الحالية في بلاده أسوأ مما كانت عليه في 2011. ووصف حاجي ممارسات التعذيب والانتهاكات بأنها لا تزال واسعة الانتشار في سجن جو المركزي، أين قضى معظم سنوات محكوميته.
ومنذ اعتقال هذا الناشط في 2013، خلف له سوء المعاملة إصابة بالصمم الجزئي وأضرارا دائمة في فكه وخصيتيه، إلى جانب أنف مكسور تطلب إصلاحه الخضوع لعمليتين جراحيتين. وهو يقول: “تتمثل تجربتي خلال هذه السنوات الثمانية في سوء المعاملة والانتهاكات الجسدية والنفسية كشكل من أشكال الإجراءات العقابية. يوجد تمييز ضد السجناء السياسيين، وهذا التمييز يتضمن غياب الرعاية الصحية اللازمة، وتعريض حياة العديد من السجناء السياسيين لخطر كبير.”
اليوم بعد مرور عشرة سنوات تبدو أوضاع نشطاء الديمقراطية في هذه المملكة محبطة جدا، رغم أن المشاكل التي أدت لاندلاع الانتفاضة في الأصل لم تنته، ومشاعر الغضب الصامتة بدأت تتزايد. ويقول حاجي: “نحن نطالب بالتغيير، بعض التغيير الإيجابي بعد أكثر من 240 عاما. لا أحد يسمح له بالحديث ولا توجد حرية تعبير ولا أي شيء.”
الأمل كان في ذروته
على غرار أغلب دول الخليج فإن الأموال بدأت تتدفق على خزائن البحرين بعد اكتشاف النفط في 1932، وهذه الأموال أدت خلال العقود الموالية لتغيير المشهد الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، بعد أن كان سابقا يتمحور حول نشاط صيد اللؤلؤ.
ولكن على عكس جيرانها، فإن هذه المملكة شهدت محاولات قليلة لترسيخ الروابط بين مواطني المملكة وحكامها، باعتماد النظام الاقتصادي الريعي الرأسمالي الذي اعتمدته دول أخرى مثل الإمارات والسعودية وقطر. وفي الواقع فإن عائلة خليفة التي أسست مملكة البحرين في 1783 تواجه اتهامات بأنها تجمعها علاقة عداء برعيتها.
وبحسب الأكاديميين علاء الشهابي ومارك أوين جونز، في كتابهما الصادر في 2015 بعنوان “انتفاضة البحرين: المقاومة والقمع في الخليج”، فإن آل خليفة قاموا بإنشاء جهاز حكم سمح للعائلة بالانخراط في سياسات إقصائية كليبتوقراطية (حكم اللصوص) إزاء بقية الأمة.
وبما أن أسرة آل خليفة هي من المسلمين السنة ولا تنتمي إلى “البحارنة” الذين يمثلون الأغلبية الإثنية في هذا البلد، فإن الطائفية لعبت دورا محوريا في تمسك هذا النظام بمقاليد الحكم، ويعتقد أنه هو من تسبب في انتشار التفاوت في توزيع الثروة والسلطة في كافة أنحاء المملكة.
وبينما تمكنت باقي دول الخليج من إخماد المظاهرات المعارضة لها من خلال المراوحة بين التنازلات والقمع، فإن حكام البحرين وجدوا أنفسهم جالسين على برميل من البارود لم يستطيعوا التحكم فيه. وفي النهاية اضطر الجاران السعودي والإماراتي لإرسال قواتهم الأمنية لقمع انتفاضة 2011.
ويتذكر سيد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، حالة التفاؤل التي سادت بين المتظاهرين بعد رؤية حكام آخرين مثل زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر يتساقطون بعد قضاء وقت طويل في سدة الحكم. وهو يقول: “كان هذا هو الشعور السائد في العالم العربي، إذا كان الأمر ممكنا في تونس، وإذا أمكن سقوط مبارك خلال 18 يوما فربما يمكن أيضا إسقاط آل خليفة. هذه كانت فرصتنا الذهبية.”
