تنظر إيران بخشية كبيرة للتداعيات المحتملة للعمليات العسكرية التركية المرتقبة في سنجار، التي من المرجح أن تنطلق في شهر مارس/آذار المقبل، ليس على نفوذها في شمال العراق فحسب، بل على نفوذها في الشرق السوري، فانتشار الجماعات المسلحة الكردية على طرفي الحدود الشمالية العراقية – السورية، مثّل هامشًا إستراتيجيًا جيدًا تحركت من خلاله إيران خلال الفترة الماضية، وتحديدًا على طول الخط الإستراتيجي الممتد من سنجار وربيعة ثم دير الزور، وهو ما تخشى إيران فقدانه بعد العملية العسكرية التركية المرتقبة إن تمت.
ما زال هناك حديث داخل الأوساط السياسية والعسكرية التركية، عن طبيعة العملية العسكرية المرتقبة في سنجار، بشأن مدى شمولية أو محدودية هذه العملية، وهي بالتأكيد تعتمد على مدى تعاون الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل مع هذا المسعى التركي.
فقد قدم وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في أثناء زيارته لبغداد وأربيل في 18 من يناير/كانون الثاني 2021، عدة خيارات للعراق بخصوص العملية العسكرية المرتقبة، منها أن تنفذ تركيا عملية برية بمفردها أو بالاشتراك مع حكومتي بغداد وأربيل، أو أن تنفذ حكومتا بغداد وأربيل العملية، فيما تكتفي تركيا بتقديم الدعم الجوي والاستخباري، وهي خيارات لم يرد عليها الجانب العراقي حتى اللحظة.
نفوذ إيران المتصاعد
عملت إيران على توثيق علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني التركي منذ تسعينيات القرن الماضي، وتحديدًا عندما كان الحزب يمتلك قواعد عسكرية في شمال سوريا، حيث قدمت إيران الدعم العسكري واللوجستي لعناصر الحزب، عبر نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.
كما افتتح القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني العديد من القواعد العسكرية لحزب العمال الكردستاني التركي في جبال قنديل، كما سعت إيران إلى توسيع قواعد الحزب في شمال العراق، وتحديدًا منذ تحرير مدينة سنجار من سيطرة تنظيم داعش في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث سمحت لعناصر الحزب بالتمركز داخل مدينة سنجار وأطرافها، كما سهلت له افتتاح العديد من القواعد العسكرية في كركوك، إلى جانب افتتاح قواعد أخرى في طوز خورماتو وأمرلي والكوير ومخمور.
وكل هذه التسهيلات الإيرانية كانت تقدم إما عبر مقر رمضان التابع لفيلق القدس الإيراني في مدينة كرمنشاه على الحدود العراقية الإيرانية، وإما عبر فصائل مسلحة منضوية ضمن الحشد الشعبي، فبعد توقيع اتفاق تطبيع الأوضاع في سنجار بين حكومتي بغداد وأربيل في 9 من أكتوبر/تشرين الأول 2020، الذي نص على ضرورة إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني التركي من مركز مدينة سنجار وأطرافها، انضم ما يقرب من 1800 مقاتل من عناصر الحزب إلى واحدات حماية سنجار (فصيل إيزيدي مسلح) منضوي ضمن الحشد الشعبي، ويستلم رواتبه من الحكومة العراقية، إلى جانب فصائل إيزيدية أخرى في سنجار.
تحول ملف وجود حزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق، من يد الحكومة العراقية إلى يد استخبارات الحرس الثوري الإيراني
تركيا على الخط
لا يخفى على أحد أن أحد الأهداف السياسية التي تسعى تركيا إلى تحقيقها في محافظة نينوى وتحديدًا في سنجار ومخمور وغيرها، التي تشهد وجودًا لحزب العمال الكردستاني التركي، هي تأمين الحدود العراقية التركية بالكامل، وذلك عبر البدء بصفحة جديدة، تتمثل بافتتاح المعبر الحدودي الجديد أوفاكوي – فيشخابور – تلعفر – الموصل، ويمتد إلى بغداد وحتى البصرة جنوبًا، ما يزيد من سلطة حكومة بغداد في هذا الشريط الجغرافي، ويعمل على تعزيز الدور التركي الاقتصادي فيها.
