عقد النجل الثاني لملكة بريطانيا نحو سبعين لقاء مع أنظمة ملكية قمعية في الشرق الأوسط، خلال العشرية التي تلت اندلاع انتفاضات الربيع العربي. وجرت أغلب هذه اللقاءات بعد إنهاء دور الأمير أندرو كمبعوث تجاري رسمي في العام 2011 وسط فضيحة إبستين (جيفري إبستين، ملياردير مدان بتهم تتعلق بالمتجارة والاستغلال الجنسي للأطفال، قالت إحدى ضحاياه (فرجينيا غيوفر 17 عامًا) إنه أجبرها على ممارسة الجنس مع الأمير أندرو وهو ما نفاه الأخير)، وتواصل الدعم الدبلوماسي البريطاني لزياراته للخليج حتى 2019.
نقاط سريعة
– الأمير أندرو المعروف أيضا بلقب دوق يورك افتتح قاعدة عسكرية مثيرة للجدل وبرنامج تدريب أمني في البحرين رغم تواصل تعذيب النشطاء المطالبين بالديمقراطية.
– واصل الأمير التعامل مع كبار المسؤولين السعوديين بعد اغتيال جمال خاشقجي على يد دبلوماسيين سعوديين.
– رحلات الأمير أندرو للقاء المستبدين الخليجيين كلفت الخزينة البريطانية مئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية.
– إلى حدود الأسبوع الماضي كان اسم دوق يورك مذكورا كرئيس الجمعية التجارية البريطانية العمانية إلى جانب سلطان عمان الذي يحظر الأحزاب السياسية والإعلام المستقل، إلا أن قصر باكنغهام ينفي رعاية الأمير أندرو لأية مؤسسات.
في بداية كانون الأول/ ديسمبر 2010، بينما كان الشرق الأوسط على وشك أن يشهد سلسلة من الثورات الشعبية، ذهب الأمير أندرو النجل الثاني لملكة بريطانيا في نزهة على الأقدام في منتزه سنترال بارك في نيويورك. وكان بصحبته جيفري إبستين، الملياردير الأمريكي المدان بتهم تتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال، والذي انتحر في السجن في 2019.
وعندما ظهرت في 2011 صورة تجمع الرجلين في تلك النزهة، تورط أندرو في فضيحة أجبرته على التخلي عن دوره المرموق كمبعوث تجاري رسمي لبريطانيا، وذلك في شهر تموز/ يوليو من ذلك العام.
ولكن في فترة طويلة من العشر سنوات التي مرت على تخليه عن تلك الصفة، واصل أندرو تمثيل بريطانيا وعائلته الملكية في منطقة الخليج المثيرة للجدل. وقد شارك أندرو في سبعين لقاء مع أنظمة ملكية من الشرق الأوسط معروفة بقمع شعوبها منذ بداية الربيع العربي في 2011، وهو ما كشفه بحث قام به موقع ديكلاسيفايد البريطاني للصحافة الاستقصائية.
وفي وقت قريب في أيلول/ سبتمبر 2019 التقى أندرو بالسفير السعودي الجديد في لندن، الأمير خالد بن بندر، وجرى اللقاء في قصر بكنغهام بعد عام من إقدام النظام السعودي على استغلال شبكته الدبلوماسية لتقطيع جسد صحفي الواشنطن بوست جمال خاشقجي.
وكان لقاء صحفي سيء السمعة قام به أندرو مع شبكة بي بي سي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بخصوص فضيحة إبستين، هو ما أجبره على “الانسحاب من المسؤوليات العامة في المستقبل المنظور”، واضعا حدا للقاءاته شبه الدبلوماسية مع الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط، ومن ضمنها رحلة كان على وشك القيام بها إلى البحرين.
وبينما ركزت وسائل الإعلام كثيرا على علاقة أندرو بالملياردير الأمريكي إبستين، كانت هنالك تغطية أقل لدوره المحوري الذي حافظ عليه في السياسة الخارجية البريطانية، بعد وقت طويل من إثارة مسؤول بريطاني للقلق الرأي العام في 2011 بشأن السلوك الفظ للأمير أندرو في البحرين، وسمعته في الأوساط الدبلوماسية حيث كانت تطلق عليه كنية “سمو المهرج”.
