أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مساء الأحد تعديلًا حكوميًا جزئيًا شمل بعض الوزارات التقنية ضمن جملة إجراءات وعد باتخاذها، في خطوة منه للاستجابة لمطالب الحراك الشعبي الذي يحيي اليوم الذكرى الثانية لانطلاقه في 22 من فبراير/شباط 2019.
ومع مطالبة بعض الناشطين بعودة المسيرات الرافضة لسياسة الحكومة، يجد الرئيس تبون نفسه في اختبار حقيقي يتعلق بمدى استطاعة الخطوات التي اتخذها فور عودته من ألمانيا أين كان في فترة علاج أن تجد الحل المنتظر للأزمة التي تعيشها البلاد، خاصة أن المعارضة انقسمت بين مؤيد لقراراته ومشكك في نية السلطة في إحداث التغيير المنتظر.
تعديل محدود
خالفت التغييرات التي أحدثها الرئيس تبون في الحكومة الجزائرية التوقعات التي رُسمت بشأنها، فهي لم تكن عميقة بالشكل الذي ترقبه الكثيرون، فقد أبقى على عبد العزيز جراد وزيرًا أول وهو الذي رجح الكثيرون رحيله، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد أن حافظ على موقعه من مبدأ استقرار القيادة، خاصة أن البلاد تنتظرها مواعيد سياسية مهمة في مقدمتها الانتخابات التشريعية المسبقة التي ستكون خلال الأشهر القليلة القادمة.
ولم يشمل سيف التعديل الحكومي الوزارة السيادية، فاحتفظ صبري بوقدوم بوزارة الخارجية وكمال بلجود بالداخلية، وبقي بلقاسم زغماتي الوزير القوي في المرحلة السياسية الحاليّة في وزارة العدل.
وتضمن التعديل إقالة 7 وزراء، في مقدمته المثير للجدل وزير الصناعة فرحات أيت على براهم الذي كان محل سخط شعبي بسبب فشله في إدارة ملف السيارات سواء المستوردة أم المصنعة محليًا.
كما مس التغيير وزير الطاقة عبد المجيد عطار الذي ترأس بلاده حاليًّا منظمة أوبك، بعد أن جمعت الوزارة مجددًا مع وزارة المناجم ليتولاها محمد عرقاب الذي سبق له أن تقلد هذا المنصب.
عرفت الحكومة الجديدة عودة وزيرين محسوبين على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي ثار الشعب ضد حكمه في 2019
وشمل التغيير أيضًا وزارات السياحة والبيئة والنقل والأشغال العمومية والسكن، إضافة إلى بعض الوزارات التي أُلغيت كالزراعة الصحراوية والتجارة الخارجية والصناعة السنيماتوغرافية.
وعرفت الحكومة الجديدة عودة وزيرين محسوبين على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي ثار الشعب ضد حكمه في 2019، ومنع ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وهما دليلة بوجمعة التي عادت إلى وزارة البيئة ومحمد بوغازي الذي كان مستشارًا لبوتفليقة لسنوات، وعين اليوم وزيرًا للسياحة.
ورغم الانتقادات التي وجهت لهما عدة مرات والحنق الشعبي المثار حولهما، فإن وزير الشباب والرياضة سيد علي خالدي ووزير التجارة كمال رزيق بقيا في منصبيهما.
ورغم أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرًا، إذ ستنتهي مهامها على الغالب بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، فإن الاستعانة بوزراء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ممثلين في وزيري السياحة والبيئة، وإسناد وزارة السكن إلى طارق بلعريبي الذي فشل في تسيير مشروع السكن الإيجاري لترؤسه وكالة عدل يجعل من هذا التغيير في نظر كثيرين فرصة جديدة ضائعة للسلطة كان بالإمكان استثمارها للتقليل من الاحتقان الشعبي.
واعتبر الصحفي عبد النور بوخمخم إخراج التعديل الحكومي بهذا الشكل نتيجة طبيعية للتسيير بردود الفعل والقرارات العشوائية.
اختلاف في المعارضة
جاء تعديل الحكومة ضمن جملة من الوعود التي قدمها الرئيس تبون للأحزاب السياسية التي التقاها ومعظمها من المعارضة، فالتغيير الحكومي كان ضمن النقاط التي اتفقت عليها مختلف الأحزاب السياسية، وضمن الوعود التي قدمها في خطابه الذي أذاعه التليفزيون الحكومي الخميس الماضي.
ووقع الرئيس تبون أمس الأحد أيضًا مرسوم حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، مثلما طالبت سابقًا العديد من الأحزاب، حيث ينتظر أن يدعو خلال أسابيع قليلة إلى إجراء انتخابات نيابية مسبقة فور صدور قانون الانتخابات الجديد الذي سيكون في شكل مرسوم بعد حل الغرفة السفلى للسلطة التشريعية.