عندما انطلقت حملة القمع، كانت في غاية القسوة. وبحسب بعض التقديرات فإن حوالي 100 ألف شخص تجمعوا في دوار اللؤلؤة بحلول يوم 23 شباط
وكان سيد الوداعي حاضرا منذ اليوم الأول في المظاهرات المناوئة للحكومة، وهو يتذكر مزيج الأمل والغضب في صفوف المتظاهرين، خاصة إثر قتل أربعة محتجين وجرح المئات على يد القوات الأمنية التي أصابها الفزع في 17 شباط/ فبراير. ويقول: “في 2011 بلغت حالة التفاؤل والأمل ذروتها، ولم يكن هنالك أي خوف مهما بلغت درجة العنف والوحشية التي لجأت لها الحكومة، فالناس كانوا عازمين على المضي قدما.”
ويذكر بحريني يعمل في المجال الإعلامي، طلب عدم ذكر اسمه خوفا من الملاحقة، “أن حجم المشاركة الشعبية في يوم 14 شباط/ فبراير فاجأت حتى المنظمين. فرغم حدوث مظاهرات متقطعة في التسعينات وسنوات الألفين، لم تشهد المملكة حدثا بهذا الحجم من قبل. وقبل يوم واحد من تاريخ 14 شباط/ فبراير كان أغلب الناس لا يعتقدون أن هذا الأمر سيتحقق.”
وقد شعرت الحكومة بالقلق مع متابعة تطورات الأحداث في تونس ومصر، وخشيت من النسج على منوال هذه الاحتجاجات، ولذلك فقد شرعت في محاصرة النشطاء حتى قبل صدور الدعوات لتنظيم مظاهرات ضخمة. ولكن عندما حدث هذا الأمر تجمع الناس بأعداد كبيرة كانت كفيلة بإظهار حجم الغضب في صفوف الشعب البحريني، حيث نظمت 55 مسيرة احتجاجية في 25 موقع في أنحاء البلاد.
وقد توزع المشاركون فيها بين المواطنين العاديين وأنصار جمعية الوفاق الشيعية المحافظة، التي كانت حينها تمثل أكبر كتلة للمعارضة في البحرين، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد”، اليسارية العلمانية التي يقودها الناشط السني المخضرم إبراهيم شريف.
وقد سادت حالة من الغضب بعد إقدام الشرطة على قتل المتظاهر علي المشيمع، وقام المحتجون بالسيطرة على دوار اللؤلؤة في المنامة في 15 شباط/ فبراير. ويقول هذا الإعلامي حول تلك الفترة: “كشخص كان حاضرا في ذلك المكان، أتذكر أن عدد من اقتحموا الدوار لم يتجاوز 50 شخصا. لم يكن متوقعا حدوث أي شيء ثم فجأة ظهر 50 محتجا وشقوا طريقهم عبر خطوط الشرطة وسيطروا على المكان. وعندما احتلوا الميدان في اليوم الأول لم تقم الشرطة بمهاجمتهم، بل تراجعت للخلف، لأنها لم تمتلك العدد الكافي للقيام بذلك. إذ أنه بعد نجاح الخمسين شخصا في الدخول للدوار، ارتفع العدد في غضون ساعتين إلى الآلاف.”
بداية حملة القمع
عندما انطلقت حملة القمع، كانت في غاية القسوة. وبحسب بعض التقديرات فإن حوالي 100 ألف شخص تجمعوا في دوار اللؤلؤة بحلول يوم 23 شباط/ فبراير، أي حوالي سدس سكان البلاد، ليكون هذا التجمع أكبر مظاهرة في عواصم الربيع العربي نسبة إلى عدد السكان الجملي.
