ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف تحقيق من أربعة أجزاء أجراه موقع “ديكلاسيفايد يو كاي” للصحافة الاستقصائية، نُشر هذا الأسبوع، عن مدى الدعم الذي قدمته العائلة المالكة في بريطانيا للأنظمة الملكية القمعية في الشرق الأوسط خلال العقد الذي أعقب الانتفاضات المطالبة بالديمقراطية في المنطقة.
بعد عشر سنوات من احتجاجات “الربيع العربي” التي هددت الحكام المستبدين من المغرب إلى عمان، بقيت كل الممالك الحاكمة الثمانية في المنطقة في السلطة، بعد أن أمضت عقدا من الزمن في قمع المعارضة والتنكر إلى حد كبير لوعود الإصلاح.
دأب ملوك الشرق الأوسط على حظر الأحزاب السياسية وقمع المعارضة بشدة وإغلاق الصحف المستقلة. ولكن أثناء قتل أو تعذيب أو احتجاز الأشخاص الذين يدعون إلى الإصلاح أو فضح الفساد، كانت العائلة المالكة في المملكة المتحدة على استعداد للقاء ممالك المنطقة في 217 مناسبة منذ سنة 2011.
من المرجح أن العدد الإجمالي لهذه الزيارات أعلى لأن نشرة المحكمة، أي المذكرات الرسمية للعائلة المالكة، ليست شاملة. كما تظهر السجلات المتاحة أن الاجتماعات بين آل وندسور والنظام الملكي الوحشي في البحرين كانت الأكثر تكرارًا، بإجمالي حوالي 44 لقاء.
أجرى أمراء الخليج المسؤولون عن وحدات الأمن الداخلي سيئة السمعة، مثل الحرس الوطني السعودي، اجتماعات متكررة مع أفراد العائلة المالكة البريطانية، وتزامنت الزيارات أحيانا مع حدوث أسوأ انتهاكات لحقوق الإنسان في تلك الدول أو مع دعمها للقوات الإسلامية المتشددة في حربي ليبيا وسوريا.
التقى الأمير أندرو ولي عهد أبو ظبي في قصر البطين الفخم في نفس اليوم الذي قضت فيه محكمة بسجن خمسة نشطاء إماراتيين بتهم تشمل إهانة قيادة الدولة. ومن بين المدانين أستاذ اقتصاد من جامعة السوربون في باريس. كما التقى نجل ملك البحرين، ناصر بن حمد آل خليفة، المتهم بالتورط في تعذيب النشطاء خلال الربيع العربي، بأفراد من العائلة المالكة في المملكة المتحدة سبع مرات منذ سنة 2011، بما في ذلك في قلعة وندسور.
حدد موقع “ديكلاسيفايد” ست مناسبات على الأقل عوقب فيها نشطاء مؤيدون للديمقراطية أو أقاربهم انتقامًا لانتقادهم علنا دعم آل وندسور لأنظمة الخليج. في عمان، تعرض رجل للتعذيب لانتقاده قرار السلطان بنقل 110 أحصنة إلى وندسور لحضور مسابقة اليوبيل الماسي للملكة في سنة 2012. وفي السنة التالية، عندما حاول الرجل التظاهر ضد زيارة الأمير تشارلز، اختطفته قوات الأمن العمانية.
في البحرين، وقع احتجاز امرأة وطفلها واستجوابهما بعد أن احتج زوجها المنفي على زيارة الملك حمد إلى لندن في سنة 2016. وقد سُحبت جنسية هذا الرجل بسبب احتجاجه على حضور الملك في معرض رويال وندسور للخيول في سنة 2013.
أداة السياسة الخارجية
شارك الأمير تشارلز في نصف اجتماعات وندسور تقريبا مع أمراء من العائلات المالكة العربية، تلاه الأمير أندرو بإجمالي 70 لقاءً – ولا يشمل ذلك العدد الكبير من الاجتماعات التي عقدها مع رجال أعمال من القطاع الخاص من ديكتاتوريات الخليج.
أربعة من لقاءات الأمير أندرو كانت مع الشيخ عبد الله، الابن الثاني لملك البحرين، الذي دفع ملايين الدولارات لنجم البوب مايكل جاكسون للعيش في البحرين بعد تبرئة المغني من تهم التحرش بالأطفال. وعلى الرغم من أن النظام الملكي في المملكة المتحدة لا يتدخل في السياسة، إلا أن زياراته الخارجية يقع التخطيط لها من قبل لجنة الزيارات الملكية في مكتب مجلس الوزراء ويرأسها وزير الخارجية.
لدى اللجنة مدخلات من المسؤولين التجاريين وكبار موظفي القصر ومساعدي رئيس الوزراء، بما في ذلك مستشاره للأمن القومي. تهدف هذه الرحلات إلى تعزيز المصالح البريطانية في الشرق الأوسط – إلى حد كبير مبيعات الأسلحة أو صفقات الطاقة بمليارات الجنيهات لشركات مثل بي إيه إي سيستمز.
