ترجمة وتحرير نون بوست
أدى تقاعس المجتمع الدولي لدفع نشطاء الأويغور إلى التماس آمال بالعدالة الأمريكية، على الرغم من تاريخ الولايات المتحدة المليء بسياسات الإسلاموفوبيا والمراقبة التي تقودها الدولة.
في أيلول/ سبتمبر سنة 2018، اختفت جولشان عباس البالغة من العمر 58 سنة من بلدة أورومتشي في منطقة شينجيانغ الواقعة في شمال غرب الصين. وزعمت شقيقتها روشان عباس، مؤسسة “الحملة من أجل الغور” ومديريتها التنفيذية أن السلطات الصينية احتجزت جولشان على خلفية نشاط شقيقتها. وفي حديثها مع موقع “ميدل إيست آي”، أفادت عباس قائلة: “لم نتأكد من اعتقال جولشان إلى أن تلقينا خبرا في منتصف سنة 2020 من مصدر خارجي”.
قبل ستة أيام من اختفاء شقيقتها، ظهرت روشان في حلقة نقاش في معهد “هدسون”، حيث كشفت عن اختفاء عائلة زوجها بأكملها في المخيمات. وأفادت روشان أن “ذلك [حدث] شائع للغاية بين الأويغور [وعائلاتهم] حيث كان بمثابة ردّ واضح على استخدامي لحرية التعبير التي أتمتع بها كمواطنة أمريكية”.
على مدى عقود، سعت الصين إلى تصوير الإجراءات الأمنية القاسية في المنطقة على أنها جزء من معركة بكين ضد “الإرهاب”. في هذا الإطار، شنت الحكومة حملة قمع واسعة على السكان المسلمين، شملت عمليات المراقبة الجماعية والاحتجاز والتلقين والتعقيم القسري. بالإضافة إلى ذلك، راجت القصص التي تروي حالات من الاختفاء الجماعي والإعدامات وتدمير المساجد والمواقع الثقافية.
اختفت جولشان عباس في سنة 2018 ولا يزال مكان تواجدها مجهولا (الصورة من روشان عباس).
تجاوزت الصين الحدود، ووصلت لدرجة مقارنة الامتثال بالتدين الإسلامي كشكل من أشكال المرض الأيديولوجي، مما يتطلب العلاج في “مستشفى إعادة التعليم”. مؤخرًا، كتب كريستيان بيترسن، الذي تتمحور أبحاثه حول تطور الإسلام في الصين أن “الدولة فعّلت الإسلام كمؤشر على التهديد باضطراب الدولة وعاملت المسلمين من حيث القوة والهيمنة والانضباط”. واشتمل ذلك على حظر لحى الرجال ونقاب النساء أو إجبار المسلمين على أكل لحم الخنزير وشرب الخمور.
لا يزال الإجماع الدولي حول كيفية معالجة الأزمة مفقودا، ولم تتقدم الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط أو أفريقيا أو آسيا لمساعدة المجتمعات المهمشة
وفقًا لشهادة كشفت عنها هيئة “بي بي سي”، ذكر المحتجزون من الأويغور حوادث شملت الاغتصاب المنهجي والانتهاك الجنسي والتعذيب في معسكرات الاعتقال التي يقال إنها تأوي أكثر من مليون شخص. من جانبها، نفت الصين هذه المزاعم مرارا وتكرارا واعتبرتها مجرد “أكاذيب وادعاءات سخيفة”. وعلى الرغم من إنكارها، تجد الصين صعوبة في تفسير التغييرات الشاملة التي حدثت في المنطقة.
في وقت سابق من هذا الشهر، حاولت دراسة أجراها مركز “أبحاث تنمية شينجيانغ” تفسير التراجع في النمو السكاني من 11.4 لكل ألف شخص في سنة 2017، إلى 6.13 لكل ألف شخص في السنة الموالية. بررت الدراسة ذلك بتطبيق سياسات تنظيم الأسرة الموحدة، وتغيير العقلية العامة بشأن الزواج والإنجاب وكبح جماح التطرف الديني في المنطقة. والجدير بالذكر أن هذه الدراسة جاءت في أعقاب تغريدة نشرتها السفارة الصينية في واشنطن العاصمة، وقع حذفها منذ ذلك الحين حيث اعترفت سهوا فيها “بالتعقيم” القسري لنساء شينجيانغ.
