ترجمة وتحرير نون بوست
أطلق سراح الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول في وقت سابق من هذا الشهر بعد أن قضت 1001 يوم في السجن بسبب “جرائم” شملت التواصل مع جماعات حقوق الإنسان ومحاولة تغيير قوانين وصاية الرجل المقيّدة في السعودية. لكن لجين ليست حرة بأي حال من الأحوال، إذ مُنعت من السفر لمدة خمس سنوات وما زالت تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات، وتعيش تحت تهديد دائم بالسجن مرة أخرى.
قرار حظر السفر ليس بالأمر الحديث في المملكة العربية السعودية، لكن الحكام السابقين استخدموه باعتدال. منذ أن تولى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحكم، أصبح هذا الإجراء أداة رئيسية في صراعه لإخماد أي شكل من أشكال المعارضة على نحو متزايد. لم يلاحق محمد بن سلمان النشطاء والمعارضين فحسب، بل منع عائلاتهم أيضا من مغادرة البلاد من أجل تخويفهم وإجبارهم على التزام الصمت.
مُنع 19 فردا من عائلة الباحث السعودي المسلم والسجين السياسي سلمان العودة من السفر خارج المملكة العربية السعودية، بما في ذلك ستة من أبناء أحفاده، لم يتجاوز سنّ أصغرهم العام. كما استهدف محمد بن سلمان أفراد العائلة المالكة الأغنياء والأقوياء في محاولة لترهيبهم وإحباط أي محاولة لتحدي سلطته. انطلقت الحملة ضد النخبة الحاكمة في السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، عندما احتجزت قوات الأمن التابعة لمحمد بن سلمان مئات الأغنياء من أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال في المملكة في فندق ريتز كارلتون الفاخر الذي أصبح سيئ السمعة اليوم.
بعد تعرضهم للاحتجاز الذي زُعم أنه شمل أعمال التعذيب وافتكاك الممتلكات بالإكراه طيلة أسابيع، تم إطلاق سراح المحتجزين في فندق ريتز، باستثناء شخص توفي في الحجز. (قال مسؤول سعودي لصحيفة نيويورك تايمز إن مزاعم الانتهاكات والتعذيب “غير صحيحة على الإطلاق”).
على الرغم من ذلك، تستمر عمليّة الابتزاز والترهيب تحت غطاء حظر السفر، كأداة قمع غير عنيفة لكنها تظلّ فعالة. وفقا لمصادرنا في المملكة العربية السعودية، منذ حادثة فندق ريتز، أضيفت أسماء المئات من الأثرياء وأفراد العائلة المالكة إلى قائمة الممنوعين من السفر، بالإضافة إلى عائلاتهم.
تنتهك قرارات الحظر القانون المحلي السعودي، والالتزامات بموجب المعاهدات الإقليمية والقانون الدولي. يشترط القانون المحلي السعودي أن تكون لجميع إجراءات الحظر “فترة زمنية محددة”، كما يحظر الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي تنتمي إليه المملكة العربية السعودية، على الحكومات حرمان المواطنين “بشكل تعسفي أو غير قانوني” من حقهم في مغادرة البلاد. علاوة على ذلك، يفرض القانون الدولي العرفي، الذي يُلزم جميع البلدان، على كل حكومة تصدر حظر سفر أن تقدّم “معايير دقيقة” للحظر وتمنح الفرد المتضرر فرصة الاستئناف.
ينتهك حظر السفر الذي تفرضه الحكومة السعودية جميع هذه المتطلبات القانونية المحلية والدولية، مما يحرم المواطنين من حق مغادرة البلاد. غالبا ما يكتشف العديد من الأشخاص بأنهم مدرجون ضمن قائمة الممنوعين من السفر فقط في المطار أو خلال عبور نقطة حدودية، مما يجعل العدد الفعلي للأشخاص المتضررين مجهولا. كذلك، يشكل الحظر جزءا لا يتجزأ من جهاز القمع الحكومي، وهو خطوة أولى ضمن سلسلة متواصلة قد تتطور إلى الاعتقال أو الاختفاء، اعتمادا على أهواء قادتها غير المنتخبين.
مرت سارة وعمر الجابري، البالغان من العمر 21 و 22 سنة، وهما ابنا مسؤول المخابرات السابق سعد الجابري الذي فر من البلاد إلى كندا، بجميع مراحل سلسلة جهاز القمع الحكومي، من حظر السفر إلى المحاكمة السرية إلى الاحتجاز في مكان مجهول.