شاركت عدة تشكيلات سياسية في المشاورات التي جرت قبل هذا التعديل الحكومي
وقبل هذا، شرعت العدالة الجزائرية الجمعة الماضي في الإفراج عن معتقلي الرأي الذين حوكموا بتهم تتعلق بمشاركتهم في مسيرات الحراك الشعبي سواء جسديًا أم افتراضيًا، مثلما طالبت المعارضة.
ودعمت جل الأحزاب السياسية التي التقت تبون مسبقًا الإجراءات التي اتخذها، وبالخصوص ما تعلق بإطلاق سراح الشباب الذين اعتقلوا بسبب قضايا تتعلق بالحراك الشعبي.
وثمن رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي معارض في البلاد) في وقت سابق ما جاء في خطاب الرئيس تبون، وبالخصوص ما تعلق بالتزامه بالتوجه نحو انتخابات تفرز مؤسسات جديدة ذات شرعية ومصداقية، وقراره إطلاق سراح المساجين السياسيين، والتزامه بأن تأسيس الأحزاب والجمعيات سيكون بمجرد الإخطار دون الحاجة إلى التعقيدات الإدارية السابقة.
وشاركت عدة تشكيلات سياسية في المشاورات التي جرت قبل هذا التعديل الحكومي، وأبرزها أقدم حزب معارض في البلاد جبهة القوى الاشتراكية، وكذا حزب جيل جديد الذي يرأسه جلالي سفيان.
غير أن هذه الخطوات لم تلق الدعم والتأييد من تكتل البديل الديمقراطي الذي يضم في صفوفه أحزابًا وشخصيات ذات توجهات علمانية، التي اعتبرت أن السلطة تصر على فرض أجندة غايتها استعادة النظام الاستبدادي من خلال انقلاب انتخابي جديد تدعمه حيل المحسوبية المتعددة ويؤطره عن كثب جهاز الشرطة المعتاد.
ميزان الحراك
ورغم أهمية الحصول على الدعم الحزبي، فإن ما يهم السلطة هو مدى تأثير قراراتها على توجهات الحراك الشعبي وإقناعه بالخطوات التي اتخذها الرئيس تبون حتى ولو جاءت برأي الكثيرين متأخرة.
وتصدرت في الأيام الأخيرة حتى اليوم الإثنين المصادف لإطفاء الحراك الشعبي الذي أطاح بحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة شمعته الثانية أوسمة تدعو إلى استئناف المسيرات، باعتبار أن الحراك هو الحل.
صبيحة اليوم بعد ساعات من التعديل الحكومي للرئيس تبون، تصدر وسم #خارجين_22_فيفري (فبراير) تويتر في الجزائر، فغرد حسين محمد قائلًا “سلاحنا سلميتنا، عزيمتنا عدتنا، قوتنا وحدتنا، والحراك يجمعنا #الحراك_مستمر #الحراك_هو_الحل”.
بين حرب مواقع التواصل الاجتماعي وواقع الميدان، تبقى الساعات القادمة هي الحكم لإظهار الرأي الغالب لدى الجزائريين
وذكرت عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أن الطرق المؤدية إلى العاصمة مزدحمة وحركة السير شبه متوقفة، فقد اعتادت السلطات إقامة تشديدات أمنية على مداخل العاصمة الجزائر خلال أيام المسيرات.
غير أن البعض لا يؤيدون استئناف مسيرات الحراك، بسبب الخطر الصحي المتعلق بفيروس كورونا، رغم تراجع عدد الإصابات في الأيام الأخيرة بالجزائر، التي أصبحت تحت عتبة 200 إصابة يومية.
وقال المعلق الرياضي الشهير حفيظ دراجي إنه “مع الحراك الشعبي الوطني السلمي، لكن ضد عودة المسيرات في الظرف الراهن”، داعيًا في الوقت ذاته إلى “المحافظة على الصبغة الحضارية لحراك شعبنا التي تقتضي التصرف بحكمة حتى لا تتحول النعمة إلى نقمة على صحة الناس”.
وفي المقابل، دعا نشطاء آخرون إلى عدم الانصياع وراء دعوات استئناف المسيرات، بالنظر إلى التحديات الداخلية والخارجية التي تعيشها الجزائر تحت وسم #ثق_في_رئيسك_وجيشك.
وبين حرب مواقع التواصل الاجتماعي وواقع الميدان، تبقى الساعات القادمة هي الحكم لإظهار الرأي الغالب لدى الجزائريين، فرغم استئناف المسيرات الثلاثاء الماضي بمدينة خراطة بولاية بجاية شرق البلاد، فإنها لم تتبع بمظاهرات أخرى في باقي الولايات والأيام، لكن هذا لا يعني أن الجزائريين تخلوا عن الحراك لأنه في غياب دراسات علمية حقيقية وسبر آراء موضوعي لقياس توجهات الجزائريين يصعب التنبؤ بما تحمله الساعات والأيام القادمة من جديد، حتى إن كان الواقع الاجتماعي والمعيشي للجزائريين ازداد تعقيدًا جراء جائحة كوفيد-19.