تجمع الرئيس الديمقراطي الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، علاقة شخصية تمتد لعدة سنوات، لكن هذا لا يعني أن علاقاتهما المستقبلية ستكون جيدة بالشكل الذي يعيد للأذهان العلاقة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
فبعد ثلاثة أيام فقط من تنصيبه رئيسًا لأمريكا، أجرى ترامب اتصالًا هاتفيًا مع نتنياهو، فيما قدم له عشرات الهدايا التي ما كان يحلم بها قط، لكن اليوم الوضع تغير، إذ لم يهاتف بايدن رئيس الحكومة الإسرائيلية إلا الخميس الماضي، أي بعد شهر كامل على التنصيب.
تأخر بايدن في مهاتفة نتنياهو أثارت الكثير من التساؤلات عن مستقبل العلاقة بين الطرفين، خاصة أن هناك سوابق غير جيدة بينهما لا شك أنها ستكون حاضرة بقوة في تحديد شكل وطبيعة تلك العلاقة، الأمر الذي قد يفقد معه نتنياهو الكثير من ثقله السياسي الذي كان يتمتع به في الإدارة السابقة.
الكثير من الأصوات داخل “إسرائيل” تخشى أن تعكر الخلافات القديمة بين الرجل، لا سيما فيما يتعلق بملفي الاتفاق النووي والتوسع الاستيطاني، صفو العلاقات بينهما، على غرار ما كان خلال ولايتي الرئيس السابق باراك أوباما، حين كان بايدن نائبًا له.
خلافات قديمة
المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم، يرجح أن تبرُز الخلافات بين بايدن ونتنياهو خلال المرحلة المقبلة، مستدعيًا ما حدث في 2015 حين توصل أوباما للاتفاق مع إيران، حينها كان بايدن نائبًا له، وقد “وجّه نتنياهو انتقادات حادة لهذا الاتفاق، وهو لا يُخفي الآن معارضته لنوايا بايدن، العودة لهذا الاتفاق، حتى لو مع تعديلات” بحسب تصريحاته لـ”الأناضول“.
مناحيم يتوقع أن يكون الملف الإيراني “السبب الأهم والرئيس لخلافات متوقعة بين نتنياهو وبايدن”، مستطردًا “اتجاه نتنياهو وترامب (قبل انتهاء ولايته) للاتفاق على سلسلة عقوبات جديدة على إيران، سيزيد الأمور سوءًا، وسيكون من شأن العقوبات تصعيب أي خطوة يفكر بايدن القيام بها، للعودة إلى الاتفاق الدولي مع إيران”.
ملف الاستيطان والضم الإسرائيلي لأراضي فلسطينية ربما يعزز حالة الفجوة بين الطرفين كذلك، بحسب المحلل الإسرائيلي الذي قال: “كلنا نذكر أن أزمة سياسية نشبت بين الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” عام 2010، عندما أعلن نتنياهو عن بناء استيطاني في مستوطنة (رامات شلومو) بالقدس في أثناء زيارة بايدن كنائب للرئيس إلى “إسرائيل”، وفي حينه اعتبر هذا القرار، إهانة”.
جدير بالذكر أن بايدن يميل أكثر إلى مسألة حل الدولتين وضد الاستيطان والضم، وتعزيز المسار التفاوضي الدبلوماسي لحل الصراع، وهو ما يخالف بشكل كامل سياسة ترامب التي منحت حكومة نتنياهو “شيكًا على بياض” لترسيخ وحشية الاحتلال عبر ممارسات غير قانونية.
اللافت للنظر أنه وعلى مدار ساعة كاملة لم يتم التطرق إلى القضية الفلسطينية خلال المكالمة، كما لم تُذكر كلمة “السلام” مطلقًا، وهو ما كشفته بيانات البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي ربما يشير إلى صفقة ضمنية عقدت بين الطرفين وإن لم يتم إعلانها رسميًا
ماذا عن العلاقات مع “إسرائيل”؟
ليس هناك رابط بين علاقات بايدن بنتيناهو وعلاقته بـ”إسرائيل”، فدعم تل أبيب ومخططاتها أمر لا شك فيه، وعقيدة ثابتة في العقلية الأمريكية الحاكمة، أيًا كانت هوية وانتماءات ساكن البيت الأبيض، لكن تبقى العلاقات مع الأشخاص محل خلاف في أساليب الإدارة وليس مضمونها.