يستخدم هؤلاء الأطفال كبيادق لتصعيد الضغط على والدهم، الذي رفع في أغسطس/آب الماضي دعوى قضائية في محكمة محلية في واشنطن العاصمة زعم فيها أن محمد بن سلمان أرسل فرقة اغتيال من المملكة العربية السعودية إلى كندا لمحاولة قتله بعد أيام فقط من إغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد أفراد المجموعة ذاتها. (نفى محمد بن سلمان مسؤوليته الشخصية عن مقتل خاشقجي وتقطيع جثته في تركيا سنة 2018، لكنه قال إنه يتحمل “المسؤولية الكاملة” عن مقتل الصحفي لأن مسؤولين سعوديين هم من نفذوا العملية).
علاوة على ذلك، اعتُقل أو اختفى آخرون بعد إصدار حظر السفر أبرزهم أحمد وعبد المجيد عبد العزيز، وهما شقيقي الناشط السعودي البارز عمر عبد العزيز، وكذلك الأثرياء وأفراد العائلة المالكة فيصل بن عبد الله وبسمة بنت سعود ومحمد بن نايف، على سبيل المثال لا الحصر وهو ما وثقته منظمة هيومن رايتس ووتش. يعيش كل السعوديين المحظورين من السفر، والمعارضين في المنفى، في حالة من الشك والخوف.
في الواقع، لدى الولايات المتحدة مصلحة في هذا الصدام بين القوى المنشقة والاستبدادية في المملكة العربية السعودية، وهو صراع يمتد أيضًا على نطاق أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إن إدارة بايدن، التي تقول إنها تريد “إعادة النظر” في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ملزمة على الأقل بالتخفيف من حدة تجاوزات زعيم المملكة الذي يميل إلى الانتهاكات السادية والحروب الوحشية التي أضرت وزعزعت الاستقرار في المنطقة. في نهاية المطاف، محمد بن سلمان هو مسؤولية أمريكا طالما أن الحكومة الأمريكية تزوده بمليارات الأسلحة العسكرية والحماية السياسية.
فضلا عن ذلك، لدى الولايات المتحدة سبب أساسي، سواء من وجهة نظر المصلحة الذاتية أو الأخلاقية، لتقديم الدعم للقوى الديمقراطية المنشقة والناشئة التي تخوض صراعًا وجوديًا مع قوى الاستبداد في جميع أنحاء المنطقة، من مصر إلى إيران والسعودية واليمن والإمارات والبحرين وسوريا والعراق وتركيا. والواقع، فإن هذا الصراع يدور في جميع أنحاء العالم، وكما أعلن الرئيس بايدن، نحن طرف فيه.
لتعزيز قوى الإصلاح الديمقراطي، يتعين على إدارة بايدن توجيه ضربة للانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، ليس فقط في اليمن، بل داخل المملكة العربية السعودية أيضا.
قامت إدارة بايدن بالفعل بتجميد مؤقت لمبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وينبغي أن تستخدم هذا التوقف المؤقت لتنفيذ عقوبات مستهدفة من شأنها أن ترفع شروط حظر السفر على الحكومة السعودية. مثل هذا الإجراء من شأنه أن يوجه رسالة للسعوديين وللعالم بأن الولايات المتحدة تقف بحزم إلى جانب المجتمع المدني وقد طوت صفحة ما انتهجته سياسة إدارة ترامب التي تقوم على احتضان الطغاة.
يمكن للإدارة الجديدة أن تتخذ خطوة بسيطة ولكنها مهمة، وذلك من خلال فرض حظر على دخول القادة السعوديين إلى الولايات المتحدة وحظر التأشيرات لأولئك المسؤولين عن حظر السفر، بدءًا من الموظفين في الديوان الملكي السعودي ووزارة الداخلية.
من شأن مثل هذه العقوبة المدروسة أن ترفع شروط حظر السفر للسعوديين وقد تقنع محمد بن سلمان بالتراجع والسماح للسعوديين الذين يريدون المغادرة بالقيام بذلك. إن الرد الأمريكي القوي على الحظر السعودي سيساعد أيضًا في تقوية مجتمع المنفيين العرب المعارضين الذين يمكنهم لعب دور حاسم في مستقبل المنطقة وسيضع الولايات المتحدة في الصراع الأكبر حيث ننتمي بالضبط، أي جنبا إلى جنب مع المنشقين والمجتمع المدني وسيادة القانون.
المصدر: سي إن إن