الواقع الاقتصادي المتردي والانهيار المتواصل لليرة السورية أمام العملات الأجنبية، يدفع النظام السوري إلى المزيد من التصعيد تجاه السوريين عبر فرض قرارات تعسفية تحقق له بعضًا من المؤونة المادية التي يطمح إليها، للنهوض ولو نسبيًا باقتصاد حكومته، وتستهدف القرارات السوريين سواء كانوا موالين أم معارضين، يقيمون في الداخل السوري أو لاجئين خارج البلاد.
ولطالما كانت حكومة النظام تسعى إلى استغلال اللاجئين السوريين والمهجرين أيضًا عبر فرضها قوانين وقرارات مماثلة من شأنها أن تعود عليها بفائدة ما، ولعل ما وصلت إليه العملة السورية من انهيار خير مثال على فشل هذه الحكومة في النهوض باقتصادها، لم تعد قادرة على تقديم أدنى مقومات الحياة لمواطنيها، لا سيما انتشار الجوع والفقر والبطالة أيضًا وغياب الخدمات العامة التي يجب أن توفرها أي حكومة تسعى لإدارة البلاد.
قرار مصادرة أملاك المتخلفين عن دفع البدل
أعلن النظام السوري مهلة محددة للذين تخلفوا عن خدمة الجيش ولم يدفعوا البدل المالي المترتب عليهم، للحصول على الإعفاء من الخدمة، الذي يبلغ 8 آلاف دولار أمريكي، وفي حال انتهاء المهلة ستتم عملية مصادرة أملاكهم سواءً كانوا داخل سوريا أم خارجها.
جاء ذلك على لسان رئيس فرع البدل والإعفاء في قوات النظام العميد إلياس بيطار، خلال مقطع مصور بث لوزارة الإعلام السورية الجمعة 5 من فبراير/شباط، يقول فيه إن مديرية التجنيد العامة ستصادر أموال وممتلكات كل من يبلغ سن الـ42 عامًا سواء كان داخل سوريا أم خارجها، في حال لم يؤد الخدمة العسكرية أو يدفع بدل فواتها، وإذا لم يكن لديه أملاك، سيتم الحجز على ممتلكات أهله وذويه.
وأضاف “كل مكلّف بلغ سن 42 عامًا، وتجاوز مدة الثلاثة أشهر دون إنجاز إضبارة (مصاريف) بدل خدمة، تقوم شعبة التجنيد بتنظيم وثيقة استدعاء موجهة إلى القضاء العسكري والنيابة العسكرية، بالإضافة لإضبارة توجه إلى وزارة المالية وهيئة الضرائب والرسوم، للحجز التنفيذي على أملاك المكلّف المتأخر بإنجاز دفع بدل قيمة فوات الخدمة”، وإذا لم تتوافر أملاكه ممكن أن تطال أملاك ذويه أيضًا، وفي اليوم التالي من فوات المهلة المحددة لدفع البدل النقدي، يتم دفع 200 دولار عن كل سنة تأخير، وفق المرسوم التشريعي رقم 31 تاريخ 8/11/2020.
وأشار بيطار إلى أن المعفيين من الخدمة الإلزامية هم دافعو البدل وغير اللائقين صحيًا ومن أدى 5 سنوات خدمة في جيش النظام أو قوى الأمن التابعة له أو الخدمة في جيش دولة أجنبية أو عربية والأخ السليم والأشقاء من ذوي الاحتياجات الخاصة والأب الذي قتل له ولدان في الجيش، ولا يشمل إعفاء الخدمة الاحتياطية سوى دافعي البدل النقدي.
في حين يترتب غرامات مالية إلى جانب البدل البالغ 8 آلاف دولار، بسبب التأخير على كل شاب غادر سوريا في سن الـ18 عشر، دون خدمة العلم وحصل على جنسية وجواز السفر الخاص بالدولة التي يقيم بها، لأنه مواطن سوري مقيد بدائرة الأحوال المدنية بحسب بيطار.
