ترجمة وتحرير: نون بوست
أثار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جدلا من خلال إصداره أوامر لمسؤولي التعليم بالحد من عدد الآيات القرآنية في كتب الدين الإسلامي في المدارس الحكومية ذات الأغلبية المسلمة. من جهته، كشف مسؤول بوزارة التربية والتعليم مؤخرا أن السيسي أمر مسؤولي التعليم بحذف الآيات نفسها من الكتب المدرسية لجميع المواد الأخرى. في هذا الإطار، قال نائب وزير التربية والتعليم، رضا حجازي، إن الرئيس المصري طلب من وزارة التربية والتعليم عدم السماح سوى للمدرسين “المعتدلين” بتدريس النصوص الإسلامية للتلاميذ في المدارس الحكومية.
صرّح حجازي لأعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب (مجلس النواب الأدنى) في 14 شباط/ فبراير قائلا إن هذا القرار “يهدف إلى محاربة التطرف ومنع المتطرفين من تدريس الدين للتلاميذ”. في الواقع، تعتبر أوامر الرئيس المصري الأحدث في سلسلة من الجهود التي تزعم إدارته بأنها تهدف إلى محاربة “التطرف”. على امتداد سنوات، كانت البلاد تشهد تصاعدا في الهجمات المميتة من قبل مقاتلي تنظيم الدولة، على الرغم من حملات السيسي الموجهة لمحاربة هذا التنظيم.
طلب السيسي من المسؤولين التربويين والدينيين، ولا سيما في جامعة الأزهر، وهي أرفع مؤسسة للتعليم الإسلامي السني، إصلاح المناهج التعليمية وتطهير الكتب ذات المحتوى الديني التي يُزعم أن المتشددين استخدموها لتبرير هجماتهم. في هذا الصدد، قال الأزهر، الذي يمتلك آلاف المدارس وجامعة لها فروع في عدة محافظات مصرية، إنه يقوم بتنقيح مناهج مدارسه وكلياته لإزالة المحتوى الذي يراه إشكاليا. مع ذلك، يبدو أن دور المدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم يقوم حاليا على إصلاح مناهجها التعليمية.
التعليم المختلط
تركز المدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، والتي يبلغ عددها حوالي خمسة آلاف على تدريس العلوم الطبيعية والاجتماعية، بينما تركز مدارس ومعاهد الأزهر، التي يبلغ عددها حوالي 65 ألف، على الدين والدراسات الدينية. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي المناهج المدرسية التي تُشرف عليها وزارة التربية والتعليم على العديد من المراجع القرآنية. وفي بعض الأحيان، تستشهد بآيات من الكتاب المقدس وأحاديث النبي محمد. وتعمل هذه النصوص الدينية كدليل يدعم بعض المعلومات الواردة في الكتب المدرسية، خاصة تلك المتعلقة بالأخلاق والحفاظ على البيئة والتاريخ واللغة العربية.
في الحقيقة، تحظى وجهة نظر السيسي بتأييد بعض المشرعين. في هذا الصدد، قال فريدي البياضي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، إن وجود هذه النصوص في الكتب غير الدينية يعتبر أمرا “خطيرا”. وصرّح البياضي لموقع “ميدل إيست آي” بأن هذا الأمر “يعطي الفرصة للمدرسين غير المؤهلين لإساءة تأويل هذه النصوص، ما من شأنه أن يؤدي إلى سوء فهم المناهج المدرسية، بالإضافة إلى النصوص الدينية نفسها”.
علاوة على ذلك، حظيت وجهة النظر هذه بتأييد في صفوف عدد كبير من العلمانيين المصريين، الذين يقولون إن المدارس التي تشرف عليها وزارة التعليم يجب أن تقدم تعليما علمانيا بحتا. والجدير بالذكر أن وزير الثقافة المصري السابق، جابر عصفور، دعا ذات مرة إلى إلغاء التعليم الديني والمدارس الدينية بالكامل.
رد فعل عنيف
يعتبر الجدل القائم حول ما إذا كان يجب أن تحتوي الكتب المدرسية غير الدينية على آيات من القرآن أو أحاديث النبي، مسألة حساسة في مصر. كما أن هناك مخاوف متنامية من أن يشكّل القرار اعتداء على الهوية الدينية لمصر. ووفقا لوزارة التربية والتعليم، هناك حوالي 23 مليون تلميذ مسجلين في المدارس في جميع أنحاء البلاد ما يعني أن المدارس تستقبل تلميذا من كل بيت مصري تقريبا. من جهته، قال أحمد عبد العزيز، مستشار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، إن السيسي يريد علمنة المجتمع المصري مضيفا أن “هذا الأمر أصبح جليا خاصة بعد علمنة الدولة المصرية نفسها”.
