ترجمة وتحرير: نون بوست
قال الناشط والفيلسوف كورنيل ويست إنه على ثقة بأن انتقاده لـ “إسرائيل” كلفه وظيفة تدريس في جامعة هارفارد.
وأعلن أستاذ الفلسفة في كلية الديانات بجامعة هارفارد الأسبوع الماضي أنه قد يغادر الجامعة بعد أن حُرم من وظيفته الأكاديمية زاعماً أن ذلك جاء عقاباً له على آرائه حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وقال ويست الذي يبلغ من العمر سبعة وستين عاماً، والذي يحتل منصباً تدريسياً مشتركاً في قسم الدراسات الأفريقية والدراسات الأمريكية الأفريقية، في مقابلة بثتها منصة صوتية اسمها تايت روب (الحبل المشدود) يوم الثلاثاء: “هذه هي فرضيتي، لأننا إذا أخذنا بالاعتبار لماذا لم يُبدوا مجرد اهتمام بالبدء بعملية التوظيف، فماذا يمكن أن يكن السبب سوى ذلك؟ ولقد سألتهم، ولم تصلني منهم إجابة.”
وأضاف ويست: “تكمن المشكلة في أن {الحديث حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين} قضية محرمة في بعض الأوساط في الأماكن العليا. ومن العسير أن يدير المرء حواراً قوياً ومحترماً حول الاحتلال الإسرائيلي لأنك ينظر إليك مباشرة على أنك معاد لليهود، أو كاره لهم، أو {لديك} تحيزات ضد اليهود. وذلك على الرغم من أن لدينا عدداً كبيراً من الرفاق اليهود، الإخوة والأخوات اليهود، ممن ينتقدون الاحتلال الإسرائيلي، ولكن ليس في المواقع العليا.”
وقال ويست، الذي يعتبر واحداً من رواد الفكر في أمريكا، في مقابلته يوم الثلاثاء إن رمزية ألا يمنح المنصب تكمن في واقع الأمر في {رغبة} الجامعة التنصل من تحمل المسؤولية كاملة عن وجوده فيها.
من المعلوم أن الجامعات الأمريكية حينما تمنح منصباً أكاديمياً فإن ذلك يُعتبر بمثابة تعيين دائم في المؤسسة، حتى بات العلماء يعتبرون مثل تلك المناصب ضماناً للحرية الأكاديمية.
واجهت جامعة هارفارد في الماضي انتقاداً لرفضها منح مناصب لعلماء اعتبروا مثيرين للجدل
قال ويست: “لست من النمط الذي يقنع بالمرور عبر الأبواب الخلفية. لقد اصطدموا برجل أسود ليس على هواهم. إذا لم أكن رجلاً أسود حراً، وقادراً على الاحتفاظ بكرامتي، فلن أقبل بأن أكون في مثل هذا المكان.”
واجهت جامعة هارفارد في الماضي انتقاداً لرفضها منح مناصب لعلماء اعتبروا مثيرين للجدل، إلا أن كثيراً من المراقبين أعربوا عن دهشتهم في أن يبقى عالم في مقام ويست غير مثبت في منصب دائم.
لم تستجب جامعة هارفارد لطلب من موقع ميدل إيست آي للتعليق، إلا أن صحيفة ذي بوسطن غلوب قالت إن متحدثاً باسم هارفارد ناقض توصيف ويست للأحداث.
المشاركة في جرائم إسرائيل
في مقابلة مع ميدل إيست آي، قال دافيد كلاين، عضو الحملة الأمريكية لمقاطعة “إسرائيل” أكاديمياً وثقافياً وأستاذ الرياضيات في جامعة ولاية كاليفورنيا، إن هناك تاريخاً طويلاً من محاولات إسكات منتقدي “إسرائيل” أو طردهم من مواقعهم الأكاديمية.
وقال كلاين إن رواية ويست عما حصل معه ما هي في الأغلب سوى قمة الجبل الجليدي.
كما أن ويست ناقد معروف للقسوة التي تمارسها الشرطة في الولايات المتحدة وناقد كذلك لأتباع نظرية التفوق الأبيض ولظاهرة الهوموفوبيا (الخوف من المثليين).
في خطاب له في عام 2017، قال ويست إن “انحدار وسقوط الإمبراطورية الأمريكية ماضٍ، وإن القوى المهيمنة ستكون هي الكراهية والحسد والحقد والخوف من الغرباء، والكراهية المعادية لليهود، والكراهية المعادية للعرب، والكراهية المعادية للفلسطينيين، وسوف تستهدف النساء، وبشكل خاص السود والملونين.”
وفي ذلك يقول كلاين: “من الأمور الملاحظة أن المرء بإمكانه أن ينتقد تقريباً أي شيء داخل الجامعات، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلا إسرائيل التي تعتبر فعلياً فوق النقد.”
