تواصل كل من فرنسا وألمانيا التراجع عن تعهداتهما تجاه شعوبهما، بدعم الحروب التي تسببت بتدمير دول وتشريد شعوب، من خلال بيع الأسلحة لدولة الإمارات التي تتهم بشن حروب وإثارة الفوضى والعنف في العديد من الدول العربية، ما جعل العديد من المتابعين يؤكدون تفوق المال الإماراتي على المبادئ الغربية التي لا تُستعمل إلا للضغط على المخالفين فقط.
صفقات جديدة
الصفقات الإماراتية المبرمة مع فرنسا وألمانيا، كانت ضمن معرضي “نافدكس” و”آيدكس” للأسلحة الدفاعية اللذين يقامان حاليًّا في العاصمة أبو ظبي، حيث أعلنت القوات المسلحة الإماراتية أمس الثلاثاء أنها أبرمت عقودًا للمعدات والخدمات الدفاعية مع شركات محلية وعالمية بقيمة 5.9 مليار درهم (1.3 مليار يورو)، ليصل إجمالي الصفقات التي شهدها المعرضان منذ انطلاقتهما نحو 17.913 مليار درهم.
وأعلنت الإمارات توقيع عقد بقيمة 66.4 مليون درهم (14.8 مليون يورو) مع شركة تال الفرنسية لتصنيع المعدات العسكرية وعقد بقيمة 40.7 مليون درهم (9.1 مليون يورو) مع شركة راينميتال الألمانية، ومقرها الرئيسي في دوسلدورف.
تستخدم المعدات العسكرية الألمانية والفرنسية التي اشترتها الإمارات في حرب اليمن، في الهجمات غير القانونية ضد المدنيين
لكن أكبر هذه العقود، وفق العميد الركن فهد ناصر الذهلي المتحدث باسم البحرية الإماراتية، كان بقيمة 2.96 مليار درهم (نحو 650 ألف يورو) مع شركة ياس القابضة الإماراتية لإمداد القوات المسلحة بصواريخ، فيما حصلت شركة بوينغ على عقد بقيمة 112 مليون درهم (25 مليون يورو) لبرنامج محاكاة لطائرات سي-17.
كما تضمنت الصفقات الخارجية أيضًا عقودًا لشراء طائرات الإنذار المبكر نوع “G6000” لصالح قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي بقيمة 3.742 مليار درهم، وعقود لشراء صواريخ “باتريوت” من نوع “GEM-T” لصالح قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي بقيمة 2.614 مليار درهم.
ويعد معرض “آيدكس” – الذي يقام مرة كل عامين منذ عام 1993 – أكبر معرض للأسلحة في الشرق الأوسط، وتشير الصفقات المذكورة إلى أن الإمارات ماضية في شراء الأسلحة الأوروبية رغم الانتقادات الموجهة للأوروبيين.
المال يغلب مبادئ حقوق الإنسان
صحيح أن فرنسا لم تحظر بيع الأسلحة للإمارات، لكن الحكومة تواجه انتقادات كبيرة من أحزاب في المعارضة ومنظمات مدنية في هذا الخصوص، فهم يضغطون على الحكومة حتى تحظر بيع الأسلحة للإمارات نتيجة سوء استخدامها.
أما ألمانيا فقد سبق لها أن حظرت بيع الأسلحة لهذه الدولة العربية، ودعت دول عديدة للمضي على منوالها حتى تضغط على دولة الإمارات، ومع ذلك الشركات الفرنسية والألمانية تواصل بيع الأسلحة للجيش الإماراتي المتهم بقتل المدنيين في اليمن وليبيا.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، مددت الحكومة الألمانية الحظر المفروض على تصدير الأسلحة للإمارات حتى نهاية عام 2021، وذلك للخوف من استخدام السلاح في حرب اليمن.
ويعود هذا الإجراء إلى اتفاق الائتلاف بين الكتلة المحافظة بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل والشريك الأصغر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وينص على الوقف الكامل لتصدير الأسلحة إلى جميع الدول المشاركة بشكل مباشر في حرب اليمن.
هذه ليست المرة الأولى التي تتجاهل فيها الشركات الألمانية والفرنسية قرارات الحظر، فصفقات الأسلحة متواصلة بشكل كبير، وتشير الإحصاءات إلى أن صادرات السلاح الفرنسي تضاعفت أربع مرات بين عامي 2012 و2018 في ظل تنافس حاد بين فرنسا وروسيا لاحتلال المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة على مستوى سوق السلاح العالمية، وتأتي الصناعة العسكرية في مقدمة الصناعات الإستراتيجية التي تُسهِم بقسط وافر في دعم الموازنة العامة للدولة الفرنسية.
عملت كل من برلين وباريس، على تصدير بلديهما كراعيان لمبادئ لحقوق الإنسان في أوروبا والعالم، وواصلا انتقاداتهما للدول الأخرى إذا ما قامت بأعمال توحي بانتهاكات في حقوق الإنسان، لكن في الوقت نفسه ما زالا يبيعان الأسلحة لدولة تخصصت في انتهاك حقوق الإنسان.