ولكن في ظل عجز الأجهزة الأمنية البحرينية عن إحتواء المظاهرات، دخلت القوات الإماراتية والسعودية البلاد يوم 14 آذار/ مارس، وخلال أيام قليلة نجحت في إخلاء الدوار، بكلفة باهضة تمثلت في سقوط خمس قتلى والمئات من الجرحى والمعتقلين. وتلت ذلك حملة قمعية لا تزال متواصلة بلا هوادة حتى يومنا هذا.
وبحسب تقرير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، فإن المحاكمات الجماعية باتت شائعة في المملكة، حيث صدر حكم جماعي في حق 167 شخصا في يوم واحد في شباط/ فبراير 2019. كما أن المئات من النشطاء تعرضوا للتجريد من الجنسية، وتشير التقديرات إلى أن عدد هؤلاء يبلغ حاليا 300، ومن بينهم سيد الوداعي. وفي العام 2020 فقط أيدت محكمة الاستئناف الجنائية العليا البحرينية عشرة أحكام إعدام، منها أربعة صدرت على خلفية تهم متعلقة بالاضطراب السياسي.
وكان عبد الهادي، والد مريم الخواجة، واحدا من أبرز الشخصيات المعتقلة في بداية تلك الاحتجاجات. هذا الرجل الذي شغل سابقا منصب رئيس المركز البحريني لحقوق الإنسان، يقبع في السجن منذ قرابة العشر سنوات، وهو يقضي حكما بالمؤبد بتهمة تشكيل وإدارة تنظيم إرهابي، إلى جانب تهم أخرى.
وفي حديث لها مع ميدل إيست آي، أكدت ابنته مريم أن الفرص التي منحت للعائلة لمقابلة عبد الهادي كانت غير منتظمة. حيث تقول: “هو يقوم الآن بإجراء مكالمات بالفيديو، لأنهم منذ كانون الثاني/ يناير 2020 قاموا بإيقاف كل الزيارات العائلية بذريعة تفشي فيروس كورونا. ولكن حتى في ظل هذه الظروف، وعلى غرار كل شيء آخر في البحرين، فإن الإجراءات لا تتم وفقا للبروتوكول والقانون. لا يمكنك أبدا أن تتوقع ما سيحدث، يمكن أن نتلقى مكالمة منه هذا الأسبوع ثم في الأسبوع المقبل لا شيء. وهكذا لا يوجد أي التزام بالتعهدات.”
مريم الخواجة أصبحت هي أيضا واحدة من أبرز الأصوات على الصعيد الدولي، ضمن الحركة المطالبة بالديمقراطية في البحرين. وهذا الدور أجبرها على العيش في المنفى بعد صدور حكم غيابي ضدها بدعوى الاعتداء على ضابط شرطة. وهي تقول: “ما نشهده اليوم يمكن أن نسميه حالة انسداد، ولكن الأمر يتجاوز ذلك لأن هذه حالة لا يمكن أن تتواصل على هذا الشكل. هنالك رقابة مطلقة على كل شيء يتعلق بالفضاء العام والحريات وما إلى ذلك.”
وقد شهدت البحرين إثر حملة القمع اختفاء تاما للتعددية السياسية المحدودة التي كانت قائمة. إذ أن علي سلمان زعيم جمعية الوفاق تم اعتقاله في كانون الأول/ ديسمبر 2014 ثم صدر في حقه حكم بالسجن مدى الحياة. أما المنظمة التي يقودها والتي كانت السلطة الملكية في السابق تتسامح معها فقد تم حلها بشكل رسمي في 2016. كما أن إبراهيم شريف الذي برز اسمه كواحد من أبرز النشطاء الديمقراطيين من غير الشيعة، فقد اعتقل هو أيضا وقضى خمس سنوات في السجن، وجمعية وعد تم حظرها في 2017 بذريعة الارتباط بالإرهاب.
