ترجمة وتحرير: نون بوست
التقت الملكة إليزابيث بزعماء الشرق الأوسط عشرات المرات منذ أن هددت انتفاضات “الربيع العربي” بإسقاط أنظمتهم قبل 10 سنوات، وذلك وفقا لبحث استقصائي أجراه موقع “ديكلاسيفايد يو كاي”.
دفعها حبها للخيول إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع قادة بعض أكثر الأنظمة استبدادية في الخليج على امتداد العقد الماضي، وذلك على الرغم من الإدانات المتكررة التي طالتهم بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. تخضع الصداقة التي تربط الملكة حاليا مع حاكم دبي للمساءلة، خاصة بعد أن نُشرت أدلة جديدة الأسبوع الماضي تشير إلى أن إحدى بناته الراشدات محتجزة بشكل تعسفي.
تزعم الأميرة لطيفة أن والدها، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم البالغ من العمر 71 عامًا – المعروف بكونه من عشاق سباقات الخيل – يحتجزها “كرهينة” في فيلا تحت حراسة مشددة في دبي. من جهته، يقول وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إن مقاطع الفيديو التي سجلتها الأميرة لطيفة “مقلقة للغاية”. ولكن الإمارات قالت إن الأميرة “تتلقى الرعاية في المنزل”.
إن الوضع محرج للغاية بالنسبة للملكة التي تربطها علاقة طويلة بالشيخ محمد، على الرغم من ظهور مزاعم تعود إلى سنة 2001 تفيد بأنه دبّر عملية اختطاف ابنته الأخرى، الأميرة شمسة، في مدينة كامبريدج شرق إنجلترا. يُزعم أن شمسة قد اُقتيدت إلى أحد عقارات العائلة في مدينة نيوماركت الإنجليزية التي تحتضن سباقات الخيل، حيث حُقنت بمخدر وأُعيدت قسرًا على متن طائرة خاصة إلى دبي. وغابت عن الأنظار منذ تلك اللحظة ولم تُشاهد في الأماكن العامة مرة أخرى.
مع ذلك، حافظ الشيخ محمد على علاقات جيدة مع الملكة إليزابيث، وقام الطرفان بتبادل الهدايا التي تمثلت في خيول سباق خلال سنة 2010. كما التقت به خلال رحلة رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث كان يشغل منصب نائب الرئيس، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، قبل أشهر من اندلاع انتفاضات الربيع العربي.
استخدمت الإمارات صلاحيات الرقابة واسعة النطاق لقمع أي ناشط مؤيد للديمقراطية، وحكمت على خمسة نشطاء بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات بتهم تشمل إهانة قيادة الدولة. وكان المدون البارز أحمد منصور والدكتور ناصر بن غيث، أستاذ الاقتصاد بجامعة السوربون في باريس، من بين المدانين.
لم تمنع هذه الممارسات القمعية الملكة من مقابلة الشيخ محمد، الذي شُوهد معها في 10 مناسبات على الأقل منذ الربيع العربي، بما في ذلك خلال منحه للكأس الذهبية (وهي جائزة سباق خيول مرموقة) في سباق رويال أسكوت في شهر حزيران/ يونيو 2012.
في السنة الموالية، استضافت الملكة الزيارة الرسمية التي قام بها زميل الشيخ محمد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم أبو ظبي، الشيخ خليفة. وأقامت على شرفه مأدبة غداء فخمة وبقي في ضيافتها في قلعة وندسور.
جاءت الزيارة الرسمية للإمارات في الوقت الذي كانت تحاول فيه وايت هول تأمين مبيعات أسلحة لشركات بريطانية بقيمة المليارات، في خضم تنامي القمع في الإمارات حيث كانت تجري محاكمة جماعية لـ 94 ناشطا. اتُهم الناشطون بأن لهم روابط بحركة الإصلاح، المنبثقة عن حزب الإخوان المسلمين الحاكم في مصر آنذاك، الذي كان يدعو إلى الإصلاح السياسي في الإمارات العربية المتحدة. وأدين 69 ناشطا في وقت لاحق بتهمة محاولة الإطاحة بالنظام الحاكم، وحُكم عليهم بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات.
