في الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون وصول لقاح كورونا لبدء عملية التلقيح ضد الوباء، خرجت أخبار مفادها منح دولة عربية للرئاسة التونسية عددًا من الجرعات دون أن يتم إعلام الشعب بها. خبر إن ثبت صحته سيكون بمثابة الفضيحة خاصة أن المتهم الأول رئيس البلاد الذي ما فتئ يرفع شعار مكافحة الفساد والمحسوبية، فهل يستقيل المتورطون أسوة بما حصل في الأرجنتين؟
تأخير كبير
انتهى شهر فبراير/شباط، لكن لم تنطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد جائحة كورونا في تونس كما كان متوقعًا، وسبق أن أعلن وزير الصحة التونسي فوزي المهدي، أن بلاده ستتلقى في منتصف فبراير/شباط نحو 94 ألف جرعة من لقاح “فايزر”، مع نحو مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا نهاية فبراير.
وحتى مساء الأحد، بلغ إجمالي الإصابات بوباء كورونا في البلاد 233 ألفًا و277 شخصًا، فيما بلغ عدد المتعافين من الفيروس 198 ألفًا و6 أشخاص، أما العدد الإجملي للوفيات منذ مارس/آذار الماضي فقد بلغ 8001 وفاة.
تتخلف تونس عن المغرب والجزائر اللتين بدأتا حملات التلقيح أواخر يناير/كانون الثاني باستخدام لقاحي أسترازينيكا/أكسفورد وسبوتنيك-في، كما تتخلف عن باقي دول العالم التي بدأ أغلبها في حملات التلقيح وشارف العديد منها على الانتهاء.
نفي الرئاسة تلقي الرئيس اللقاح وتوجيهه للصحة العسكرية، لم يستسغه الكثير من التونسيين
إلى الآن، تنتظر تونس حصتها من اللقاح، بموجب الانضمام لمبادرة “كوفاكس“، حيث من المنتظر أن تتحصّل على 4.8 ملايين جرعة من لقاح كورونا، وفق ما صرح به ممثل منظمة الصحة العالمية في تونس إيف سوتيران، ويعمل برنامج “كوفاكس” في إطار منظمة الصحة العالمية، كبرنامج عالمي لتطعيم الناس في البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل التي لا تمتلك القدرة على توقيع اتفاقات ثنائية للشراء المسبق للقاح.
وفي انتظار وصول اللقاح، فتحت وزارة الصحة باب التسجيل للحصول على اللقاح لكل التونسيين عبر تطبيق إلكتروني خاص أو خدمة الإرساليات القصيرة، بما يمكّن أكبر عدد ممكن من المواطنين من تسجيل أسمائهم على قائمة الانتظار.
لقاح إماراتي يصل الرئاسة
بينما ينتظر التونسيون اللقاح ويستمعون لتبريرات المسؤولين في اللجنة العلمية لمكافحة كورونا عن سبب هذا التأخر الكبير، خرجت معلومات من تحت قبة البرلمان تؤكد وصول جرعات من اللقاح لرئاسة الجمهورية.
النائب في البرلمان ياسين العياري، قال في تدوينة على صفحته الرسمية على فيسبوك إن سفير الإمارات في تونس، أعلم دبلوماسيين تونسيين أن بلاده قدمت هدية لرئاسة الجمهورية، 100 جرعة من تلقيح الكوفيد، موضحًا أنه علم بالأمر عن طريقهم منذ أيام.
بدوره أكد رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام في البرلمان بدر الدين القمودي أن تلقيح كورونا وصل إلى تونس من دول خليجية وأن هذه معلومة شبه مؤكدة، وأكد القمودي أن الكمية التي وصلت من التلقيح وزعت على كبار المسؤولين والسياسيين وقيادات أمنية.
أشارت تقارير عديدة أن اللقاح الذي وصل من الإمارات، وزِع في مؤسسة الرئاسة وقد استفاد منه الرئيس قيس سعيد وبعض أفراد الحاشية المحيطين، إلا أن مصدرًا للرئاسة قال لرويترز إن الإمارات قدّمت 1000 تلقيح للرئاسة، وهي بدورها وضعتها على ذمة مصالح الصحة العسكرية ولم يتلق أي شخص من الطاقم الرئاسي التلقيح.
لكن الغريب أن اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا لا علم لها بجرعات التلقيح التي تلقتها الرئاسة، وفق تصريح لرئيس لجنة التلقيح الهاشمي الوزير لمراسل التليفزيون العربي في تونس.
