كشف الصحفي البريطاني المشهور، ديفيد هيرست، عن علاقة بعض مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن بدولة الإمارات.
وحسب مقال هيرست في موقع “ميدل إيست آي“، فإن هؤلاء المستشارين هم من ساهموا في إفلات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من العقوبات على خلفية تورطه في مقتل الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة، جمال خاشقجي.
وكشف هيرست، في التقرير عن ارتباطات بريت ماكغيرك وباربرا ليف بدولة الإمارات وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والأول عين مؤخرا منسقا لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا داخل مجلس الأمن القومي، وليف هي مديرة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، وكانت سفيرة سابقة لواشنطن في أبوظبي.
ويقول هيرست إن تلك هي” نوعيات البشر الذين ينصحون بايدن بعدم فرض عقوبات على محمد بن سلمان تحول دون حصوله على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة”. ويضيف: “لديهم علاقات قوية مع الإمارات العربية المتحدة، ومن الملاحظ أن أبوظبي كانت أول من أصدر بيانا تضامنيا مع السعوديين بعد نشر تقرير المخابرات الأمريكية”.
ويعتقد هيرست أن إفلات ابن سلمان من العقاب “سوف يزيد من جرأة الأمير القاتل أكثر بكثير من أي شيء كان سيفعله صديقاه ترامب أو بومبيو لمساعدته. يعني ذلك أن بإمكانه الإفلات المرة تلو الأخرى”.
واختتم هيرست مقاله بالقول إن “سدادات قوارير الشمبانيا تتطاير داخل القصر المهجور لولي العهد في مدينة نيوم التي لم يكتمل إنشاؤها، هذا لو كان الكحول بالفعل هو المنشط الوحيد المتاح. إلا أن الرسالة التي يوجهها ذلك حول السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط مفجعة بالفعل”.. “فشل بايدن يوم الجمعة في ذلك الاختبار، وبصورة مفجعة. ولكن لم يفت الفوت لأن يتدارك بايدن الأمر ويتخذ القرار الصواب، ولكن فيما لو أخفق في ذلك، فلسوف يعيش الآن التداعيات. فقضية خاشقجي لم تنته، وهذا ما سيكتشفه بايدن في القريب العاجل”.
وفيما يلي النص الكامل للمقال
من ذا الذي نصح الرئيس جو بايدن بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يمكن معاقبته على الرغم من أن وكالة المخابرات الأمريكية خلصت إلى أنه هو الذي أجاز احتجاز أو قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي؟
قال سانجر إن فريق الأمن القومي الذي شكله بايدن مؤخراً نصحه بأنه لا يوجد سبيل لمنع وريث العرش السعودي من دخول الولايات المتحدة، أو لتوجيه تهم جنائية ضده، دون أن ينجم عن ذلك إلحاق ضرر جسيم بالعلاقة مع واحد من أهم حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي
لا نعلم من هي العناصر المشاركة في اتخاذ هذا القرار، وليس بوسعنا تحديد النقاش الذي حصل، إلا أن بعضاً من قطع الأحجية بدأت تتحدد معالمها.
أورد مراسل صحيفة نيويورك تايمز لشؤون البيت الأبيض والأمن القومي دافيد سانجر أن قرار عدم معاقبة ولي العهد جاء بعد أسابيع من النقاش الداخلي.
وقال سانجر إن فريق الأمن القومي الذي شكله بايدن مؤخراً نصحه بأنه “لا يوجد سبيل لمنع وريث العرش السعودي من دخول الولايات المتحدة، أو لتوجيه تهم جنائية ضده، دون أن ينجم عن ذلك إلحاق ضرر جسيم بالعلاقة مع واحد من أهم حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي.”
من هم اللاعبون الأساسيون المحتملون في فريق بايدن الأمني حول الشرق الأوسط؟
مستشارو بايدن
أولهم هو بريت ماكغيرك، الذي عين مؤخراً منسقاً لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا داخل مجلس الأمن القومي.
وماكغيرك هذا دبلوماسي مخضرم خدم في إدارات ثلاثة رؤساء هم جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب، وآخر منصب شغله كان المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة (داعش) في الفترة من 2015 إلى 2018.