منذ سنة 1974، مع زيادة اعتماد بريطانيا على نفط الخليج، قالت وزارة الخارجية: “من الواضح أن هناك ميزة في تشجيع المزيد من الاتصالات بين أفراد العائلة المالكة والعائلة المالكة السعودية، الذين يشغلون معظم مناصب السلطة في البلد”.
يسافر الدبلوماسيون المخضرمون، وكذلك ضباط الجيش والمخابرات – العديد منهم يكونون في إجازة مؤقتة من وايت هول أو القوات المسلحة – بشكل روتيني مع أفراد العائلة المالكة البريطانية في رحلات إلى الشرق الأوسط كجزء من حاشيتهم. ومن بين هؤلاء المساعدين: سيمون مارتن، الذي أصبح فيما بعد سفيرا في البحرين؛ كلايف ألدرتون، المبعوث فيما بعد إلى المغرب؛ سكرتير مجلس الوزراء الحالي سيمون تشيس، مدير استراتيجية سابق في مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية؛ وجيمي بودين، موظف في مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية ومحارب قديم في الجيش عمل سفيرا للمملكة المتحدة في عمان والبحرين خلال الربيع العربي.
من خلال هذه الزيارات، يساعد أفراد العائلة المالكة في المملكة المتحدة في تعزيز السياسة البريطانية المثيرة للجدل في المنطقة، وغالبا ما يبدو أنهم يستمتعون بفرصة إظهار دعمهم للحكام المستبدين – كما يتضح من مشاركة الأمير تشارلز في رقصة السيف في المملكة العربية السعودية في لحظة حاسمة في مفاوضات صفقة أسلحة.
غالبا ما تُعقد الاجتماعات في المملكة المتحدة مع أفراد من العائلة المالكة العربية تتبعها رحلات إلى داونينغ ستريت، أو تتداخل مع الجلسات التي يحضر فيها وزراء الحكومة في القصور الملكية. في سنة 2012، أثناء تعذيب متظاهر عماني، أقامت الملكة مأدبة غداء حميمية في قصر باكنغهام لسلطان عمان، ومستشاره البريطاني السير إريك بينيت ووزير الخارجية ويليام هيغ.
يصح القول إن آل وندسور يتمتعون بدور فاعل في السياسة الخارجية البريطانية، إذ يستطيعون الاستفادة من صداقاتهم الشخصية مع ملوك الشرق الأوسط في سبيل تعزيز العلاقات البريطانية، من خلال الاستناد للاهتمامات المشتركة مثل ركوب الخيل والمجوهرات الفخمة.
خلال فترة حكمها، تلقّت الملكة ما قيمته ملايين الجنيهات من المجوهرات من ملوك الشرق الأوسط، بما في ذلك بيضة فابرجي الذهبية من عُمان، ولآلئ من قطر، وألماس من آل سعود. ويعد ملك البحرين ضيفا معتادا في معرض الخيول الملكي “وندسور”، حيث تم التقاط صور له وهو يضحك مع الملكة إليزابيث والأمير أندرو، ويقال إنه اختار ذات مرة حضور الحدث بدلاً من مقابلة الرئيس أوباما. كما قامت الملكة إليزابيث وحاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم البالغ من العمر 71 عاما، بتبادل خيول السباق كهدايا لبعضهما البعض، ولطالما ظهرا سويةً في السباقات.
في حزيران/ يونيو 2019، قدّمت الملكة كأسًا لفريق السباق التابع للشيخ محمد في حلبة “رويال أسكوت”، على الرغم من الشائعات طويلة الأمد التي تفيد بأنه اختطف اثنتين من بناته البالغات عندما حاولتا مغادرة الإمارات العربية المتحدة.
بعد مرور أسبوع على تسليم جائزة سباق “أسكوت”، انتشرت أنباء تفيد بأن زوجة الشيخ محمد، الأميرة الأردنية هيا البالغة من العمر 46 سنة، كانت تسعى للحصول على الطلاق وطلبت اللجوء في ألمانيا. لاحقا، فازت هيا بقضية المحكمة العليا في لندن ضد زوجها، الذي تبين أنه قد خطف بناته، مما دفع القصر للتصريح بأن الملكة ستتجنب الظهور معه بالصور في الأماكن العامة.
في الأسبوع الماضي، عُثر على أدلة مصوّرة جديدة تشير إلى أن إحدى بنات الشيخ محمد، الأميرة لطيفة، محتجزة ضد إرادتها في فيلا محصّنة في دبي. وتزعم سفارة الإمارات العربية المتحدة في لندن أنها “تتلقى الرعاية في المنزل”. التقى آل وندسور بأفراد العائلة المالكة الإماراتية 28 مرة على الأقل منذ أحداث الربيع العربي، بما في ذلك استضافته لزيارة دولية.
التكاليف والسرية
تُدفع تكاليف الرحلات الخارجية الرسمية من أموال دافعي الضرائب البريطانيين، الذين أنفقوا 1.4 مليون جنيه إسترليني على جولات العائلة المالكة في ممالك الشرق الأوسط منذ سنة 2011، وذلك حسب تحليل مالي للقصر أجراه موقع “ديكلاسيفايد”. ومن المرجح أن يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، لأن سجلات القصر غير مكتملة ولا تشمل الرحلات ذات التكاليف التي تقل عن عشرة آلاف جنيه إسترليني.
