في خطوة جديدة يمكن القول إنها حركت المياه الراكدة في المنطقة المغاربية بالنظر إلى التفاعل الكبير الذي حققته في الأيام الماضية، طرح راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية ورئيس مجلس نواب الشعب في تونس “البرلمان التونسي”، فكرة فتح الحدود بين تونس وليبيا والجزائر وتوحيد العملة فيما بينهم.
شرح الغنوشي، مقترحه الذي لم يصدر بشأنه أي رد فعل رسمي من سلطات البلدان الثلاث حتى كتابة هذه الأسطر، بالقول: “مستقبل الدول الثلاثة واحد ويجب أن يكون ذلك المثلث منطلقًا لإنعاش حلم اتحاد المغرب العربي الذي سيساعد على حل المشكلات التي تعيشها تونس في الإطار الإقليمي”.
وجاءت تصريحات راشد الغنوشي أيام قليلة فقط بعد حديثه عن ضرورة التوجه لبناء شراكة اقتصادية بين تونس وليبيا وقطر مستقبلًا، وقال إن الوضع في ليبيا سيوفر فرصة مهمة جدًا للشراكة الاقتصادية.
مثلث ثلاثي دون المغرب
الأمر الملفت للانتباه في طرح راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونس، هو حصر الفكرة في كل من الجزائر وتونس وليبيا وسقوط اسمي المغرب وموريتانيا التي قرأ زعيم حركة مجتمع السلم بالجزائر – أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد – عبد الرزاق مقري، في مؤتمر صحفي عقده منذ يومين إسقاطها بالقول: “لم يكن بسبب حسابات سياسية معينة”، حتى إنه أعلن دعمه ومساندته المطلقة لمقترح الغنوشي بشرط أن تشمل الدول المغاربية الأربعة وهي كل من ليبيا وتونس وموريتانيا والجزائر.
وخير السياسي الجزائري المغرب بين الالتحاق بمقترح إنشاء تكتل اقتصادي تونسي ليبي أو التطبيع، وقال: “المغرب جلب الصهاينة لباب البيت ولا يمكن الوثوق به مجددًا إلا في حال ابتعاده عن الطريق الذي سلكه، وعندها سيكون هناك حديث آخر”، غير أنه دعا إلى إشراك موريتانيا في هذا المشروع الإقليمي الذي ظهر على أنقاض سابقه “الاتحاد المغاربي” الذي بقي حبرًا على ورق منذ ميلاده في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
المبادرة الوحدوية التي طرحها رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي جاءت كرد فعل صريح وواضح على تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني
وأحدث استبعاد الغنوشي لدولة المغرب من المبادرة موجة غضب واسعة بالمملكة المغربية، وفي أول ردود الفعل نجد أول تعليق صدر من قيادة حزب العدالة والتنمية – حزب سياسي مغربي ذو توجهات إسلامية – إذ قال عبد العزيز أفتاتي عضو الأمانة العامة للحزب في تصريح صحفي لـ”اليوم 24″ (جريدة إلكترونية مغربية): “كلام الغنوشي غير موفق وجاء تحت الضغط”.
وحاول أفتاتي تبرير خطوة الغنوشي بالقول: “هذا الكلام يخالف قناعات الغنوشي والتيارات المعتبرة التونسية، وأن هذا ليس بكلامه”، مضيفًا “اتجاهات الإصلاح في المستقبل، بما فيها الاتجاهات الإسلامية، ليس في مصلحتها الدعوة إلى تكتل ثلاثي بدل من المكونات المغاربية الخمس”، وأظهر القيادي البارز في صفوف حزب العدالة والتنمية المغربي تمسك المغرب بالبناء المغاربي الذي لم يعد خيارًا سياسيًا أو إستراتيجيا فقط.
وحتى في موريتانيا، خرجت أوساط سياسية عن صمتها وانتقدت بشدة دعوة الغنوشي إلى تكتل إقليمي يقصي الرباط ونواكشوط، إذ ندد رئيس حزب الجبهة الشعبية، محمد محمود ولد الطلبة، بدعوة الغنوشي، وأوضح “الشعب الليبي بجميع مكوناته يعرف جيدًا على من يعتمد وفيمن يثق وأين يجد حلًا شافيًا دائمًا وعادلًا لقضيته، وحسنًا فعل باختيار المملكة المغربية ملكًا وحكومة، لأنها البيت المفتوح للأشقاء والأم الحنون لكل الشعوب المغاربية والإفريقية”.
رد على التطبيع المغربي
يعتقد الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية في منطقة الساحل مبروك كاهي، أن المبادرة الوحدوية التي طرحها الغنوشي جاءت كرد فعل صريح وواضح على تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني مع خروجه عن القاعدة التضامنية مع الشعب الفلسطيني.
