صدمات متتالية تلقاها الأطفال في غزة خلال الحرب الأخيرة، كان أصعبها فقد الأحبة والعائلة، بالإضافة إلى فقد المنازل، ومشاهد الدماء والقصف التي لا تفارق ذهن الأطفال بتاتا.
شكلت الحرب الأخيرة على غزة عاملا نفسيا صعبا على الطلاب خصوصا فئة الأطفال منهم كثير من الأطفال فقدوا التواصل مع المجتمع ورفضوا الاندماج فيه من جديد بينما امتنع كثيرون منهم العودة للمدارس وحياتهم العامة من جديد.
من هذا المنطلق عمدت وزارة التربية والتعليم إلى تنفيذ برنامج (التفريغ النفسي) في جميع مدارس القطاع بكل فئاتها، الخاص بتهيئة الطلاب بعد هذه الحرب الاستعداد لدخول عام دراسي جديد.
ويأتي دور مشاريع التفريغ النفسي من أجل مساعدة الأطفال على الاستمرار في حياة مستقرة آمنة وصولاً إلى دعم صمودهم على الأرض وإعادة التوازن الطبيعي الى حياتهم ودمجهم في المجتمع المحيط بهم .
انطوائية بسبب الموت
أحد الأطفال الذي يعيش في مدارس الإيواء فقد أخوه وأبوه في الحرب، بعودته إلى المدرسة لاحظت المعلمات انطوائه وشدة بكائه بمجرد الحديث معه، فبعد محاولات من الجلسات الحوارية المنفردة ودمجه مع أقرانه والتعامل الخاص الذي لقيه من المدرسات بدأ يتحدث عن الموضوع وكل ما حصل معه.
وخلال النشاطات التي أقيمت في المدرسة كالألعاب والتمثيل والرسم وغيرها كشفت هذه النشاطات عن حالة طفلة أخرى انعزلت عن الحديث واللعب مع قريناتها، ولم تشارك في أي نشاط من الأنشطة، فبعد الحديث معها ظهر أنها فقدت والدها في الحرب مما جعلها أكثر انطواءً على نفسها.
فقررت المدرسة زيارة الطالبة مع مجموعة من صديقاتها في المنزل، مما أدى إلى كسر حاجز الخوف لدى الطالبة واندماجها مع الطالبات حيث شعرت أن الجميع يهتم لأجلها ويهتم لأمرها وسريعاً ما عادت إلى المشاركة في الأنشطة والفعاليات، ولم يتم ذكر أسماء حسب طلب المرشدة التربوية .
التفريغ شمل الجميع
من جهة أخرى أكدت المرشدة التربوية ثناء مكي أن التفريغ النفسي شمل كلاً من الهيئة التدريسية عن طريق الاسترخاء والتفريغ الانفعالي بالحديث والحوارات وكذلك الطلبة عن طريق الرسم والمواهب والمسرح والجلسات الحوارية المنفردة .
“إن أفضل طريقة لتجاوز أزمات الحرب، هي أن نعود للحياة العادية”، هذا ما أكدت عليه مكي في حديثها، وأشارت أن عملية التفريغ النفسي أكدت على الوازع الديني لدى الطلبة وكذلك التأكيد على أن العلم هو السلاح الوحيد للطالب أولاً وأخيرا.
الدكتور فتحية اللولو عميد كلية التربية في الجامعة الإسلامية أكدت على أهمية التفريغ النفسي لأن الأطفال تعرضوا إلى حالة شحن انفعالي شديد يؤدي إلى الكوابيس والعنف والعدوانية.
وأضافت أن التفريغ النفسي هو أداة جيدة لإعادة التوازن النفسي إليهم ويرجعوا إلى طفولتهم وتطوير المفاهيم التي تغيرت لديهم خلال الحرب.
وأشادت بدور المعلم الذي يقع على كاهله جزء كبير من مراعاة الطلاب وحسن المعاملة معهم وترك مجال للطفل للحديث عما مر به خلال الحرب، أما عن طريق الكلام أو الرسم أو الشعر أو التمثيل.
وأشارت إلى أهمية تعزيز التربية الإيمانية وتثبيت العقيدة الصحيحة عند الأطفال حيث أن ما حصل هو قدر ونصيب من الله عز وجل.
برنامج دعم أكاديمي
أحمد الحواجري خبير إرشاد نفسي دولي ومدير عام الإرشاد والتربية الخاصة قال “إن وزارة التربية والتعليم خصصت لمواجهة الحرب برنامجي دعم أكاديمي والذي يشمل كيفية تقديم التعليم بطرق مختلفة وبرنامج دعم نفسي وهو (البرنامج الوطني للدعم النفسي الاجتماعي لمواجهة آثار الحرب).
وقد تم البدء بتنفيذ البرنامج قبل بدء العام الدراسي على ثلاث مراحل مختلفة، بداية بدعم العاملين من مدرسين ومدراء ومشرفين، ثانيا بناء القدرات وتدريب الكوادر على فنيات الدعم الاجتماعي وشمل البرنامج 400 مرشد و40 منسق صحة مدرسية و168 مشرف تربوي وبحضور 11.000 معلم .
واستمر البرنامج في مرحلته الثالثة باستقبال الطلاب وعمل أسبوع “إحنا بغزة بخير” شمل الأسبوع أنشطة وبرامج تفريغ نفسي وانتهى بيوم مفتوح في جميع مدارس القطاع.
وأضاف الحواجري أن البرنامج شمل الحالات الخاصة التي تحتاج إلى تدخل خاص والحالات التي تعرضت إلى إعاقات بسبب الحرب وكذلك الطلاب الذين لا يحضرون للمدارس وذلك عن طريق متابعتهم وتقديم الدعم الخاص بهم.
وأكد الحواجري أن البرنامج مستمر طيلة الفترة القادمة وهناك خطة متكاملة لإتمام هذا البرنامج الوطني على أتم وجه.
سلسلة تقارير مشتركة بين شبكة قدس الإخبارية ونون بوست