أندرو والربيع العربي
في آذار/ مارس 2011، وفي خضم الانتفاضات التي شهدتها أغلب الأنظمة الملكية في المنطقة، وتزايد الشكوك بشأن السلوك الشخصي للأمير أندرو، قرر هذا الأخير تأجيل رحلة كانت مبرمجة للمملكة السعودية للترويج لمبيعات الأسلحة في إطار دوره كمبعوث تجاري.
أدت ثورات الربيع العربي والصورة التي جمعته مع إبستين إلى مضاعفة الانتقادات الموجهة للأمير أندرو، مع ظهور معلومات بأنه استقبل صهر الدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي في قصر بكنغهام
وقد توجب على قصر باكنغهام أن يدافع عن أهلية الأمير أندرو لهذه الوظيفة من خلال القول “إن حكام الشرق الأوسط يحبون الإلتقاء بالأمراء. إنه يذهب بصفته إبن الملكة وهذا يفتح له الأبواب. يمكنه طرح المشاكل مع ولي العهد ولاحقا نكتشف أن الصعوبات تم تجاوزها والعقد يمكن إمضائه.”
أدت ثورات الربيع العربي والصورة التي جمعته مع إبستين إلى مضاعفة الانتقادات الموجهة للأمير أندرو، مع ظهور معلومات بأنه استقبل صهر الدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي في قصر بكنغهام قبل وقت قصير من سقوط هذا النظام في شمال أفريقيا.
ولكن أندرو كان عازما على الحفاظ على العلاقات مع الزعماء الدكتاتوريين العرب، ولذلك زار الأمير البحريني سلمان في إقامته في لندن في إحدى أمسيات منتصف نيسان/ أبريل 2011. وحينها كانت قوات الأمن البحرينية المدعومة بقوات دعم من الجوار السعودي قد استخدمت معدات عسكرية مصنوعة في بريطانيا لسحق المظاهرات الشعبية الحاشدة المطالبة بالديمقراطية، وقتلت أكثر من أربعين شخصا.
ورغم أنه تمكن من ملاقاة أندرو في السر، فإن الحملة القمعية في البحرين خلفت الكثير من الانزعاج الدولي ودفعت بالأمير سلمان لرفض دعوة لحضور زواج الأمير وليام في وقت لاحق من ذلك الشهر. وقد اعتبر بيتر تاتشيل الناشط في حقوق الإنسان أن “هذه الدعوة من قصر بكنغهام أظهرت عدم اكتراث صادم بمعاناة الناس الذين تعرضوا للقمع.”
وفي تموز/ يوليو 2011 استسلم أندرو للضغوط وأعلن أنه سيتخلى عن دوره كمبعوث للتجارة. ورغم هذا الإعلان فإن الأمور لم تتغير، حيث سمح له وزراء الحكومة البريطانية بالإشراف عن عدد من الالتزامات الخارجية المحددة سلفا حتى نهاية ذلك العام.
هذه المواعيد تضمنت رحلة إلى المملكة السعودية ولقاءات في قطر والإمارات العربية المتحدة. وتشير كشوفات حسابات القصر إلى أن رحلاته كلفت الخزينة العامة 95 ألف جنيه استرليني، فيما تكفلت وزارة الخارجية ووزارة التجارة بالإقامة والمصاريف الأخرى. أما في رحلته للسعودية فقد كان مرفوقا بمساعدته المديرة السابقة لمنظمة كونسيرفتيف للشرق الأوسط، لورا هاتشينز التي وصفتها صحيفة التلغراف بأنها واحدة من أبرز الموالين لديفيد كامرون.