إذا كان الرواد من المفكرين مثل كورنيل ويست أو مارك لامونت هيل يتعرضون للهجوم بسبب مواقفهم المبدئية تجاه فلسطين، فليس من الصعب تصور ما عليه وضع الأكاديميين الأقل شهرة منهم
كما عرف ويست بمطالبته المنتظمة بأن تسحب جامعة هارفارد استثماراتها من الشركات التي يصفها بأنها “شريكة للاحتلال الإسرائيلي.”
طبقاً لصحيفة هارفارد كريمسون، تستثمر جامعة هارفارد ما يقرب من 200 مليون دولار في شركات “ترتبط بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.”
وفي فبراير / شباط 2020 دعت مجموعة تسمى “فلتخرج هارفارد من فلسطين” الجامعة إلى سحب استثماراتها من شركات تعمل داخل المناطق المحتلة.
يقول كلاين: “إذا كان الرواد من المفكرين مثل كورنيل ويست أو مارك لامونت هيل يتعرضون للهجوم بسبب مواقفهم المبدئية تجاه فلسطين، فليس من الصعب تصور ما عليه وضع الأكاديميين الأقل شهرة منهم.”
ساندوا مع ويست
حصل ويست على الدكتوراه من جامعة برينستون في عام 1980 ومنح بعد ذلك مباشرة منصباً في جامعل ييل ثم فيما بعد في جامعة هارفارد، حتى ارتقى إلى موقع بروفيسور، وهو الموقع الذي يعتبر الأرقى داخل الجامعة.
ثم غادر هارفارد في 2002 على إثر خلاف مع رئيسها آنذاك لورنس إتش سامرز. ثم عاد إلى هارفارد في عام 2017 بعد أن عرضت عليه الجامعة وظيفة غير دائمة كأستاذ في الفلسفة.
يقول ويست إنه قبل بالوظيفة لأنها كانت كل ما منحته إياه هارفارد في ذلك الوقت، ولكنه طالبها هذا الشهر بوظيفة دائمة انطلاقاً من التقرير الإيجابي حول خدمته فيها لخمسة أعوام.
إلا أن الجامعة رفضت طلبه ومنحته بدلاً من ذلك عقداً لعشرة أعوام وزيادة في الراتب، مما دفع ويست للصدع.
في مقابلة مع ميدل إيست آي قالت إلسا أورباخ من جامعة ماساشوستس: “كورنيل ويست مفكر معروف على مستوى العالم ووجوده في هارفارد شرف لها.”
أصدرت مجموعة من الطلاب في جامعة هارفارد يوم الاثنين بياناً عبرت فيه عن تضامنها مع ويست
وأضافت: “إلا أن الجامعة أطلت بوجهها المنافق حيث أنها من ناحية وظفته للتدريس ضد العنصرية ومن ناحية أخرى اعتبرته لا يستحق أن يمنح منصباً دائماً فيها. يدفع موقف الجامعة المرء نحو التساؤل ما إذا كانت هناك قوى أخرى ضالعة في الموضوع. هل من الممكن، كما اقترح بعضهم، أن يكون قد ساهم في قرار جامعة هارفارد النقد العلني الذي يوجهه البرفسور ويست للسياسات العنصرية التي تمارسها إسرائيل ومطالبته بإنصاف الفلسطينيين؟ كان ينبغي على هارفارد، وبالذات لأنه يصدح بالحق في وجه السلطان، أن تحرص على منحه منصباً دائماً فيها، حتى لو كان في ذلك ما يسبب عدم الارتياح لدى البعض.”
أصدرت مجموعة من الطلاب في جامعة هارفارد يوم الاثنين بياناً عبرت فيه عن تضامنها مع ويست.
وجاء في الخطاب الذي وقعه العشرات من طلبة الدراسات العليا في الجامعة: “كطلاب دراسات عليا ضمنا حرم الجامعة مع الدكتور ويست لعدد من السنين، فإننا نرى أن قرار هارفارد رفض منح منصب دائم لمفكر في وزن ومكانة الدكتور ويست إنما هو تعبير عن انعدام الاحترام له وللمجتمع الذي ساعد في بنائه.”
وأضافوا في خطابهم: “ما من شك في أن مطبوعاته ومساهماته العلمية ونشاطه العام وسجله التعليمي يتجاوز بمراحل متطلبات التقدم للحصول على منصب أكاديمي دائم.”
قال ويست إن قراره الخروج إلى العلن والتحدث عن الموضوع إنما يهدف إلى توجيه رسالة إلى العلماء الشباب من السود الذين يواجهون تحديات مشابهة في الوسط الأكاديمي.
وأضاف: “إما أن تبقى أو تقرر الرحيل، ولكنك لا تسمح لظلام الليل بأن يلفك بصمت. لابد أن تسلط الضوء على ما يجري، وذلك رجاء أن يملك الجيل القادم حظه من التمكين في هذا الصدد.”
المصدر: ميدل إيست آي