وبالذات كان شهر أكتوبر / تشرين الأول 2018 مثقلاً بالمهام بالنسبة لماكغيرك.
وكان قد عمل عن كثب مع السعوديين للتأثير في الانتخابات العراقية التي جرت في شهر أيار/ مايو 2018، ثم سعى دون أن يحالفه النجاح إلى بناء ائتلاف متحالف مع المصالح الأمريكية والسعودية مهمته إعادة تنصيب رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وقبيل تنصيب الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي طار ماكغيرك إلى الرياض. كان ذلك قبل تسعة أيام من الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2018، ذلك اليوم الذي ارتكبت فيه جريمة قتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وعلى الرغم من أن رئيسه المستقبلي، بايدن، كان مصدوماً جداً وفي غاية الامتعاض بسبب الجريمة الفظيعة التي وقعت حينذاك، إلا أن شيئاً لم يتغير بالنسبة للمهمة التي كان ماكغيرك مكلفاً بها.
كانت مشاعر الدفء بين ماكغيرك والأمير شاب متبادلة. فقد وجه محمد بن سلمان مسؤوليه نحو الاعتناء به
خلال زيارته تلك، اجتمع ماكغيرك مع وزير الخارجية السعودي آنذاك عادل الجبير.
وبعد أسبوع من ذلك، وصل وزير الخارجية الأمريكي حينذاك مايك بومبيو إلى الرياض لمناقشة ما كان يشار إليه حينها بأنه اختفاء خاشقجي، وكانت المملكة العربية السعودية ما تزال تدعي بأن الصحفي غادر القنصلية حياً يرزق.
ومع وصول بومبيو تعهدت المملكة علانية بتقديم مائة مليون دولار لدعم عمليات الولايات المتحدة في شمال سوريا، فيما اعتبر حينها دفعة محتملة بينما كانت الرياض تسعى للحصول على مساعدة ترامب في احتواء ردود الأفعال على المزاعم بأن عملاء سعوديين كانوا من وراء اختفاء خاشقجي.
أنيطت حينها بماكغيرك مهمة نفي وجود علاقة بين وصول بومبيو والدية التي دفعتها رياض لتوها، حيث قال ماكغيرك في تصريح له: “كنا باستمرار نتوقع إتمام إجراءات تقديم هذه المساهمة في وقت ما في فصل الخريف.” وأضاف: “عملية تحويل الأموال بالذات كانت جارية ولم يكن لها أي علاقة بأي أحداث أخرى ولا بزيارة وزير الخارجية.”
ولاحظوا اللغة التي استخدمها ماكغيرك في الإشارة إلى قتل خاشقجي، حيث أشار إليها بعبارة “أحداث أخرى”.
في كل الأحوال لم يكن ماكغيرك يتكتم حينذاك على علاقاته الوثيقة بالرياض وأبوظبي، فقد كان يغرد عبر تويتر عن لقاءاته بالمسؤولين فيهما ويتفاخر بتلك العلاقات عندما كان يتواصل سراً مع السياسيين العراقيين.
وسعياً منه لإقناع السياسيين العراقيين السنة بدعم العبادي، كان ماكغيرك يعرض عليهم لقاءات شخصية مع ولي العهد السعودي.
وكان السياسي العراقي خميس الخنجر، والذي ما لبث لسنوات يقوم بدور الوسيط بين واشنطن وزعماء العشائر السنية، قد ذكر في مقابلة مع موقع “ميدل إيست آي” العام الماضي أن ماكغيرك “حاول إغراءنا، ووعدنا بأشياء مقابل دعم العبادي. وقال لي ذات مرة: سوف نذهب، أنا وأنت، لحضور لقاء خاص مع محمد بن سلمان وسوف أدفع باتجاه أن ينفتح السعوديون عليكم.”
كانت مشاعر الدفء بين ماكغيرك والأمير شاب متبادلة. فقد وجه محمد بن سلمان مسؤوليه نحو “الاعتناء به”، بحسب ما صرح به لموقع “ميدل إيست آي” مصدر سعودي على اطلاع جيد بتفاصيل الاتصالات التي تجريها البطانة الداخلية لمحمد بن سلمان مع الشخصيات الأجنبية.
