ترجمة وتحرير: نون بوست
عقد وريث العرش البريطاني، الأمير تشارلز، 95 اجتماعا مع ثمانية أنظمة ملكية قمعية في الشرق الأوسط منذ احتجاجات “الربيع العربي” سنة 2011 التي هددت سلطتها. وقد لعب تشارلز دورا رئيسيا في الترويج لصادرات أسلحة بريطانية بقيمة 14.5 مليار جنيه إسترليني إلى هذه الأنظمة في العقد الماضي.
- تميل زيارات تشارلز إلى تبييض انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط، وغالبا ما تتزامن مع قمع نشطاء المعارضة أو وسائل الإعلام.
- يلعب الأمير دورا رئيسيا في ترسيخ علاقات المملكة المتحدة مع الحلفاء الرئيسيين، بصفته بائعا فعليا رفيع المستوى لصادرات الأسلحة البريطانية ومعززا للتعاون العسكري.
- في الوقت الذي يؤكد فيه القصر أن زياراته ذات طابع ثقافي، غالبا ما تكون اجتماعات تشارلز مع كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين والأمن الداخلي.
- تشارلز هو أيضا راعي وكالات المخابرات البريطانية.
وجد البحث الذي أجراه موقع “ديكلاسيفايد” أن الأمير تشارلز عقد 95 اجتماعا مع العائلات الحاكمة في ممالك الشرق الأوسط منذ أن هددت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية سلطتهم في الانتفاضات التي حدثت قبل عقد من الزمان. في الواقع، نزولا عند طلب من وزارة الخارجية، ساعدت دبلوماسية تشارلز في المنطقة على ترسيخ تحالفات المملكة المتحدة المثيرة للجدل مع الأنظمة غير الديمقراطية، كما دعمت صادرات أسلحة بقيمة 14.5 مليار جنيه إسترليني لها في العقد الماضي.
خلال سنة 2011، التي شهدت اندلاع ثورات الربيع العربي، التقى تشارلز بستة من ملوك الشرق الأوسط، من البحرين والأردن والكويت والمغرب وقطر والمملكة العربية السعودية، من جملة ثمانية. وعقد بعد ذلك اجتماعات عديدة مع عائلات من عمان والإمارات العربية المتحدة. تزامنت العديد من هذه الزيارات أو سبقت أعمال قمع محددة، مارستها هذه الأنظمة – لا سيما ضد نشطاء المعارضة أو وسائل الإعلام أو الأقليات الدينية – وهي الأعمال التي أدانتها بانتظام جماعات حقوق الإنسان.
تسلط جميع العائلات المالكة في المنطقة قمعا شديدا على مجموعات المعارضة، لكن قطر والمملكة العربية السعودية قدّمت الدعم للجماعات المتطرفة في سوريا وليبيا وزوّدتها بالأسلحة، بينما لعبت الإمارات دورا رائدا مع السعوديين في الحرب المدمرة في اليمن.
عندما يسافر الأمير تشارلز إلى الخارج، تسلط البيانات الصحفية التي ينشرها قصر باكنغهام الضوء على زياراته التي تخدم الأعمال الخيرية والمدارس والمستشفيات، وتقدم صورا له ولزوجته كاميلا – المعروفين معا باسم دوق ودوقة كورنوال – مع أطفال مبتسمين. ومع ذلك، يلتقي تشارلز أيضا بشكل روتيني مع كبار الشخصيات العسكرية والاستخباراتية والأمن الداخلي، إما في رحلات خارجية تدفع تكاليفها الخزانة العامة البريطانية أو في كلارنس هاوس، مقر إقامته الرسمي في لندن.
بالنسبة للزيارات إلى الشرق الأوسط، تشمل الدعاية صور تشارلز في المساجد ومواقع التراث الإسلامي، لتلميع صورته “كمدافع عن الإيمان” ورمز للتسامح الديني. وبصورة ثابتة تقريبا، يقع اعتماد الجمل ذاتها من قبل المراسلين الملكيين البريطانيين، الذين نادرا ما يركزون على السياسة والاضطهاد الذي يصاحب رحلاته. في الواقع، تعد زيارات تشارلز جزءا من مشاركة أوسع للعائلة المالكة البريطانية مع ممالك الشرق الأوسط في دعم السياسة الخارجية للمملكة المتحدة. وجد الجزء الأول من هذا التحقيق أن أفراد العائلة المالكة قد التقوا بملوك المنطقة في 217 مناسبة منذ سنة 2011.
تشارلز والملوك: بداية الربيع العربي
كان استعداد الأمير تشارلز لدعم العائلات المالكة في الشرق الأوسط واضحا منذ بداية الربيع العربي، عندما تناول هو وكاميلا العشاء مع ملك المغرب، محمد السادس، في قصره بالرباط في الرابع من نيسان/أبريل 2011.
في انتهاك للقانون الدولي، احتل المغرب منذ فترة طويلة جارته الجنوبية، الصحراء الغربية. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، قامت قوات الأمن المغربية بتفريق مخيم “أكديم إزيك” في الإقليم، حيث نصب آلاف النشطاء الصحراويين خياما، مما تسبب في سقوط ضحايا من الجانبين.
سرعان ما امتدت هذه الاضطرابات، التي سبقت الاحتجاجات التي حظيت بتغطية إعلامية مهمة في بداية الربيع العربي في تونس، إلى المغرب نفسه، حيث نظم الطلاب والمعلمون مظاهرات ضخمة للمطالبة بتقييد سلطة النظام الملكي. ووعد الملك محمد السادس بمجموعة من الإصلاحات لكن الكثير من الناس استمروا في الاحتجاج مطالبين بنظام ملكي دستوري قبل أيام من وصول الأمير تشارلز.