تنطوي العلمانية على دلالات سلبية بين المحافظين والأحزاب الدينية في مصر، الذين ينظرون إلى الدعوات لتقليص التعليم الديني في المدارس باعتبارها اعتداء على الهوية الإسلامية لأغلب المصريين. في هذا الصدد، أفاد حزب النور السلفي إن حذف النصوص الإسلامية من الكتب المدرسية يعدّ أمرا غير مقبول على الإطلاق. وقال العضو البارز في الحزب، صلاح عبد المعبود، لموقع “ميدل إيست آي” إن “حذف هذه الآيات سيؤدي إلى إضعاف المناهج التعليمية خاصة مناهج اللغة العربية حيث يمكن للسلطات التعليمية أن تحل بسهولة مشكلة إساءة تأويل النصوص الدينية من خلال إلزام المدرسين بتفسيرات محددة”.
يتشاطر بعض المواطنين هذا الرأي، حيث يقولون إن وجود آيات قرآنية في الكتب المدرسية ضروري للعملية التعليمية نفسها. من جانبها، قالت شيماء سيد، وهي ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، إن “هذه الآيات تدعم المعلومات الواردة في الكتب المدرسية”. وصرحّت سيد لموقع “ميدل إيست آي” أن “وجود هذه الآيات يجعل المعلومات الموجودة في الكتب المدرسية لا جدال فيها”.
موجة التطرف
جاءت تعليمات السيسي لمسؤولي التعليم في الوقت الذي تمضي فيه بلاده قدما في حربها المزعومة ضد التطرف. كانت مصر في قلب موجة من الهجمات المسلحة التي تنامت في أعقاب استيلاء الجنرال السيسي السابق على السلطة بعد قيادة انقلاب عسكري ضد سلفه المنتخب ديمقراطيا في سنة 2013. وقد استهدفت الهجمات المتكررة المساجد والكنائس والمرافق الأمنية والموظفين، كما تحارب مصر فرعا من تنظيم الدولة في سيناء.
ستدرج وزارة التربية والتعليم معلومات ودروس حول التاريخ المسيحي في المناهج التعليمية، وستدرس اقتراحا بشأن تعليق تدريس الدين الإسلامي كمادة مستقلة
قال بعض المراقبين إن الرئيس المصري يخشى من منح الآيات القرآنية الموجودة في الكتب المدرسية غير الدينية الفرصة للمدرسين غير المتخصصين لتأويل هذه الآيات بشكل خاطئ، وبالتالي دفع التلاميذ إلى التطرف. صرّح أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، جهاد عودة، لموقع “ميدل إيست آي” قائلا: “يجب أن ندرك أن النصوص الدينية تتناسب بشكل أفضل مع الكتب المتعلقة بالدين، عوضا عن الكتب المدرسية المتعلقة باللغة العربية أو التاريخ. لهذا السبب، أعتقد أن حذف آيات القرآن من الكتب المدرسية يعتبر خطوة جيدة في سبيل الإصلاح التربوي”.
بالإضافة إلى إصداره أمرا بإزالة بعض المحتويات من الكتب المدرسية، يعمل السيسي أيضا على تشديد الرقابة على المساجد. ويتفقّد المفتشون الذين تُعيّنهم الحكومة مكتبات المساجد للتأكد من أنها لا تحتوي على كتب أو أشرطة تدعو إلى التطرف. فضلا عن ذلك، تحد الحكومة من الوعظ في أكثر من 100 ألف مسجد في البلاد على خريجي الأزهر الذين يتقاضون رواتب من وزارة الأوقاف المصرية التي تشرف بدورها على المساجد.
احترام جميع الأديان
أشارت وزارة التربية والتعليم أنها ستدرج معلومات ودروس حول التاريخ المسيحي في المناهج التعليمية، وستدرس اقتراحا بشأن تعليق تدريس الدين الإسلامي كمادة مستقلة. وأضافت الوزارة أنه سيتم بدلا من ذلك تدريس كتاب يتضمن المبادئ والقيم التي يتشاركها مُعتنقو جميع الديانات السماوية لتلاميذ جميع الأديان في جميع المراحل التعليمية. وفي هذا الشأن، قال حجازي لموقع “ميدل إيست آي” إن “هذا الكتاب مهم للغاية نظرا لأنه سيعلّم التلاميذ احترام معتنقي جميع الأديان خاصة وأن نشر التسامح يعدّ أفضل طريقة لمحاربة التطرف”.
تحظى مثل هذه الأفكار بدعم داخل المؤسسة الدينية، بما في ذلك داخل مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة صنع القرار في الأزهر. لم يجد العضو البارز في الأكاديمية، حامد أبو طالب، أي سبب يدعو إلى التخوّف من حذف الآيات القرآنية من الكتب المدرسية. وقال أبو طالب إن بعض المدرسين يؤولون هذه الآيات بما يتناسب مع رغباتهم أو أجندتهم السياسية. وصرّح أبو طالب لموقع “إيست آي” أن “المتطرفين عادة ما يغيرون التأويلات الدينية لخدمة أجندتهم الخاصة”. لهذا السبب، يتعيّن على المعارضين للتعليمات الجديدة أن يعلموا أن مسؤولي التعليم يريدون حماية العقيدة الإسلامية.
المصدر: ميدل إيست آي