تدر تجارة الحشيش أموالًا طائلة للمغرب، وتوفر عشرات الآلاف من مواطن الشغل في شمال البلاد، إلا أن أغلب عائداتها لا تدخل ميزانية البلاد والعمال فيها ملاحقون قضائيًا، لذلك تتجه المملكة إلى تقنين زراعة نبتة القنب الهندي التي يستخرج منها “الحشيش”.
المضي في التقنين
بدأت الحكومة المغربية، في دراسة مشروع قانون قدمه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، لتقنين زراعة نبتة القنب الهندي التي يستخرج منها مخدر الحشيش، لاستعمالات طبية وصناعية، وفق بيان للحكومة عقب اجتماعها الأسبوعي الخميس المنصرم، على أن تستكمل دراسته والمصادقة عليه خلال المجلس الحكومي المقبل.
جاءت هذه الخطوة بعدما حذفت الوكالة المعنية بالمخدرات التابعة للأمم المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نبتة القنب (الماريغوانا) من قائمتها للمواد المخدرة التي تخضع لمراقبة مشددة، فطبقًا للاتفاقية الموحدة بشأن تعريف المخدرات في العالم لعام 1961، فإن نبتة القنب كانت على قدم المساواة مع المواد المخدرة الأخرى مثل الهيروين والكوكايين.
تستوعب زراعة الكيف عددًا كبيرًا من العمال الزراعيين خلال مواسم الحرث والحصاد وتصنيع هذه النبتة
يركز مشروع القانون على إخضاع كل الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام ترخيص، وينص المشروع كذلك على خلق وكالة وطنية يعهد إليها “التنسيق بين كل القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والشركاء الوطنيين والدوليين من أجل تنمية سلسلة فلاحية وصناعية تعني بالقنب الهندي مع الحرص على تقوية آليات المراقبة”.
ويفتح مشروع القانون، المجال للمزارعين للانخراط في التعاونيات الفلاحية، مع إجبارية استلام المحاصيل من طرف شركات التصنيع والتصدير، ويفرض عقوبات لردع المخالفين لتوجهات الدولة، كما ينص على عدم إمكانية ممارسة أحد الأنشطة المرتبطة بالقنب الهندي إلا بعد الحصول على رخصة تسلمها الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بـ”الكيف”.
الاستعمال الطبي والصناعي
يهدف مشروع القانون، وفق الحكومة المغربية، إلى فتح آفاق جديدة أمام الشركات الطبية والصناعية لاستغلال هذه النبتة، فمشروع القانون سيمهد الطريق الآن للشركات التي كانت مترددة في التعامل مع هذه القضية حتى الآن.
ورغم أنه لم تشارك أي شركة أدوية بعد مباشرة في شركة للقنب، لكن المغرب يأمل في تغيير الأمر مستقبلًا حال تقنين زراعة هذه النبتة، ما سيجلب اهتمام شركات الأدوية الكبرى، فالدراسات والأبحاث الخاصة بالاستخدامات الطبية للقنب معقدة ومكلفة للغاية.
تقول الحكومة إن المزايا العلاجية للقنب الهندي تنكشف أكثر فأكثر من طرف الهيئات العلمية المختصة، فهو يعتبر فعالًا بشكل خاص في علاج الأمراض التالية: الأمراض العصية “التوليدية” مثل الباركنسون والزهايمر والأمراض الناجمة عن الالتهابات المرتبطة بالمناعة الذاتية وداء التهاب الأمعاء (الكرون)، كما يعتبر فعالًا في علاج بعض الأمراض السرطانية والصرع وعدد من أمراض الجهاز العصبي المركزي.
تأمل الحكومة المغربية أن تتطور الأبحاث والدراسات التي تجريها الشركات الكبرى في هذا الشأن، حتى تتمكن من طرح أدوية جديدة جاهزة للاستخدام من نبات القنب الهندي، وهو ما يمكن أن يشجع الصناعة أيضًا، ما سينعكس إيجابًا على البلاد.
إلى جانب ذلك، يمكن استعماله في مستحضرات التجميل، وأيضًا في البناء من خلال ما يعرف بخرسانة القنب الهندي والطلاء الذي يستعمل فيه القنب الهندي إلى جانب الجير لتحقيق العزل الصوتي والحراري، كما يستخدم في صناعات النسيج وصناعة الورق وصناعات السيارات التي توظفه في صنع لوحات القيادة وتقوية الأبواب وأجزاء أخرى من السيارات.