لكن لن يكتب لهذه المبادرة النجاح بحسب توقعات الباحث في الشؤون السياسية، إذ قال في تصريح لـ”نون بوست” إنه من غير الممكن أن يكون اتحاد مغاربي من دون المغرب أو موريتانيا ولا حتى الصحراء الغربية، لذلك فمبادرة الغنوشي هي مبادرة عابرة لا وزن لها لكنها تعبر عن حالة الشتات والضياع الذي تعيشه الدول المغاربية خاصة بعد أن تعثر إعادة بعث مشروع الاتحاد المغرب العربي الذي تأسس في 17 من فبراير/شباط 1988 وكان يضم الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا بسبب الخلاف الرئيسي الذي يحكم العلاقة بين المملكة المغربية والجزائر وهو ملف الصحراء الغربية.
المقترح الذي تقدم به الغنوشي “جدي” قاطرته الجزائر ويكون في خدمة استقرار المنطقة كلها وتوحيد الطاقات في هذه البلدان للتكامل الاقتصادي والاستثماري واستغلال الفرص الموجودة لكل بلد لصالح الجميع بعيدًا عن الخلفيات السياسية
والتقى تعليق المحلل السياسي مبروك كاهي مع القراءة التي قدمها الخبير الاقتصادي الجزائري ناصر سليمان لـ”نون بوست” بشأن إمكانية توحيد العملة فيما بين تونس والجزائر وليبيا، إذ قال إنها غير قابلة للتطبيق لأسباب واضحة، فدول المغرب العربي عليها أن تبلغ أعلى درجات التكامل الاقتصادي حتى يتسنى لها تكرار السيناريو الأوروبي أو مجلس التعاون الخليجي، وهو الأمر المستبعد حاليًّا بالنظر إلى العوائق السياسية التي ما زالت تفرض نفسها أهمها الخلافات السياسية القائمة بين الجزائر والمغرب بسبب قضية الصحراء الغربية.
ويؤكد سليمان أن مبادرة توحيد العملة بالاقتصار على تونس والجزائر وليبيا تبدو بوضوح حلمًا من الصعب تحقيقه، لأن هذا المشروع يحتاج إلى دعم شعبي وترحاب وبلوغ أرقى درجات التكامل الاقتصادي، ويشير المتحدث أيضًا إلى العامل الأمني الذي يحول دون تحقيق هذا التكامل، واستدل بالتوترات الأمنية والسياسية التي تشهدها ليبيا إضافة إلى الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعيشها تونس.
مقترح منطقي
هناك من اعتبر فكرة تحقيق نوع من الوحدة بين أقطار المغرب العربي دون المغرب بداية لتأسيس نواة لكيان مشابه للاتحاد الأوروبي، إذ قال رشيد ولد بوسيافة، إعلامي جزائري، في مقال نشره في جريدة “الشروق” المحلية إن الغنوشي بنى مبادرته على معطيات منطقية أساسها التوافق السياسي والقرب الجغرافي والتوافق المعروف بين الجزائر وتونس وليبيا، إذ رأى أنه من الممكن بداية التأسيس لاتحاد شبيه باتحاد القارة العجوز، خصوصًا بعد أن أطلق المغرب رصاصة الرحمة على الاتحاد المغاربي بارتمائه في أحضان الصهاينة، ودخل فيما يشبه الحلف معهم وليس مجرد تطبيع مثلما روج إعلاميًا وهو بذلك أقصى نفسه من محيطه الإقليمي.
وهو ما أكده الناشط السياسي محمد حديبي، إذ يقول إن الوضع الذي تمر به منطقة المغرب العربي ومحيطها الإقليمي بسبب الأطماع الخارجية الأجنبية والتقلبات الداخلية نظرًا لاتساع دائرة وعي الشعوب المطالبة بمزيد من الحقوق المدنية والسياسية في تسيير الشأن العام هو الذي دفع الغنوشي إلى اقتراح تفعيل اتحاد مغاربي من الدول غير المطبعة وعزل المغرب عن هذا الاتحاد بعد أن أخل بالتزاماته الأخلاقية والسياسية لقضية القدس وفلسطين وأحدث خرقًا هائلًا في جدار الاتحاد المغاربي.
ويرى حديبي أن المقترح الذي تقدم به الغنوشي “جدي” قاطرته الجزائر ويكون في خدمة استقرار المنطقة كلها وتوحيد الطاقات في هذه البلدان للتكامل الاقتصادي والاستثماري واستغلال الفرص الموجودة لكل بلد لصالح الجميع بعيدًا عن الخلفيات السياسية.