من بين المرافقين الملكيين، نجد كلايف ألدرتون، وهو دبلوماسي محترف معار مؤقتا إلى كلارنس هاوس. كان من المقرر أن يعود إلى وزارة الخارجية السنة التالية – كسفير للمملكة المتحدة في المغرب. للتأكيد على دعمهما للنظام، زار تشارلز وكاميلا قاعدة عسكرية أثناء وجودهما في المغرب، وشاهدا عرضا للقفز المظلي الحر قام به اللواء الأول للمشاة المظليين المغربي.
كما وضع تشارلز إكليلا من الزهور على ضريح الملك الحسن الثاني، في خطوة أثارت انتقادات من زعيم الاحتجاج، الذي أشار إلى أن اسم الحاكم السابق للمغرب يرتبط “بسنوات الرصاص”، وهي فترة تعرض فيها مئات المعارضين للتعذيب أو القتل في عهده.
بعد شهر من الزيارة التي أداها إلى المغرب، التقى تشارلز برئيس الوزراء القطري آنذاك، الشيخ حمد بن جبر آل ثاني في لندن في 23 أيار/مايو 2011. وكان الشيخ حمد بن جبر آل ثاني، وهو أحد أغنى الرجال في العالم. وقد ذُكر اسمه في السابق في مزاعم غسل الأموال في صفقة أسلحة مع شركة بي أي إي سيستمز. أما قطر، بسكانها المحليين الأثرياء والقليلين، فلم تتأثر نسبيا بالربيع العربي، لكنها الآن تلعب دورا دوليا نشطا، حيث ترسل الأسلحة والتمويل إلى الجماعات المتمردة في سوريا وليبيا التي لدى بعضها أجندة إسلامية متطرفة.
إثر ذلك، سافر تشارلز في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 إلى العاصمة السعودية الرياض لليلة واحدة بتكلفة 67215 جنيه إسترليني. هناك، “قدم التعازي للعائلة المالكة السعودية” في وفاة ولي العهد الأمير سلطان، الذي توفي في الثمانينات من عمره بعد أن جمع ثروة هائلة. وبصفته وزير الدفاع السعودي منذ فترة طويلة، وافق سلطان على شراء أسلحة بمليارات الجنيهات من شركة الأسلحة البريطانية العملاقة بي أي إي سيستمز، في صفقات شابتها شبهات رشوة.
جاءت الجنازة وسط ما وصفته هيومن رايتس ووتش “بقمع المملكة العربية السعودية المستمر لمطالب المواطنين بمزيد من الديمقراطية” في أعقاب الربيع العربي. وكانت المملكة قد أعدمت ما لا يقل عن 61 سجينا في تلك السنة فقط، بينهم طفل، ورجل متهم “بالشعوذة”.
في إطار الاجتماع السادس لأمير ويلز مع أحد الملوك العرب في سنة 2011، رحّب تشارلز بملك البحرين حمد في كلارنس هاوس في منتصف كانون الأول/ديسمبر. واجهت البحرين أكبر معارضة شعبية في الخليج في تلك السنة، ونفّذت أكبر عمليات قمع. قُتل أكثر من 40 شخصًا وفُصل المئات من العاملين في القطاع العام من وظائفهم بسبب دعمهم للاحتجاجات، كما اعتقل النظام آلاف النشطاء وحكم على قادة الحركة المؤيدة للديمقراطية بالسجن مدى الحياة.
في محاولة لتهدئة بعض المخاوف الدولية، كوّن الملك حمد لجنة للتحقيق في مزاعم سوء المعاملة، حيث انعقد لقاؤه مع الأمير تشارلز بعد أسابيع من إصدار هذه اللجنة لتقريرها الذي سجل 559 مزاعم بالتعذيب.
2012: تفضيل الخيول على حقوق الإنسان
لم يسافر تشارلز إلى الشرق الأوسط في السنة التالية، لكنه بدلا من ذلك، عقد ستة اجتماعات مع أفراد من العائلة المالكة العربية خلال زيارتها للندن. كانت هناك زيارة رفيعة المستوى في 14 حزيران/يونيو 2012، عندما استدعى حاكم عمان السلطان قابوس كل من تشارلز وكاميلا في كلارنس هاوس.
في اليوم السابق، ندّدت هيومن رايتس ووتش “بحملة القمع الشاملة التي تشنها عمان ضد النشطاء السياسيين والمتظاهرين الذين تم اعتقالهم لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير والتجمع”. تمكّن قابوس، وهو أحد أقدم حلفاء المملكة المتحدة في الشرق الأوسط، من القضاء على المعارضة، ويدير واحدة من أكثر البلدان المنعزلة في المنطقة حيث تُحظر الأحزاب السياسية وتصنّف “إهانة السلطان” على أنها جريمة جنائية.
عندما اندلعت ثورات الربيع العربي في أوائل سنة 2011، نظّم المتظاهرون اعتصامات في جميع أنحاء المدن العمانية الكبرى للمطالبة بالإصلاح وإدانة الفساد، لكن قابوس ردّ باستعمال القوة، فأرسل رجال شرطة وجنودا قتلوا عدة متظاهرين بالرصاص واعتقلوا 800 شخص في مدينة واحدة.