تنمية الشمال
إضافة إلى ذلك، يهدف مشروع القانون، وفق الحكومة المغربية، إلى تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من مهربي المخدرات الذي يسيطرون حاليًّا على تجارة القنب الهندي ويتمكنون من الوصول لسوقه الدولية القانونية المزدهرة.
تعتقد الحكومة، أن التقنين سيفتح آفاقًا جديدة لهؤلاء المزارعين، كما سيسهم في تحقيق التنمية في مناطق الشمال (تحديدًا في ما يعرف بالمناطق التاريخية الموجودة في إقليمي شفشاون والحسيمة) التي تعتمد بشكل كبير على زراعة القنب، فمشروع القانون سيتيح لهم مواطن شغل قانونية.
ويتخصص سكان مناطق كثيرة في شمال المغرب ككتامة منذ القدم في زراعة نبتة القنب الهندي التي انتقلت من زراعة تكميلية إلى نظام الزراعة الأحادية، ومن شدة ارتباط الكيف بكتامة تخلت عن اسمها وأصبحت تنعت لدى الكثيرين “ببلاد الكيف”.
المغرب هو المصدر الرئيسي لصمغ القنب المستخدم غالبًا للتدخين في شمال إفريقيا بنسبة 80% من الكمية المحجوزة
تستوعب زراعة الكيف عددًا كبيرًا من العمال الزراعيين خلال مواسم الحرث والحصاد وتصنيع هذه النبتة، كما تشكل مدن الشمال سوقًا استهلاكيةً واسعةً، يلجأ إليها التجار من مناطق مختلفة لتصريف منتجاتهم وسلعهم المختلفة، ما يجعل من مجال زراعة الكيف قطبًا ذي إشعاع اقتصادي واجتماعي مهم.
يرجع أهالي الشمال، اشتغالهم في زراعة وتجارة الحشيش، إلى التهميش المفروض عليهم من السلطات المغربية، إلى جانب أن طبيعة التربة وثقافة المنطقة لا تسمح له بالعمل في أي مجال آخر غير زراعة القنب الهندي.
وتعود زراعة الحشيش في مدن الريف المغربي إلى القرن الـ18 الميلادي، غير أنها بقيت زراعات مشتتة وغير منظمة لقرون طويلة، وكان استخدام القنب الهندي محليًا في الحدائق والبساتين، مع مرور الوقت تطورت واتسعت مساحة هذه المناطق المزروعة، وأصبحت منطقة الريف في أقصى الشمال أكثر المناطق إنتاجًا.
إيقاف الملاحقات
من شأن تقنين زراعة هذه المادة المخدرة إنهاء الملاحقات الأمنية التي حولت حياة آلاف المزارعين إلى جحيم، بل منهم من يجدون أنفسهم وراء أسوار السجن، في حين ينعم التجار الكبار باستمرار المنع لتحقيق المزيد من الأرباح وبناء شبكات دولية تحقق مبالغ طائلة.
وسجل المغرب ارتفاع عدد المطلوبين للعدالة في شمال البلاد، وتفيد تقديرات غير رسمية أن أكثر من ثلثي السكان المحليين في بلدة كتامة مثلًا، صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من السلطات الأمنية المحلية بتهمة زراعة المخدرات والاتجار غير المشروع بها، في إشارة إلى القنب الهندي.
يحتفظ غالبية أهالي الشمال بعشرات المحاضر الأمنية، فلا يكاد يخلو أي بيت في المنطقة من متهمين بزراعة القنب الهندي، حتى إن بعض البيوت تجد فيها الأب والابن لهم محاضر والتهمة نفسها، وفي مرات أخرى تجد حتى الأم والبنت متهمتين وهاربتين من العدالة أيضًا، فالجميع في حالة سراح مؤقت.
استفاد المغرب
إلى جانب كل هذا سيستفيد المغرب اقتصاديًا، ففي الوقت الحاليّ عائدات هذه التجارة تذهب إلى مافيات القنب الهندي، وتشير تقارير عديدة إلى احتلال المغرب المرتبة الثالثة إفريقيا في سوق القنب الهندي، بمجموع دخل يقدر بـ3.5 مليار دولار، بعد كل من نيجيريا (15.3 مليار) وإثيوبيا (15.3 مليار)، بينما حلت مصر ثالثة في الاستهلاك بـ5.9 مليون مستهلك بعد نيجيريا (20.8 مليون) وإثيوبيا (7.1 مليون).