مع ذلك، لا يزال الإجماع الدولي حول كيفية معالجة الأزمة مفقودا، ولم تتقدم الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط أو أفريقيا أو آسيا لمساعدة المجتمعات المهمشة، حيث يقول الخبراء إن قضية الأويغور تكشف خللا آخرا في عزم المجتمع الدولي على إنهاء التطهير العرقي أو جرائم الحرب التي تقودها الدولة.
بدلا من ذلك، دفع تقاعس المجتمع الدولي نشطاء الأويغور مثل عباس إلى التماس آمال بالعدالة الأمريكية، على الرغم من تاريخ الولايات المتحدة المليء بسياسات الإسلاموفوبيا والمراقبة التي تقودها الدولة وزجّ المسلمين في السجون. في هذا الصدد، قالت عباس: “أشعر بضغط شديد. فخلال فترة رئاسة ترامب، بدأت الولايات المتحدة بإدراك حقائق تجاهلتها لعقود من الزمن. في المقابل، هناك تأخير في اتخاذ الإجراءات. من جهته، يعمل النظام الصيني كمنظمة إجرامية دولية تحتجز الأبرياء كرهائن”.
“إبادة جماعية”
في واحدة من الإجراءات الأخيرة لإدارة ترامب في كانون الثاني/ يناير سنة 2021، قضت الولايات المتحدة بأن تصرفات الصين في شينجيانغ ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. وفي آخر يوم له في منصبه، قال وزير الخارجية، مايك بومبيو: “نرى أن هذه الإبادة لا تزال مستمرة، وأننا نشهد محاولة منهجية للقضاء على الأويغور من جانب الحزب والدولة الصينيين”. سرعان ما أنكرت الحكومة الصينية تلك التصريحات ووصفتها بأنها “أكاذيب واهية”.
لم تقدم الدول الأخرى التي عادة ما تتفق مع واشنطن في قضايا السياسة الخارجية على اتباع الخطوة الأمريكية. أما في بريطانيا، فقد وصف رئيس الوزراء، بوريس جونسون، معاملة الصين للأويغور بأنها “مقيتة تمامًا”. في المقابل، قال جونسون إن تصنيف الإبادة الجماعية يعد “مسألة قضائية”.
أقر المشرعون الأمريكيون مشروع قانون منع العمل القسري للأويغور، الذي يسعى إلى حظر المنتجات المصنوعة في شينجيانغ جراء العمل القسري فيها
في كندا، استجاب رئيس الوزراء، جاستن ترودو، لمطالبات المعارضين في أن يستخدم مصطلح “إبادة جماعية”، وقال إن ذلك قيد البحث في حكومته، لكنه حذّر من أن خطوة كهذه ينبغي أن تكون “مبررة بشكل واضح وصريح حيث يعتبر هذا المصطلح محملا بالمعاني. في المقابل، لا شك بأنها قضية لا بد من البحث فيها عن حالة الأويغور. كما سنواصل العمل مع المجتمع الدولي، ولن نتردد في اتخاذ القرارات الصحيحة استنادا للحقائق والأدلة”.
لم تكن خطوة بومبيو سوى واحدة من عدة إجراءات اتخذتها الحكومة الأمريكية. وقبل أسبوع، حظر الكونجرس واردات القطن والطماطم من شينجيانغ بقيمة وصلت إلى تسع مليار دولار للقطن وعشر ملايين دولار للطماطم في سنة 2020، وسط مزاعم متعددة أن عملية إنتاجها تشمل ممارسات العمالة القسرية.
في أيلول/ سبتمبر سنة 2020، أقر المشرعون الأمريكيون مشروع قانون منع العمل القسري للأويغور، الذي يسعى إلى حظر المنتجات المصنوعة في شينجيانغ جراء العمل القسري فيها، ويفرض عقوبات محددة على الأفراد الأجانب الذين ينخرطون في ممارسات العمل القسري، ويجبر الشركات على الكشف عن المعلومات المتعلقة بشينجيانغ. في المقابل، لا يزال مشروع القانون في انتظار المصادقة من مجلس الشيوخ.