وقد حطت طائرة أندرو ولورا في القاعدة العسكرية الجوية في الظهران، في شرق المملكة السعودية، أين تم اعتقال 160 فردا من الأقلية الشيعية بسبب تنظيم مظاهرات في إطار الربيع العربي. والتقى أندرو مع مدراء تنفيذيين في قطاع النفط السعودي في الخبر، إلى جانب وزراء سعوديين، وأربعة أمراء من بينهم الأمير وليد بن طلال الذي وصفته صحيفة التايمز بأنه وارن بافت العرب بسبب ثروته الهائلة. ويشار إلى أن الوليد بن طلال يمتلك فندق سافوي في لندن. ومن خلال تأخير رحلته إلى ما بعد ذروة احتجاجات الربيع العربي تجنب أندرو الكثير من الجدل والانتقادات، رغم أنه كان يلتقي بمسؤولين من أنظمة واصلت قمع كل الأصوات المعارضة تقريبا، ليس فقط على الصعيد المحلي بل حتى في دول مجاورة لها.
وبعد شهرين أي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وصل أندرو إلى قطر لقضاء أسبوع من اللقاءات مع أفراد من العائلات المالكة وشخصيات من عالم الأعمال، مصحوبا بمساعدته لورا هاتشينز واللواء ريتشارد سايكس الضابط المتقاعد من الجيش البريطاني.
وقد التقى أندرو بأربعة من الأمراء القطريين ومن بينهم محافظ البنك المركزي ووزير التجارة ورئيس الوزراء ونائبه. إضافة إلى ذلك فقد حضر حفل استقبال نظمته شركة الطاقة الانجليزية الهولندية شل، التي تمتلك حقول غاز ضخمة في قطر.
بعد ذلك واصل الأمير أندرو طريقه نحو الإمارات في زيارة استمرت أربعة أيام، وهو ما منحه الوقت لتناول العشاء مع الشيخ سرور بن محمد آل نهيان الأمير الإماراتي ومالك مركز أبوظبي للتجارة. وفي يوم السبت 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 التقى الأمير أندرو بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في قصر البطين.
في نفس اليوم أصدرت محكمة إماراتية أحكاما ضد خمس نشطاء سياسيين وصلت إلى ثلاث سنوات سجن، بتهم تضمنت الإساءة لقيادة البلاد. ومن بين المدانين كان المدون البارز أحمد منصور والدكتور ناصر بن غيث أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون في باريس.
ورغم أن هؤلاء نالوا عفوا رئاسيا في اليوم الموالي لهذا الحكم، فإن كلا الرجلين لا يزالان يتعرضان للمضايقة والرقابة المشددة.
ومع نهاية العام التقى أندرو بملك البحرين في فندق الفورسيزونز الفاخر في لندن في منتصف كانون الثاني/ ديسمبر. في ذلك الوقت كان قادة الحركة الديمقراطية البحرينية قد تعرضوا لأحكام بالسجن المؤبد في محكمة دستورية، وهنالك 559 بحريني يتهمون النظام بممارسة التعذيب ضدهم.
دعم السعوديين
بعد لقاءاته مع أربعة من الثمانية أنظمة ملكية في الخليج في 2011، واصل أندرو لعب دور بارز في الحفاظ على العلاقات البريطانية مع هذه الأنظمة، رغم أنه لم يعد مبعوثا بريطانيا للتجارة.
وفي 2012 أثنت وزارة التجارة البريطانية على الأمير أندرو في تقريرها السنوي، موضحة أن دوق يورك يواصل القيام بدوره كداعم قوي للأعمال التجارية البريطانية، ويمكنه القيام بزيارات خارجية تحت هذا الهدف كما يفعل أفراد آخرون في العائلة المالكة.
وكان الفرق الوحيد هو أنه بداية من نيسان/ أبريل 2012 لم تعد وزارة التجارة تخصص ميزانية محددة لتمويل أعمال أندرو. حيث أعلنت أنه : “في المستقبل كل المصاريف المترتبة عن سفرات الدوق يورك إلى الخارج سوف تتكفل بها وزارة الخارجية كما هو الحال مع باقي أفراد العائلة المالكة.”
وخلال السنوات القليلة الموالية كانت وزارة الخارجية ترسل أندرو في جولات رسمية إلى الكويت والسعودية والبحرين، في رحلات جوية تكلف الخزينة العامة ما لا يقل عن 122 ألف جنيه استرليني. كما أنه عقد عشرات اللقاءات الأخرى مع أمراء وملوك شرق أوسطيين على الأراضي البريطانية وفي رحلات في الخارج في إطار برنامج بيتش أت بالاس لدعم المستثمرين الشبان، الذي كان يحظى بدعم من الأوساط الدبلوماسية والعسكرية البريطانية.
