تواصل السلطات الفرنسية، حملتها ضد الإسلام والمسلمين بأساليبها المختلفة، حيث وافقت الجمعية الوطنية في فرنسا على مشروع قانون لمحاربة ما تسمى “الانعزالية”، الذي يقدم رؤية ضيقة للعلمانية ويستهدف المسلمين وحرياتهم الدينية، ما أثار موجة غضب وتنديد كبيرة في الداخل والخارج.
استهداف المسلمين
تم إقرار مشروع القانون بموافقة 347 نائبًا مقابل رفض 151، في حين امتنع 64 عن التصويت، ومن المنتظر أن يعرض على مجلس الشيوخ في أبريل/نيسان المقبل، ليتخذ القرار النهائي بشأن إقراره ودخوله حيز التنفيذ.
تقول الحكومة الفرنسية إن الغاية من مشروع القانون الجديد تعزيز مبادئ الجمهورية في مواجهة أخطار عدة، أولها ما تسميه “التطرف الإسلامي”، فيما تعتبر أحزاب الاشتراكيين واليسار الراديكالي أنه قانون لوصم المسلمين ومقيد للحريات، بعكس الهدف المرجو منه.
كما يرى معارضو مشروع القانون، أنه يستهدف المسلمين في فرنسا، ويكاد يفرض قيودًا على مناحي حياتهم كافة، ويسعى لإظهار بعض الأمور التي تقع بشكل نادر كأنها مشكلة مزمنة، ومن المنتظر أن يتم بموجبه تعزيز الرقابة على الجمعيات والمنظمات المدنية التابعة للمسلمين وتمويل الأنشطة الدينية.
يسارع أركان نظام ماكرون الخطى لكسب ود اليمين المتطرف قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل
وينص أيضًا على فرض الرقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، يفرض كذلك قيودًا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، في وقت يحظر فيه ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي.
ويحظر مشروع القانون على المرضى اختيار الأطباء وفق جنسهم لاعتبارات دينية أو غيرها، كما يجعل التثقيف العلماني إلزاميًا لكل موظفي القطاع العام، وفي الـ2 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عرف الرئيس ماكرون مشروع القانون تحت اسم “مكافحة الإسلام الانفصالي”، وجرى تغيير اسمه لاحقًا إلى مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية نتيجة الاعتراضات.
بالتزامن مع ذلك، تسعى السلطات الفرنسية إلى إقرار مشروع “ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي”، وهو وثيقة كتبها حفنة من المسؤولين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، يريدها الرئيس ماكرون أن تصاحب هيكلة الإمامة في فرنسا.
هذا المشروع، يستهدف المسلمين ويحمل في طياته “فقرات تمس شرف المسلمين، ولها طابع اتهامي وتهميشي، وتضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة”، وفق هيئات إسلامية ناشطة في فرنسا، وفيه أيضًا عدد من المواد التي تفتح الباب مستقبلًا لتقييد الحقوق والحريات للمسلمين.
تسابق لإرضاء اليمين المتطرف
بالموازاة مع قانون “الانعزالية”، حذرت وزيرة التعليم العالي فريدريك فيدال من انتشار اليسار الإسلامي في المؤسسات الأكاديمية الفرنسية، ويستخدم مصطلح “اليسار الإسلامي” في فرنسا غالبًا سياسيو اليمين المتطرف لتشويه سمعة خصومهم اليساريين المتهمين بالتغاضي عن مخاطر ما يدعونه “التطرف الإسلامي” والإفراط في الخشية من قضايا العنصرية والهوية.
وقالت فيدال لقناة “سي نيوز” التليفزيونية، “أعتقد أن اليسار الإسلامي ينخر مجتمعنا بأكمله، والجامعات ليست محصنة وهي جزء من المجتمع”، وهو ما أثار صدمة مؤتمر رؤساء الجامعات، فقد أدان المؤتمر – الذي يمثل رؤساء الجامعات الفرنسية – استخدام هذه التسمية المعرّفة بشكل مبهم، قائلًا إنه يجب تركها لليمين المتطرف الذي أشاعها.
كما أعلنت فيدال أنها ستأمر بإجراء تحقيق في مشكلة الباحثين الذين ينظرون إلى كل شيء من منظور السعي لإثارة التصدع والانقسام، التي تشمل على حد قولها أولئك الذين يركزون على قضايا الاستعمار والعرق، الأمر الذي أدانه المركز الوطني للبحوث العلمي.
يؤكد هذا الأمر أن أركان نظام ماكرون يسارعون الخطى لكسب ود اليمين المتطرف قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل، التي تظهر استطلاعات الرأي أنه من المرجح أن تكون إعادة لسباق عام 2017 مع زعيمة حزب الجبهة الوطنية المناهض للهجرة مارين لوبان.