ويفرض النظام السوري الخدمة العسكرية على كل السوريين البالغين 18 عامًا حتى 42 عامًا، وزادت نسبة المتخلفين مع بداية الثورة السورية ربيع عام 2011 إذ انشق آلاف العساكر المجندين عن الجيش وانضموا إلى فصائل المعارضة، ولا يوجد رقم دقيق عن أعداد السوريين المتخلفين عن الخدمة بجيش النظام وإنما حسب تسريبات نشرها زمان الوصل يصل العدد إلى نصف مليون تقريبًا.
مخاطر القرار على السوريين المهجرين واللاجئين
يحاول النظام التضييق على المعارضين الذين دفعوا أبنائهم للفرار خارج البلاد أو فروا بهم تجنبًا للخدمة العسكرية في جيش النظام، لا سيما بعدما شاهدوا ما قدمت به قوات النظام من إجرام بحق السوريين، كما يطال القرار السوريين النازحين والمهجرين إلى الشمال السوري أو إلى خارج البلاد، لا سيما أنهم غير قادرين على العودة بأي شكل من الأشكال خاصة أنهم مطلوبون للأجهزة الأمنية التابعة للنظام.
قال رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني في منشور على صفحته على “فيسبوك”: “تتوالى دعوات مشبوهة للسوريات والسوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبيع أملاكهم خوفًا من الحجز عليها من قبل النظام السوري باعتبارهم أقرباء أو أهل لسوريين متخلفين أو فارّين من خدمة جيش القتل والإجرام”.
وحذر أيضًا من الانجرار وراء تصريحات رئيس شعبة التجنيد العامة التابعة للنظام، مؤكدًا أن القانون السوري والدولي يمنع الحجز على أموال وأقرباء أي شخص.
ويرى ناشطون سوريون أن القرار طريقة جديدة يستكمل بها النظام استيلاءه على عقارات اللاجئين السوريين من جهة، وطريقة انتقامية جديدة من الشعب السوري الذي تجرأ وقام بثورة شعبية طالبت بالحرية والديمقراطية.
ويحاول النظام الضغط على اللاجئين من بوابة عائلاتهم المتبقية في البلاد، لإجبارهم على العودة إلى سوريا، خصوصًا أن هنالك ملايين اللاجئين الذين يعيشون فقرًا مدقعًا ولا يمكنهم دفع تلك المبالغ الباهظة، ما قد يجعلهم يعيدون التفكير في مسألة الرجوع إلى سوريا خوفًا على أهلهم في الداخل.
من اغرب القرارات قرار الجيش السوري ☹
ستصادر أموال وممتلكات كل من يبلغ سن الـ42 عامًا سواء كان داخل سورية أم خارجها، في حال لم يؤدّ الخدمة العسكرية أو يدفع بدل فواتها، وإذا لم يكن لديه أملاك، سيتم الحجز على ممتلكات أهله وذويه#بشار_الاسد_مجرم
— Fatmah Alshaikh (@Fatmah_Alshaikh) February 7, 2021
وقال عضو نقابة المحامين الأحرار، المحامي يوسف حسين لـ”نون بوست”: “يعبر القرار عن إصرار النظام على الاعتداء على أرواح السوريين المعارضين وممتلكاتهم كونه نتيجة حتمية لسلبهم ممتلكاتهم بعد أن هجرهم، لأنه يعلم أن عودتهم ستكون نهاية حتفهم”.
وأضاف “القرار سيجبر المواطنين على بيع ممتلكاتهم خشية الحجز عليها ومصادرتها، وفي كلتا الحالتين ستذهب إلى رؤوس الأموال وتجار الحرب لدى النظام والمجنسين حديثًا من الميليشيات، القادرة على شراء هذه الممتلكات بأسعار متدنية لأن السوريين في الداخل يعيشون في فقر مدقع بمعنى أنهم لا يوفرون الحاجات الأساسية لأسرهم، فكيف سيبتاعون العقارات”.