وبالمقابل لم يكن ماكغيرك إلا كتاباً مفتوحاً حينما يتعلق الأمر بالإشادة بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، معلم الأمير السعودي وواضع خطة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ففي شباط/ فبراير من عام 2018 غرد ماكغيرك بما يلي: “محادثات تفصيلية في وقت سابق من هذا اليوم في أبوظبي مع سموه محمد بن زايد حول نتائج اجتماعات الكويت والمرحلة القادمة من حملة التحالف ضد داعش. ولقد شكرت الإمارات العربية المتحدة على الدعم المبكر والسخي لجهود إعادة الاستقرار إلى المناطق التي تم تحريرها من قبضة إرهابيي داعش.”
ومازال ماكغيرك يكيل المديح لمحمد بن زايد حتى هذا اليوم. فقد قال في تصريح لمجلة “نيويورك تايمز”، التي نشرت ملفاً عن محمد بن زايد، بأنه كان في البداية متشككاً في حدس محمد بن زايد حول مخاصر جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي. وقال: “كنت متشككاً في البداية، فقد بدا ذلك تطرفاً. ولكنني وصلت إلى الاستنتاج بأنه كان في العادة مصيباً أكثر مما كان مخطئاً.”
كما شيد ماكغيرك علاقات قوية مع شقيق محمد بن زايد طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي في الإمارات العربية المتحدة، ومع يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة. وتمكن ماكغيرك من خلالهما من الحصول على عشرات الملايين من الدولارات لدعم مشاريع الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا.
صواريخ إيران وترسانتها غير التقليدية مرعبة، ويمكن أن تسبب أضراراً هائلة، حتى لو حصلت الإمارات العربية المتحدة على طائرات إف 35
ولم تنته علاقة ماكغيرك بالإمارات العربية المتحدة بمغادرته لعمله داخل الحكومة احتجاجاً على قرار ترامب سحب القوات من سوريا في كانون الأول/ ديسمبر 2018.
لاحظوا أن ترامب، وليس جريمة قتل خاشقجي، هو ما أقنع ماكغيرك بالاستقالة من العمل في الحكومة.
في شهر نيسان/ إبريل 2020، انضم ماكغيرك إلى “برايمر”، وهي شركة متخصصة في إنتاج آلات المعلومات مقرها في سان فرانسيسكو. ولقد وصفت “برايمر” في موقعها على الإنترنيت ماكغيرك بأنه عضو مجلس إدارة مستقل يجلب معه “نفساً نادراً من الخبرات من ساحات المعارك في الشرق الأوسط إلى المكتب البيضاوي، وغرف الحالات الطارئة وطاولات المفاوضات مع أوثق حلفاء أمريكا ومع أعتى خصومها على حد سواء.”
وذلك نمط معهود ومستقر من التعامل مع الأعضاء السابقين في الإدارات الأمريكية الذين لا يلبثون أن ينضموا إلى شركات ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالإمارات العربية المتحدة.
وكانت شركة “برايمر” قد جمعت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2018 من المستثمرين مبلغاً قدره أربعين مليون دولار، وكان من بين هؤلاء المستثمرين “مبادلة للاستثمار”، وهو صندوق الثروة السيادي في الإمارات والذي كانت تقدر قيمة ممتلكاته في عام 2017 بما يقرب من 369.5 مليار دولار.
كان ماكغيرك واحداً من أربعة مدراء في مجلس إدارة الشركة، ورد في وصف أحدهم أنه يمثل “مبادلة”.
كان ذلك هو ماكغيرك. ولكن هناك شخص آخر يحتل موقعاً مهماً يشير من خلاله على البيت الأبيض فيما يتعلق بالأمن في الشرق الأوسط.
تأمل ثانية في الصورة التي ضمنها ماكغيرك تغريدته حول اجتماعه بمحمد بن زايد في شباط/ فبراير من عام 2018، ولسوف ترى أن الجالس على يمنيه هي باربارا ليف.
كانت ليف حينها هي سفيرة الولايات المتحدة لدى الإمارات العربية المتحدة، وهي دبلوماسية محترفة، عملت في وزارة الخارجية مسؤولية عن شبه الجزيرة العربية والعراق، وكانت أول مدير للمكتب الخاص بالشؤون الإيرانية داخل الوزارة، وخدمت كذلك في كل من إسرائيل ومصر وتونس.