ونبيل رجب الذي شارك في تأسيس مركز البحرين لحقوق الإنسان والذي يعتبر واحدا من أشهر المدافعين عن الديمقراطية في المملكة، اعتقل في عدة مناسبات إثر اندلاع الاحتجاجات. وفي حديث له مع ميدل إيست آي في 2014، قال: “إن العالم بدأ ينتبه إلى أن البحرينيين يعيشون تحت دكتاتورية فيما يتعلق بالقوانين وما يتعلق بالإجراءات وكل المؤسسات. من الواضح للرأي العام والمجتمع الدولي أن هنالك بلدا يمارس التمييز والتهميش ضد سكان أصليين، ولا يوجد فيه نظام يحترم حقوق الإنسان.”
بعد مرور عشر سنوات لا يرى أغلب النشطاء أن هنالك إصلاحات حقيقية تم تنفيذها
وقد تم اعتقال نبيل رجب مجددا وحكم عليه بسنتي سجن في 2017 بتهمة نشر أخبار زائفة، ثم حكم عليه بخمس سنوات أخرى في 2018 بتهمة الإساءة لمؤسسة وطنية ونشر الشائعات في زمن الحرب، في إشارة إلى مشاركة البحرين في حرب اليمن.
وقد تم الإفراج عن رجب بعد ذلك بسبب المخاوف من تفشي فيروس كورونا في السجون. وتؤكد مريم الخواجة أن السلطات البحرينية لا تزال تعمل على تدمير معنويات السجناء، من خلال ممارسات مثل حرمانهم من الكتب وأدوات الكتابة، وهو ما يمثل تعذيبا فكريا بالنسبة لوالدها، وتقول: “لقد سمحوا له الآن بالحصول على عدد محدود من الكتب، ولكن ليس بالشكل الذي كانت عليه الأمور في السابق. وهكذا فإننا نخوض جهودا متواصلة بينما هم يسعون لإيجاد طرق جديدة لتدمير معنوياته وجعل حياة السجناء أصعب داخل الزنزانات.”
خطوات في الاتجاه الصحيح
وفي محاولة لتهدئة المتظاهرين وتقديم صورة إصلاحية للمتابعين في الخارج، تم إنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، بقرار من الملك في حزيران/ يونيو 2011. وقد تضمنت أعمالها جمع الآلاف من الشهادات، والتحقيق في َ46 حادثة موت موثقة، و559 شكوى من التعذيب، وأكثر من 4 آلاف مثال على طرد للموظفين بسبب مشاركتهم في المظاهرات. وعبرت الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى أجنبية أخرى عن ترحيبها بقيام الحكومة بالتحقيق، وطالبت بالتنفيذ السريع لتوصيات هذا التقرير، التي تضمنت إصلاح الأجهزة الأمنية وإنشاء هيئات لمحاسبة الشرطة ووزارة الداخلية.
ولكن بعد مرور عشر سنوات لا يرى أغلب النشطاء أن هنالك إصلاحات حقيقية تم تنفيذها، ويعتقدون أن تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق كان مجرد محاولة لتمكين الحكومة من الحفاظ على علاقة ودية مع الدول الحليفة، التي بات بإمكانها الإشارة إلى هذا المسار الإصلاحي عند مواجهة أسئلة حول سجل حقوق الإنسان في البحرين.
وقد وصفت مريم الخواجة تشكيل هذه اللجنة بأنه مجرد واجهة لتزييف الحقائق، مشيرة إلى أن الكثيرين من الضحايا الذين ذكرت قضاياهم المتعلقة بالتعذيب والانتهاكات ضمن هذا التقرير، لم يتم تصحيح أوضاعهم بعد صدوره. وهي تقول: “هنالك قضايا تضمنت تفاصيل دقيقة حول التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي الذي تعرض له هؤلاء الأفراد، وقد تم تدوين كل شيء في التقرير الذي قبلته الحكومة، ولكن عدد من هؤلاء الأفراد لا يزالون يقضون أحكاما بالسجن المؤبد.”