في السنة التالية، وخلال تواجد قابوس في لندن للقاء تشارلز، حاول الناشط خلفان البدواوي كشف كيفية إنفاق السلطان للأموال العامة، ونظّم احتجاجا في العاصمة مسقط لتسليط الضوء على حقيقة نقل قابوس مؤخرا 110 خيلا إلى المملكة المتحدة داخل طائرتين من طراز بوينغ 777 خُصصتا لهذه الغاية.
في المملكة المتحّدة، قدّمت فرقة الفرسان العمانية عرضا يشمل هرما مؤلفا من 10 رجال يقفون على ظهور الخيل بينما عزف فرسان آخرون موسيقى أوركستراليّة داخل أراضي قلعة وندسور احتفالا باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث، وهو حفل كبير يقام بمناسبة مرور 60 سنة على اعتلاء الملكة العرش.
حاصرت عناصر شرطة مكافحة الشغب المتظاهرين الذين رفعوا لافتات كتب عليها “من الأهم، الخيول أم البشر؟” في الاحتجاج الذي نظّمه البدواوي، والذي تم اعتقاله وتعذيبه واتهامه “بإهانة السلطان” إثر ذلك.
خلال تواجد السلطان قابوس في لندن لمقابلة تشارلز والملكة، كان البدواوي محتجزا في الحبس الانفرادي في عمان، حيث تعرض للحرمان المستمر من النوم والاستجواب المتكرر على مدار 32 يوما. وفي الشهر التالي، تموز/يوليو 2012، رحب تشارلز بأمير الكويت في إنجلترا، حيث رافقه في “موكب سيارات إلى قلعة وندسور”، كما أقيمت مأدبة رسمية شارك فيها معظم أفراد العائلة المالكة في المملكة المتحدة.
تأتي هذه الزيارة بعد أشهر من حملات القمع التي تحدث في الكويت، على غرار تعليق نشاط صحيفة “الدار”، والحكم على المدون حمد الناقي بالسجن 10 سنوات بتهمة نشر تغريدات زُعم أنها مسيئة لحكام البحرين والسعودية وللنبي محمد صلى الله عليه وسلّم.
أنهى تشارلز سنة 2012 بزيارتين سريعتين مع أفراد العائلة المالكة العرب الآخرين، وعقد لقاء مع العاهل الأردني الملك عبد الله، في 12 كانون الأول/ديسمبر، أي بعد أسابيع من وفاة نجم الدين العزايزة، سائق سيارة ليموزين يبلغ من العمر 20 سنة، بطريقة مشبوهة على يد ضباط المخابرات العسكرية الأردنية. عقبت هذه الوفاة سنة مليئة بحملات القمع في الأردن، حيث قضى رئيس تحرير وكالة موقع جراسا الإخباريّة، جمال المحتسب، أسابيع رهن الاعتقال بعد أن اتهمه الادعاء العسكري بتهمة “تقويض نظام الحكم”.
2013: الاحتفال بالحرس الوطني السعودي
وسط حملات القمع المستمرة في الشرق الأوسط، شهدت سنة 2013 عقد تشارلز وكاميلا 15 اجتماعا مع أربعة ملوك عرب في شهر آذار/مارس فقط، حيث انطلقا في أوّل رحلة لهما في 11 آذار/مارس إلى الأردن للقاء الملك عبد الله وزوجته والعديد من الأمراء والأميرات. بعد ذلك، توجه تشارلز وكاميلا إلى قطر للقاء زوجة الأمير، الشيخة موزا بنت ناصر، ورئيس الوزراء حمد بن جاسم.
عقب ذلك، سافر الزوجان إلى القاعدة الجوية العسكرية في الرياض، ووصلا في 15 آذار/مارس 2013، أي بعد خمسة أيام من إصدار السلطات السعودية حكما بالسجن 10 و11 سنة على التوالي على كل من الناشطين الحقوقيين البارزين الدكتور محمد القحطاني والدكتور عبد الله الحامد.
وفقا لهيومن رايتس ووتش، أدين هذان الرجلان بتهم “قطع الولاء للحاكم” و”تكوين منظمة غير مرخصة” في إشارة إلى جماعة الضغط الخاصة بهما، وهي الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، التي أُجبرت على غلق أبوابها.
زار تشارلز وكاميلا المقر الرئيسي للحرس الوطني السعودي للاحتفال بالذكرى الخمسين للبعثة العسكرية البريطانية، وهو برنامج شديد السرية يشارك من خلاله ضباط الجيش البريطاني في الحرس الوطني السعودي، وهي وحدة أمنية داخلية سيئة السمعة لعبت دورا رئيسيا في قمع نشطاء الربيع العربي في المملكة العربية السعودية والبحرين.
وفقا لحملة مناهضة تجارة الأسلحة، تزامنت الزيارة السعودية مع محاولة شركة الأسلحة البريطانية العملاقة بي أي إي سيستمز الاتفاق على سعر بيع المزيد من الطائرات المقاتلة من طراز تايفون إلى المملكة. وكان ذلك في وقت كان فيه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني يحقق في شبهة فساد في العقد الذي يُنظم الاتصالات بين الحرس الوطني السعودي وتاجر أسلحة بريطاني آخر.
في ختام جولتهما في الشرق الأوسط في آذار/مارس 2013، وصل الزوجان إلى عُمان، حيث استقبلهما نائب رئيس الوزراء غير المنتخب، السيد فهد بن محمود آل سعيد، قبل انضمامهما إلى السلطان قابوس لتناول العشاء في قصره ببيت البركة في السيب.