وتأمل المملكة المغربية في أن تتحول عائدات هذه التجارة إلى خزينة الدولة ويعد المغرب من أكبر مصدرين للقنب في العالم في السنوات الأخيرة، فهذا الأخير هو المصدر الرئيسي لصمغ القنب المستخدم غالبًا للتدخين في شمال إفريقيا بنسبة 80% من الكمية المحجوزة، وكذلك لمنطقة أوروبا الغربية والوسطى بنسبة 41%.
تم إلغاء القوانين التي ترخص زراعة الحشيش أو الكيف كما يطلق عليه في المغرب، مباشرة عقب استقلال البلاد من الاحتلال الفرنسي
إذا كان الكيف قديمًا، منتجًا مغربيًا خالصًا في طريقة الإعداد والاستهلاك، فإن الحشيش بمفهومه الجديد كان فكرة الأجانب بامتياز، فهؤلاء من أدخلوا طريقة إنتاج مادة الحشيش من عشبة القنب الهندي وطريقة إعدادها إلى المغرب.
مراحل تطور زراعة القنب الهندي
تقنين زراعة القنب الهندي ليس جديدًا على المغرب، ففي 4 من مايو/نيسان 1915 صدر أول نص تشريعي في المملكة يهتم بهذه الزراعة وتمحور حول تنظيم عملية احتكار جلب الدخان والكيف وشمل منطقة الحماية الفرنسية، ووضع هذا “الظهير” الكيف والدخان في كفة واحدة، إذ خول شركة حصر الدخان احتكار عمليات بيعهما واستيرادهما وتصنيعهما.
في 6 من فبراير/شباط 1917، صدر ظهير ثاني بالجريدة الرسمية للمنطقة الخليفية تحت رقم 5 بتاريخ 10 من مارس/آذار 1917، وينظم هذا الظهير الجديد زراعة الكيف بمنطقة الاحتلال الإسباني، بعد أن كان الأول ينظم هذه الزراعة في منطقة الاحتلال الفرنسي.
في 11 من مارس/ آذار 1919، جاء الظهير الذي يضبط زراعة الكيف المعروف بـ”ظهير ضبط الكيف”، وبموجبه تم السماح للفلاحين بزراعة الكيف، شريطة تقديمهم بطلب إلى إدارة “سكا تبغ” للحصول على الرخصة من أجل مزاولة زراعتهم بحرية مطلقة، وقد تخصص مركزان في هذا النوع من الزراعة: مركز بمنطقة مراكش في الجنوب “الحوز” ومركز في منطقة الحسيمة “كتامة”.
بموجب ظهير صادر بتاريخ 25 من يوليو/تموز1929، أخضعت السلطات ثمن بيع الكيف إلى ضريبة، وحدد الظهير نسبة الضريبة بـ15% من ثمن بيع الكيف والتبغ على الشركة الدولية ذات المصلحة المشتركة للتبغ بالمغرب داخل منطقة الاحتلال الفرنسي التي بدورها حملت تكاليف هذه الضريبة للفلاحين والمستهلك، وتكملة للظهير السابق صدر ظهير 12 من نوفمبر/تشرين الثاني 1932 بجعل نظام لأنواع التبغ والكيف بالمغرب.
يعتبر الظهير الصادر في 22 من أغسطس/آب 1935 بالجريدة الإسبانية للمنطقة الخليفة، الظهير الوحيد الذي يحصر النطاق الترابي لمجالات زراعة الكيف ويحددها في ثلاث مناطق هي: كتامة وبني سدات وبني خالد، والحامل لتوقيع الخليفة السلطاني بالمنطقة الشمالية الحسن بن المهدي بن إسماعيل.
هذه القوانين التي ترخص زراعة الحشيش أو الكيف كما يطلق عليه في المغرب، أُلغيت مباشرة عقب استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي، حيث قام الملك محمد الخامس بحظر القنب الهندي على الصعيد الوطني، وأصدرت السلطات قانونًا يمنع زراعة الحشيش وترويجه لتبدأ معه حكاية الكر والفر بين السلطات والأهالي.