ترجمة وتحرير: نون بوست
نجح مسبار الأمل الإماراتي هذا الشهر في دخول مدار المريخ. بينما كنت أتصفح حساباتي على منصات التواصل الاجتماعي، كان الجميع يحتفلون بهذا الإنجاز، لكنني لم أشعر سوى بالقلق والذعر. إن الهدف من الرحلة هو الكشف عن أسرار المناخ على كوكب المريخ من خلال المستشعرات عن بعد وجمع البيانات، حيث يهدف برنامج الفضاء الإماراتي إلى بناء مستوطنات بشرية على المريخ بحلول سنة 2117.
أجل، قرأت ذلك بشكل صحيح: سنة 2117. بدأت الإمارات العربية المتحدة توسعها غير الإقليمي في سنة 2021، وهي عملية تقوم فيها الدولة بتوسيع سلطتها دون احتلال الأراضي بشكل فعلي. ومع ذلك، تتوقع الحكومة تنفيذ توسعها الإقليمي بحلول سنة 2117.
بينما مازلنا ننعى أولئك الذين فقدناهم في سنة 2020 ونتساءل عما إذا كان أحباؤنا سينجون في سنة 2021، يُطلب منا إعادة توجيه مشاعرنا للاحتفال بـ “التقدم”. أريد أن نخطو خطوة إلى الخلف ونتأمل، ليس فقط في الاحتفال نفسه وإنما أيضا في حاجتنا المستمرة لتحقيق الانتصارات. دعونا نضع الاحتفالات التي شهدناها في سياقها وإطارها التاريخي والسياسي. كل تقدم تكنولوجي تحرزه دولة الإمارات العربية المتحدة له ثمن: كلها تحققت بفضل جهود العمال المهاجرين.
إن حقيقة كون دولة الإمارات العربية المتحدة رائدة في قطاع التكنولوجيا يجب أن تخيفنا في حد ذاتها، في ظل وجود مزاعم خطيرة حول تدخل الحكومة الإماراتية في الخصوصية والحقوق الرقمية ليس فقط في الخليج، وإنما في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في المقابل، يدفع الناس ثمن هذا التقدم التكنولوجي بطرق مختلفة وقاسية. تعتبر السياسات القمعية الإماراتية مجرد تجليات لقضية منهجية أكثر تعقيدا، بدءا من استخدام برامج التجسس الإسرائيلية كأداة لإسكات المعارضة، مرورا بالاستثمار في الحرب على اليمن، وصولا إلى تسليح الحكام المستبدين.
أطلق بعض العلماء، بما في ذلك الراحل بول كروتزن الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء، مصطلح “الأنثروبوسين” على العصر الجيولوجي البشري الجديد. وعادة ما يستخدم هذا المصطلح لوصف بداية النشاط البشري وكيفية تأثيره بشكل كبير على مناخ الكوكب والنظم البيئية. مع ذلك، يجادل منظرو العلوم الاجتماعية الآخرون، مثل هيرمينيو مارتينز، بأنه يمكن أيضا تسميته بعصر “التكنوسين” – وهي حقبة تصفها الوكالة التكنولوجية بعصر التقدم.
الاحتفال بإنجاز دولة الإمارات العربية المتحدة يضفي الشرعية على هياكل الاضطهاد التي جعلتها تصل إلى هذا التقدم التكنولوجي
يساعدنا مفهوم “التكنوسين” على فهم الاحتفال بالإنجاز الذي حققته دولة الإمارات العربية المتحدة – بشكل أعمق – على أنه ليس مجرد حدث عرضي فقط وإنما تنبؤًا بالمستقبل. يُنظر إلى هذا المستقبل على أنه قائم على إعطاء الأولوية للتقدم التكنولوجي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتقنيات المعلومات والاتصالات، التي ستكون أدوات للتوسع غير الإقليمي والحصول على البيانات.
غالبًا ما يكون “تقديس التكنولوجيا” في صميم عصر التكنوسين. في عصر التقدم، ينظر إلى “الآلة” على أنها كيان قائم بذاته ومستقل عن البنى التحتية السياسية التي تخلقه وتدعمه، مما يعني أننا نرى التقدم التكنولوجي دون الاعتراف بالعمل الخفي وأنظمة الاضطهاد التي تقف وراءه.