وفقا لمكتب كلارنس هاوس، كان الهدف من الرحلة “تعزيز المصالح الدبلوماسية والتجارية للمملكة المتّحدة” في عمان، والتي كانت تتعلق حينها بصفقة بقيمة 2.5 مليار جنيه إسترليني لشراء 12 طائرة تايفون وثماني طائرات هوك من شركة بي أي إي سيستمز.
حاول الناشط العماني خلفان البدواوي تنظيم احتجاج على الزيارة الأخيرة للأمير تشارلز، إلا أن قوات عمانية خاصة ملثمة هاجمت سيارته في مناورة عالية السرعة ووضعوه في الحبس الانفرادي لمدة خمسة أيام في منتصف آذار/مارس 2013، حيث مارست قوات الأمن الداخلي العماني أساليب تعذيب نفسي عليه ، ولم تفرج عنه إلا بعد مغادرة الأمير تشارلز للبلاد.
في أيار/ مايو سنة 2013، رحب الأمير تشارلز بالرئيس غير المنتخب لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة، في كلارنس هاوس بعد زيارته إلى داوننغ ستريت. جاءت زيارة دولة الإمارات العربية المتحدة في وقت أرادت فيه شركة بي إيه إي سيستمز بيع 60 طائرة تابعة للنظام من طراز تايفون مقابل حوالي ثلاث مليار جنيه إسترليني، مع ازدياد القمع في الإمارات.
بداية من آذار/ مارس وصولا إلى تموز/ يوليو سنة 2013، عقدت الإمارات العربية المتحدة محاكمة جماعية لحوالي 94 ناشطا متهما بارتباطهم بحزب الإصلاح، المنبثق عن حزب الإخوان المسلمين الحاكم آنذاك الذي كان يدعو إلى الإصلاح السياسي في الإمارات. حينها، أدين 69 رجلا بمحاولة قلب نظام الحكم، مع أحكام بالسجن تصل إلى 10 سنوات.
في أواخر سنة 2013، التقى تشارلز بولي العهد البحريني الأمير سلمان والعاهل الأردني الملك عبد الله، في كلارنس هاوس. منذ زيارة تشارلز إلى الأردن في وقت سابق من سنة 2013، صعّدت السلطات هجماتها على حرية الصحافة من خلال حجب أكثر من 260 موقعا إخباريا. وفي أيلول/ سبتمبر سنة 2013، في إشارة للتضامن بين ممالك الشرق الأوسط، ألقت الشرطة الأردنية القبض على ناشر ومحرر موقع جفرا الإخباري بسبب نشره مقطع فيديو ينتقد العائلة المالكة في قطر.
2014: رقصة السيف السعودية
أتاحت السنة الموالية فرصة أخرى للأمير تشارلز لأداء دوره كبائع فعلي لشركة بي إيه إي سيستمز، في المملكة العربية السعودية وقطر. ففي 17 شباط/ فبراير، سافر تشارلز من سلاح الجو الملكي البريطاني بريز نورتون إلى الرياض، حيث قيل إنها رحلته العاشرة إلى المملكة في حياته. منذ زيارته الأخيرة في سنة 2013، ازداد وضع حقوق الإنسان سوءا مع تركيز الرأي العام الدولي على حكم المدون الليبرالي رائف بدوي بالسجن ست سنوات وجلده 600 جلدة بتهمة “إهانة الإسلام” (لاحقا أصبح الحكم 10 سنوات سجن و1000 جلدة).
استقبل الأمير السعودي متعب بن عبد الله آل سعود، قائد الحرس الوطني، فريق تشارلز الذي التقى لاحقا بسبعة أمراء آخرين، على غرار مقرن بن عبد العزيز، الذي ترأس المخابرات السعودية خلال الربيع العربي إلى غاية سنة 2012. بالإضافة إلى ذلك، التقى تشارلز بعبد العزيز بن عبد الله، نائب وزير الخارجية الذي قيل إنه ساهم في إنشاء “مركز عصبي” في تركيا لمحاولة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بدعم قطري. سرعان ما ظهر أن المساعدة السعودية للمتمردين السوريين كانت موجهة نحو الجماعات الأصولية مثل جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة.
لم يقع الكشف عن الحوارات التي أجريت في هذه اللقاءات نظرا لأن الأمير تشارلز مُعفى من قوانين حرية المعلومات البريطانية. وفي اليوم الموالي، أعلنت شركة بي إيه إي سيستمز انتهاءها من بيع أسلحة تُقدّر قيمتها بمليارات الجنيهات إلى المملكة العربية السعودية، لتوريد طائرات مقاتلة من طراز تايفون. بعد سنوات من التأخير، وقع إقناع السعوديين بالتوقيع بعد أن انضم إليهم تشارلز في رقصة السيف التقليدية، مرتديا الزي العربي. من جهتهم، أدان النشطاء هذه الحادثة بشدة، وذلك بعد إعدام المملكة العربية السعودية 79 شخصا على الأقل في السنة السابقة من خلال قطع الرأس.
سافر تشارلز إلى الدوحة، والتقى بوزير خارجية قطر قبل أن يمر إلى الإمارات والبحرين لاختتام جولته في الخليج. وبلغت التكاليف الإجمالية لهذه الجولة التي توقفت في أربع محطات، بما في ذلك الرحلة الاستطلاعية، حوالي ربع مليون جنيه إسترليني. على الرغم من عدم وجود مشكلة لدى تشارلز في دخول الإمارات العربية المتحدة، حيث التقى بولي عهد أبو ظبي، إلا أن الإمارات رفضت قبل شهر دخول أحد أعضاء منظمة هيومن رايتس ووتش ووضعت موظفين آخرين على قائمة السفر السوداء باعتبار أنهما يمثلان “خطرا على الأمن العام”.