شابت محاكمتهم بعض المخالفات، بما في ذلك سجن الناشط عبد الله الحديدي بسبب نشر تدوينة من قاعة المحكمة على تويتر، وهي خطوة وصفتها منظمة “مراسلون بلا حدود” بأنها “اعتداء” على حرية الإعلام. في الوقت الذي كانت تعقد فيه المحاكمة، شوهدت الملكة وهي تحتفل بنتيجة سباق الخيل مع الشيخ محمد في أسكوت. وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، ظلت تقابله بانتظام هو وزوجته، الأميرة هيا البالغة من العمر 46 عاما – أخت ملك الأردن وبطلة أولمبية سابقة في الفروسية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، التقت الأميرة هيا بالملكة إليزابيث في نيوماركت، المدينة الإنجليزية التي تقع فيها إمبراطورية الشيخ محمد لسباق الخيل المعروفة باسم “غودلفين”. وهناك كشفت الستار عن تمثال برونزي لنفسها الذي قيل إنه كلّف حوالي 650 ألف جنيه إسترليني، دفع حاكم دبي قسطًا كبيرًا من ثمنه.
في تلك الفترة، كانت الإمارات متورطة في حرب كارثية في اليمن، حيث يُزعم أن القوات الإماراتية تدير شبكة من غرف التعذيب والمواقع السوداء، في صراع مرير أدى إلى حد الآن إلى مقتل ربع مليون شخص وتفشي المجاعة والوباء.
تلقى النظام ضربة أخرى في آذار/ مارس 2018 عندما اتضح أن الأميرة لطيفة، التي كانت آنذاك تبلغ من العمر 33 سنة، حاولت الفرار من دبي على متن يخت خاص. يُزعم أن الكوماندوز الإماراتيين اعترضوا طريقها في المياه الدولية قبالة سواحل الهند، وأُعيدت قسرا إلى الإمارات واحتُجزت بمعزل عن العالم الخارجي. وقد كشف موقع “ديكلاسيفايد” في وقت سابق أن الكوماندوز الإماراتيين تلقوا تدريبات من مشاة البحرية الملكية البريطانية.
لم يثني هذا الادعاء الخطير الثاني حول معاملة الشيخ محمد لبناته الملكة إليزابيث عن الظهور معه في العلن في معرض رويال وندسور للخيول في أيار/ مايو 2018. وجاء لقاؤهما بعد أيام من اعتقال الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز في مطار دبي واحتجازه بتهمة التجسس على النظام التي تهدده بالسجن مدى الحياة.
واصلت الملكة قضاء المزيد من الوقت مع حاكم دبي، لا سيما في مهرجان إبسوم ديربي في حزيران/ يونيو 2018 ومرة أخرى في أسكوت في 22 حزيران/ يونيو 2019 عندما قدمت له الجائزة المرموقة لسباق الخيل.
بعد أسبوع من استلام جائزة أسكوت، انتشرت أنباء عن أن الأميرة هيا، زوجة الشيخ محمد، رفعت دعوى طلاق وطلبت اللجوء إلى ألمانيا. بعد ذلك، فازت هيا بقضيتها في المحكمة العليا في لندن ضد زوجها، الذي تبين أنه خطف شمسة ولطيفة، مما دفع الملكة أخيرًا إلى التصريح بأنها لن تلتقط صورا مع الشيخ محمد في الأماكن العامة.
في الأسبوع الماضي، انتشر دليل جديد مصوّر يكشف عن وضع الأميرة لطيفة المحتجزة من قبل الشرطة في فيلا آمنة في دبي، مما أثار مخاوف جديدة بشأن ارتباط الملكة الطويل بوالدها.