وغالبًا، ما توجه منظمات حقوقية اتهامات إلى ألمانيا وفرنسا بشأن سلوكهما المتعلق بدعم أنظمة ديكتاتورية، وصمتهما عن انتهاكات حقوق الإنسان في تلك البلدان، خاصة الإمارات نظرًا إلى المصالح الاقتصادية وعلى رأسها صفقات السلاح.
لكن يبدو أن الاتهامات والنداءات الموجهة من المنظمات الحقوقية لن تثني فرنسا ولا ألمانيا عن مواصلة صفقات السلاح مع النظام الإماراتي المتهم باستهداف المدنيين في العديد من الدول بالمنطقة العربية، ما يجعل المال الإماراتي يتغلب على المبادئ الغربية.
يتبين من هنا أن ألمانيا وفرنسا ليستا على استعداد للتفريط في صفقات الأسلحة مع الإمارات، ذلك أن هذه الصفقات تدر على اقتصادهما مليارات الدولارات، حتى إن كانت أغلب هذه الأسلحة موجهة لقتل المدنين ودعم الأنظمة المستبدة.
السلاح الغربي يقتل العرب
تواصل فرنسا وألمانيا، تصدير السلاح للإمارات رغم أن لديهما معلومات مؤكدة عن سوء استخدام الإمارات لهذه الأسلحة في اليمن، وأن هذا البلد العربي لا يلتزم بالوجهة النهائية للأسلحة الألمانية والفرنسية بعد تسلمها، ما يعني أن السلاح الغربي موجه لقتل العرب.
وتستخدم المعدات العسكرية الألمانية الفرنسية التي اشترتها الإمارات في حرب اليمن، في الهجمات غير القانونية ضد المدنيين، ومع ذلك لم توجه البلدان الغربية تحذيرًا إلى الإمارات بعدم استخدام السلاح لقمع المعارضين واستهداف المنشآت المدنية.
تعمل منظمات عديدة للحد من توريد السلاح للإمارات التي تنتهك حقوق الإنسان، لكن تلك الجهود تبقى ضعيفة
تتحدث تقارير أمنية وإعلامية بوضوح عن حجم السلاح الفرنسي الذي تستخدمه الإمارات في قتالها ضد حركة أنصار الله المعروفة باسم جماعة الحوثي.
وتبين تقارير سابقة أن ما يقارب 500 ألف شخص قد يكونون معرضين لضربات مدفعية محتملة، بعضها من مدافع فرنسية الصنع، إضافة إلى استخدام مدافع ودبابات فرنسية في الصراع اليمني.
وبين موقع “دسكلوز” الفرنسي المتخصص في الصحافة الاستقصائية في تحقيق سابق، استخدام فرقاطات وغواصات بحرية إلى جانب طوافات كلها فرنسية الصنع، لتشديد الرقابة على المعابر، وبالتالي يساهم التحالف من خلالها في تضييق الخناق على المدنيين اليمنيين والتسبب بمجاعة في المنطقة.
وتعتبر الإمارات جزءًا من تحالف عربي يقاتل حركة الحوثيين المتحالفة مع إيران في اليمن منذ عام 2015، وتصف الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج 80% من سكانه للمساعدات.
النفاق الغربي
تقول قيادة ألمانيا وفرنسا إن احترام حقوق الإنسان هو التزام لا تهاون فيه، لكن مع ذلك فإن الأسلحة الغربية وغيرها من المساعدات العسكرية كان لها دور في إدامة الصراع، كما لعبت دورًا تدميريًا شاملًا في المنطقة، وتسببت هذه الأسلحة في موت عشرات آلاف المدنيين بشكل مباشر وبشكل غير مباشر وفي مصرع مئات الآلاف عند أخذ قصف البنى التحتية بعين الاعتبار.
كما ساهمت مبيعات الأسلحة الفرنسية والألمانية من طائرات مقاتلة وقنابل وعربات مدرعة ودبابات للإمارات في استمرار الحرب في اليمن التي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 ألف قتيل، وفي مرات تنتهي الأسلحة في أيدي الأطراف المتنازعة.
سبق أن اتهمت منظمة العفو الدولية دولة الإمارات العربية المتحدة بنقل أسلحة قدمتها دول غربية ودول أخرى إلى “فصائل غير خاضعة للمساءلة متهمة بارتكاب جرائم حرب” في اليمن، وأوضحت المنظمة أن انتشار هذه القوات المحاربة هو وصفة لكارثة بالنسبة للمدنيين اليمنيين الذين سقط منهم بالفعل آلاف، في حين يقف ملايين آخرين على شفا المجاعة كنتيجة مباشرة للحرب.
تعمل منظمات عديدة للحد من توريد السلاح للإمارات التي تنتهك حقوق الإنسان، لكن تلك الجهود تبقى ضعيفة، إذا تعلق الأمر بالمنافع المالية التي تجنيها ألمانيا وفرنسا من خلال بيعها للسلاح والمصالح الكبيرة التي يجنيانها في الشرق الأوسط، ما يؤكد أن المصالح تغلب المبادئ.