يعكس مشروع أنبوب الغاز الطبيعي بين الجزائر ونيجيريا الذي عاد إلى الواجهة مؤخرًا، بعدما بقي حبيس أدارج البلدين نحو 14 سنة، تزامنًا مع تحرك المغرب للظفر بالمشروع، احتدام التنافس بين البلدين على البيت الإفريقي.
فإعلان وزير الطاقة الجزائري عبد المجيد عطار، منذ أيام ليست بالبعيدة، تفعيل مشروع أنبوب الغاز بين الجزائر ونيجيريا الذي يشمل ثلاثة بلدان فقط وهي نيجيريا والنيجر والجزائر، يدخل في إطار التنافس القائم بين الجزائر والمغرب بشأن نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا، وهو المشروع الذي سيوفر للبلد الذي ظفر به دورًا مهمًا في منطقة شمال إفريقيا.
ودافع الوزير الجزائري عن مزايا مشروع أنبوب نقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر بلاده، بالقول إن المشروع المغربي الذي يعود إلى نحو 5 سنوات، هو مشروع سياسي لا مردودية وجدوى اقتصادية منه، لأنه يعبر عدة بلدان وكمية الغاز التي تصل إلى السوق الأوروبية ستكون قليلة لأن كل البلدان التي سيمر عبرها بحاجة إلى الغاز، لذلك فهذا المشروع غير مبني على حاجة اقتصادية، مقارنة بأنبوب الغاز من نيجيريا إلى الجزائر، فبمجرد ولوج الغاز النيجيري إلى الحدود الجزائرية يكون قد وصل إلى أوروبا لأن الجزائر ليست في حاجة إلى غاز نيجيريا.
منافسة مكشوفة
يبدو اليوم أن الصراع القائم بين الجزائر وجارها الشرقي المغرب على الملفات السياسية والدبلوماسية والأمنية، والخلاف القائم حول ملف الصحراء الغربية، قد انتقل إلى المنافسة المكشوفة على القارة السمراء.
وجعلت السلطة السياسية الجديدة في البلاد، من الأسواق الإفريقية أولوية قصوى، عززتها بدبلوماسية الزيارات المكثفة وإعادة بعث المشاريع الإستراتيجية التي استحدثت في عهد الرئيس الجزائري المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وفي أقل من شهر واحد، أجرى وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم، سبع زيارات شملت كل من: ليبيا والكونغو وكينيا وجنوب إفريقيا وجمهورية ليسوتو حيث التقى نظيرته وزيرة الخارجية ماتسيبو راماكواي وأيضا قام بزيارة دبلوماسية إلى كل من: أنغولا ومالي وكينيا.
سجلت الجزائر في سنة 2020، حدثًا دبلوماسيًا مهمًا، إذ أقرت خطوات جديدة للعودة إلى حضن إفريقيا بعد سنوات من الانحسار
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، صوبت الجزائر أنظارها نحو دول غرب إفريقيا “إيكواس”، فالتقى قائد الدبلوماسية الجزائرية صبري بوقادوم رئيس مفوضية “الإكواس” التي تضم 15 بلدًا جان كلود كاسي برو في أبوجا (عاصمة جمهورية نيجيريا الاتحادية)، لبحث التطورات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي.
وأخرج الرئيس تبون من الأدراج المغلقة، المشاريع التي أطلقتها إدارة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة غير أنها وضعت على جنب، أهمها مشروع الطريق العابر للصحراء الذي تم إنجازه سنة 1960على مسافة 9400 كيلومتر، يربط محوره الرئيسي الجزائر العاصمة بلاغوس النيجيرية مع عدة تفرعات تمتد إلى النيجر ومالي وتشاد وتونس.
وحسب تقديرات وزير الأشغال العمومية فاروق شيالي فإن هذا المشروع سيكون جاهزًا في يونيو/حزيران القادم، وإضافة إلى هذا المشروع هناك مشروع أنبوب الغاز الطبيعي بين الجزائر ونيجيريا، وشبكة الألياف البصرية لدعم الاتصالات، وكان هذان المشروعان محور مباحثات جرت بين وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم ونظيره النيجيري جيفري أونياما في أبوجا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وسجلت الجزائر في سنة 2020، حدثًا دبلوماسيًا مهمًا، إذ أقرت خطوات جديدة للعودة إلى حضن إفريقيا بعد سنوات من الانحسار، وصادقت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على الاتفاقية المؤسسة للمنطقة الإفريقية للتبادل التجاري الحر التي ستدخل حيز التنفيذ العام الحاليّ، وتطمح حاليًّا لتحقيق مبادلات تجارية تفوق 50 مليار بحلول 2023 مقابل 24 مليار سنة 2019.
وتزامنا مع سعي الجزائر إعادة ترميم علاقاتها مع الدول الإفريقية النافذة على غرار جنوب إفريقيا ونيجيريا بعد الإهمال المتعمد، أشهرت المملكة المغربية هي الأخرى خط أنبوب الغاز الذي يربطها بنيجيريا بعد خمس سنوات من إعلانه رسميًا ومرور أربع سنوات على توقيع اتفاقية تفاهم لإنجازه.
وذكر بلاغ للديوان الملكي نشرته الخارجية المغربية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الملك محمد السادس والرئيس محمد بوخاري أعربا عن عزمهما مواصلة المشاريع الإستراتيجية بين البلدين وإنجازهما في أقرب الآجال خاصة خط الغاز نيجيريا-المغرب وإحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا.