انتهج ترامب شعار “أمريكا أولا” في كل من سياساته، مما لم يترك مجالا للشك في أن الضغوط ضد الصين مدفوعة بتهميش أكبر منافس للبلاد منذ نهاية الحرب الباردة
على الرغم من قيادة الولايات المتحدة التهم ضد الصين، إلا أن جميع الأمريكيين لم ينضموا للحملة. وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، كانت الولايات المتحدة سوق التصدير الأسرع نموًا لمنطقة الأويغور، حيث نما بنسبة تزيد عن 250 بالمئة بين شهري نيسان/ أبريل في سنة 2019 وسنة 2020. في أواخر السنة الماضية، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الشركات الأمريكية العملاقة مثل “آبل”، و”نايكي” و”كوكا كولا” أنفقت مبالغ مالية هائلة في حملات ضغط ضد قانون منع العمل القسري للأويغور.
من جهتها، قالت شركة “آبل” للصحيفة إن الجهود التي تبذلها تهدف إلى تعزيز القانون. بينما أكدت “كوكا كولا” أن الشركة “تحظر بشدة أي شكل من أشكال العمل القسري في سلسلة التوريد الخاصة بها”. من جهتها، نفت “نايكي” أي ضغط بشأن مشروع القانون لكنها قالت إنها أجرت “مناقشات بناءة” تهدف إلى القضاء على العمل القسري. ردا على ذلك، قالت عباس بشكل قاطع: “يعد هذا الأمر بمثابة تواطئ في الإبادة الجماعية”، مضيفةً أن “الولايات المتحدة متورطة بشكل كبير في الإبادة الجماعية، إلا أنها توفر لنا الحريات الديمقراطية للسماح للمعارضة والناشطين بالمطالبة باتخاذ إجراءات بشأن هذه القضايا”.
على الرغم من إشادة نشطاء حقوق الإنسان والأويغور بخطوة ترامب الوداعية ضد الصين، إلا أن فترة اتخاذها كانت خلال الأيام الأخيرة المحمومة من رئاسة ترامب، والتي شهدت انتشار مزاعم بأن الرئيس السابق شجّع التمرد في المباني الحكومية، ورفض قبول نتائج الانتخابات، واشتهر بتصنيف لا يحسد عليه بكونه أول رئيس دولة يُحظر على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب نشره خطاب الكراهية. منذ بداية رئاسته، انتهج ترامب شعار “أمريكا أولا” في كل من سياساته الداخلية والخارجية، مما لم يترك مجالا للشك في أن الضغوط ضد الصين مدفوعة بتهميش أكبر منافس للبلاد منذ نهاية الحرب الباردة.
في مسائل أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، اتخذ ترامب القرار المثير للجدل بنقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” إلى القدس، وسهّل سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية، التي تضمنت إجبار أمثال السودان على الاعتراف بـ”إسرائيل” مقابل إزالتها من قائمة تصنيف الإرهاب. فضلا عن ذلك، اعترفت إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، ومنعت محاولات وقف المبيعات للسعودية بسبب دورها في تدمير اليمن، ودافعت عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حتى بعد الاغتيال المروع للصحفي جمال خاشقجي.
نقل موقع “ميدل إست آي” عن الناشطة المقيمة حاليا في أوروبا غولناز أويغور أنه “يصح القول إنه على الرغم من أن أيديولوجيات ترامب كانت تتسم بالعديد من المشاكل، إلا أن دعمه لقضية الأويغور ساعدنا على تسليط الضوء على الفظائع التي ترتكبها الصين ضد الأويغور”. وأضافت أويغور قائلة: “شخصيا، عندما أقارن رد فعل الولايات المتحدة بصمت الدول الإسلامية، تتبدد حيرتي خاصة وأن الملايين منا يعانون الأمرّين”.
الولايات المتحدة والصين و”الحرب على الإرهاب”
في سنة 2013، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مشروع بنية تحتية عملاق يمتد من شرق آسيا إلى أوروبا. ووفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، استثمرت الصين مبلغا يتراوح بين بليون وثماني بليون دولار في مشروع مبادرة الحزام والطريق. يتفق الخبراء على أن مبادرة الحزام والطريق، التي ستمر عبر شينجيانغ، كانت من بين الأسباب الرئيسية وراء سعي الصين إلى “تحقيق التجانس” في المنطقة من خلال تطهير أو “تهدئة” الأويغور. كما تعد المبادرة أحد الأسباب الأساسية لانتشار الصمت بين العديد من الدول العربية وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
أوضح مدير مشروع حقوق الإنسان للأويغور بواشنطن عمر كانات، لموقع “ميدل إيست آي” أن “هناك بعض الدول التي تعتمد على الصين، في حين أن البعض الآخر تقودها أنظمتها الاستبدادية إلى التطلع للصين كنموذج للحكم”. وتابع كانات حديثه قائلا: “يوجد انفصال بين الحكومات والمواطنين في الكثير من البلدان، حيث تحدد استراتيجية الصين للسيطرة على النخبة، سياسة موالية للصين”.
