ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد السير خمسة كيلومترات من منزلها في شمال الضفة الغربية المحتلة، تصل ختام إسماعيل البالغة من العمر 49 سنة إلى قطعة أرضها على الساعة السادسة صباحا وتشرع في العمل، وهو روتين حافظت عليه لسنوات. يمكن سماع صرخاتها المتواصلة في المنطقة بعد أن فقدت أشجار الزيتون، التي تربطها بها علاقة خاصة مؤخرا، والتي أمضت أكثر من عقد في الإعتناء بها.
في السادس من كانون الأول/ديسمبر، داهمت الجرافات الإسرائيلية وعشرات من عناصر الجيش منطقة خلة العبهر في دير بلوط على أطراف مدينة سلفيت الفلسطينية، ونفذت إحدى أكبر عمليات اقتلاع الأشجار في الضفة الغربية إلى يومنا هذا، ودمرت 3400 شجرة زيتون في يوم واحد.
وفقا لمسؤولين في المجلس المحلي، قامت السلطات الإسرائيلية أيضا بجرف مئات الدونمات من الأراضي بالجرافات في الضفّة الغربيّة، إذ يخشى السكان من أن هذا الأمر قد يُمهد لمصادرة الأراضي الجماعية في القرية في المستقبل القريب.
قبل أربعة أشهر، في أغسطس/آب 2020، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرارا بمصادرة الأرض بحجة أنها “أراضي تابعة للدولة”. وعلى الرغم من تقديم أصحاب الأراضي عريضة ضد هذا القرار مصحوبة بوثائق إثبات ملكية، إلا أن السلطات الإسرائيلية قد نفذّت قرارها قبل أن يُصدر القضاء الإسرائيلي حكمه النهائي.
فقدت ختام إسماعيل 750 شجرة زيتون في يوم واحد، لكن ذلك لم يمنعها من العودة إلى أرضها وبدء العمل من نقطة صفر. صرّحت إسماعيل، وهي أم لثلاثة أطفال، لموقع ميدل إيست آي بأنها قامت بإعادة تأهيل حوالي 35 دونما من أرضها قبل 15 سنة وزرعتها بأشجار الزيتون، قائلة: “لم أتلق تحذيرا بوقف الزراعة أو أمرا بمصادرة الأراضي طوال تلك السنوات. لقد استثمرت كل ما أملك من المال والذهب في هذه الأرض، وقمت بالاعتناء بالأشجار كما لو كانت أطفالي”.
أضافت ختام إسماعيل: “في العام الماضي تمكنا من حصاد وإنتاج حوالي عشرة خزانات من زيت الزيتون، وكنت أتوقع بلوغ 50 خزان خلال هذه السنة، وأن إنتاج الأرض سيرتفع خلال السنوات الخمس المقبلة ليبلغ 400-500 خزانا سنويا”.
تعتمد القرية بشكل كبير على الزراعة كمصدر للدخل، وعلى الدور الرئيسي الذي تلعبه المرأة في إدارة هذه العمليات على جميع المستويات
أصبحت عائلة ختام تعتمد على هذه الأرض، التي تمتد على مساحة 550 دونما، باعتبارها مصدرا رئيسيا للدخل، وكانت تأمل أن تتمكن من إرسال أطفالها الثلاثة إلى الكلية بفضل الأرباح التي تدرّها الأرض.
تدمير الأحلام
قالت ختام إسماعيل واصفة ما حصل يوم السادس من كانون الأول/ديسمبر عندما دمّر الجيش الإسرائيلي أجزاء من أرضها: “في غضون خمس ساعات فقط، دمروا كل العمل الشاق الذي بذلناه خلال السنوات القليلة الماضية. ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل صادروا الأشجار بعد اقتلاعها، حيث تم تقطيع بعضها ورشها بمواد كيماوية لقتلها”.
تقدر ختام إسماعيل أن قيمة خسائرها قد بلغت حوالي 300 ألف شيكل. وبالإضافة إلى أشجار الزيتون، دمر الجيش الإسرائيلي 40 شجرة لوز و 40 شجرة تين و 30 شجرة عنب من أشجارها، كما جرف المناطق المزروعة بالزعتر والميرمية. “أفضل الموت على أن أرى ما يحدث لأرضي. أصبحت أعاني من الأرق ولا أنام أكثر من ثلاث ساعات ليلا. وكلّما أستيقظت، كنت أتخيل أن ما حدث كابوس سأستيقظ منه. لقد دمرونا ودمروا كل أحلامنا وتطلعاتنا”.