بعد مغادرتها للحكومة أسوة بماكغيرك في عام 2018، انضمت ليف إلى مركز أبحاث اسمه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهناك كانت مهمتها هي تقديم تصورات حول علاقة الولايات المتحدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
ولقد دافعت ليف عن قرار ترامب بيع أسلحة متقدمة بمبلغ 23 مليار دولار إلى الإمارات العربية المتحدة.
وقالت في مقابلة مع فوكس نيوز: “لن يضر ذلك بالتوازن العسكري في الشرق الأوسط.”
وأضافت: “إن صواريخ إيران وترسانتها غير التقليدية مرعبة، ويمكن أن تسبب أضراراً هائلة، حتى لو حصلت الإمارات العربية المتحدة على طائرات إف 35.”
وها هي الآن ليف تنضم إلى مجلس الأمن القومي كمديرة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تلك هي إذن نوعيات البشر الذين ينصحون بايدن بعدم فرض عقوبات على محمد بن سلمان تحول دون حصوله على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. لديهم علاقات قوية مع الإمارات العربية المتحدة، ومن الملاحظ أن أبوظبي كانت أول من أصدر بياناً تضامنياً مع السعوديين بعد نشر تقرير المخابرات الأمريكية.
بالطبع شاركت وكالات أخرى في صياغة النصيحة التي تلقاها بايدن.
فنحن نعرف أيضاً أن موظفين سابقين في وكالة المخابرات الأمريكية، ممن يبقون على صلة بالنقاشات التي تجري داخل الوكالة وممن يعرفون المملكة العربية السعودية جيداً، ليسوا حريصين على إحداث تغيير حقيقي في الرياض، حيث أنهم يعتبرون أي تحركات من هذا القبيل مغامرات خطرة.
ومع ذلك، فإن القرار الذي اتخذوه جماعياً كان محتوماً وكذلك الرسالة التي يوجهها.
بايدن والسم في الدسم
قاوم ترامب نشر التقرير من قبل وزارة الاستخبارات الوطنية لسبب وجيه جداً وهو أن نشره كان سيفرض على الإدارة التعامل معه.
إلا أن “الصالح” بايدن تقدم خطوة إلى الأمام عن “الطالح” ترامب.
نشر بايدن التقرير لأنه ملزم قانوناً بفعل ذلك، ولكنه اختار الآن عدم التصرف بما يتوافق مع الخلاصات المركزية فيه.
لا يضعه ذلك في نفس المكان الذي وصل إليه ترامب وبومبيو فحسب، بل يربطه بشكل فعلي بسياسة منح الملك السعودي القادم حصانة من المحاسبة والمساءلة يما يحول دون إقامة العدل وإحقاق الحق.
وهذا موقف يعتبر بالضرورة مستقراً وآمناً لأي إدارة أمريكية تلتزم به.
تواجه إدارة بايدن الآن قضيتين أخريين كلاهما تسعيان للحصول على معلومات عن قتل خاشقجي.
أما الأولى فتطلب “جميع التسجيلات المتعلقة بقتل المقيم في أمريكا جمال خاشقجي”. وأما الثانية، فتطلب من خلالها لجنة حماية الصحفيين معلومات ووثائق حول ما الذي كانت تعرفه وكالات المخابرات حول الخطر الذي كان يتهدد حياة خاشقجي قبل ارتكاب جريمة قتله.
سدادات قوارير الشمبانيا تتطاير داخل القصر المهجور لولي العهد في مدينة نيوم التي لم يكتمل إنشاؤها، هذا لو كان الكحول بالفعل هو المنشط الوحيد المتاح
أصدر غريغوري ميكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، بياناً امتزجت فيه الإشادة بقرار نشر التقرير الذي رفعت عنه السرية بالتهديد.
جاء في البيان: “ولكن، بالنظر إلى الخلاصات التي توصل إليها التقرير حول الدور المباشر لمحمد بن سلمان، فإنني أتطلع إلى مزيد من الخطوات باتجاه المحاسبة.”