2015: علاقة تنكيس العلم
طوال سنة 2015، استمر تشارلز في التعامل مع أفراد العائلة المالكة العربية على الرغم من تدهور وضع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. في كانون الثاني/ يناير، هرع تشارلز وديفيد كاميرون إلى الرياض، وأنفقوا 101.792 جنيها إسترلينيا على رحلة مستأجرة خصيصا لتقديم التعازي للأسرة الحاكمة السعودية في وفاة الملك عبد الله، بينما وقع تنكيس الأعلام في المباني الحكومية في المملكة المتحدة. في المقابل، أثارت مثل هذه الأعمال الرمزية انتقادات البعض في المملكة المتحدة، خاصة وأن المدون رائف بدوي تلقى مؤخرا أول 50 جلدة.
لاحقا، انطلقت جولة تشارلز من خمس ممالك في الشرق الأوسط في السابع من شباط/ فبراير، عندما قام برحلة مستأجرة خاصة من سلاح الجو الملكي البريطاني بريز نورتون مع مساعده العسكري، الكولونيل بيفان والدبلوماسي المخضرم جيمي بودين، الذي كان سفير المملكة المتحدة في عمان والبحرين خلال الربيع العربي. بعد قضاء ليلتين في الأردن، سافر تشارلز إلى الكويت ثم إلى الرياض لعقد اجتماعات مع خمسة من كبار أعضاء العائلة المالكة السعودية.
على الرغم من تسليط تشارلز الضوء على قضايا حقوق الإنسان والاهتمام بالتراث الإسلامي خلال الزيارة، إلا أن المملكة العربية السعودية أطلقت في الشهر الموالي عملية عاصفة الحزم، وهي هجوم جوي مدمر على جارتها الأفقر، اليمن. وترتب عن ذلك “التدمير الوحشي لإحدى أقدم المدن في العالم”، وذلك وفقا لما جاء على لسان خبير في الأمم المتحدة، حيث تعرضت العاصمة اليمنية التاريخية صنعاء لهجوم مدمر من خلال إسقاط العديد من القنابل في الحرب من طائرات بي إيه إي سيستمز، التي ساعد تشارلز في بيعها إلى المملكة العربية السعودية.
أنهى تشارلز جولته الخليجية برحلة ليوم واحد إلى قطر والإمارات العربية المتحدة التي ستنضم قريبا إلى الضربات الجوية التي تقودها السعودية، حيث التقى بأمير قطر وولي عهد أبو ظبي. قبل أسابيع، أي في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2014، حكمت الإمارات على الناشط أسامة النجار بالسجن ثلاث سنوات بتهم مثل “الإضرار بسمعة المؤسسات الإماراتية”.
في 12 شباط/ فبراير سنة 2015، عاد تشارلز إلى المملكة المتحدة. وبعد أقل من أسبوعين، عقد اجتماعا آخر مع العائلة المالكة السعودية في لندن حيث تناول العشاء مع ولي العهد في كلارنس هاوس. وبهذه الطريقة، أجرى تشارلز 19 لقاء مع أفراد العائلة المالكة العربية خلال أول شهرين من سنة 2015. وجاء اللقاء التالي والأخير لسنة 2015 في تشرين الثاني/ نوفمبر على هامش محادثات الأمم المتحدة للمناخ في باريس، حيث التقى ولي عهد البحرين بالأمير سلمان. وعندما استعان نبيل رجب، أبرز ناشط حقوقي في البلاد، بالتويتر للتنديد بدور البحرين في حرب اليمن، سرعان ما ألقي عليه القبض.
يندرج ذلك ضمن حملة من القمع شُنّت على الحريات المدنية في البحرين في تلك السنة. ومن بين القرارات التي تمخّضت عنها الحكم على الأمين العام لأكبر حزب معارض في البلاد بالسجن لمدة أربع سنوات. وقد أدى تتالي الاعتقالات منذ اندلاع الربيع العربي واستمرار تعذيب المعتقلين في السجون إلى انتفاضة في سجن جو، حيث اُحتجز السجناء السياسيون. وقع ردع الاحتجاجات بالغاز المسيل للدموع والخرطوش، ويُزعم أنه ذلك أعقبه مزيد من التعذيب والإذلال، بما في ذلك جعل المعتقلين يتجردون من ملابسهم الداخلية ويجاهرون بدعمهم لملك البحرين.
2016: جني ثمار الزوبعة
بحلول سنة 2016، عمّ الخراب داخل حركات المعارضة في العديد من دول الخليج. وبعد مضيّ خمس سنوات على اندلاع الثورة المضادة الممنهجة منذ الربيع العربي، تعرّض الجيل جديد من المثقفين والنشطاء في الشوارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى السجن أو التعذيب أو القتل ببساطة.
لكن الملك البريطاني اللاحق انغمس في عقد 24 لقاء آخر مع أفراد العائلات المالكة العربية في سنة 2016. وانطلق من خلال إنشاء حدث في المجتمع الأنجلو-عماني في لندن في 27 كانون الثاني/ يناير، حضره سيّد شهاب بن طارق آل سعيد، وهو الثالث في ترتيب عرش السلاطين العمانيين.
