ترجمة وتحرير: نون بوست
في تصريحات لهم لموقع “ميدل إيست آي” تعليقًا على الهجوم الصاروخي الأخير الذي استهدف عاصمة كردستان العراق أربيل الواقعة شمال العراق في 15 شباط/ فبراير، قال قادة الجماعات المسلحة المدعومة من إيران إن الهدف منه “تأديب السلطات الكردية” وليس رسالة ضمنيّة إلى الولايات المتحدة؛ مؤكدين أنهم يجهلون هوية منفّذه.
وقالت السلطات العراقية إن 11 صاروخًا استهدف قاعدة الحرير العسكرية الأمريكية ومطار أربيل الدولي، ما أسفر عن مقتل مقاول مدني وإصابة تسعة آخرين، من بينهم جندي أمريكي. وقد تبنّت مجموعة مسلحة مجهولة تسمّي نفسها “سرايا أولياء الدم” هذا الهجوم عبر قناة تلغرام قريبة من الفصائل الشيعية المدعومة من إيران، مشيرة إلى أن منفذيها أطلقوا 24 صاروخًا على بعد 7 كيلومترات من قاعدة الحرير “أصابت أهدافها بدقة”.
في بيان آخر صدر في اليوم التالي، قالت الجماعة إن الهجوم استهدف قوات “الاحتلال الأمريكي” التي لن تكون في مأمن “حتى لو نقلت قواعدها” إلى كردستان. كما تضمن البيان تهديدا للسياسيين الأكراد الذين “رحّبوا” بالاحتلال التركي للأراضي العراقية، حيث تشن أنقرة هجومًا ضد جماعة حزب العمال الكردستاني على طول الحدود الشمالية.
شُنّت الغارة في وقت تحتدم فيه التوترات في شمال العراق، حيث تسعى القوات الشيعية والكردية والفيدرالية المتنافسة إلى بسط سيطرتها على سنجار، وهي منطقة ذات ميزة استراتيجية فريدة تُمهمّش فيها الجماعات المدعومة من إيران مقابل تنامي نفوذ السلطات العراقية النظامية. وكما هو متوقع، تتهم السلطات الكردية في أربيل الجماعات الشيعية بشن الهجوم الصاروخي.
رغم عدم الإشارة إلى ذلك مباشرة، أشار مسؤولون وقادة شيعة إلى أنه وراء الكواليس تُورط بعض النقاشات عصائب أهل الحق، وهي فصائل قوية شنّت بعض الهجمات على المواقع الأمريكية في العراق حتى في ظل الهدنة غير الرسمية بين الجماعات المدعومة من إيران وواشنطن.
حسب مسؤول كردي رفيع المستوى، طلب من موقع “ميدل إيست آي” عدم الكشف عن هويته، فإن “عصائب أهل الحق تعتقد أن هناك تعاونًا أمنيًا بين بغداد وأربيل وأنقرة، لذلك وجب شنّ هجوم [في أربيل]. والهدف من ذلك بعث رسالة ضمنية مفادها أن الفصائل الشيعية يمكن أن تقوّض أمن إقليم كردستان”.
حتى مع تأييدهم لهذه الرسالة، نفى جميع القادة الشيعة الذين تحدث إليهم موقع “ميدل إيست آي” مسؤوليتهم عن هذا الهجوم، مؤكدين أن الهدنة مع الولايات المتحدة لا تزال قائمة. وقال قائد رفيع المستوى ينتمي لفصيل مسلح شيعي مدعوم من إيران: “لم ينفذ هذا الهجوم أيّ من الفصائل المعروفة لدينا. وترتبط بحزب العمال الكردستاني أطراف أخرى هي التي نفذت الهجوم، وقد حققت الهدف المنشود”.
