حقق الرئيس البوليفي “إيفو موراليس” فوزًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية التي جرت أول أمس بفوزه بولاية ثالثة بنحو 61 في المائة من الأصوات وفق نتائج غير رسمية،
وأهدى الزعيم اليساري انتصاره إلى الذين “يكافحون الإمبريالية”.
وقال إيفو موراليس من شرفة القصر الرئاسي: “شكرًا لهذا الانتصار الجديد للشعب البوليفي”، ورأى أن هذا الفوز هو “انتصار لمناهضي الاستعمار والإمبريالية”، وأهداه خصوصًا إلى “فيدل كاسترو وهوغو شافيز”، في إشارة إلى الزعيم الكوبي والرئيس الفنزويلي الراحل.
ويتمتع “إيفو موراليس” أول رئيس بوليفي من أصل هندي الذي اُنتخب بغالبية واسعة، بشعبية كبيرة تعتبر ثمرة نجاحاته في مكافحة الفقر في هذا البلد الأكثر عوزًا في أمريكا اللاتينية.
وحسب النتائج غير الرسمية، أبدى ستة ملايين ناخب بوليفي امتنانهم لراعي اللاما السابق الذي ولد في بؤس الألتيبلانو وانصقل في النضال النقابي، وعرف كيف يحقق في بوليفيا استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا غير مسبوق.
ويحبذ موراليس تكرار القول “اليوم نحن جديرون بالاحترام لن نتسول ولن نهان أبدًا” بعد أن حكم تسع سنوات بلاد ليس لها منفذ على البحر انتعشت مواردها المالية بفضل تأميم المحروقات.
وتحسنت حياة البوليفيين اليومية بفضل عدة إنجازات بينها تلفريك يعتبر الأعلى والأطول في العالم وأول نقل عمومي حقيقي في البلاد، وإرسال قمر اصطناعي ونتائج ملموسة في مكافحة الفقر والجوع، قوبلت باستحسان على الصعيد الدولي.
وتؤكد السيرة الذاتية لمورالس الذي عمل كراعٍ لحيوانات اللاما يساعد والديه في الحقول ما إن بدأ يمشي على قدميه، ويجوب الأرض القاحلة والجليدية في جبال الإنديز لحمل الماء والحطب، مدى قدرته على تجاوز الصعوبات.
ولد موراليس عام 1959 في كنف عائلة فقيرة، وشاءت الأقدار كما روى في كتابه الذي يسرد قصة حياته أن يتزامن يوم ولادته مع التظاهرة الاحتجاجية التي نظمها آنذاك الزعيم الكوبي “فيدال كاسترو” بالعاصمة هافانا ضد “الرأسمالية الأمريكية”.
ويروي في سيرة ذاتية نشرت مؤخرًا ببراءة كبيرة مدى تأثره بعائلة موحدة وكادحة تعيش وفقًا لوتيرة الجدود في قبيلة الإيمرا دي اورورو المعزولة عن العالم بلا ماء ولا كهرباء.
ويروي أنه “حتى الرابعة عشر كنت لا أعرف ما هي الثياب الداخلية، كنت أنام بثيابي التي كانت أمي تنزعها عني فقط لسببين: البحث عن القمل أو ترقيعها في المرفقين أو الركبتين”.
واقتصر تعليمه على فترة قصيرة قضاها في معهد وبداية مشجعة كعازف على البوق (ترومبيت) ثم الهجرة إلى منطقة تشاباري الاستوائية حيث أصبح مزارع ينتج أوراق نبتة “الكوكا” (تستعمل في إنتاج الكوكايين) والتي تؤمن مداخيل مالية لمئات الآلاف من المزارعين والفقراء البوليفيين، وأخيرًا الحياة النقابية.
ولم يكتشف العالم إلا عندما بلغ سن الرشد وأصبح زعيمًا نقابيًا لمزارعي الكوكا ثم نائبًا في 1997 بمقعد في البرلمان البوليفي الذي حوله إلى منبر للدفاع عن مزراعي “الكوكا”، كما استغله لانتقاد واشنطن وسياستها “الاستعمارية”، وذلك رغم خجله وما كان يواجهه من صعوبة في تكلم اللغة الإسبانية.
وفي 22 يناير 2006، انتخب “إيفو موراليس” آيما بـ 54% من الأصوات ليصبح أول رئيس هندي في تاريخ بوليفيا، مقتديًا بزعيم الإيمرا توباك كاتاري الذي قاد ثورة هندية ضد الاستعمار الإسباني وكذلك بفيدل كاسترو الثوري الكوبي. وعند انتخابه في العام 2006 كان مجموع ثروته يصل إلى 779 ألف بوليفيانو (111 ألف دولار).