وبحلول ذلك الوقت، كان من بين موظفي تشارلز الرائد مات رايت، الذي شغل منصب مساعد الحارس الشخصي. وتمكّن رايت من أن يصبح قائدا في فريق مكون من 90 فردا من القوات البريطانية الذين تمّت إعارتهم لسلطان عمان.
أعرب الأمير تشارلز عن “سعادته” بدعوته إلى هذا الحدث الذي يجمع أفرادا من المجتمع الأنجلو-عماني ووصف سلطان عمان الأوتوقراطي بأنه “صاحب نظرة استشرافية”. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قيل إن تشارلز استقبل سيّد هيثم، وزير الثقافة العماني الذي سيصبح سلطانًا عمّا قريب.
قبل ثلاثة أسابيع، منح قاض بريطاني حق اللجوء للمعارض العماني خلفان البدواوي، لأنه “سيكون في خطر حقيقي عند عودته إلى عمان بسبب مواقفه السياسية”. أخذ القاضي تأكيد الخبراء على أن البدواوي كان “من أكثر المدافعين علنًا عن الإصلاحات الديمقراطية في عمان” بعين الاعتبار.
بعد أيام من تظاهرة المجتمع الأنجلو-عماني، زار أمير الكويت وملك الأردن تشارلز في كلارنس هاوس. وخلال ذلك، كان لديه متّسع من الوقت لزيارة مقر جهاز الاستخبارات البريطاني المعروف ب “إم آي 6” في وسط لندن، بصفته راعيًا لوكالات المخابرات البريطانية.
بدأ التخطيط لرحلة تشارلز القادمة إلى الخليج في أيلول/ سبتمبر سنة 2016. وأظهرت سجلات القصر أن طاقم الأمير أنفق ما يقرب على 20 ألف جنيه إسترليني في رحلة إلى البحرين وسلطنة عمان للقيام “بجولة استكشافية”. وفي الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016، سافر تشارلز وكاميلا في رحلة على حساب سلاح الجو الملكي البريطاني بريز نورتون، وهو ما كلف الخزانة العامة 72756 جنيهًا إسترلينيًا إضافية.
فور هبوطهما في العاصمة العمانية مسقط، استقبلهما سيّد هيثم وتناولوا العشاء سويا مع السلطان قابوس. وشارك تشارلز في رقصة السيف التقليدية، تماما مثلما فعل في المملكة العربية السعودية.
ذكر بيان صادر عن كلارنس هاوس الأهداف السياسية للرحلة، والتي تضمنت تعزيز “شراكة المملكة المتحدة في المنطقة في مجالات رئيسية مثل التعاون العسكري”. وعندما شارفت الرحلة على الانتهاء، التقى تشارلز بالقوات البريطانية التي وقع إعارتها للسلطان، والتي بلغ عدد أفرادها حوالي 195، بما في ذلك كبار الضباط.
جاءت هذه الزيارة في أعقاب أشهر من الاعتداءات على حرية التعبير في عمان. في الثامن من شباط/ فبراير 2016، حُكم على الدبلوماسي العماني السابق حسن البشام بالسجن ثلاث سنوات بتهم تشمل إهانة السلطان على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ومات في السجن في وقت لاحق.
في صائفة سنة 2016، اعتُقل ثلاثة من كبار الموظفين في الزمن، وهي الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، ثمّ في آب/ أغسطس، أمر جهاز الأمن الداخلي بإغلاق مقرّ الصحيفة.
مباشرة بعد جولة في عمان، وصل دوق ودوقة كورنوال إلى الإمارات العربية المتحدة، وذلك في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2016. وخلال زيارتهما، التقيا بشخصيات بارزة من الأسر الحاكمة، بما في ذلك ولي عهد أبو ظبي ورئيس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزوجته الأميرة الأردنية هيا.
كما تضمّنت الزيارة اجتماعات مع نائب القائد الأعلى للجيش الإماراتي، وهو ما لم يذكره البيان الصحفي للقصر. وكانت الاجتماعات مع الجيش الإماراتي في هذا الوقت حساسة جدا نظرا للدور الذي يلعبه في الساحة اليمنيّة، حيث كان يستخدم المرتزقة لشنّ حرب بريّة واحتجاز السجناء في مواقع سوداء حيث كان التعذيب منتشرًا.
أعربت هيومن رايتس ووتش عن قلقها بشأن رحلة تشارلز إلى الإمارات، كما سلطت الضوء على أن 43 مواطنا بريطانيا تعرضوا إلى التعذيب أو سوء المعاملة أثناء احتجازهم على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث توفي السجين، لي برادلي براون، في الحبس الانفرادي في زنزانة لشرطة دبي، بعد تعرضه للضرب المبرح من قبل الضباط حسبما زُعم.
كانت المحطة الأخيرة في جولة تشارلز وكاميلا للخليج الأكثر إثارة للجدل، تحديدا حين توجه الزوجان إلى البحرين في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. وجاء ذلك بعد أسابيع فقط من احتجاج البحرينيين المنفيين في لندن بالقرب من سيارة الملك حمد من نوع الليموزين أثناء توجهه إلى داونينج ستريت.
ردا على هذا الاحتجاج، استهدفت السلطات البحرينية عائلة أحد اللاجئين، وهو سيد الوداعي، واحتجزت زوجته دعاء واستجوبتها بعنف أثناء محاولتها مغادرة البحرين إلى لندن مع ابنهما البالغ من العمر 19 شهرا. كان ذلك إشارة إلى أن الاحتجاج المشروع في بريطانيا سيؤدي إلى الانتقام في البحرين.