وأضاف هذا القائد الشيعي: “لم تتغيّر الأوامر الإيرانية بخصوص مهاجمة القوات الأمريكية، والإيرانيون ما زالوا حريصين على الحفاظ على استقرار الأوضاع مع الأمريكيين وينتظرون موقف الإدارة الجديدة. نحن ملتزمون بالهدنة بين الطرفين، لكن هذا لا يمنعنا من التحرك عندما يتعلق الأمر بعودة الانتشار الكردي التركي على الأراضي العراقية”.
إحراج أبو فدك
قبل أربعة أيام من هجوم أربيل، أجرى عبد العزيز المحمداوي الملقّب بـ “أبو فدك” – وهو رئيس أركان جماعة الحشد الشعبي شبه العسكرية التي تضم معظم الفصائل المدعومة من إيران – زيارة لمقاتليه المنتشرين في غرب محافظة نينوى وشمال كركوك وفي مناطق أخرى في الشمال. ترك ذلك انطباعًا لدى البعض بأنه هو من أصدر الأوامر بشنّ الهجوم. لكن قائدًا بارزًا في الحشد الشعبي مقرب من أبو فدك أخبر “ميدل إيست آي” بأن هذا الهجوم سبّب له إحراجًا كبيرًا.
أوضح هذا القائد: “أيّا كانت هوية المجموعة التي نفذت هذا الهجوم، فهي بالتأكيد غير صديقة لنا. لقد أحرج هذا الهجوم أبو فدك كثيرًا، لا سيما أمام القادة الأكراد الذين تربطه بهم علاقات جيدة. لا نعرف حقًا من نفذه. حتى الإيرانيون أنفسهم أخبرونا أنهم لم يكونوا على علم بهذا الهجوم ولم يخططوا له”.
من جهته، يقول “أبو فدك” إنه لو كان يعلم أن هذا الهجوم سيحدث، لما زار المنطقة في ذلك الوقت بالذات. ومن الغباء أن يقوم قائد يتمتع بثقل أبو فدك بزيارة منطقة ثم يصدر أوامر بشن هجوم عليها. هذا ليس أسلوبه”.
الأراضي المتنازع عليها
يمكن العثور على الأدلة التي تشير إلى مصدر العداء الذي أدى إلى هجوم أربيل في المحادثة التي تتمحور حول الموقع المحتمل لإطلاق الصواريخ. تشير الأدلة القاطعة إلى أن الصواريخ المستخدمة في الغارة أطلقتها قاذفة الصواريخ كاتيوشا يبلغ أقصى مدى لها 8.5 كيلومترات. لكن وزارة الداخلية في الإقليم الكردي صرحت بأن الصواريخ التي استهدفت قاعدة الحرير أُطلقت من الطريق الذي يربط أربيل والكواير على بعد 45 كيلومترا شمال غربي العاصمة أربيل.
لاحقًا، حثّ رئيس أقليم كردستان نيجيرفان بارزاني بغداد على السماح لقوات الأمن الكردية بإدارة شؤون هذه المناطق المتنازع عليها، حيث تنتشر القوات الفيدرالية ومقاتلون من الحشد الشعبي، بينما أُجبرت قوات البيشمركة الكردية التابعة لحكومة إقليم كردستان على المغادرة.
من خلال التلميح إلى أن الصواريخ اُطلقت من الكواير، ألقت السلطات الكردية باللوم ضمنيًا على إحدى الفصائل المسلحة المدعومة من إيران المنتشرة في مناطق شمال كركوك وغرب نينوى. وقال مسؤول كردي رفيع المستوى لموقع “ميدل إيست آي” إن “هذه المنطقة تحت سيطرة فصائل الحشد الشعبي، وتحديدًا عصائب أهل الحقّ”.
أكد اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، رواية “سرايا أولياء الدم”، موضّحا للصحفيين أن موقع إطلاق الصواريخ كان على بعد خمسة كيلومترات من أربيل وأن سلطات المنطقة “يجب أن تتعامل مع هذا الخرق الأمني”.