في إحدى الرحلات، أنفق الأمير تشارلز ما يعادل 210 آلاف جنيه إسترليني في رحلة لليلة واحدة إلى عُمان، لنعي وفاة السلطان قابوس؛ الحاكم المستبد الذي حكم البلاد لنصف قرن. ذكر متحدث باسم الأمير تشارلز لموقع “ديكلاسيفايد” أنه “يتم اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بالسفر من خلال الأخذ بعين الاعتبار الوقت المتاح والتكاليف وأمن الطرف المسافر”.
في كثير من الأحيان، تُعقد اجتماعات المملكة المتحدة الأخرى في القصور الملكية التي يتم تمويلها باستخدام الأموال العامة. في العام الماضي، تلقت العائلة “منحة سيادية” تبلغ قيمتها 82.4 مليون جنيه إسترليني من دافعي الضرائب. أغلب تلك الاجتماعات سرية، لأن العائلة المالكة غير مطالبة بالكشف عن وثائقها، بموجب قانون حرية المعلومات لسنة 2000. كما يُحجب الأرشيف الرسمي للعائلة المالكة عن جميع الباحثين تقريبًا، لكن من المعروف أنه يحتوي على مواد حساسة مثل مقطع فيديو للملكة وهي تستخدم التحية النازية.
تحتفظ الإدارات الحكومية المركزية مثل وزارة الخارجية البريطانية بسجلات للاجتماعات الملكية، إلا أنه لا يتعين عليها الكشف عن أي شيء يتعلق بالملكة أو الأمير تشارلز أو الأمير وليام، لعامة الناس. في المقابل، تخضع السجلات الدبلوماسية المتعلقة بأفراد العائلة المالكة الأقل مرتبة، مثل الأمراء أندرو وهاري، لفحص في المصلحة العامة لحسم ما إن سيتم الكشف عنها علنًا أم لا.
لدى الأرشيف الوطني، الذي يضم سجلات لوزارة الخارجية تعود لأكثر من 20 سنة، مجلس رقابة خاص به، ومن بين العاملين فيه في السنوات الأخيرة الدكتورة إليزابيث لوماس، التي كانت مستشارة للأمير تشارلز ورئيسةً سابقة لإدارة سجلات العائلة المالكة. تم حجب ملف عمره 40 سنة متعلق بلجنة الزيارات الملكية – وهي الهيئة التي تخطط للرحلات الخارجية – من الأرشيف الوطني.
أصدرت “ويكيليكس” بعض برقيات السفارة الأمريكية التي أرسلت في السنوات التي سبقت الربيع العربي في 2011، والتي أكدت أهمية الزيارات الملكية كأداة للسياسة الخارجية للمملكة المتحدة. وأشار تقرير أمريكي إلى أن إحدى زيارات الأمير تشارلز وزوجته كاميلا إلى الرياض في سنة 2006 قد “لعبت دورًا في إعادة بناء العلاقات السعودية البريطانية” في أعقاب التوترات الناجمة عن تحقيقات في قضية فساد في صفقات للأسلحة.
أفاد دبلوماسي بريطاني بأنه خلال الزيارة، “تحدث الأفراد من العائلتين الملكيتين بإسهاب عن أفراد عائلاتهم وتقاليدهم التي تسمح لآل سعود وآل وندسور بالتقرب بناءً على قواسمهم الملكية المشتركة”.
قال مسؤول في القنصلية الأمريكية في جدة إن زيارة الأمير تشارلز كانت “جزءًا من هذا الجهد. لتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية” بهدف ضمان “تجديد مشروع اليمامة، الذي ترتبط به ثروات شركة “بريتيش أيروسبيس” في المملكة [الخليجية] إلى حد كبير، الذي كان على المحك”. يمثل مشروع اليمامة صفقة للأسلحة تعادل مليارات الجنيهات لتزويد النظام السعودي بطائرات حربية.
صرّح متحدث باسم قصر باكنغهام لـ “ديكلاسيفايد”: “تتم عمليات التواصل الرسمية مع رؤساء دول آخرين بناءً على نصيحة الحكومة. نحن لا نعقب على علاقات الملكة الخاصة”. أوضح متحدث باسم وزارة الخارجية أن “الزيارات الملكية الرسمية يقوم بها أفراد من العائلة المالكة بناءً على طلب من الحكومة، لدعم المصالح البريطانية في جميع أنحاء العالم. تقدم لجنة الزيارات الملكية توصيات بشأن وجهة الزيارة، ثم يتم الموافقة على هذه التوصيات من قبل الحكومة وصاحبة الجلالة”.
وأضاف: “يتم تولي أي زيارات خاصة، أو زيارات عمل نيابة عن منظمات أخرى، من قبل الأسرة المالكة أو المنظمة ذات الصلة. تغطي المنحة السيادية تكاليف السفر للزيارات الرسمية التي تتم بناءً على طلب من حكومة جلالة الملكة – والتي يتم نشر تفاصيلها من قبل القصر”.
المصدر: دايلي مافريك