ضمن هذا الإطار، اتهم وزير الداخلية جيرالد دارمانين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بـ”التساهل الكبير” مع الإسلام، ولفت جيرالد المقرب من ماكرون إلى أن جهود لوبان لتأهيل حزب التجمع الوطني أدت إلى تخفيف موقفها المتشدد الذي من شأنه أن يخيب قاعدتها.
وقال: “أصبحت السيدة لوبان ضعيفة بعض الشيء.. تحتاج إلى تناول بعض الفيتامينات، فهي ليست قاسية بما يكفي بهذا الملف”، وأضاف: “إذا فهمتك بشكل صحيح، فأنت على استعداد لعدم التشريع حتى بشأن الدين، وأنت تقولين إن الإسلام ليس مشكلة. لقد قطعت شوطًا طويلًا، وستخيب آمال الكثير من ناخبيك كما أتخيل”.
تنامي الخطاب المعادي ضد المسلمين الذي تتبناه السلطة ووسائل الإعلام الفرنسية، يؤكد تراجع حرية التعبير في فرنسا وعدم القبول بالآخر
وهي السياسة التي يتبعها ماكرون نفسه من خلال معاداة الإسلام والتضييق على أنشطة المسلمين من أجل التقرب أكثر إلى اليمين المتطرف وكسب ود هذه القاعدة الانتخابية للفوز بولاية رئاسية ثانية، فقد أغلق عشرات المساجد والمؤسسات الإسلامية والمدارس الخاصة والمحلات التجارية بذريعة مكافحة الإسلام المتطرف، كما قام بحملة تفتيش طالت عددًا كبيرًا من المساجد أغلبها في العاصمة باريس.
فضلًا عن ذلك، تشن حكومة الرئيس ماكرون منذ أشهر حملة اعتقالات في عدة مدن فرنسية، استهدفت عددًا من تلاميذ المدارس، بتهمة تبرير الإرهاب، في أعقاب مقتل أستاذ التاريخ صمويل باتي منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وسبق أن نددت منظمة العفو الدولية بالمناخ العدائي والخطاب التمييزي تجاه المسلمين في فرنسا في تقرير أصدرته بعنوان “التمييز ضد المسلمين: يجب على الدولة أن تتصرف” سلطت فيه الضوء على خطاب وزير الداخلية الفرنسي الذي سرد فيه أمورًا تعد من أساسيات الحريات الدينية، بما في ذلك الصلاة والصوم وإطلاق اللحية، معتبرًا إياها علامة على التطرف.
تحرك المسلمين
هذه الممارسة التي تستهدف المسلمين من شأنها أن تبلور رأي عام مناهض لسياسة الحكومة، خاصة بعد رفض 3 من اتحادات المساجد الثمانية الأعضاء في المجلس الفرنسي للعبادة الإسلامية، بشكل قاطع التوقيع على القانون الذي يستهدف المساجد رغم الأبهة الكبيرة التي قُدّم بها في الإليزيه.
في هذا السياق، قام الأسبوع الماضي 500 من الأطر الإسلامية – بينهم 100 إمام و50 مدرسًا للعلوم الإسلامية و50 من رؤساء الجمعيات و300 من طلاب العلوم الإسلامية” – بإنشاء منتدى يدعو إلى إنهاء الإجراءات الاستثنائية التي تستهدف الفرنسيين المسلمين.
كما تجمع بعض النشطاء والمحتجين في باريس لمطالبة الحكومة الفرنسية بالتخلي عن مشروع القانون الذي يستهدف المسلمين ويحد من حريتهم ويجعلهم في عداد المشتبه بهم المحتملين للإرهاب والتطرف، رغم تشتت جهود التعبئة بعد حظر الجماعة التي كانت وراء مظاهرة 2019 ضد الإسلاموفوبيا.
ومن المقرر تنظيم مسيرة أخرى في العاصمة باريس في 20 من مارس/آذار المقبل، وذلك بالتزامن مع إنشاء حركة جديدة، هي “الجبهة ضد الإسلاموفوبيا” التي تضم نحو 20 جمعية تأسست حول عالم الاجتماع سعيد بوعمامة.
وأصدر العديد من الأئمة بيانات للتنديد بسياسة الحكومة تجاه المسلمين، ويؤكد هذا بداية تشكل خط معارض لسياسات الحكومة الفرنسية المناهضة للمسلمين، بعد أن كان المسلمون يخشون من إبداء معارضتهم لسياسة فرنسا تجاههم، خوفًا من اتهامهم بالإرهاب.
تنامي الخطاب المعادي ضد المسلمين – رغم أنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الفرنسي ومن الجمهورية – وظاهرة مشاريع القوانين العنصرية والإسلاموفوبيا، التي تتبناها السلطة ووسائل الإعلام الفرنسية، يؤكد تراجع حرية التعبير في فرنسا وعدم القبول بالآخر، ما يجعل فرنسا جزءًا من الأنظمة السياسية الدكتاتورية المتخلفة والمعارضة لحرية التعبير.