وعلينا أن لا ننسى أن تركيا خسرت شهر يناير/كانون الثاني الماضي فرصة الحصول على عقد إعادة إعمار مطار مدينة الموصل، الذي ذهب لمجموعة شركات ADP الفرنسية، حيث كانت ترى في هذا العقد، مقدمة للدخول في منافسة قوية للفوز بعقود أخرى، في عملية إعادة إعمار المدن المحررة من سيطرة داعش.
إن تحول ملف وجود حزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق، من يد الحكومة العراقية إلى يد استخبارات الحرس الثوري الإيراني، هو ما جعل من ملف وجود الحزب على الأراضي العراقية، أحد الملفات المعقدة في العلاقات العراقية التركية، خصوصًا في ظل رفض حلفاء إيران في العراق، لجهود حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في إغلاق معسكرات الحزب في أطراف مدينتي الموصل وكركوك المهمتين لتركيا.
كما أن الديناميات المتغيرة في الساحة السورية، وتحديدًا في المناطق الشمالية، التي تسعى من خلالها تركيا للوصول إلى ما بعد حلب، مقابل سعي إيراني للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، بمثابة تقاطع إستراتيجي بينهما، قد يجد صداه في سنجار، وهو واقع جغرافي تجد تركيا من الضروري تجاوزه بأسرع وقت ممكن.
الصدام الأمني والتعقيد الجيوسياسي
في إطار زيادة الضغوط على الحكومة العراقية، من أجل عدم السماح لتركيا بالمضي بعملياتها العسكرية المرتقبة في سنجار، عبرت العديد من الكتل السياسية العراقية القريبة من إيران، وتحديدًا تحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، رفضهم للعملية العسكرية المرتقبة، محملين الحكومة العراقية مسؤولية ذلك.
كما أصدرت عصائب أهل الحق وكتائب حركة النجباء بيانات حذرت تركيا من المضي بعمليتها العسكرية، كما زار رئيس أركان الحشد الشعبي أبو فدك المحمدواي سنجار وسهل نينوى وأطراف كركوك، ودفع بثلاثة أفواج قتالية من الحشد الشعبي نحو أطراف سنجار في رسالة واضحة لتركيا.
تمثل سنجار العمق الجيوسياسي الأقرب إلى بيروت ودمشق و”إسرائيل”، ومن يسيطر عليها يؤمن الطريق البري بين طهران ودمشق
هذه المساعي الإيرانية الحثيثة، تأتي في إطار خشية حقيقية على المنافع الأمنية والاقتصادية التي وفرها حزب العمال الكردستاني التركي لإيران خلال الفترة الماضية، فعلى الصعيد الأمني وفر الحزب لإيران حركة أمنية سهلة على طول الحدود العراقية السورية، كما أنه أصبح أداة تأثير مهمة بيد إيران ضد إقليم كردستان العراق، وتحديدًا الحزب الديمقراطي الكردستاني المقرب من تركيا، حيث مثلت الهجمات الصاروخية الأخيرة التي طالت مدينة أربيل، صورة واضحة لمدى التأثير الإيراني اليوم في شمال العراق.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد مثل قيام حزب العمال الكردستاني التركي بعمليات التهريب وتجارة المخدرات وغسيل الأموال، عبر مناطق سنجار والإدارة الذاتية الكردية شمال سوريا، نحو تركيا وأوروبا، مدخلًا لحصول إيران على ملايين الدولارات، وهي مزايا تخشى إيران فقدانها، فيما تسعى تركيا للتخلص من الممر التهديدي الذي أوجدته إيران في سنجار، وسحب ورقة مهمة من يدها، والحديث هنا عن حزب العمال الكردستاني التركي.
تمثل سنجار العمق الجيوسياسي الأقرب إلى بيروت ودمشق و”إسرائيل”، ومن يسيطر عليها يؤمن الطريق البري بين طهران ودمشق من جهة، وخطوط الإمداد اللوجستية بين جنوب شرق تركيا وشمال سوريا من جهة أخرى، وجميع الأطراف المتصارعة الإقليمية والدولية في العراق، بما في ذلك إيران وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، تسعى لفرض سيطرتها عليها، في تصريحات لقائد كبير لفصيل مسلح مدعوم من إيران لموقع Middle East Eye البريطاني قال: “سنجار موقع إستراتيجي لا يمكن التنازل عنه، لن نسمح للأكراد أو الأتراك بالسيطرة على المنطقة، وإذا حاولوا اقتحامها، فسنعلمهم الدرس”.