قال مسؤول فيدرالي عراقي لموقع ميدل إيست آي: “فوجئنا في اليوم التالي [بعد الهجوم] بأن القادة الأكراد بدأوا يتحدثون عن سنجار والمناطق المتنازع عليها، وحول المطالب بالعودة إلى الإدارة المشتركة لهذه المناطق”. وأضاف: “الهجوم انطلق من داخل أربيل فما علاقة المناطق المتنازع عليها وسنجار بالمسألة؟”.
التوترات في سنجار
تشتهر سنجار، وهي بلدة تقع بالقرب من حدود العراق المشتركة مع تركيا وسوريا، بكونها مسرحًا لعمليات القتل الجماعي والاختطافات التي نفذها تنظيم الدولة في سنة 2014 والمعروفة باسم إبادة الإيزيديين الجماعية. تعد البلدة إحدى أهم المناطق العراقية من الناحية الاستراتيجية، لأنها أعلى منطقة في البلاد، وأقربها إلى بيروت ودمشق و”إسرائيل”، والسيطرة عليها تعني تأمين الطريق البري بين طهران ودمشق من جهة، وخطوط الإمداد اللوجستية الممتدة بين جنوب شرق تركيا وشمال سوريا من جهة أخرى. استخدم صدام حسين هذه المنطقة كقاعدة لإطلاق صواريخه التي استهدفت تل أبيب في سنة 1991، ومن المحتمل أن تُستخدم صواريخ أخرى في عملية مماثلة مجددا.
ذكر مسؤولون عراقيون وضباط جماعات مسلحة لموقع “ميدل إيست آي” أن جميع الأطراف المتصارعة الإقليمية والدولية في العراق، بما في ذلك إيران وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، تسعى لفرض سيطرتها على المنطقة.
إلى جانب جواسيس وممثلي تلك القوى، عُثر على عناصر من حزب العمال الكردستاني – وهي جماعة كردية مسلّحة تشن حملة تمردٍ منذ عقود ضد الدولة التركية؛ ووحدات حماية الشعب – وهي ميليشيا سورية تابعة للحزب. كما عُثر على قوات أمن البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان، وفصائل شيعية، ووحدات مقاومة سنجار؛ وهي ميليشيا إيزيدية.
بينما كانت سنجار تعج بالجماعات المسلحة، لم يتمكن النازحون الذي يبلغ عددهم 400 ألف شخص من العودة إلى المنطقة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، تم التوصل إلى اتفاق لسحب الجماعات المدعومة من إيران من المنطقة، وطرد حزب العمال الكردستاني وحلفائه مثل وحدات حماية الشعب، وإعادة النازحين. بينما كان هذا التنسيق يخدم القوات الفيدرالية العراقية وقوات حكومة إقليم كردستان، أثار استياء الفصائل الشيعية والمسلّحين الأكراد.
حسب ما قاله مسؤولون فيدراليون ومحليون عراقيون لموقع “ميدل إيست آي”، فإن دفع حزب العمال الكردستاني صوب الحدود تسبب في إثارة غضب أنقرة أيضا. وأوضح مسؤول فيدرالي رفيع المستوى مشارك في إبرام اتفاق سنجار أن “اتفاق سنجار لم يكن مريحًا لفصائل الحشد الشعبي أو الإيرانيين أو الأكراد أو الأتراك: إذ تريد تركيا أن نحارب حزب العمال الكردستاني وحلفاءه مثل وحدات حماية سنجار، بينما يرغب الأكراد المقربون الآن من تركيا في العودة لحكم سنجار”.
في العاشر من شباط/ فبراير، شنّت تركيا حملة عسكرية شرسة جديدة ضد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل الممتدة على طول الحدود الشمالية مما أتاح للفصائل المدعومة من إيران فرصةً ذهبيةً لإعادة تأكيد وجودها في محيط سنجار بذريعة التصدي لأي محاولات غزو تركية، على الرغم من أن تركيا تبعد 250 كيلومترًا عن سنجار.