شهدت الهيمنة الاقتصادية للصين تحولا تامّا في دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للأويغور (الذي وصف مقتل الأويغور خلال الاضطرابات في شينجيانغ في سنة 2009 بأنه “إبادة جماعية” في ذلك الوقت) منذ أن بدأت مشاكله الاقتصادية في أعقاب سنة 2016. باستثناء روسيا، تعد الصين أكبر شريك استيراد لتركيا.
في هذا الإطار، ذكرت عباس أنها “تتفهم” الصعوبة التي قد يواجهها قادة الدول التي تدين للصين اقتصاديًا في رفع أصواتهم، على الرغم من أن صمتهم “لا يزال مخيبًا للآمال”. وتساءلت عباس قائلة: “أين أصوات الدول ذات الأغلبية المسلمة للدفاع عن إخوانهم المسلمين وأخواتهم المسلمات من الأويغور؟ الصين تشن حربًا على الإسلام حيث ينبغي التعامل مع قضية الأويغور كجزء من قضية الإسلام ككل”.
مبادرة الحزام والطريق.
تسببت محاولة الولايات المتحدة التي طال أمدها لتشويه سمعة الصين في قلق العديد من البلدان إزاء الإمبريالية الأمريكية، التي تجلّت معالمها في التدخل السياسي والعسكري الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية؛ وجعلتها حذرة تجاه المشاركة في الإدانات الأمريكية ضد الصين. وفي بيان للأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، دعت 39 دولة، معظمها من الغرب، الصين إلى “احترام حقوق الإنسان، ولا سيما حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات دينية وعرقية، بالأخص في شينجيانغ والتبت”.
استجابة لذلك، وقّعت 45 دولة، بقيادة كوبا، بيانا يصف تصرفات الصين بأنها رد على “تهديدات الإرهاب والتطرف وفقا للقانون لحماية حقوق الإنسان لجميع المجموعات العرقية في شينجيانغ”. وكانت السعودية والبحرين ومصر والإمارات والمغرب وإيران والعراق وفلسطين من بين الدول التي دافعت عن الصين. وشملت الدول التي دافعت سابقا عن الصين، لكنها اختارت عدم المشاركة في بيان 2020، نيجيريا وعمان والجزائر والفلبين وقطر والصومال.
حققت قضية الأويغور تضاربا غير مألوف من جانب الأنظمة الاستبدادية، حيث انحازت الدول التي يُزعم أنها يسارية ولها أجندات معادية للإمبريالية والديمقراطيات الناشئة، إلى الصين. في هذا السياق، قال فنسنت وونغ، مرشح الدكتوراه في كلية الحقوق في أوسغود هول في تورنتو والناشط في مجال حقوق الإنسان، لموقع “ميدل إيست آي” إن “هذا الأمر يكشف بالفعل عن انهيار اليسار خارج حدود الدولة القومية. ويبدو الأمر كما لو أن لغة الدولة استولت على اليسار، وكأن الرد على هذه الأزمات سيقع تفسيره على أنه مساعدة (أمريكية) إمبريالية”.
وافقت ديبا كومار، أستاذة الدراسات الإعلامية في جامعة روتجرز في نيوجرسي، على ذلك، معتبرة أن بعض الدعم لسياسات الصين أظهر أن “هناك قسمًا من اليسار يؤمن بمبدأ عدو عدوي صديقي”. وقالت كومار لموقع “ميدل إيست آي”: “هذا منطق إشكالي حقا لأنه يضعهم في موقف يؤدي إلى دعم الأنظمة الديكتاتورية وغض الطرف عن الفظائع على غرار الإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي التي تحدث حاليًا في شينجيانغ”.