وسافر أندرو إلى جدة في منتصف حزيران/ يونيو 2012 بعد وقت قصير من وفاة الأمير نايف، من أجل تقديم واجب العزاء للعائلة المالكة السعودية، التي تعد واحدة من أقرب حلفاء لندن في الخليج. وكان الراحل نايف قد عمل كوزير للداخلية منذ 1975، ما يجعله مسؤولا عن عقود من الحملات القمعية في السعودية، من بينها تعامل الرياض مع احتجاجات الربيع العربي في العام السابق لهذه الوفاة.
وعلى الرغم من الجدل المحيط بالحياة الشخصية لأندرو، فإنه قوبل في السعودية بترحيب السفير البريطاني، وعندما عاد إلى بلده في اليوم الموالي، ذهب وزير الخارجية وليام هايغ لمقابلته في قصر بكنغهام في فترة الظهيرة.
وبعد عامين، أي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، عاد أندرو إلى السعودية بطلب من وزارة الخارجية وقام برحلات جوية كلفت دافعي الضرائب 43 ألف جنيه استرليني. في ذلك الوقت كانت أوضاع حقوق الإنسان في المملكة قد تدهورت، حيث شدد النظام الحاكم العقوبة المسلطة على كل من المدون الليبرالي رائف بدوي من 600 إلى ألف جلدة، والحكم على رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر ليصل للإعدام في 15 تشرين الأول/ أكتوبر.
وخلال هذه الرحلة التقى أندرو بنائب ولي العهد مقرن بن عبد العزيز آل سعود، المدير السابق لوكالة الاستخبارات في فترة اندلاع الربيع العربي. وزار أيضا سوق الأوراق المالية السعودية مع السفير البريطاني، واحتفظ بحرية الولوج إلى المنشآت الدبلوماسية البريطانية مثل مقر إقامة السفير، والقنصلية في جدة.
وفي الشهر الموالي لرحلته للسعودية، أي في ديسمبر/ كانون الأول 2014، تضررت سمعة أندرو بشكل أكبر عندما أظهرت مستندات المحكمة في فلوريدا أن امرأة أمريكية تدعى فرجينيا روبرتز ادعت أن دوق يورك مارس معها الجنس عندما كانت قاصرا، خلال فترة صداقته مع الملياردير إبستين.
هذه الادعاءات لم يتم نفيها بشكل ثابت، إلا أن أندرو واصل المشاركة في الدبلوماسية البريطانية مع السعودية. وفي آذار / مارس 2018 شارك ضمن وفد للعلاقات العامة من وزارة الخارجية في الترحيب بولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان عند قدومه إلى لندن، وتم تصويره على أنه شخص حداثي.
كما رافق دوق يورك والدته الملكة وولي العهد السعودي في تناول العشاء في قصر بكنغهام، تلته لقاءات خاصة مع بن سلمان في إقامة السفير السعودي في لندن.
وفي وقت لاحق من ذلك العام استقبل أندرو السفير السعودي الأمير محمد بن نواف في قصر بكنغهام في 25 أيلول/ سبتمبر. وبعد أسبوع واحد تعرض صحفي الواشنطن بوست جمال خاشقجي للاغتيال وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول انتقاما من انتقاداته لمحمد بن سلمان. إلا أن أندرو قال إنه رغب في توسيع برنامج بيتش أت بالاس ليشمل المملكة السعودية، وهو ما أثار موجة من الانتقادات التي وجهتها له منظمة العفو الدولية ومؤسسات أخرى. وكان لويد راسيل-مويل عضو البرلمان عن حزب العمال قد قال لصحفية الإندبندنت: “إن الدعوة الصريحة التي أطلقها الأمير أندرو لإقامة العلاقات التجارية مع رجل أمر للتو بقتل وتقطيع أوصال صحفي، تعتبر مرحلة جديدة من الانحطاط حتى بالنسبة لشخص مثله.”
وفي العام الموالي في أيلول/ سبتمبر 2019 رحب أندرو بالسفير السعودي الجديد الأمير خالد بن بندر في قصر بكنغهام، في ما بدى أنه آخر لقاء رسمي له مع أمير سعودي.