بعد لمّ شمله مع زوجته وابنه في لندن، قال الوداعي لصحيفة ذي إندبندنت: “زيارة الأمير تشارلز تعطي السلطات البحرينية الضوء الأخضر لمواصلة قمعها الذي تستخدمه لتبييض انتهاكات حقوق الإنسان”.
مضى تشارلز وكاميلا قدما في رحلتهما إلى البحرين، حيث استقبلهما ولي العهد البحريني لدى وصولهما، وقد تناولا العشاء مع الملك حمد وزوجته سبيكة في قصر الروضة.
بعد تلك الرحلة، اعتقلت السلطات البحرينية السياسي المعارض، إبراهيم شريف، الذي تحدث إلى وكالة أنباء أمريكية عن الزيارة الملكية. وكان شريف قد أخبر وكالة أسوشيتيد برس بأن زيارة تشارلز للبحرين يمكن أن “تبيّض” قمع النظام للمعارضة.
اتهمته النيابة “بالتحريض العلني على كراهية النظام السياسي في البحرين”، رغم إسقاط التهم في غضون أسبوعين بعد أن أخذت الاحتجاجات منحى دوليا.
2017: أعاصير وخيول وفرقة إعدام
بعد سلسلة من الاجتماعات المكثفة مع أفراد العائلة المالكة العربية في سنة 2016، عقد تشارلز ثماني اجتماعات أخرى فقط مع الأنظمة الملكية في الخليج، وتولت العناصر الأصغر سنا في العائلة المالكة إدارة هذه المبادرات.
في آذار/ مارس سنة 2017، استقبل تشارلز رئيس الوزراء القطري غير المنتخب، الشيخ عبد الله، أحد أفراد العائلة المالكة ووزير الداخلية السابق. كما التقى الشيخ عبد الله برئيسة الوزراء تيريزا ماي في داونينج ستريت حيث اتفق النظيران “على أهمية التعاون الأمني وتعزيز التعاون في مجال الأمن والدفاع السيبراني”. آنذاك، كانت قطر عضوًا في التحالف الذي تقوده السعودية الذي يقصف اليمن، وهي حملة عسكرية تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم. في وقت لاحق من سنة 2017، وافقت قطر على شراء 24 طائرة من طراز تايفون من شركة بي أيه إي سيستمز مقابل خمسة مليار جنيه إسترليني.
بعد الزيارة القطرية، التقى تشارلز مرة أخرى بولي العهد البحريني الأمير سلمان في منتصف أيار/ مايو سنة 2017 في كلارنس هاوس. وجاء ذلك بعد أيام من رؤية والد سلمان، الملك حمد، والدة تشارلز والأخ الأصغر أندرو في معرض رويال ويندسور للخيول. واحتج المنفيون البحرينيون في هذا الحدث، مما أدى إلى اعتقال أفراد عائلاتهم في المنزل. وكانت تلك المرة السادسة منذ الربيع العربي التي عوقب فيها نشطاء خليجيون على وجه التحديد بسبب التحدث علانية ضد الزيارات الملكية من أو إلى المملكة المتحدة.
في الواقع، كانت الاعتقالات جزءًا من نمط القمع المتصاعد في البحرين الذي شهد إعدام ثلاثة سجناء سياسيين رميا بالرصاص في إحدى الليالي في كانون الثاني/يناير سنة 2017. وكان ذلك أول استخدام في البحرين لعقوبة الإعدام منذ سنة 2010، حيث يُزعم أن الرجال تعرضوا للتعذيب للإدلاء باعترافات كاذبة. في هذا الإطار، اعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، الدكتورة أغنيس كالامارد، أنها “عمليات قتل خارج نطاق القضاء”. بعد أيام من لقاء تشارلز مع ولي العهد في 16 أيار/ مايو سنة 2017، حظرت البحرين حزب المعارضة العلماني الرئيسي، جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، وأغلقت صحيفة الوسط، التي تعد الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد.
2018: تناول الطعام مع الجلادين
في العام الموالي، وبالتحديد في مارس/آذار سنة 2018، أقام تشارلز وابنه ويليام مأدبة عشاء في كلارنس هاوس لولي العهد السعودي الجديد، محمد بن سلمان. كان تصوير محمد بن سلمان على أنه مصلح، جزءا من عملية علاقات عامة كبيرة في وزارة الخارجية في محاولة لتحسين سمعة الرياض بعد الخلافات البارزة. من جانبه، ادعى سفير بريطانيا في المملكة العربية السعودية، سيمون كوليس، أن سرعة التغيير في المملكة العربية السعودية كانت “مذهلة للغاية“، وذلك في مقطع فيديو وقع تصويره خصيصا للترويج لزيارة محمد بن سلمان. كما كتب وزير الخارجية آنذاك، بوريس جونسون، في صحيفة التايمز مقالا يحمل عنوان “المصلح السعودي محمد بن سلمان يستحق دعمنا”.
بعد أيام من الزيارة، اتضح أن شركة بي أيه إي سيستمز اقتربت من إبرام صفقة أسلحة بمليارات الجنيهات مع المملكة العربية السعودية لبيع 48 طائرة من طراز تايفون أخرى، لتضاف إلى أسطول الرياض الحالي من طائرات تايفون التي كانت تقصف اليمن. وعلى الرغم من أن جهود وايتهول وبيت وندسور الرامية لتشجيع محمد بن سلمان ربما تكون قد أقنعت بعض الناس، إلا أن هذا الوهم تحطم في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2018، عندما قتلت السلطات السعودية الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي وقطعته أشلاء في قنصليتها في تركيا.