نفي وتأكيد
نفت الرئاسة تلقي قيس سعيد اللقاح قبل الشعب، لكنها أكدت في المقابل تلقيها الهبة الإماراتية، ما جعل العديد من التونسيين يتساءلون عن سر عدم كشف الرئاسة عن هذه المنحة إلا بعد أيام من وصولها وهي التي سارعت إلى تأكيد نية الصين منح تونس مئة ألف جرعة لقاح ونية الجزائر اقتسام اللقاح مع تونس (نفى الجانب الجزائري الخبر).
قيس سعيد الذي ما فتئ يؤكد ضرورة الشفافية في جميع الملفات ومكافحة الفساد، حتى إنه رفض أداء الوزراء الجدد لليمين الدستوري وعطّل عمل الحكومة بحجة فساد هؤلاء الوزراء، يُتهم حاليًّا بالفساد والتغطية على الفاسدين.
يأمل تونسيون أن يتم محاسبة المتورطين في الأمر والمستفيدين منه، حتى لا تتضرر صورة تونس في الخارج
نفي الرئاسة تلقي الرئيس اللقاح وتوجيهه للصحة العسكرية، لم يستسغه الكثير من التونسيين، خاصة أن الرئاسة سبق لها أن تعمّدت تغطية الحقائق بخصوص ملف “الطرد البريدي المشبوه”، وقالت حينها إن الطرد مسموم وهو ما نفته النيابة العمومية.
يقول العديد من المتابعين للشأن العام في تونس إن الرئاسة لم تكن لتتكلم عن هذا الموضوع لو لم يُعلنه بعض النواب وخرج إلى العلن، ذلك أنها كانت تريد التغطية عليه حتى لا تتم المحاسبة ولا توجّه لها أصابع الاتهام.
واستغرب تونسيون الإعلان المتأخر الذي جاء بعد ساعات من الكشف عن وصول الهبة الإماراتية في مخالفة للمعايير، وسأل ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن أسباب عدم إعلان تلقي الرئاسة المنحة الإماراتية، والتكتم على أسماء المستفيدين منها، معبّرين عن غضبهم من التمييز.
هل نشهد استقالات قريبة؟
لا نعلم بعد تفاصيل المسألة ولا المستفيدين من اللقاح ولا نوعه وهل مُنِح رخصة ترويج في تونس أم لا، لكن نعلم أن في دولة أخرى – وهي الأرجنتين – قدّم فيه وزير الصحة غينيس غونزاليس غارسيا استقالته إلى الرئيس ألبرتو فرنانديز، بعد كشف تلقي أصدقاء للوزير اللقاح المضاد لفيروس كورونا قبل بدء الحملة الرسمية للتطعيم.
خرجت فضيحة تلقي أصدقاء الوزير اللقاح بشكل مسبق إلى العلن بعد إعلان الصحافي هوراسيو فيربتسكي البالغ 71 عامًا في لقاء إذاعي أنه يدين لصديقه الوزير تمكّنه من أخذ اللقاح في مكتبه قبل السكان.
تأكد الآن، أننا أمام فضيحة جديدة، أركانها شخصيات في قصر رئاسة الجمهورية خالفت آليات ومعايير الحصول على اللقاح، وتجاوزت مبدأ العدالة والشفافية وخالفت الخطة الوطنية للتلقيح، حيث إنهم لم يتواصلوا مع اللجنة المكلفة بالتلقيح، وتلقوا اللقاح خارج إطار التراتبية، وفي مكان غير مخصص للتلقيح.
يأمل تونسيون أن يتم محاسبة المتورطين في الأمر والمستفيدين منه، حتى لا تتضرر صورة تونس في الخارج، خاصة أن الجهات المانحة تشترط الشفافية والمساواة في مسألة التلقيح لتقديم المساعدات للدول المستحقة.
أسئلة عديدة يطرحها التونسيون بخصوص اللقاحات الإماراتية التي وصلت رئاسة الجمهورية دون أن تعلمهم، في انتظار استقالة المسؤول عنها وتقديمه إلى القضاء لمحاسبته على الجرائم التي اقترفها بحق البلاد، ولا سيما أن الرئيس قيس سعيد الذي أكّد في أكثر من مرة إصراره على مكافحة الفساد والتصدي للفاسدين، يجد نفسه اليوم أمام قضية فساد كبيرة، ستكون امتحانًا مهمًا له، وسينتظر التونسيون كيفية تعامله معها، حتى يعلموا الفاسد من الصالح في البلاد.