ليس هناك من ريب في استمرار الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال لكن ليس شرطًا أن يكون بنفس المنهجية التي كان عليها ترامب، وهي المنهجية التي أفرزت حملًا ثقيلًا على الإدارة الأمريكية ومصالحها في المنطقة، لما تميزت به من تطرف غير مسبوق في إدارة هذا الملف.
السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، مايكل أورين، يتوقع أن يحافظ بايدن على “العلاقة الخاصة القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة”، لكن في الوقت نفسه يرى أن “التساهل الذي حظينا به خلال عهد ترامب قد انتهى، لقد وضع ترامب معيارًا فريدًا، تضمّن فقط المودة وعدم انتقاد إسرائيل، لن يكون هذا هو الحال بعد الآن، لكنه لن يكون كذلك كما كان في عهد أوباما”.
اتصال بايدن – نتنياهو
الكثير من الدلالات حملتها مكالمة بايدن المتأخرة – قياسًا بسلفه ترامب – مع نتنياهو، التي جاءت عشية المحادثات التي عقدها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عبر تقنية الفيديوكونفرانس، مع نظرائه البريطاني والفرنسي والألماني المجتمعين في باريس.
المحادثات تطرقت إلى الحديث عن سبل التعاطي مع الملف النووي الإيراني، فالتحركات الدبلوماسية التي تبذلها واشنطن اليوم وبعض العواصم الأوروبية تسعى لإيجاد مدخل للولايات المتحدة مرة أخرى في مسار هذا الاتفاق بعد انسحاب ترامب منه قبل أكثر من عامين.
بالعودة إلى المكالمة الهاتفية التي أجراها بايدن مع نتنياهو نلاحظ أن رغم استمرارها قرابة ساعة كاملة، فإنها خلت من أي مؤشرات تذهب بالعلاقات بينهما إلى ما دون الصيغة الرسمية، وهو ما تكشفه البيانات الصادرة عن كلا الطرفين عقب انتهاء الاتصال.
لا يتورع عن ممارسة الضغوط بفجاجة علي البيت الأبيض في حالة الخلاف مثلما تحدث في الكونغرس ضد الاتفاق النووي مع إيران بعد توقيعه وذلك تجاوزًا للأعراف
اللافت للنظر أنه وعلى مدار ساعة كاملة لم يتم التطرق إلى القضية الفلسطينية خلال المكالمة، كما لم تُذكر كلمة “السلام” مطلقًا، وهو ما كشفته بيانات البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي ربما يشير إلى صفقة ضمنية عقدت بين الطرفين وإن لم يتم إعلانها رسميًا.
الصفقة تتلخص في تجميد ملف القضية الفلسطينية مؤقتًا وعدم الحديث عن أي تجاوزات بشأن مساعي الضم من جانب بايدن، في مقابل تحييد تل أبيب في مسار التفاوض مع إيران للوصول إلى صيغة توافقية للعودة إلى الاتفاق النووي مرة أخرى.
بايدن يسعى قدر الإمكان لتجنب أي مشاكسات يمكن أن يتسبب فيها نتنياهو من خلال تحريض الكونغرس ضده في هذا الملف، الملف الإيراني، كما فعل في مفاوضات 2015، خاصة أن الرئيس الأمريكي لا يريد الدخول في صدامات بالوقت الحاليّ مع البرلمان الذي يحتاج تعاونه من أجل تمرير أجندته الداخلية التي تعهد بها خلال حملته الانتخابية.