واعتبر أن هذا القرار بمثابة تسويق إعلامي لإجبار الأهالي والمهجرين والنازحين أيضًا لبيع ممتلكاتهم خوفًا من تسوية سياسية محتملة يقودها المجتمع الدولي تنهي مشروع التغيير الديموغرافي، ويجب على المهجرين عدم الانجرار خلف السماسرة لبيع ممتلكاتهم لأنهم سيكونون الخاسرين.
مكاسب اقتصادية وسياسية
يعيش النظام السوري وضعًا اقتصاديًا مزريًا لا سيما خلال الفترة الأخيرة، وهناك مئات الآلاف مع ذوي المتخلفين عن الخدمة الذين سيطالهم هذا القرار، وهو ما يوفر لخزينة النظام أموالًا طائلة، فضلًا عن الحصول على القطع الأجنبي والاستفادة من الحوالات المالية وغيرها، مع انهيار العملة السورية المتواصل.
وبحسب وثائق نشرتها وزارة الخارجية السورية تذكر أن أكثر من 3200 اسم مُنح إعفاءات مقابل دفع رسوم قدرها 8000 دولار، ما أكسب حكومة النظام 25.8 مليون دولار في النصف الأول من عام 2020 فقط، وهذا يعني أن الآلاف لاحقًا سيقومون بدفع البدل خشية مصادرة أملاكهم.
في حديث لموقع “نون بوست” يرى المحلل والباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن هذا القرار سيحقق العديد من المكاسب للنظام، منها ما هو مادي عبر دعم اقتصاده الذي يشهد انهيارًا متواصلًا، مع تخفيف الضغوط الأوروبية عليه، بالإضافة إلى رسائل سياسية تعني له الكثير.
ساهمت عملية دفع البدل النقدي في دعم النظام ماليًا بشكل كبير خلال العام الماضي، وهذا القرار سيشمل آلاف السوريين الذين يقيمون في الخارج
ويقول يونس الكريم: “دفع البدل النقدي 8 آلاف دولار أمريكي، سيحقق للنظام دعمًا ماديًا مهمًا، مما سيساهم في ازدياد دفع الأموال للبنوك والحوالات المالية أيضًا التي ستصرف بحسب سعر البنك المركزي السوري”، وأضاف “النظام لم يصدر هذا القرار الخاص بمصادرة أملاك المتخلفين عن الخدمة لتنفيذه، في البداية، وإنما لخلق فرصة لهم للعودة إلى سوريا طواعيةً خشية مصادرة أملاكهم وأملاك ذويهم، وهنا سيجبرون على دفع البدل أو الخدمة إلى جانب قواته”.
وساهمت عملية دفع البدل النقدي في دعم النظام ماليًا بشكل كبير خلال العام الماضي، وهذا القرار سيشمل آلاف السوريين الذين يقيمون في الخارج، وهم مجبرون في دفع البدل عن طريق أقربائهم وأهاليهم، لا سيما أن التأخير في ذلك سيكلفهم الكثير وأبرز ذلك مصادرة الأملاك، والخوف على عائلاتهم الموجودة داخل مناطق النظام، حسب كريم.
لا يتوانى نظام الأسد عن فعل أي شيء لتحقيق مصالحه حتى عبر ابتزاز السوريين وقهرهم، سواء كانوا في “سوريا المفيدة” أو “المتجانسة” كما يحلم بها، أو في المناطق الخارجة عن سيطرته، كيف لا وهو الذي استخدم لقمع انتفاضتهم كل أنواع السلاح الذي تملكه سوريا، واستجلب كل الاحتلالات التي استأثرت بموارد الاقتصاد بعد أن شاركته تدمير البنية التحتية للبلد المنكوب ببشار وعائلته، واليوم يلاحق الذين عملت قواته بكفاءة على تهجيرهم خارج وطنهم، يلاحق أحلامهم ومحاولاتهم للعيش الكريم حتى في منفاهم.