الاتهامات للإمارات بالتدخل في الشأن الصومالي وخلخلة الأوضاع في هذا البلد الإفريقي قديمة ومتكررة، وليست جديدة اتهامات وزير الإعلام الصومالي عثمان أبو بكر دبي، أمس الأحد، أبو ظبي بإثارة الفوضى في بلاده.
واتهم الوزير الصومالي، أمس الأحد، دولة الإمارات بخرق الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية ودعم المعارضة وقادة بعض الولايات والتأثير على مواقفهم، وقال إن أبو ظبي تريد جعل بلاده “مثل ليبيا واليمن وتسعى لإثارة الفوضى”، تعليقًا على بيان للخارجية الإماراتية، يُظهر أنها لا تعترف بالحكومة الصومالية، والسبت، وصفت الخارجية الإماراتية، في بيان، الحكومة الصومالية بالمؤقتة، متهمة إياها بـ”اللجوء للعنف واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين”.
رأى “أبو بكر دبي” أن البيان يعزز المخاوف من أن تكون الإمارات جزءًا من المؤامرات التي تحاك ضد الصومال خلال السنوات الماضية، حسب تعبيره، متهمًا الإمارات بتأجيج الموقف في بلاده والدفع به إلى حالة اليمن أو ليبيا، والتدخل في المشهد الصومالي عبر التأثير على بعض الولايات.
ورفضت الحكومة الصومالية ما تضمنه البيان الإماراتي من إشارة إلى تدهور الوضع الأمني، كما رفضت وصفه إياها بـ”الحكومة المؤقتة في الصومال”، مؤكدة أن الفترات الانتقالية بترتيباتها المؤقتة انتهت عام 2017.
تدخل الإمارات لا يقف عند التشكيك في الحكومة وشرعيتها فقط، بل يصل إلى تمويل الحركات الإرهابية المسلحة هناك
بدورها، قالت وزارة الخارجية الصومالية، في بيان، إنه على الرغم من استعداد الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية لمعالجة المسائل الخلافية، “ظل تأثير قوى خارجية عقبة أمام انتهاء الأزمة” التي قد تمهد الطريق لإجراء الانتخابات، وعلى الرغم من عدم ذكر اسم دولة “محددة”، فمن الواضح أن البيان كان يشير إلى الإمارات العربية المتحدة.
وأشار البيان إلى أن الحكومة الصومالية كانت تسعى لتطبيق نموذج انتخابي (صوت واحد لشخص واحد) من أجل تمكين الشعب من التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أن هذا النموذج الانتخابي، وفق البيان، لم يتحقق نتيجة اعتراض بعض رؤساء الأقاليم الفيدرالية عليه، ومن أجل الوصول إلى اتفاق شامل، وافقت الحكومة على اقتراح بديل بشأن تطبيق نموذج انتخابات (غير مباشرة).
وتسعى الإمارات، وفق العديد من التقارير إلى عرقلة الاتفاق بين الحكومة من جهة ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى، فيما يتعلق بآلية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما أدى إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد واضح لها.
دعم الإرهاب
تدخل الإمارات لا يقف عند التشكيك في الحكومة وشرعيتها فقط، بل يصل إلى تمويل التنظيمات المتشددة المسلحة هناك، على رأسها حركة الشباب المجاهدين، ما ساهم في تعميق حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه الصومال، البلد الذي بدأ يتعافى تدريجيًا من تركة سنوات الحرب وعدم الاستقرار الطويلة.
وتمول الإمارات هذه الحركة الإرهابية بطريقة غير مباشرة، حيث سبق أن كشف تقرير لفريق الرصد التابع للأمم المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على الصومال أن الإمارات “تراجعت من حيث الاتساق والفاعلية عن تنفيذ الحظر المفروض على تصدير الفحم”، الذي يعد المصدر الرئيسي لتمويل حركة الشباب الإرهابية.
تضم حركة الشباب المجاهدين المصنفة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية، ما بين 5-9 آلاف مقاتل، وترتبط الحركة بتنظيم القاعدة وتسيطر الحركة على مساحات كبيرة في الصومال، وتتمثل مصادر تمويلها في تصدير الفحم والإتاوات التي تفرض على سائقي الشاحنات التي تمر في مناطق سيطرتها، فضلًا عن الزراعة والماشية وإدارة بعض الأعمال غير القانونية الأخرى والتمويلات الأجنبية.
وأفرد التقرير فقرة لرصد انتهاك الإمارات لحظر الأسلحة المفروض على الصومال، وكشف أن حركة الشباب تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنويًا من تجارة الفحم غير المشروعة، ولا تزال مدينة دبي وجهة التصدير الرئيسية، إضافة إلى كونها مركزًا للشبكات الإجرامية التي تنتهك الحظر المفروض على تصدير الفحم في إفلات شبه كامل من العقاب.