وقد بذلت بريطانيا جهودا أكثر من أي بلد آخر لحماية سمعة البحرين في العالم. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2014 أعلنت لندن عن إنشاء قاعدة بحرية دائمة في ميناء سلمان، وتم افتتاحها في 2018.
وكان فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني حينها قد وصف تلك الخطوة بأنها لحظة فارقة في الالتزام البريطاني تجاه المنطقة. وفي نفس ذلك الشهر تم اعتقال علي سلمان زعيم جمعية الوفاق، في خطوة اعتبرتها منظمة العفو الدولية انتكاسة لحرية التعبير.
وفي آيار/ مايو 2020 روجت الحكومة البريطانية لفكرة أن البحرين بصدد تنفيذ إصلاحات، حيث قال وزير الخارجية طارق أحمد في خطاب له أمام مجلس العموم البريطاني “إن لندن واصلت الإيمان بأن البحرين بصدد اتخاذ خطوات في الاتجاه الصحيح لتحسين سجل حقوق الإنسان، تنفيذا للمخطط الحكومي الذي بني على التوصيات الإصلاحية التي وردت في تقرير ٍاللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في 2012.”
وبعد شهرين فقط شهد العالم إطلاق صيحة فزع، خوفا من اقتراب تنفيذ حكم الإعدام في حق المتظاهرين محمد رمضان وحسين علي موسى، بعد محاكمات اعتبرتها المنظمات الحقوقية مشوبة بالاتهامات بالتعذيب.
ويفترض أن يتم التحقيق في تهم التعذيب في البحرين على يد هيئتين، هما وحدة التحقيقات الخاصة، ومكتب المظالم في وزارة الداخلية، الذي وصف في تقرير لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بأنه غير فعال ويفتقر للاستقلالية. ويشار إلى أن كلتا الهيئتين تلقتا التدريب والدعم في بريطانيا.
ويرى علي حسين حاجي أن الدعم الأمريكي والبريطاني هو السبب الرئيسي وراء انسداد الأفق السياسي في البحرين، حيث أن هذين البلدين دعما حملة القمع الأمني الشديد التي أسفرت عن اعتقال كل النشطاء الحقوقيين والقيادات السياسية، وتعرضهم للتعذيب وإصدار أحكام سجينة ثقيلة ضدهم. وتأمل مريم الخواجة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يغير من موقفها ويحد من دعمها للحكومة البحرينية. حيث تقول: “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثل فسحة أمل بالنسبة لنا، لأن لندن لعبت دورا معرقلا في تحميل مجلس التعاون الخليجي المسؤولية داخل الاتحاد الأوروبي. ولهذا فنحن نأمل الآن أن بريطانيا لم تعد جزء من هذا الاتحاد، وبالتالي يمكن زيادة الضغوط عليه للقيام بشيء حيال ما يحدث في البحرين.”
أزمة أم تغيير؟
رغم أن أوباما لم يقم بخطوات عملية تذكر لتحميل الحكومة البحرينية المسؤولية عن قمع الحركة المطالبة بالديمقراطية، فإن المناخ السياسي في عهد خلفه دونالد ترامب بلغ مستويات جديدة من التدهور. فحتى القيود المحدودة المفروضة على بيع الأسلحة للبحرين في ظل إدارة أوباما، تم رفعها بعد ذلك. وفي آيار/ مايو 2017 وعد ترامب بإعادة إطلاق العلاقات بين واشنطن والمنامة، حيث قال هذا الرئيس الجمهوري أمام عدسات المصورين رفقة الأمير حمد في الرياض: “إن بلدينا تجمعهما علاقة رائعة، ولكن كانت هنالك بعض التوترات في السابق، وهي لن تكون موجودة مع الإدارة الحالية.”
وكان ترامب قد رتب بعد ذلك لتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل، في خطوة أدت لاندلاع مظاهرات في هذه المملكة. وفي رده على سؤال حول آماله في التغيير الإيجابي، قال المحامي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: “لا أمل في حدوث التغيير، إلا إذا كان هنالك تغيير كبير في موقف النظام، ولا أعرف ما الذي سيتغير.”