المنافسة بين الولايات المتحدة والصين
في مؤتمر صحفي عُقد في أوائل شباط/ فبراير، قال نيد برايس، المتحدث الجديد باسم وزارة الخارجية، إن الولايات المتحدة ستنخرط مع الصين في مسائل معينة. وأوضح برايس أن الولايات المتحدة كانت في “منافسة جادة مع الصين”، وأن إدارة بايدن “ستتنافس مع الصينيين وستهزمهم انطلاقا من مصادر قوتها”.
وأضاف برايس قائلا إن “المنافسة الاستراتيجية هي الإطار الذي نرى من خلاله تسيير تلك العلاقة. نحن نعلم أن الصين متورطة في مجموعة من السلوكيات التي تضر بالعمال الأمريكيين، وتضعف من قدرتنا التكنولوجية، وتهدد تحالفاتنا وتأثيرنا في المنظمات الدولية، ناهيك عن تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. لذلك، سنتصدى لأعمال الصين العدوانية والقسرية، ونحافظ على مزايانا العسكرية الرئيسية، وندافع عن القيم الديمقراطية، ونستثمر في التقنيات المتقدمة، ونستعيد شراكاتنا الأمنية الحيوية”.
في هذا الصدد، قال متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع “ميدل إيست آي” إن الفظائع التي ارتكبها الصينيون ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية و”ينبغي مواجهتها بعواقب وخيمة”. في المقابل، لم يستطع المتحدث الرسمي تقديم أي تفاصيل حول ما قد تصل إليه هذه العواقب. وأفاد مراقبون مثل كومار، مؤلفة كتاب “فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية: 20 سنة منذ 11 أيلول/ سبتمبر”، إن معاناة الأويغور أصبحت “ذريعة مناسبة لإثارة مشاعر معادية للصين في الولايات المتحدة”.
تابعت كومار حديثها قائلة: “صنّف المحافظون الجدد الصين كتهديد ناشئ للهيمنة الأمريكية العالمية منذ أوائل التسعينيات. وأصبح كلا الحزبين يؤكدان على أن الولايات المتحدة ينبغي أن تعمل بشكل استباقي لمنع صعود منافس يتغلب على هيمنته على الصعيد العالمي”. من جهتها، لم ترد وزارة الخارجية على طلب “ميدل إيست آي” للتعليق على الانتقادات التي وُجهت إلى استخدام قضية الأويغور لإضعاف منافسها الاقتصادي.
أدى اهتمام الحكومة الصينية باستخراج الموارد في المقاطعة من الغاز الطبيعي إلى القطن فضلا عن استغلال العمالة إلى فرض نظام رقابة قمعية ضد أولئك الذين نظموا ضد المصالح الصينية
قال آخرون، مثل وونغ، إن الولايات المتحدة هي التي ساعدت الصين على استخدام شبح الإرهاب لفرض إرادتها على شينجيانغ لأسباب اقتصادية، مما يجعل التحول يبدو أكثر سخافة. في هذا الصدد، صرح وونغ لموقع “ميدل إيست آي”: “في التسعينيات، كان هناك الكثير من الاهتمام (من قبل الصينيين) بشينجيانغ، بسبب النفط والغاز وصناعة القطن والطماطم. كما كان هناك الكثير من الاهتمام باستغلالها اقتصاديا. بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، تمكن الصينيون من تحويل هذا الاهتمام إلى مسألة أمن وإرهاب”.
لدرجة أن الولايات المتحدة والصين تعاونتا في الترويج لما وصفه خبير مكافحة الإرهاب في منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأنه “هيكل متعسف على مبدأ مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة” في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وبلغت ذروتها مع احتجاز 22 شخص من الأويغور لسنوات في معتقل غوانتانامو بُهتانا. وبحلول سنة 2014، وقع إطلاق سراح جميع الأويغور البالغ عددهم 22. وأُرسلوا إلى دول من بينها برمودا وبالاو وسلوفاكيا بسبب مخاوف الولايات المتحدة من تعرضهم لسوء المعاملة إذا أعيدوا إلى الصين.
مراقبة الجمهور
قال الخبراء إن برنامج المراقبة الجماعية الذي تستخدمه الصين يعتمد على الأساليب الأمريكية. من جانبه، قال وونغ إن “الولايات المتحدة والصين كانا سعداء للغاية للعمل مع بعضهما البعض لقمع الأويغور في إطار الحرب على الإرهاب. إنه مستوى دقيق للغاية من المراقبة والشرطة الرقمية ومخيف لدرجة أن صحيفة “نيويورك تايمز” وصفت شينجيانغ بأنها بمثابة “قفص افتراضي” و”حاضنة لأنظمة الشرطة المتطفلة بشكل متزايد والتي يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء البلاد وخارجها”.