العديد من المؤشرات تذهب في اتجاه الصفقة “تجميد القضية الفلسطينية مقابل تحييد إسرائيل في المفاوضات الأمريكية مع إيران” أبرزها عدم تعيين مبعوث خاص للملف الفلسطيني أسوة بالملفات الشرق أوسطية الأخرى، حيث حرص البيت الأبيض على تعيين مبعوث لإيران وآخر لليمن، كما جدد للمبعوث الأفغاني، بينما تجاهل الموضوع الفلسطيني، وهو ما يتوقع معه أن يتم تأجيل البت في هذا الملف بالوقت الراهن.
هل بات نتنياهو عبئًا؟
أداء نتنياهو خلال السنوات الماضية كثيرًا ما أحرج الإدارة الأمريكية ووضعها في مرمى الانتقادات الدولية، الأمر الذي دفع ببعض المحللين إلى عدم استبعاد إسقاطه في انتخابات أبريل/نيسان المقبلة من خلال تنسيق ثلاثي بين إدارة بايدن ويهود أمريكا والداخل الإسرائيلي.
المحلل السياسي المصري عبد العظيم حماد، رئيس تحرير جريدتي الأهرام والشروق سابقًا، يميل إلى هذا الرأي، مستعرضًا بعض المؤشرات التي تذهب في هذا الاتجاه، أبرزها أن نتنياهو أصبح عبئًا علي العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، من جانب، وعلى السياسة الأمريكية في المنطقة من جانب ثانٍ، وعلى اليهود الأمريكيين من جانب ثالث.
الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية عبر تنسيق مسبق بين الإدارة الأمريكية واليهود الأمريكيين والإسرائيليين ليس أمرًا جديدًا
وأضاف الكاتب المصري خلال مقال له على صفحته على فيسبوك أن نتنياهو “لا يتورع عن ممارسة الضغوط بفجاجة على البيت الأبيض في حالة الخلاف مثلما تحدث في الكونغرس ضد الاتفاق النووي مع إيران بعد توقيعه وذلك تجاوزًا للأعراف، وحشد كل مؤيديه لمنع الكونغرس من الموافقة عليه، وكاد ينجح، بل إنه نجح في الجولة الأولي قبل أن يستخدم أوباما الفيتو الرئاسي لإسقاط رفض البرلمان”.
ويتفق عبد العظيم مع ما ذهب إليه محللون آخرون بأن تحالف نتنياهو الفظ مع ترامب وصدامه المستمر مع الديمقراطيين خلال الولاية السابقة سيؤثر بلا شك على مزاج إدارة بايدن في تعاملها معه، ومن ثم قد يكون البحث عن بديل هو الخيار الأكثر واقعية خاصة بعدما احترق الرجل سياسيًا إثر اتهامات الفساد التي تلاحقه.
ورغم أن التعويل على الداخل الإسرائيلي في تعزيز تلك الرؤية والإطاحة برئيس الحكومة الحاليّ في الانتخابات المقبلة مغامرة غير محسومة بعد، في ظل ما يتمتع به من شعبية نسبية، فإن ما أحدثه نتنياهو من تفاقم لمسارات الخصومة السياسية مع العديد من زعماء وقادة الأحزاب والتيارات السياسية الإسرائيلية قد يجعل من إقصائه سياسيًا هدفًا ينشده الجميع لإنهاء تلك الحقبة التي لا تختلف كثيرًا عن حقبة حليفه ترامب.
الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية عبر تنسيق مسبق بين الإدارة الأمريكية واليهود الأمريكيين والإسرائيليين ليس أمرًا جديدًا، فهناك العديد من السوابق التي توثق تلك الممارسات، أبرزها ما حدث مع إسحاق شامير الذي تم إسقاطه أمام إسحاق رابين في الانتخابات التي جرت 1992، حينها خرج بتصريح ليلة إعلان النتيجة محملًا من أسماهم “كارهي الليكود في الداخل والخارج” بإسقاطه، وهو الأمر الذي تكرر كذلك مع نتنياهو نفسه حين خسر أمام إيهود باراك في انتخابات 1998.