وكان بعض الدبلوماسيين الذين تحدث إليهم هذا المحامي في السابق صريحين حول آليات السلطة والنفوذ في هذه المنطقة، حيث قال الأمريكيون: “لا يمكننا دعم التغيير في البحرين إلا بموافقة البريطانيين. والبريطانيون لن يوافقوا إلا إذا وافقوا السعوديون.”
لذلك يرى هذا المحامي أنه “من الواضح منذ 2011 أن القرار السياسي في المملكة البحرينية انتقل إلى السعودية، وسيستمر الأمر على هذا الحال.”
والآن هنالك تغيرات جديدة في المشهد السياسي، مع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي كان نائبا للرئيس أوباما، والذي أظهر المزيد من العزم على تسليط الضغوط على الحكومات الخليجية، وأعلن خلال الأسبوع الماضي عن وقف الدعم الفعلي للحرب التي تقودها السعودية ضد اليمن.
وعلى إثر هذا الإعلان، يبدو أن السعودية حرصت على تخليص نفسها من بعض الملفات الحقوقية المزعجة، حيث أفرجت عن الناشطة الحقوقية النسوية لجين الهذلول يوم الخميس، وأعلنت تخفيف عقوبة الإعدام الصادرة في حق الناشط المسجون علي النمر.
الشرطة تواجدت بأعداد ضخمة في شوارع البحرين خلال الأسبوع الماضي، تحسبا لأي اضطرابات
ومن التغييرات الأخرى التي شهدتها المنطقة، هنالك وفاة رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان آل خليفة الذي كان يوصف بأنه “شخصية خلافية”، وتنصيب ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة ليحل محله في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أن كان قد شارك سابقا في مفاوضات مع بعض مكونات المعارضة أثناء الاحتجاجات.
وخلال الربع الثالث من 2020 شهدت البحرين انخفاضا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.9 بالمائة مقارنة بالعام السابق، حيث أن تأثير فيروس كورونا إلى جانب انهيار أسعار النفط ألحق ضررا بالغا باقتصاد المملكة، وساهم في تعميق الشعور بانعدام الأمان الاقتصادي لدى المواطنين.
وعلى الرغم من الموقف الحذر لدى أغلب المتظاهرين، فإن شهودا عيان يؤكدون أن الشرطة تواجدت بأعداد ضخمة في شوارع البحرين خلال الأسبوع الماضي، تحسبا لأي اضطرابات. إلا أن الإعلامي الذي تحدثنا إليه أكد أنه رغم وجود بعض المظاهرات المتفرقة لا يتوقع بالضرورة حدوث مظاهرات ضخمة في 14 شباط/ فبراير، بما أن الكثيرين من النشطاء لا يزالون في انتظار مخرجات التغييرات السياسية الحاصلة.
وهو يقول: “أغلب الناس يتوقعون حلا سياسيا مع ولي العهد الموجود حاليا في السلطة. أغلب المعارضين لن يقروا صراحة بذلك، ولكنهم يعلقون آمالا عريضة على ولي العهد.”
وبحسب هذا المتحدث فإن أبرز أحزاب المعارضة أحجمت عن الدعوة للتظاهر، بسبب مخاوف من تفشي فيروس كورونا الذي خلف أكثر من 100 ألف حالة عدوى وحوالي 400 وفاة في هذا البلد الصغير. ولذلك فهو يرى أن هذا التاريخ في الوقت الحالي لا يحمل رمزية كبيرة لدى البحرينيين فيما يتعلق بالتظاهر، أما الإعلام فإنه يركز عليه لأنه يصادف ذكرى حدث بارز، ولكن بالنسبة للناس المعنيين فإنهم يقولون أنهم يعيشون هذا الحدث كل يوم.
المصدر: ميدل إيست آي