ولما تولى السلطة لم يغير أسلوبه وظل يرتدي الثياب التقليدية الملونة في منطقة الإنديز بشعره الأسود الكثيف وخديه الأحمرين ويصف نفسه بأنه “الهندي الأسود القبيح الوجه صاحب الأنف الذي يشبه الببغاء” ويدعو مزارع الكوكا “كوكاليرو” إلى رفع العقوبات الدولية عن إنتاج أوراق الكوكا.
وأقر إيفو موراليس شخصيًا قبل فترة قصيرة أن ممتلكاته زادت بسبب معاطف البونشو المصنوعة من الألبكة أو الصوف التي يتلقاها كهدايا ويبلغ سعر كل واحد منها على ما أفاد، ما لا يقل عن 200 دولار.
وجعل موراليس المقرب من كوبا والرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز، من واشنطن ألد أعدائه وأقام تحالفات سياسية واقتصادية مع إيران وروسيا والصين، وقال “كافحنا ونكافح الإمبراطورية الأمريكية الشمالية، إن الشعب ضد الاستعمار وضد الإمبريالية، الشعب ضد الرأسمالية”، داعيًا إلى “تحرير كل الشعب البوليفي”، وأُعيد انتخابه في 2009 بـ 64% من الأصوات.
والآن في سن الرابعة والخمسين يعتبر أقدم رئيس يمارس مهامه في أمريكا اللاتينية.
وإذا كان الفقراء يرون فيه الرجل القوي الذي أعاد لهم شرفهم ووقف بالمرصاد ضد “الإمبريالية الأمريكية” ومصالح الرأسمالية العالمية، يصفه البعض الآخر بالمقابل، خاصة ملاك الأراضي والمستثمرين الأمريكيين وإدارة واشنطن، بـ”الشيطان” و”تاجر المخدرات”.
ومنذ وصوله إلى الحكم، قام موراليس بتأميم عدد من الشركات الأجنبية التي كانت تعمل في مجال النفط والطاقة والمناجم، كما عزز القدرة الشرائية للمواطنين بفضل سياسة التأميم هذه ورفع أسعار المواد الأولية التي تصدرها بوليفيا إلى الخارج؛ ما جعل نسبة الفقر الشديد تتراجع من 38 إلى 21 بالمئة في 2012.
من جهة أخرى، قدم موراليس مساعدات مالية كثيرة لكبار السن وشيّد مدارس ومرافق صحية واجتماعية للفقراء؛ ما جعله يحظى بشعبية كبيرة في الأوساط المتواضعة.
وهو لا يكل ويحدد مواعيد للعمل في الساعة الخامسة صباحًا ويجوب كافة أنحاء البلاد إلى حد أنه قام بتنظيم خمسة مهرجانات انتخابية في أماكن مختلفة في يوم واحد. وأشار مؤخرًا إلى أن “هذه السنة طلبت منا ثلاث دول من أمريكا اللاتينية (لم يذكرها) اقتراض المال”، معربًا عن “اعتزازه” ومؤكدًا “في الماضي كنا بلد متسولين”.
في يوليو 2013 رفضت عدة دول أوروبية، من بينها فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا أن تحلق طائرة موراليس فوق أجوائها بحجة أن إدوارد سنودن كان في داخلها، وفي النهاية، قبلت النمسا أن تهبط طائرة موراليس على أراضيها، لكنه بقي محتجزًا في المطار لمدة 13 ساعة.
وبعد عودته إلى بلاده، استقبل موراليس استقبال الأبطال حيث توافد الآلاف إلى مطار “لاباز”، فيما قام باستدعاء سفراء الدول التي لم تسمح لطائرته بالهبوط على أراضيها.
وفي 2013، نشر رئيس بوليفيا مقالاً في دورية “لوموند دبلوماتيك” تحت عنوان “أنا الرئيس المحتجز في أوروبا” انتقد فيه عملية احتجازه، واصًفا إياها “بإرهاب دولة”. لكن رغم المتاعب التي عانى منها هذا الرئيس المتحدر من أصول هندية، إلا أنه لا يزال يحظى بمساندة شعبية واسعة في بوليفيا.
وفي 14 يناير 2009 قام موراليس بقطع العلاقات الدبلوماسية بإسرائيل نتيجة حربها على غزة، وفي 31 يوليو 2014 أعلن الرئيس البوليفي أن إسرائيل كيان إرهابي، وألغى السماح لمواطني دولة الاحتلال بدخول بلاده بدون تأشيرة سفر.
وموراليس الذي يعتقد بعدم البقاء في الحكم بعد سن الستين استفاد من تفسير مطعون فيه للدستور ليترشح لولاية ثالثة، لكنه مع ذلك يحلم بفتح مطعم في يوم ما!