وأضاف: “تؤكد الوثيقة الرسمية للحكومة الأمريكية ما أشارت إليه التحقيقات السابقة من أنه بما كان لديه من سيطرة وسلطة على قوة التدخل السريع السعودية والأجهزة الاستخبارية الأخرى، فهذا يعني أنه بالفعل مشارك بشكل مباشر.”
ومضى البيان يقول: “بصفتي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، سوف أستمر في العمل مع إدارة بايدن لكي تتخذ خطوات إضافية لضمان أن كل واحد، بما في ذلك من هو على رأس هرم السلطة، سوف يخضع للمحاسبة، وأنا بصدد النظر في مزيد من الخيارات للقيام بذلك. لا يجوز بحال أن تمر دون مساءلة عمليات الإعادة القسرية والترهيب أو قتل المعارضين من قبل الحكومة السعودية أو من قبل أي حكومة أخرى.”
ويبدو أن الجميع يتناسى سعد الجبري، الوزير السابق في الداخلية السعودية الذي يعيش مختبئاً في تورنتو وكان هو نفسه هدفاً لفريق يتكون من خمسين رجلاً كانوا ينوون قتله، كما يزعم، أرسلهم محمد بن سلمان في مهمة لتصفيته بعد وقت قصير من تصفيتهم لجمال خاشقجي.
تجري وقائع القضية التي رفعها الجبري ضد محمد بن سلمان في إحدى محاكم واشنطن العاصمة. مازال الجبري حياً يرزق، ولقد وعد بالكشف عن مزيد من التفاصيل المتعلقة بالعمليات القذرة التي أمر بها ولي العهد السعودي.
من وجهة نظر الجبري، بل وكل سعودي معارض يختبئ في المنفى، فإن الرسالة التي يوجهها بايدن إلى من يتربص بهم ويخطط لقتلهم، لا أقل من أن توصف بالمرعبة.
ومفادها: سوف تفرض الولايات المتحدة عقوبات على الأشخاص الذين أمرتهم بقتل خاشقجي ولكنها لن تتمكن من فرض عقوبات عليك شخصياً لأنك عندنا أهم.
سوف يزيد ذلك من جرأة الأمير القاتل أكثر بكثير من أي شيء كان سيفعله صديقاه ترامب أو بومبيو لمساعدته. يعني ذلك أن بإمكانه الإفلات المرة تلو الأخرى. وكانت مبررات الأمن القومي قد استخدمت كورقة للخروج من السجن في حالة لاعب صغير في هذه الملحمة، إنه جورج نادر، الذي أدين بالاعتداء الجنسي على الأطفال. وكما نعلم جميعاً، لم يتورع بعد خروجه من السجن عن ارتكاب المزيد من الجرائم، وها هو الآن قد عاد إلى السجن الأمريكي تارة أخرى.
لا ريب في أن ولي العهد سوف ينوع وسائله في تنفيذ حملات الإرهاب التي يشنها ضد كل من ينتقده أو يتكلم ضده، ولكن مهما فعل، فإنه يعلم الآن أنه فوق المساءلة والمحاسبة لأن أمريكا – حتى في عهد إدارة معادية له – لن تسمح لأحد بمسه بسوء.
لابد أن سدادات قوارير الشمبانيا تتطاير داخل القصر المهجور لولي العهد في مدينة نيوم التي لم يكتمل إنشاؤها، هذا لو كان الكحول بالفعل هو المنشط الوحيد المتاح. إلا أن الرسالة التي يوجهها ذلك حول السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط مفجعة بالفعل.
كتبت قبل عشرة أيام قد كتبت أقول إن قضية خاشقجي ستشكل الاختبار الحاسم لمدى التزام بايدن بانتهاج سياسة خارجية أخلاقية وبنشر الديمقراطية ومبدأ سيادة القانون حول العالم.
فشل بايدن يوم الجمعة في ذلك الاختبار، وبصورة مفجعة. ولكن لم يفت الفوت لأن يتدارك بايدن الأمر ويتخذ القرار الصواب، ولكن فيما لو أخفق في ذلك، فلسوف يعيش الآن التداعيات. فقضية خاشقجي لم تنته، وهذا ما سيكتشفه بايدن في القريب العاجل.