سأل موقع “ديكلاسيفايد” قصر باكنغهام عما إذا كانت الملكة تأسف لعدم النأي بنفسها عن الشيخ محمد، ولماذا استمرت في مقابلته على الرغم من مزاعم سوء المعاملة التي تحوم حوله منذ سنة 2001. ردًا على هذه التساؤلات، قال متحدث باسم قصر باكنغهام: “تتم التعاملات الرسمية مع رؤساء دول العالم بناء على مشورة الحكومة. نحن لا نعلق على العلاقات الخاصة بالملكة”.
قال غراهام سميث مدير “حملة الجمهورية” المناهضة للملكية إن الملكة تهتم بالخيول أكثر من حقوق الإنسان، مضيفًا: “يجب أن تضع تمثيلها لقيم هذا البلد أولا قبل حبها للخيول. إنها ليست ملزمة بقضاء أي وقت مع هؤلاء الأشخاص ولا ينبغي لها أن تفعل ذلك. إن هذه التصرفات تبعث رسالة واحدة ألا وهي أن الدولة البريطانية لا تعارض استمرارهم في السلطة وأنهم سيظلون دائمًا أصدقاء للعاهل البريطاني. وهذه ليست الرسالة التي أعتقد أن معظم البريطانيين سيرغبون في إرسالها إلى أناس هم في نهاية المطاف ديكتاتوريون وطغاة”.
الشخصيات المرموقة
أدى حب الملكة للخيول إلى بناء علاقات وثيقة مع العديد من ملوك الخليج الآخرين المثيرين للجدل، حيث زارت السلطان قابوس في عمان قبل فترة وجيزة من الربيع العربي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010 كجزء من رحلتها إلى الإمارات العربية المتحدة، التي رافقها فيها وزير الخارجية ويليام هيغ، والتي كلّفت شعبها 364 ألف جنيه إسترليني.
في عُمان، قدم قابوس للملكة بيضة فابرجي الذهبية وظهر في عرض لسلاح الفرسان يضم 700 حصان. في المقابل، كرمته هي بسلسلة ملكية فيكتورية، وهي جائزة “تُمنح فقط للشخصيات المرموقة”.
بعد ثلاثة أشهر، وتحديدا في شباط/ فبراير 2011، واجه السلطان قابوس ونظراؤه الإقليميون تهديدات لم يسبق لها مثيل، حيث نظم النشطاء اعتصامات واحتجاجات ضد عقود من الحوكمة غير الرشيدة. خلال تلك الاحتجاجات، قُتل بعض المتظاهرين واعتقل الكثيرون في عمان وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.
لا يبدو أن الحملات القمعية ستثبط دعم النظام الملكي البريطاني لممالك الخليج. بعد حوالي 10 أيام من مقتل المتظاهرين برصاص قوات قابوس الأمنية، توقف الأمير إدوارد – نجل الملكة الأصغر – في عمان للقاء نائب رئيس الوزراء وتحية القوات العسكرية البريطانية المتمركزة في البلاد. في السنة التالية، زار مجموعة من ملوك الخليج لندن للاحتفال باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث، وهو احتفال بمرور ستة عقود على توليها العرش.
كان الملوك المجتمعون، الذين انضم إليهم حكام من أنحاء أخرى من العالم، يحتفلون بتناول لحم الضأن والهليون والفطر البري، الذي قُدّم لهم مجاملةً من دافعي الضرائب البريطانيين. بالإضافة إلى ذلك، شارك الأميران وليام وهاري، إلى جانب أفراد آخرين من عائلة وندسور في هذه المأدبة التي شوهدت فيها الملكة وهي تضحك وتمزح مع ملك البحرين الاستبدادي حمد. وقد انتقدت “حملة الجمهورية” المناهضة للملكية حضور حمد إلى مأدبة اليوبيل الماسي، مصرحة: “بفضل سوء تقدير الملكة، سيقترن يوبيلها إلى الأبد ببعض أكثر الأنظمة استبداديةً في العالم”.
