ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر الشهر الماضي، دعا زعيم الجمهوريين بلجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب الأمريكي زملاءه للتعرف على مركز دراسات جديد يُعنى بالوضع في تونس، الدولة الصغيرة في شمال إفريقيا التي يُنظر إليها في واشنطن على أنها قصة النجاح الوحيدة في خضم الربيع العربي.
وصف السيناتور مايكل ماكول (النائب عن ولاية من تكساس) في رسالة موجّهة لزملائه بتاريخ 14 كانون الثاني/ يناير، هذا المركز بأنه مبادرة أمريكية تهدف “لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وتونس وتكرس مكانة تونس على أنها نموذج للدول الأخرى التي تسعى إلى بناء مؤسساتها الديمقراطية”.
دعا ماكول أعضاء الكونغرس إلى ندوة عبر الإنترنت في 4 شباط/ فبراير استضافها المركز لمناقشة “تحديات وفرص” العلاقات بين الولايات المتحدة وتونس و”الدروس المستفادة” منذ أن قام بائع خضار تونسي بإضرام النار في نفسه قبل عقد من الزمن، مما تسبّب في اندلاع احتجاجات معادية للأنظمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وكتب ماكول أن “الدول المعادية للقيم الغربية مثل الصين وروسيا تمارس نفوذها بشكل متزايد في تونس والدول المجاورة، حيث تزيد التحديات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد من هشاشة الوضع التونسي. يمكن للمبادرات، على غرار مركز الدراسات الاستراتيجية حول تونس، أن تساعد في دعم الجهود الكبيرة التي يبذلها الكونغرس من أجل تحقيق ديمقراطية شاملة ومزدهرة وآمنة على المدى الطويل في تونس”.
في الواقع، لم تتطرق الرسالة إلى السيدة التونسية الطموحة التي تدير هذا المركز، ولا اللوبي الأمريكي الذي ساعدها على التقدم في هذا الطريق.
أسّست هذا المركز المهندسة التونسية ألفة الحامدي (32 عاما)، وتُظهر السجلات أنها قامت بتسجيله في واشنطن في تموز/ يوليو الماضي، كما سجّلت مجموعة أخرى تسمى “مشروع الشراكة الأمريكية التونسية” بعد شهر واحد.
تخرجت الحامدي من جامعة تكساس في أوستن، وشاركت في تأسيس شركة “كونكورد” للمشاريع التكنولوجية سنة 2017، كما تم تعيينها مديرة تنفيذية لشركة الخطوط الجوية التونسية في 4 كانون الثاني/ يناير، بعد إقالة إلياس المنكبي الصيف الماضي وسط مزاعم فساد.
أثار بروز الحامدي في الفترة الماضية نقاشا حادا في تونس وفي صفوف الجالية التونسية بالولايات المتحدة حول علاقاتها السياسية ومؤهلاتها للحصول على المنصب الرفيع.
وفيما أشاد كثيرون بقصة نجاح هذه المرأة الشابة المنحدرة من إحدى المناطق الداخلية المهمشة في تونس، أكد آخرون أن هناك مبالغة في الحديث عن مؤهلاتها ونجاحها المهني، مشيرين إلى أن السجلات العامة في الولايات المتحدة تُظهر أن شركتها تلقت قرضا خلال جائحة كورونا في العام الماضي بقيمة 12.500 دولارا، لتغطية جزء من نفقات الرواتب السنوية لموظفيها.
لم تستجب الحامدي إلى طلب التعليق على هذا الموضوع، والذي أُرسل إلى البريد الخاص بمركز الدراسات الاستراتيجية حول تونس. أعلنت الحامدي عن إطلاق المركز في بيان صحفي بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير بعد تعيينها في الخطوط التونسية، مما يشير إلى أنها تنوي مواصلة العمل في المركز رغم تقلّدها منصبها الجديد. وقالت الحامدي في هذا السياق: “في أعقاب الذكرى العاشرة للربيع العربي الذي بدأ في تونس، فإن هذا أفضل توقيت لإطلاق مركز الدراسات الإستراتيجية حول تونس”.
وأضافت الحامدي “أن تونس تظلّ الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي والحليف الرئيسي للولايات المتحدة. تقدّم هذه المبادرة فرصة كبيرة لتأمين الاستقرار والازدهار الدائمين في دولة تتبنى قيم الحداثة، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان وتمكين المرأة وضمان خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية.”
أثارت علاقة مركز الدراسات الإستراتيجية حول تونس بلوبيات الضغط في الولايات المتحدة، وتركيزه الكبير على قطاع الطاقة، مجموعة من الأسئلة حول الهدف من إنشاء المركز والأطراف المستفيدة منه. وفي حين يذكر الموقع الإلكتروني للمركز أن الحامدي أسسته “للمساعدة في تعزيز العلاقات الأمريكية التونسية وضمان مستقبل مشرق لبلدها تونس”، فإن مقر المركز موجود في مكاتب مؤسسة “كورنر ستون”، وهي جماعة ضغط لها نفوذ كبير في تكساس. تقدم المؤسسة خدماتها للعديد من عملاء الطاقة المحليين، بالإضافة إلى عملاق تعدين الفوسفات المغربي (المكتب الشريف للفوسفاط).