دعم البحرين
بينما لعب أندرو دورا ملحوظا في الحفاظ على الروابط بين العائلة المالكة البريطانية وآل سعود، فإن البحرين هي البلد الذي كان حضوره فيه الأكثر أهمية منذ بداية الربيع العربي.
إذ أنه صحبة أمه حضر عرض الخيول الملكي “رويال ويندسور” سبع مرات منذ 2013، وجلس بشكل روتيني مع الملك حمد.
وفي كانون الثاني 2014 سافر إلى البحرين أين استقبله لدى وصوله الشيخ عبد الله بن حمد آل خليفة، الإبن الثاني للملك حمد. ويرتبط أندرو والشيخ عبد الله بعلاقات مع مشاهير مثيرين للجدل. إذ أن الشيخ عبد الله كانت له علاقة شخصية وطيدة مع مايكل جاكسون، وقد دفع ملايين الدولارات لهذا المغني ليعيش في البحرين بعد تبرئته من اتهامات التحرش بالأطفال في الولايات المتحدة في 2005.
كما التقى أندرو بالشيخ عبد الله في ثلاث مناسبات أثناء زيارته للبحرين في 2014، من بينها لقاء في العرض الجوي الذي شاركت فيه شركات السلاح والطيران البريطاني. هذا الحدث تزامن مع “أسبوع بريطاني العظمى” للاحتفال بمرور 200 عام من العلاقات البريطانية البحرينية.
ورغم أن أندرو لم يعد المبعوث التجاري البريطاني، فإن أسبوع الاحتفالات بهذه المناسبة كان يهدف بكل وضوح لدعم الفرص التجارية للبريطانيين في الخليج، وقد حضر مأدبة على هامش منتدى الأعمال البحريني البريطاني في فندق راديسون ديبلومات.
وفي أثناء وجوده في البحرين التقى أندرو أيضا بالملك حمد وولي العهد سلمان، وزار قاعدة كاسحة الألغام التابعة للبحرية الملكية.
وقبل أسبوع من وصول أندرو كانت الشرطة البحرينية قد أطلقت النار على سائق عمره 19 عاما اسمه فضل عباس مسلم مرهون لترديه قتيلا. وقالت الشرطة البحرينية أنها أطلقت عليه النار من الأمام في أثناء دفاعها عن نفسها، ولكن الأدلة التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أنه قتل من الخلف.
وقد عاد دوق يورك إلى البحرين في نيسان/ أبريل 2018، عندما افتتح القاعدة البحرية البريطانية الجديدة وبرنامج التدريب حول علوم الأمن للفائدة ضباط الشرطة البحرينيين. هذا التدريب تقدمه جامعة هادرسفيلد، التي كان الأمير أندرو حينها مستشارا لديها.
ويتم تدريس هذا البرنامج في البحرين في الأكاديمية الملكية للشرطة، القريبة من سجن الحراسة المشددة الذي يقبع فيه قادة الحراك المطالب بالديمقراطية، حيث يقضون أحكام بالسجن مدى الحياة.
وبحسب معهد البحرين للحقوق والديمقراطية فإن هؤلاء السجناء تم اقتيادهم من السجن إلى أكاديمية الشرطة وخضعوا للتحقيق والتعذيب.
وفي أثناء رحلته في 2018 التقى أندرو مجددا بالملك وأفراد آخرين بارزين في العائلة المالكة، من بينهم وزير الداخلية الفريق راشد بن عبد الله آل خليفة. ويقول سيد أحمد الوداعي مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية إنه شعر بالانزعاج من مشاهدة الأمير أندرو يرحب بكل حرارة بوزير الداخلية، بالرغم من سجل وزارته الحافل بالتعذيب الممنهج.
وقد عاد أندرو إلى البحرين في آذار/ مارس 2019 في زيارة أخرى للقاعدة البحرية، وتناول العشاء وعقد لقاءا مع الشيخ عبد الله ثم التقى بالملك حمد مجددا في آيار/ مايو في عرض الخيول الملكي رويال ويندسور.