وفي محاولة منه لاستمالة العديد من الدول الإفريقية وتغطية الغياب الطوعي عن القارة السمراء، تحرك المغرب في يونيو/ حزيران الماضي من أجل مد يد العون لأكثر من 15 بلدًا إفريقيًا، وهو الحدث الذي علقت عليه إذاعة “فرانس أنفو” الفرنسية بالقول: “القوة الناعمة المغربية تتحرك من أجل مساعدة 15 بلدًا إفريقيًا في جهودها الرامية إلى محاربة جائحة كوفيد 19″، وذكرت أن المغرب ضاعف المبادرات الدبلوماسية وحتى الاستثمارات في المنطقة خلال السنوات الأخيرة في إفريقيا، حيث وظف قوته الناعمة في القارة منذ عودته إلى أحضان البيت الإفريقي.
ووسع المغرب في السنوات الأخيرة من حجم التعاون مع دول القارة السمراء في مجالات العمل المصرفي والاتصالات وحتى التصنيع، وأطلق هو الآخر المرحلة التشغيلية والعملية لتنفيذ اتفاق منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية باعتبارها رافعة للإدماج الاقتصادي الإفريقي.
وبحسب الأرقام التي كشفها الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج محسن الجزولي، في افتتاح القمة الاستثنائية الـ13 للاتحاد الإفريقي بشأن اتفاق منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، فإن إفريقيا تستقطب ثلثي استثمارات المغرب المباشرة بالخارج، إذ تستثمر المملكة المغربية منذ سنة 2008 أكثر من 3 مليارات دولار في القارة.
إفريقيا ساحة جديدة للصراع
تؤكد هذه المعطيات أن القارة السمراء أصبحت في السنوات الأخيرة ساحة جديدة للصراع والتنافس المكشوف بين البلدين الغريمين، ويعد الاقتصاد المنفذ الجديد للبلدين لتعزيز بسط نفوذهما على أسواق إفريقيا جنوب الصحراء بعد أن كان الخلاف بينهما مقتصرًا على ملف الصحراء الغربية.
الوضع السياسي والدبلوماسي والنفوذ الدولي والإقليمي بين الجزائر والمغرب يزداد حدة واستقطابًا بين البلدين وذلك لأسباب تاريخية وجيوسياسية تعود جذورها الى زمن الثورات الشعبية
يقول المحلل السياسي والباحث في الشؤون الأمنية مبروك كاهي، في تصريح خاص لـ”نون بوست” إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل التنافس بين البلدين حقيقي أو يدخل ضمن إستراتيجيات الصراع بين الجزائر والمغرب لا سيما في ملف الصحراء الغربية.
ويرى كاهي أن الجزائر تعول على العديد من العوامل للتمدد الاقتصادي في القارة السمراء أبرزها الموقع الجغرافي، فالمغرب له حدود مع دولتين فقط الجزائر والصحراء الغربية ومعبر وحيد وغير شرعي وقانوني.
إضافة إلى أن الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا أو التي تعرف اختصارًا بـ”النيباد” وهي مبادرة تتضمن رؤية الاتحاد الإفريقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة الإفريقية، وأيضًا تبدي الجزائر تمسكها بمحورها الثلاثي القوي الجزائر – نيجيريا – جنوب إفريقيا ونقاط قوة عديدة من بينها أن الجزائر عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي والتأسيس كان على أراضيها بينما يعتبر المغرب عضوًا منضمًا حديثًا.
الناشط السياسي محمد حديبي يعتبر أن الوضع السياسي والدبلوماسي والنفوذ الدولي والإقليمي بين الجزائر والمغرب يزداد حدةً واستقطابًا بين البلدين وذلك لأسباب تاريخية وجيوسياسية تعود جذورها إلى زمن الثورات الشعبية إبان الفترة الاستعمارية، وزداد الأمر تعقيدًا في قضية الصحراء الغربية ثم بعد انضمام المغرب إلى قافلة المطبعين مع الكيان الصهيوني والتضحية بملف فلسطين مقابل فتح قنصليات أجنبية فوق أراضي دولة الصحراء الغربية.
ويقول حديبي، في تصريح خاص لـ”نون بوست” إن التحالفات التي أبرمها المغرب مع فرنسا وأمريكا والكيان الصهيوني الذي يمارس ضغوطات ضد توجه السياسية الخارجية والداخلية للجزائر ومحاولة عزلها إفريقيًا ومغاربيًا وعربيًا، دفعت بالسلطة السياسية الجديدة في البلاد إلى اتخاذ قرارات سياسية إقليمية ودولية حكيمة لحماية بعدها الإستراتيجي الإقليمي والأمني والاقتصادي عن طريق شركائها الأفارقة أو الدوليين خصوصًا في منطقة الساحل الإفريقي.
ويعتقد البرلماني السابق أن الاتفاقيات الإستراتيجية التي أبرمتها الجزائر مع الصين أبرزها ما يعرف بطريق الحرير الاقتصادي المتمثل في ميناء شرشال المربوط بطريق الوحدة الإفريقية العابر للقارة جعل المغرب يعيش في عزلة اقتصادية دون أن يكون له سند إفريقي بسبب موقف منظمة الوحدة الإفريقية الرافض لاحتلال المغرب للصحراء الغربية الذي يعتبره من بقايا ملفات تصفية الاستعمار.