قُتل أكثر من 40 متظاهرًا خلال احتجاجات الربيع العربي في البحرين. وقد حُكم على قادة الحركة المؤيدة للديمقراطية في البلاد بالسجن مدى الحياة. حتى الأطباء لم يكونوا في مأمن. لقد تمت مداهمة مستشفى يعالج المتظاهرين المصابين من قبل الشرطة، كما أرسلت المحاكم العسكرية العشرات من الأطباء إلى السجن. ووجدت لجنة رسمية، عينها الملك حمد، أن المئات من النشطاء البحرينيين تعرضوا للتعذيب.
لم يحضر السلطان قابوس المأدبة في أيار/ مايو 2012، لكنه عوض عن ذلك بإرسال 110 خيل إلى عرض في قلعة وندسور الذي رافق احتفالات اليوبيل الماسي.
عندما احتج الناشط العماني خلفان البدواوي على تكلفة نقل الكثير من الحيوانات الحية إلى بريطانيا جوًا، تم اعتقاله وتعذيبه. في تلك الأثناء، شقّ السلطان طريقه الخاص إلى قصر باكنغهام لتناول غداء أكثر خصوصية مع الملكة بعد احتفالات اليوبيل في يونيو/ حزيران 2012. رافق السلطان قابوس مستشاره البريطاني المخضرم السير إريك بينيت، وانضم إليهما وزير خارجية المملكة المتحدة ويليام هيغ.
رفض قصر باكنغهام التعليق عندما سأله موقع “ديكلاسيفايد” عما إذا كان من الأخلاقي أن تلتقي الملكة مع السلطان قابوس بينما كان أحد رعاياه يتعرض للتعذيب بسبب احتجاجه على صداقته معها.
التبييض الرياضي
بعد احتفالات اليوبيل الماسي في وندسور في سنة 2012، ظهرت الملكة إليزابيث بانتظام في عرض وندسور الملكي للخيول، وكانت أحيانًا تجلس في نفس المقصورة مع ملك البحرين حمد، الذي يُعرف أيضًا بكونه من عشاق سباق الخيل.
غالبًا ما يكون ضمن حاشية الملك حمد في وندسور نجله ناصر، المتهم بالتورط في تعذيب النشطاء خلال الربيع العربي ويقود وحدة عسكرية تقاتل في اليمن. وهو متزوج من ابنة حاكم دبي المثير للجدل ويشارك بانتظام في عرض وندسور للخيول.
إن مشاركة الأسرة الحاكمة البحرينية في هذا الحدث جعلها هدفًا لاحتجاجات المنفيين، بما في ذلك احتجاجات سنة 2013 بقيادة الناجي من التعذيب سيد أحمد الوداعي. يقول الوادعي إن جنسيته البحرينية سُحبت منه انتقامًا لاحتجاجه على عرض الخيل.
نظّم الوداعي مظاهرة أخرى في وندسور في سنة 2017، عندما تم تصوير وزير الخارجية آلان دنكان ورئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون مع الملك حمد. ردًا على هذا الاحتجاج، تم استدعاء شقيقة الوداعي إلى مركز للشرطة في البحرين للاستجواب. كما تم اعتقال أقارب نشطاء آخرين شاركوا في الاحتجاج.
قال جيسون باركنسون، المصور الصحفي البريطاني الذي غطى احتجاجهم، أن ضباط استخبارات بحرينيين يرتدون ملابس مدنية قاموا باتباعه، كما زعم أنهم هددوه على أراضي المملكة المتحدة.
في سنة 2018، تقدمت مؤسسة الوداعي، معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، بشكوى رسمية ضد منظمي عرض الخيل، متهمة إياهم بـ “التبييض الرياضي” لسجل حقوق الإنسان في البحرين.
رفض قصر باكنغهام التعليق عندما سئل من قبل “ديكلاسيفايد” عما إذا كانت صداقة الملكة مع الملك حمد مناسبة. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع “ديكلاسيفايد” إن “الزيارات الملكية الرسمية يقوم بها أفراد من العائلة المالكة بناءً على طلب الحكومة لدعم المصالح البريطانية في جميع أنحاء العالم”.
المصدر: دايلي مافريك