وفي أثناء كل هذه اللقاءات بين أندرو والعائلة المالكة البحرينية منذ بداية الربيع العربي ظلت أوضاع حقوق الإنسان في هذه المملكة في تدهور مستمر، حيث تقبع أغلب الشخصيات المعارضة في السجن أو غادرت البلاد.
الإعجاب بالإمارات
دولة ملكية خليجية أخرى ساهم أندرو في توطيد علاقاتها مع بريطانيا منذ بداية الربيع العربي هي الإمارات العربية المتحدة. ويعتبر أندرو صديقا قديما لحاكم أبوظبي محمد بن زايد، حيث كان يرافقه في رحلات الصيد في أفريقيا، بحسب مراسلات سرية أمريكية مسربة منذ 2003.
وفي نيسان/ أبريل 2013 ساعد أندرو في استضافة زيارة دولة من الشقيق الأكبر لمحمد بن زايد وهو الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة، الحاكم المطلق للبلاد والذي تخرج من الأكاديمية العسكرية ساندهيرست في البحرين. وحضر أندرو في حفل مأدبة غداء رسمية أقيمت على شرف الضيف الإماراتي في قصر ويندسور، وقد شارك فيها أيضا رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير الخارجية وليام هايغ ووزير الدفاع فيليب هاموند ووزير الدولة للأعمال فينس كايبل.
ومن الشخصيات الأخرى الحاضرة كان هنالك السير روجير كار الذي أصبح بعد ذلك رئيس مجلس إدارة شركة بي أيه إي سيستمز، والسير جون ساورس الذي كان حينها رئيس جهاز المخابرات، والجنرال ديفيد ريتشاردز رئيس الأركان في وزارة الدفاع، وأندرو براون المدير التنفيذي في شركة شل.
وفي اليوم الموالي لعب الأمير أندرو دورا أكثر خصوصية، حين نظم غداء جمع والديه مع الشيخ خليفة في قصر بكنغهام.
وفي وقت لاحق رافق الشيخ خليفة إلى كنيسة وستمنستر بعد أن التقى الرئيس الإماراتي برئيس الوزراء كاميرون في مقر الحكومة لمناقشة “إقامة شراكة دفاعية أعمق وأكبر وروابط تجارية جديدة.”
جاءت زيارة الدولة الإماراتية في وقت كانت فيه لندن تسعى لتأمين عقود بيع سلاح للشركات البريطانية بقيمة مليارات الدولارات، في وقت تزايدت فيه وتيرة القمع في أبوظبي.
ومن آذار/ مارس وحتى تموز/ يوليو 2013 نظمت الإمارات محاكمات جماعية شملت 94 ناشطا متهمين بالارتباط مع جمعية الإصلاح المرتبطة بالإخوان المسلمين، والتي تطالب بالإصلاح السياسي في البلاد. وتم في وقت لاحق إدانة 69 من هؤلاء الرجال بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، وأصدرت أحكاما تصل إلى 10 سنوات سجنا.
وبحلول آذار/ مارس 2017 صعدت السلطات الإماراتية من حملة القمع ضد دكتور جامعة السوربون ناصر بن غيث، حيث حكم عليه بعشر سنوات سجن بتهمة نشر مواد على شبكة الإنترنت تهدف للإضرار بسمعة وهيبة الدولة.
هذه الحملة لم يبد أنها أثرت على صداقة أندرو مع العائلة المالكة الإماراتية، حيث أنه في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 زار محمد بن زايد في قصره البحري في أبوظبي، القريب من مقر البحرية.
ورغم أن رحلته إلى أبوظبي كانت جزء من برنامج بيتش آت بالاس لتدريب رواد الأعمال الشباب، فإنه تمكن من حضور حفل استقبال على شرفه على متن سفينة البحرية الملكية، وقام خلالها السفير البريطاني بإبراز فرص الاستثمار لرجال الأعمال الإماراتيين في لندن. والتقطت صور لأندرو على متن السفينة مرتديا زي البحرية، مظهرا رتبته كنائب أدميرال.