في اليوم التالي، أرسلت قوات الحشد الشعبي ثلاثة أفواج قتالية انتشرت على قمة جبل سنجار ومنحدراته الغربية والشرقية، وذلك حسب ما أفاد به ضباط شيعة لموقع “ميدل إيست آي”. وفي هذا الصدد، أفاد قائد إيزيدي محلي يعمل تحت راية القوات شبه العسكرية أنه بعد وصول التعزيزات، بلغ عدد قوات الحشد الشعبي المنتشرة في المنطقة 15 ألف مقاتل.
في ذلك اليوم، كان تواجد “أبو فدك” يهدف لإيصال رسالة مفادها أنهم على استعداد لمواجهة القوات التركية، إذا لزم الأمر. ونقل موقع “ميدل إيست آي” عن أحد كبار ضباط فصيل مسلح شيعي مدعوم من إيران أن اتفاق سنجار في تشرين الأول/ أكتوبر يمنح المنطقة ضمنيًا لسلطات حكومة إقليم كردستان، التي زعم بأنها ستسمح لتنظيم الدولة والقوات التركية بالعمل هناك دون رقابة.
وقال الضابط إن “حكومة [بغداد] متقلبة في مواقفها مع الأكراد، لذلك كان علينا أن نأخذ بزمام المبادرة ونرسل قوات إلى هناك. سنجار موقع استراتيجي لا يمكن التنازل عنه. ولن نسمح للأكراد أو الأتراك بالسيطرة على المنطقة، وإذا ما حاولوا اقتحامها، سنلقّنهم درسًا قاسيًا”.
تساؤلات جديّة
إن التوترات حول سنجار وهجوم أربيل عاملان مرتبطان بشدة. ويوم الخميس، التقى الرئيس العراقي برهم صالح بأبو فادك. وأصدرت قوات الحشد الشعبي بيانا قالت فيه إن الاجتماع كان بغرض الحديث عن انتشار القوات شبه العسكرية في سنجار، والأوضاع الأمنية في محيط مدينة كركوك.
أخبر ضابط مقرب من أبو فدك في الحشد الشعبي موقع “ميدل إيست آي” أن الاجتماع كان “محاولة من قبل صالح لمعرفة هوية مرتكبي هجوم أربيل. وبما أن برهم وأبو فدك تربطهما علاقات جيدة للغاية، فإنه عندما طلب برهم مقابلته للحصول على توضيح بشأن الهجوم، أخبره أبو فدك بصراحة أنه ليس لفصائل الحشد الشعبي أي علاقة به”. وأضاف القائد أن أبو فدك قال لصالح إنه لا يعرف شيئًا عن الجماعة التي تسمي نفسها بـ “سرايا أولياء الدم”.
أيا كانت هوية منفذي الهجوم على أربيل، فإن حقيقة تمكنهم على ما يبدو من العمل على بعد مسافة تتراوح بين خمسة إلى ستة كيلومترات فقط من القاعدة العسكرية الأمريكية ومن المطار يعني أنه من الضروري طرح أسئلة جادة على الجانب الكردي والفصائل الشيعية المسلحة على حد سواء.
في حديثهم مع موقع “ميدل إيست آي”، صرّح مسؤولون أكراد بأنه لا يزال من السابق لأوانه تأكيد هوية الجهة المسؤولة عن الاعتداء، وأنهم لا يستبعدون احتمال تورط شخصيات كردية “فاسدة” تعمل لصالح حزب سياسي أو جماعة مسلحة ما مقابل بعض الأموال.
إن إنكار الفصائل الشيعية للتدخل المباشر لا يعني أنها تجهل هوية الجناة، ولا يُستبعد تخطيطها له. وقال أحد كبار ضباط فصيل شيعي مدعوم من إيران: “لم ننفذ الهجوم، لكننا سعداء به، ومستفيدون منه”، مضيفًا أن الهدف كان معاقبة مسعود بارزاني؛ رئيس الحزب الكردي الحاكم، “وعلى السلطات الكردية احترام نفسها ومعرفة حجمها والتوقف عن التطلع لتجاوز قدراتها”.
المصدر: ميدل إيست آي