لقد أصبحت العلاقة عدائية بشكل متزايد بعد أن بدأت الولايات المتحدة محورها نحو آسيا في سنة 2011 في عهد الرئيس باراك أوباما. على الرغم من أن التخلي عن المحور كان محاولة لإعادة بناء الوجود الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلا أنه مهد الطريق لزيادة العداء وانعدام الثقة بين الولايات المتحدة والصين.
أوردت كومار، من جامعة روتجرز قائلة: “كما يُبين العلماء الذين درسوا هذا الصراع، أدى اهتمام الحكومة الصينية باستخراج الموارد في المقاطعة من الغاز الطبيعي إلى القطن فضلا عن استغلال العمالة إلى فرض نظام رقابة قمعية ضد أولئك الذين نظموا ضد المصالح الصينية. باختصار، تعد الولايات المتحدة هي التي حددت الخطاب ومجموعة من الممارسات التي تنشرها الصين في الوقت الراهن لصالحها، وهو بالضبط ما تفعله الحكومة الصينية لسكان الأويغور.
أضاف كومار قائلة: “كنتيجة لذلك، تبقى الصين تبرر ممارستها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب”. من جانبها، لم ترد وزارة الخارجية على طلب “ميدل إيست آي” للتعليق على قدرتها على تحفيز التحرك العالمي ضد الصينيين بالنظر إلى انتهاكاتها التاريخية لحقوق الإنسان في الداخل والخارج.
بين الفاشية الصينية والنفاق الأمريكي
على الرغم من كل الإدانات، وحظر استيراد القطن والطماطم من الصين، والعناوين الرئيسية المتعلقة بتصنيف إدارة ترامب للإبادة الجماعية، لم يتغير شيء على أرض الواقع. كما لا يزال أكثر من مليون شخص من الأويغور مسجونين مع مراقبة مجتمع بأكمله وقمعه. وفي هذا الشأن، قال وونغ: “حاول أن تضع نفسك مكانهم، حيث يواجه هذا الشعب والمجتمع الجميع تقريبا تهديدا بالاعتقال في أي وقت. كما أنه نظام محكم للغاية للشرطة التنبؤية، حيث يكاد يكون من المستحيل مقاومته بأي شكل من الأشكال. بالإضافة إلى ذلك، يعد الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم المقاومة في الشتات، على الرغم من أنهم يمثلون أقلية. فماذا تفعل؟”.
أضاف وونغ قائلا: “ينبغي عليهم الضغط من أجل فرض عقوبات أو إغاثة اللاجئين أو المهاجرين، والمبادرة بفعل شيء ما”. بالنظر إلى وجود الصين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وخيارها باستخدام حق النقض، هناك احتمال ضئيل لإرسال قوة حفظ سلام دولية إلى المنطقة أو حتى التوصل إلى اتفاق حول موقف مشترك. ومع الاعتماد الاقتصادي على المساعدات والتجارة الصينية، هناك أمل ضئيل في أن يتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة موقفا مبدئيا.
أفاد وونغ أن قيود الهيئات المتعددة الأطراف وانهيار اليسار الدولي كحركة، لم تترك للشتات خيارا سوى الضغط على الولايات المتحدة، التي تُعتبر الدولة الوحيدة التي يمكن أن تؤثر على الصين بشأن هذه القضية. في الواقع، كانوا سيقررون القيام بذلك على الرغم من معرفتهم أنه يعني الضغط على بلد جذوره متغلغلة في العنصرية وسيادة البيض. من جهتها، أشارت عباس إلى أن الضغط على الولايات المتحدة للتغلب على الصين، لم يكن سهلا. وأضافت عباس قائلة: “لقد استغرق الأمر وقتا طويلا بالإضافة إلى الكثير من العمل الجاد لإثارة القضية في الولايات المتحدة، في مجتمع منفتح للغاية وديمقراطي”.