يعد فهم عملية “تقديس التكنولوجيا” في خضم عصر التكنوسين أمرًا ضروريًا لتحليل رحلة الإمارات العربية المتحدة إلى المريخ، لأنها تؤثر علينا بعدة طرق بينما تمكننا من بناء تقنيات رقمية لتكون كيانات تعمل بشكل مستقل دون أن تتحمل مسؤولية أفعالها.
إن الاحتفال بإنجاز دولة الإمارات العربية المتحدة يضفي الشرعية على هياكل الاضطهاد التي جعلتها تصل إلى هذا التقدم التكنولوجي. وهذا يشمل مجتمعات المهاجرين الذين يعملون فوق طاقتهم ويتقاضون أجورا منخفضة في المقابل.
احتفال وأسى
في عصر التكنوسين، أصبحت الأرض زائلة وافتراضية ومجموعة من البيانات التي لا يستطيع غير الخبراء فك تشفيرها. هذا لا يغير علاقتنا بالأرض والطبيعة فحسب، بل يغير أيضا تخيلنا الاجتماعي والسياسي للحاضر والمستقبل.
نحن نشهد انقساما كبيرا: فنحن نحتفي بالتقدم التكنولوجي للدولة، لكننا نريد أيضًا التحرر من الدولة الاستبدادية. كيف يمكننا أن نحتفل بالانتصارات ونحزن على الخسائر في الآن ذاته؟ إننا نتخذ خيارا سياسيا مقصودا لكبت الحزن، ونحتفل بدلا من ذلك بالانتصارات الملحوظة.
إن الاحتفال دون دراسة التفاعلات بين التقنيات والأسواق والأنظمة يُكبّلنا أكثر فأكثر. لهذا السبب، يتيح لنا مفهوم التكنوسين الانخراط بعمق والتفكير في العصر الناشئ. تمثل رحلة الإمارات إلى المريخ بداية حقبة جديدة تختلف تمامًا عن أي شيء سبقها، ولكنها مبنية على الماضي والحاضر القمعي والسلطوي.
تتمحور العديد من المشاريع والرؤى بشأن مستقبل البشرية – مثل تلك الخاصة بالإمارات العربية المتحدة – حول حرب التوسع غير الإقليمي واحتلال “الفضاء”. إن فهم التوسع غير الإقليمي ومعرفة الطرف الذي يتحكم في البيانات من شأنه أن يساعدنا على تفكيك الاحتفال بنظام استبدادي بطريقة تدفعنا أيضًا لقبول هذه الحقبة الجديدة – عصر الحزن والخوف والسيطرة، مع إمكانات لا نهاية لها للأمل.
البيئة السياسية
لهذا السبب علينا أن نستشهد بالسياسات التي تقوم عليها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول عصر التكنوسين لتوجيه تنظيمنا. يشير الاحتفال بنجاح رحلة مسبار الأمل إلى المريخ إلى أننا نحتاج إلى تحليل الطريقة التي ننظر بها إلى التكنولوجيا من أجل بناء خطاب متجذر في البيئة السياسية. إن التقدم التكنولوجي لا يعني بالضرورة أنه سيحقق التنمية، ولكن لا ينبغي تشويهه أيضًا.
تعتبر البيئة السياسية عملية لتسييس البيئة، كما هو الحال في فهم العلاقة بين العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع القضايا البيئية والتكنولوجية. ما نحتاجه هو التحرك نحو سياسة الإيكولوجيا المجتمعية، حيث لا تكون التكنولوجيا بضاعة مقدسة بل أداة تُستخدم في ظل المخاوف السياسية والبيئية.
إنني أدعو الجميع للتساؤل عن التداخل المستمر بين الطبيعة والتكنولوجيا، والحزن والأمل، والاحتفال والقمع. وأدعو لطرح منظور قائم على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول ما يعنيه التقدم التكنولوجي في ظل الأنظمة الاستبدادية. أدعوكم للتعبير عن تقديرنا للعمال المهاجرين الذين يجعلون كل هذا التقدم ممكنا.
كما أدعو للتفكير في شعارات “صناعة التكنولوجيا من أجل الخير” التي غالبا ما تستخدمها الدول الاستبدادية كذريعة لإخفاء السياسات القمعية وراء تقدمها التكنولوجي. بدلا من الحلم بالحلول التكنولوجية المتقدمة من قبل الأنظمة الاستبدادية (التي تهدف فقط إلى الحصول على البيانات)، دعونا نفكر في الاستدامة البيئية – مستقبل نتعرف فيه على التقنيات كاستراتيجيات اجتماعية من أجل عالم أفضل وأكثر عدلاً.
المصدر: ميدل إيست آي