تنقل الإمارات الفحم الصومالي عبر بعض السفن من موانئ جيبوتي إلى الإمارات (ميناء الحمرية هو واجهة التصدير الرئيسية) باعتبار بلد منشأ الفحم هي جيبوتي وليس الصومال، والسفن التي تحمل البضائع إلى الصومال هي ذاتها التي تحمل الفحم الصومالي عند العودة إلى الإمارات.
تدعي الإمارات العمل من أجل مصلحة الصومال ووحدته الترابية، لكن العديد من الوقائع أكدت عكس ذلك
جاء في تقرير فريق الرصد الأممي، أن تجار الفحم يقومون باستصدار مستندات الجمارك وشهادات المنشأ المزورة لتيسير الاستيراد غير المشروع للفحم الصومالي المهرب، ووجد فريق الرصد أن النوع الأكثر شيوعًا هو مستندات المنشأ الجيبوتية المزيفة.
كما أشارت تقارير أخرى، إلى مصادرة الحكومة الصومالية لأسلحة تقليدية بحوزة التنظيم الإرهابي، يُعتقد أنها مصدرها اليمن، وأن للإمارات دور في وصولها إلى الصومال، ما يعني دعمًا غير مباشر للحركة التي تقاتل ضد الحكومة.
تهديد سيادة البلاد ودعم الانفصاليين
إلى جانب ذلك تدعم الإمارات دعاة الانفصال في إقليم أرض الصومال الانفصالي على الرغم من موقفها المعلن بتأكيد وحدة الصومال ورعايتها لمبادرة مصالحة بين أطراف الأزمة الصومالية، حيث سبق لها أن اتفقت مع الماسكين بزمام الأمور في الإقليم على بناء قاعدة عسكرية لها في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، والسماح لها بالبقاء فيها لمدة ثلاثين عامًا.
ويتضمن إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في بربرة حتما نقل مواد عسكرية إلى الإقليم، ما يشكل انتهاكًا لحظر الأسلحة المفروض على الصومال ويعزز تقسيم البلاد، رغم المساعي الدولية لفرض الأمن والاستقرار في هذا البلد الإفريقي الفقير.
كما وقعت اتفاقًا مع المسؤولين في الإقليم لتدريب قوات جيش في المنطقة رغم علمها يقينًا بمساعي الإقليم الانفصالية، وإمكانية شن هؤلاء المسلحين حربًا ضد الحكومة الاتحادية في مقديشو لفرض الأمر الواقع وإرباك البلاد.
أيضًا دشنت شركة موانئ دبي العالمية مشروعًا بقيمة 101 مليون دولار لتوسيع ميناء بربرة، دون وساطة الحكومة الاتحادية، لكن وزارة الموانئ والنقل البحري في الصومال ألغت اتفاقية الشراكة الثلاثية المبرمة في دبي بالإمارات بين شركة موانئ دبي العالمية وأرض الصومال والحكومة الإثيوبية في تشغيل ميناء بربرة.
هذه الاتفاقيات الهدف منها خرق المواثيق الدولية رغبة من الإمارات في تقوية قادة أرض الصومال التي أعلنت سنة 1991 استقلالها عن الصومال رغم عدم الاعتراف الدولي، ويرجع خبراء هذا الدعم الإماراتي السخي لقادة هذا الإقليم إلى رغبة الإمارات في تقسيم الصومال وتفكيكه.
تقع أرض الصومال في منطقة القرن الإفريقي على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد شمال الصومال الأم، وتعد نفسها دولة مستقلة رغم كونها غير معترف بها من الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم التي تعتبرها لا تزال تحت سيادة الصومال.
وسبق أن اتهم البرلمان الأوروبي الإمارات بزعزعة الاستقرار في الصومال، وطالبها بالتوقف عن كل عمل من شأنه أن يهدد استقراره، وباحترام سيادته ووحدة ترابه، وقال البرلمان الأوروبي إن أبو ظبي تواصل تقويض المكاسب الأمنية والسياسية التي تحققت في الصومال، معتبرًا ذلك سببًا في الانقسام الوطني بين حكومة الصومال الفيدرالية والأعضاء بالفيدرالية.
تدعي الإمارات العمل من أجل مصلحة الصومال ووحدته الترابية، لكن العديد من الوقائع أكدت عكس ذلك، منها تأجيج الخلافات السياسية بين مختلف الأطراف في البلاد ودعم دعاة الانفصال، فضلًا عن دعم الإرهاب بطرق مباشرة وغير مباشرة، حتى تتمكن من السيطرة على هذا البلد العربي المطل على القرن الإفريقي.