2019 و2020: جنازات لا وداعات
نجح تشارلز في تنظيم لقاء واحد مع ملك خليجي خلال السنة الموالية، ربما ثبتت براءته من مقتل خاشقجي. فضلا عن ذلك، التقى تشارلز بوزير الدفاع الكويتي ونائب رئيس الوزراء الشيخ ناصر في دومفريز هاوس، إحدى عقارات تشارلز الاسكتلندية، في أيار/مايو خلال سنة 2019. وفي كانون الثاني/ يناير سنة 2020، مثلت وفاة السلطان قابوس، الحاكم الأطول خدمة في الشرق الأوسط الذي كان في السلطة لمدة 50 سنة، خسارة كبيرة للسياسة الخارجية البريطانية في الخليج.
سافر تشارلز على الفور إلى مسقط لتقديم تعازيه وتبشير خليفة السلطان غير المنتخب، هيثم، وزير الثقافة السابق. كلفت رحلة تشارلز المستأجرة خصيصا من أبردين إلى مسقط، التي استغرقت ليلة واحدة 210345 جنيهًا إسترلينيًا. كما سافر رئيس الوزراء، بوريس جونسون، مع 10 مسؤولين لتقديم التغازي بتكلفة إضافية قدرها 143276 جنيهًا إسترلينيًا.
في غضون ذلك، توجّه وزير الدفاع، بن والاس، في رحلة مجدولة بلغت تكلفتها 4697 جنيهًا إسترلينيًا فقط. لم يقع الكشف علنًا عن منصب هيثم باعتباره وريث العرش إلا عند وفاة قابوس، على الرغم من أن تشارلز التقى به بالفعل في العديد من المناسبات السابقة. وتشير تلك اللقاءات السابقة إلى أن كلارنس هاوس ربما كان مطلعا على التسلسل السري للخلافة العمانية.
في سنواته الأخيرة، لم يفعل قابوس شيئًا للتحضير للانتقال الديمقراطي. فقد ركز على إخماد آخر موقع للمقاومة في عمان، وقمع الحركة المؤيدة للحكم الذاتي في مسندم، شبه الجزيرة الواقعة في أقصى شمال عمان. وفي سنة 2016، حُكم على ستة رجال من محافظة مسندم بالسجن مدى الحياة بناء على ما وصفته منظمة العفو الدولية “بأسباب غامضة للأمن القومي”. تعتقد منظمة حقوق الإنسان أن الرجال كانوا منخرطين في “نشاط سلمي وحملات من أجل حقوق سكان مسندم”، الذين كانوا يعانون من هدم منازلهم.
منعت جائحة كوفيد-19 الكثيرين من السفر لبقية سنة 2020. في المقابل، نجح تشارلز في حضور اجتماع آخر مع مملكة البحرين في أوائل آذار/مارس عندما زار نجل الملك ومستشار الأمن القومي، اللواء ناصر، كلارنس هاوس. في الواقع، يتهم ناصر بتورطه في تعذيب النشطاء خلال الربيع العربي. وبحسب وكالة الإعلام الحكومية البحرينية، أشاد ناصر خلال لقائهما “بالشراكة الاستراتيجية التي تربط مملكة البحرين والمملكة المتحدة الصديقة”، وتمنى تشارلز “لمملكة البحرين المزيد من التقدم والازدهار”.
في تشرين الأول/أكتوبر سنة 2020، سافر تشارلز إلى الكويت لحضور جنازة الأمير. في الواقع، لم ينشر قصر باكنغهام الذي رفع علم الاتحاد في نصف عموده إثر وفاة الأمير، تكلفة الرحلة بعد. وتظهر صور الرحلة أن الأمير تشارلز كان برفقة الجنرال السير جون لوريمر، ضابط الجيش البريطاني الكبير المنتهية ولايته في الشرق الأوسط الذي حافظ على علاقات عسكرية وثيقة مع حلفاء المملكة المتحدة الخليجيين الاستبداديين.
جاء الاجتماع الأخير بين آل وندسور والملوك العرب في كانون الأول/ ديسمبر سنة2020 عندما زار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، تشارلز وبوريس جونسون في لندن. وانعقدت الاجتماعات على الرغم من الانتقادات المتزايدة من قبل خبراء الأمم المتحدة بشأن سلوك القوات الإماراتية المقاتلة في اليمن، حيث علقوا قائلين: “المدنيون في اليمن ليسوا جائعين، وأنما تعمد أطراف النزاع على تجويعهم”. من جهته، قال متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع “ديكلاسيفايد”: “يؤدي أفراد من العائلة المالكة الزيارات الملكية الرسمية بناءً على طلب الحكومة لدعم المصالح البريطانية في جميع أنحاء العالم”.
صرّح متحدث باسم كلارنس هاوس لموقع “ديكلاسيفايد” قائلا: “تتم جميع زيارات أمير ويلز الخارجية بناءً على طلب من جلالة الملك وتتكفّل لجنة الزيارات الملكية بتنظيمها. في الحقيقة، يقع نشر الوجهات مقدمًا ودعوة وسائل الإعلام الدولية لحضور الزيارات من أجل تغطية مفصّلة لهذه الارتباطات”. وأضاف المتحدث أنه : “يقع اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بالسفر مع مراعاة الوقت المتاح والتكاليف وأمن المسافر، كما يقع نشر التكاليف سنويًا كجزء من المراجعة السنوية للمنحة السيادية”.
المصدر: دايلي مافريك