ويعمل أربعة من الخبراء الأمريكيين الخمسة الذين يقدمون الاستشارات لمركز الدراسات الإستراتيجية حول تونس في مجال العلاقات والسياسات، كموظفين لدى “كورنر ستون”، وهم:
- جاك بيلشر؛ مدير مكتب الشركة في هيوستن، والذي شغل منصب مدير فريق عمل اللجنة الفرعية للطاقة والموارد المعدنية التابعة للجنة الموارد الطبيعية في مجلس النواب الأمريكي.
- برنت غرينفيلد، نائب الرئيس ومستشار يتمتع بخبرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويقيم في هيوستن أيضا.
- بول لوني؛ مدير آخر في مكتب هيوستن، وقد عمل كمساعد للنائب إد رويس (نائب جمهوري من كاليفورنيا) في تسعينيات القرن الماضي.
- مورغان ماكورد؛ أحد كبار المساعدين في مكتب الشركة بواشنطن.
يقول أحد أفراد الجالية التونسية بالولايات المتحدة لموقع “فورين لوبي” إن ألفة الحامدي تبدو “واجهة لعدد من جماعات الضغط التي تريد إيصالها لمناصب أعلى حتى تتمكن من تأمين بعض الصفقات”.
يحظى بروز مركز الدراسات الجديد بالكثير من الاهتمام، خاصة أن الحكومة التونسية ذاتها لا تتعامل مع أي جماعات ضغط في الولايات المتحدة.
وفقًا لوثيقة جديدة، توقفت شركة “بيرسون كون آند وولف” (Burson Cohn & Wolfe) عن العمل مع حزب النهضة الإسلامي المعتدل في 31 كانون الأول/ ديسمبر. قامت الشركة المعروفة سابقًا باسم “بيرسون مارستيلر” بمساعدة الحزب على “الوصول لوسائل الإعلام وأصحاب النفوذ” منذ سنة 2014، مما أسهم في تهدئة مخاوف الولايات المتحدة من الحزب الذي يمثل النسخة التونسية من جماعة الإخوان المسلمين. عادت جهود “بيرسون كون آند وولف” بالفائدة على الحكومة التونسية على نطاق واسع، من خلال تشجيع الدعم الأمريكي للديمقراطية الوليدة.
ومن بين أعضاء فريق الخبراء التابعين لخلية التفكير الجديدة، أستاذ الإدارة في جامعة “نورث إيسترن” في بوسطن، ميتشيل وايزبرغ، الذي عينته الحامدي ضمن مجلس مستشاريها في الخطوط التونسية.
المخاطر كبيرة بالنسبة لأوروبا المجاورة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وللاستقرار العالمي
في هذا الشأن، ذكر غرينفيلد لموقع “فورين لوبي” أن الحامدي قامت شخصيًا باختيار شركة “كورنر ستون” في نيسان/ أبريل 2020 لتقديم “الدعم التنظيمي” لمركز الدراسات الاستراتيجية حول تونس. كما أقر بأن الشركة “سهّلت الاتصالات بين قيادة مركز الدراسات الاستراتيجية والنائب ماكول قبل أن يصدر بيانه”. وأشارت سجلات لجنة الانتخابات الفيدرالية أن لوني ساهم بمبلغ 2500 دولار في حملة إعادة انتخاب ماكول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2020.
وتشير الوثائق إلى تعيين لوني كموظف لدى شركة “كورنر ستون إنيرجي سوليوشنز”، وهي فرع لـ”كورنر ستون” تم افتتاحه في كانون الثاني/ يناير 2019.
من جانبه، يصرّ غرينفيلد على أن طبيعة عمله لا تتطلب التسجيل كوكيل أجنبي ضمن قوائم وزارة العدل الأمريكية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA)، ويقول إن “الدعم الذي يشمل استشارات في السياسة والاتصالات والبحوث والتواصل الاستراتيجي لقادة الفكر لا يتطلب التسجيل في قانون فارا”.
ويضيف: “لا وجود لأي صلة بين شركة كورنر ستون وشركة الخطوط التونسية، وتعيين الحامدي لقيادة الشركة لم يؤثر على عملنا مع مركز الدراسات الاستراتيجية حول تونس”.
يشمل تعاون “كورنر ستون” مع خلية التفكير الجديدة كتابة تقارير في مجال الطاقة. في أيلول/ سبتمبر 2020، كتب بيلشر مقالاً حثّ فيه الولايات المتحدة على الاستثمار في موارد الطاقة الأحفورية التي “لم يتم استكشافها” في تونس. بينما كتب غرينفيلد مقالاً في تشرين الأول/ أكتوبر دعا فيه الولايات المتحدة إلى زيادة المساعدات لتونس وجعلها محورًا للاستراتيجية التي أقرها الكونغرس سنة 2019 لمساعدة الدول الهشة في المناطق المتضررة من الصراعات.
في هذا الصدد، كتب غرينفيلد: “بالنظر إلى تاريخ تونس وأهميتها الجيوستراتيجية للولايات المتحدة والعالم الغربي – والتكلفة الباهظة لعدم التحرك – يجب أن تكون تونس محور استراتيجية أمريكا في الدول الهشة. المخاطر كبيرة بالنسبة لأوروبا المجاورة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وللاستقرار العالمي، لذلك قد حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة”.
المصدر: فورين لوبي