وفي الأثناء كانت البحرية الإماراتية تلعب دورا متقدما في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، مستخدمة أسطولها القوي نسبيا لفرض حصار بحري منع وصول المساعدات الإنسانية إلى الملايين من الناس الذين يحتاجونها
الفرص في عمان
من بين الأدوار الشرفية الكثيرة التي اضطلع بها أندرو، كان هنالك رعايته لجمعية الصداقة العمانية البريطانية، إلى جانب السلطان الحالي لعمان هيثم بن طارق آل سعيد. ومن الشخصيات الأخرى البارزة في هذه الجمعية كان هنالك السفير البريطاني في عمان، وهو ما يدل على دورها الدبلوماسي والسياسي الهام.
هذه المجموعة كانت تروج بشكل صريح للأعمال التجارية البريطانية في عمان، وتسعى للتعريف بقوانينها المشجعة على الاستثمار وسياساتها الصديقة للاستثمار الليبرالي مثل عدم وجود ضريبة على الدخل. وقد أكدت تغريدة من السفارة البريطانية في عمان في 2018 حضور أندرو في إحدى هذه المناسبات كضيف شرف.
وعندما اطلع فريق ديكلاسيفايد على موقع هذه الجمعية خلال الأسبوع الماضي، كان اسم الأمير أندرو مذكورا بصفته راع لها، رغم أنه تخلى عن سلسلة من أدواره منذ فضيحة إبستين في 2019. وبعد ذلك بدى أن الموقع أصبح خارج الخدمة، رغم أن نسخة مؤرشفة منه تعود إلى ديسمبر/ كانون الثاني 2020 تؤكد هذا الدور.
وقد قال شوقي سلطان الأمين العام لهذه الجمعية لموقع ديكلاسيفايد إن أي سؤال بشأن دور الأمير أندرو يجب أن يوجه لقصر بكنغهام.
ولكنه أكد أن السلطان هيثم هو راع للجمعية، وقد اتفق على أن السفير البريطاني في عمان هو أيضا عضو فيها، إلا أن الطرف البريطاني المشارك فيها لم يكن في البداية يعتبرها جمعية رسمية.
وقد ذكر متحدث باسم قصر باكنغهام بالاس لديكلاسيفايد أن دوق يورك تخلى عن مسؤولياته العامة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 وبالتالي فإن سموه الملكي ليس له دور نشط حاليا في أي عمليات رعاية.
إلا أنه من خلال دوره في هذه الجمعية تمكن أندرو من الإلتقاء بأعضاء في العائلة المالكة العمانية بشكل سنوي بين 2015 و2019. هذه اللقاءات كانت غالبا تدور في نادي بروكس الخاص بالأثرياء في غرب لندن.
وأغلب هذه اللقاءات تمت مع وزير الثقافة العماني حينها هيثم بن طارق آل سعيد، الذي كان مختارا بشكل سري ليكون ولي العهد، وقد أصبح سلطان البلاد بعد وفاة عمه قابوس في 2020.
هذه اللقاءات بين أندرو وكبار المسؤولين العمانيين تواصلت رغم ما اعتبرته هيومن رايتس ووتش “دوامة الملاحقات ضد النشطاء والمعارضين بتهمة إهانة السلطان، التي ألقت بظلالها على حرية التعبير والمعارضة في عمان.
وبعد أسبوع واحد من عشاء أندرو مع هيثم في نادي بروكس في تموز/ يوليو 2016، تم اعتقال محرر الصحيفة المستقلة الوحيدة في عمان “الزمن”، وتم غلق الصحيفة في أغسطس/ آب.
إلا أن كل هذه التطورات لم تردع أندرو، الذي حضر في العام الموالي حفل عشاء مع القيادة العمانية في نادي الضباط الملكي في مسقط.
ويعلم موقع ديكلاسيفايد أن هذا النادي الفخم في الواجهة البحرية في مسقط، والمتكامل بحمامات السباحة والبارات وملاعب الرياضة، مخصص للقيادات العليا في النظام العماني وتحرسه القوات الخاصة.
وقد ذكر متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع ديكلاسيفايد أن “الزيارات الملكية الرسمية يقوم بها أفراد العائلة المالكة بطلب من الحكومة لدعم المصالح البريطانية في أنحاء العالم.”
المصدر: دايلي مافريك