ختام إسماعيل هي إحدى النساء الفلسطينيات الكثيرات في دير بلوط اللواتي تضررت سبل عيشهن من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. تعتمد القرية بشكل كبير على الزراعة كمصدر للدخل، وعلى الدور الرئيسي الذي تلعبه المرأة في إدارة هذه العمليات على جميع المستويات، من الزراعة إلى حصاد المحاصيل. يعمل معظم الرجال في القرية في مجال البناء ويعمل الكثير منهم في “إسرائيل”، لذا فإن النساء هن اللاتي يعتنين بالأرض بشكل أساسي.
يُطلق على دير بلوط محليا اسم “سلة الغذاء” الخاصة بمحافظة سلفيت. في شهر أيار/مايو، يمكن مشاهدة عشرات النساء يعملن في السهول الشاسعة في مدخل القرية، والتي تبلغ مساحتها حوالي 1000 دونم، لجمع الفاقوس، وهو نبات شعبي ومحلي يشبه الخيار، تشتهر به القرية.
وفقا لآمنة فايز، رئيسة جمعية إبداع التعاونية للإنتاج الزراعي النسائي، التي يقع مقرها في دير بلوط، فإن حوالي 450 امرأة يشكلن 90 بالمئة من القوة العاملة الزراعية. وأفادت فايز لموقع ميدل إيست آي بأن سهول القرية قد تعرضت مؤخرا لخطر المصادرة وتأثرت بمياه الصرف الصحي المتدفقة من المستوطنات القريبة.
الأهمية الاستراتيجية
عائشة عبدالله، البالغة من العمر 52 سنة، هي امرأة أخرى خسرت 300 شجرة زيتون مزروعة على مساحة 20 دونما في السادس من كانون الأول/ديسمبر بسبب الجرافات الإسرائيلية في دير بلوط، حيث قالت: “لقد شرعنا في زراعة الأرض تدريجيا منذ 12 عاما، وعملت أنا وزوجي وأولادي يوميا فيها نزرع الأشجار ونعتني بالأرض حتى نتمكن من حصاد المحاصيل”.
اقتلع الجيش الإسرائيلي والمستوطنون أكثر من 15300 شجرة زيتون ولوز وغابات تابعة للفلسطينيين في مناطق مختلفة من الضفة الغربية في شهر كانون الثاني/يناير وحده
أوضح رئيس مجلس محافظة دير بلوط، يحيى عودة، لميدل إيست آي أن القرية تقع في منطقة استراتيجية، وبالتالي فهي تحت تهديد دائم من قبل “إسرائيل”. تقع دير بلوط في الضفة الغربية المحتلة، ولا تبعد سوى ستة كيلومترات عن مطار اللد على جانبي خطوط هدنة سنة 1967. قال عودة: “كانت القرية تمتد على مساحة 36 ألف دونم في سنة 1948، واليوم لم يتبقى سوى 11 ألف دونم فقط، إذ تصنّف 95 بالمئة منها على أنها تابعة للضفّة الغربيّة، حيث يقع أيضا 400 منزل معرض لخطر الهدم”، كما أشار عودة إلى أن المخطط الرئيسي للبلدة لا يمثل سوى 740 دونما من المساحة الفعليّة.
أشارت فايز إلى أنه في ظلّ التطورات الأخيرة، تستهدف السلطات الإسرائيلية نساء دير بلوط بشكل مباشر وتؤثّر عليهن وعلى سبل عيشهن ودخلهن وأسرهن، من خلال مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات. وأضافت فايز أنهن يعشن في حالة دائمة من الخوف من فقدان أراضيهن، كما يبدين عزوفا عن زراعة المحاصيل التي قد تدمرها الآلات الإسرائيلية في أي وقت ودون سابق إنذار.
وفقا لاتحاد لجان العمل الزراعي، وهو منظمة غير حكومية فلسطينية تدعم المزارعين، اقتلع الجيش الإسرائيلي والمستوطنون أكثر من 15300 شجرة زيتون ولوز وغابات تابعة للفلسطينيين في مناطق مختلفة من الضفة الغربية في شهر كانون الثاني/يناير وحده، بينما وافق الجيش على مصادرة نحو 1000 دونم. وقالت فايز إن “النساء عانين من صدمات نفسية كبيرة وأصبحن يشعرن بأنهن محاطون بتهديد مباشر، مما دفعهن للبقاء في أراضيهن لساعات طويلة، من أجل حراستها”.
المصدر: ميدل إيست آي