يصر كانات على أنه بعيدا عن السياسة، هناك “مسؤولون حكوميون أمريكيون يهتمون بشدة بما يحدث للأويغور” وأنه “من الساذج للغاية القول إن السياسات المؤيدة للأويغور التي ظهرت في الولايات المتحدة هي نتاج المصلحة الذاتية للولايات المتحدة الأمريكية”. بدلا من ذلك، بدأت الدوائر الانتخابية القوية التي دفعت لتجاهل مخاوف حقوق الإنسان، مثل الشركات الدولية، تخسر الجدل بسبب تصرفات الحكومة الصينية والتشدد خلال السنوات العشر الماضية. كما أن صورة الأشخاص الذين يقع اعتقالهم ووضعهم في معسكرات اعتقال على أساس هويتهم العرقية والدينية تسبب رعبا حقيقيا في الغرب بسبب تجاربهم التاريخية”.
لا تمثل “النسبية الأخلاقية” عذراً للتقاعس عن التحرك لإيجاد حلّ
قالت عباس وهي عضوة في الحملة من أجل الأويغور، إن “وزارة الخارجية الأمريكية عملت على ضمان حقوق الأويغور، حيث أنه لا ينبغي إثارة المقارنات بين الصين والولايات المتحدة. فالولايات المتحدة ليس لديها سجل مثالي في مجال حماية حقوق الإنسان، وينبغي علينا أن نعترف بذلك ونتركها تسترشد بقرارات أفضل. في المقابل، تعدّ الأنظمة وإمكانات المساءلة مختلفة تمامًا”.
أضافت عباس أن هذه القضية تعدّ واحدة من بين القضايا القليلة التي اتفقت بشأنها كل من الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين في الوقت نفسه. مع ذلك، يشير المراقبون إلى أن هذا الدعم وإن كان من كلا الطرفين ليس سوى دليلاً على النزاهة الأخلاقية. فقد كانت مشاريع الدعم العسكري لـ”إسرائيل”، وغزو العراق سنة 2003، وحتى وقت قريب حرب المملكة العربية السعودية في اليمن، من بين المشاريع المشتركة بين الحزبين.
صرحت كومار قائلا إن: “الولايات المتحدة تتحالف فقط مع الأشخاص الذين يمكنهم تعزيز مصالحها الإمبريالية. وعندما يتوقفون عن خدمة مصالحها، سيقع قطع التحالف وتركهم يتحملون عبء العدو الذي يواجهونه”. في هذا الصدد، أفاد تيموثي جروس، الأستاذ المساعد لدراسات الصين في معهد روز هولمان للتكنولوجيا في إنديانا، إن الانخراط في “النسبية الأخلاقية” الواهية كذريعة للتقاعس عن إيجاد مخرج لا يمثل حلاً.
أما غروس، فأورد لموقع ميدل إيست آي أنه: “يجب أن نوجه طاقتنا واهتمامنا إلى دراسة طريقة ارتباط هذه الأمثلة التي تثبت عنف الدولة”، مضيفًا أن “مقاربات الولايات المتحدة والصين في مكافحة الإرهاب تعد في الواقع مدفوعة بتيارات العولمة المدمرة والمتعددة نفسها على غرار الإسلاموفوبيا والرأسمالية والقومية [الشعبوية]”.
لم ترد السفارة الصينية في واشنطن العاصمة على طلبات الموقع متعددة للتعليق على هذه التصريحات. ويوافق وونغ على أن هناك تركيزا كبيرا على تحركات الحكومات، كما أن التناقض في مخاطبة الصين أو مساءلتها من خلال قوة إمبريالية مثل الولايات المتحدة يستدعي تحليلاً أعمق وتعبئة ضد أنظمة القمع عوضا عن الدول الفردية.
تابع وونغ حديثه قائلا: “إننا الآن إزاء رأسمالية عالمية مهيمنة حيث لا تتعلق المسألة سوى بالنوعية. وتعتبر الصين دولة رأسمالية تدار بشكل مختلف وتؤدي إلى القمع نفسه الموجود في أي مكان آخر. من جهتهم، يبني بعض الناس قضية مفادها أن هذا الأمر يتعلق بالاستعمار الاستيطاني أو الإسلاموفوبيا أو الرأسمالية. في المقابل، تعد المشاريع طويلة الأمد، بالتالي، ينبغي أن يحدث شيء ما الآن”.
النص الأصلي: ميدل إيست آي.